صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







إندونيسيا.. بلدٌ أحببته

د. مهران ماهر عثمان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

إندونيسيا.. بلدٌ أحببته


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين؛
فلقد أكرمني الله تعالى بالسفر لإقامة بعض الأنشطة الدعوية في أقصى العالم الإسلامي؛ إندونيسيا، وقد أحببتها بحبي لأهلها، فكانت هذه بعض الخواطر في هذه الرحلة التي أسأل الله أن يتقبلها، وأن ينفعني بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
هذه البلاد الحبيبة نشأ على الأدب صغيرها، وشاب في طريقه كبيرها، فما أعظم أدبهم!! وما أصدقهم!
ولم أر مثلهم في إكرامهم للضيف. ويقال: إن (ماكسار) الإندونيسية بجزيرة (سولاويسي) أُطلق عليها هذا الاسم لعظيم تقديرهم وإكرامهم لأضيافهم، فكثر عند الأضياف قولهم: هؤلاء ما قصروا! فكانت (ماكسار)! والعلم عند الله.
 
إن أعظم ما منَّ الله به علي في هذه الرحلة أمران:
الأمر الأول:
إقامة شيء من الأنشطة الدعوية، أسأل الله أن يتقبلها وينفع بها.
 
والأمر الثاني:
صحبة شيخنا الحبيب/ الأمين الحاج محمد أحمد.
فهذا الشيخ ممن ينتفع بأدبه ودَلِّه وسمته قبل علمه، ولستُ أبالغ عندما أقول: لقد بلغ هذا الشيخ في التواضع وطيبة القلب والرفق شأنا لا يُقدر عليه، أسأل الله أن يحفظه وأن ينفعنا به. أما علمه فيكفي أن تعلم أنَّ الشيخ بكر عبد الله أبو زيد رحمه الله قد استفاد منه كما صرح به في حلية طالب العلم، وما أشكل علي أمر واتصلت عليه إلا ووجدت الجواب الشافي عنده.
وأول ما يلحظه الداعية الذي يزور إندونيسيا حرصهم على مجالس العلم، وهذا أمر عجب!! كانت المحاضرات التي أقيمت: بعد الفجر، وقبل الظهر، وبعده، وقبل العصر وبعده، وبعد المغرب، وبعد العشاء، وفي كل هذه الأوقات كان المصلون يملؤون المساجد، ولا يقوم منهم أحد إلا بعد انقضاء المحاضرة، وإذا فتح الباب للأسئلة فلا سبيل إلى الانفكاك عن كثرتها إلا بالاعتذار لهم بضيق الوقت والخوف من عدم إدراك النشاط التالي.
 
والشعب الإندونيسي شعب منفق يحب الإنفاق؛ فجمعية الوحدة الإسلامية التي زرناها وقرت أعيننا بأنشطتها وبرامجها تقوم كل أنشطتها بالدعم المحلي من تجار إندونيسيا والخيِّرين فيها.
 
ولهم بعد الصلاة سنة حميدة؛ وهي أن يمر على جميع المصلين شاب بصندوق لجمع تبرعاتهم، وربما دفع بالصندوق بعضهم إلى بعض، وهذا المال الذي يجمع يكون للمسجد وللفقراء من أهل الحي، وهذا بعد كل صلاة.
أما جمعية الوحدة التي أشرت إليها قبل قليل فأسأل الله قبل أن أتحدث عنها أن يجزل الثواب للقائمين عليها؛ شبابٌ كملائكةٍ يمشون على الأرض، لهم إذاعتان (مكة وماكسار)، ويسعون لتأسيس فضائية سترى النور قريباً بمشيئةِ الله، ولهم مراكز كثيرة لتحفيظ القرآن الكريم، ومعهد عالٍ يَدرس فيها مئتان من الإخوة ومائة وخمسون دارسة من الأخوات لأربع سنوات، ومن تخرج فيه بإمتياز يقومون بتعيينه وتوظيفه، ومدارس أساس وثانوي وعَالي([1])، ومشفى خاص بالولادة، ومراكز تجارية استثمارية للجمعية، ومركز لتأهيل الدعاة سوى المعهد، وحضانة، وسيارات إسعاف، وخط ساخن للفتاوى والاستشارات.
 
وبرامجهم الدعوية التي يقيمونها يغبطون عليها، وإن حدثتُ عن تنظيهم وإتقانهم في تنسيق البرامج الدعوية طال المقام بي.
ولفت نظري عظيم حبهم وتقديرهم وتوقيرهم لشاب لا يكبرهم كثيراً؛ وهو الشيخ/ محمد زيتون رسمين، في أواخر الثلاثين، تولى رئاسة جمعيتهم، وما لفت نظري لفت نظر كثيرين قبلي، حتى إن بعض المشايخ قال له: هؤلاء الشباب إما أن تكون لك بيعة عليهم، أو ديون لا يقدرون على سدادها ملكتهم بها! فقال: والله لا هذا ولا ذاك. وظني أن ملك قلوبهم بعظيم صدقه وإخلاصه وبذله وعطائه وكثرة تضحيته في سبيل العمل الدعوي عندهم، وبتواضعه وبذله نفسه، وسداد رأيه، وهو خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، حفظه الله وبارك فيه.
 
ومن طريف أخبارهم أنهم يلزمون شبابهم بالزواج من الأخوات من أعضائها، فإن أبى أُلزم بأن يأتي لأخت بزوج آخر، فإن لم يجد عدَّد بواحدة منهن، وهذا قرار صدر قبل شهر من وصولنا إليهم.
إندونيسيا؛ بلد واعد مبشر بمستقبل فيه خير كثير، وأعداؤها يضمرون لها شراً كبيراً، وهذا يلحظه من تجول في شوارعها ورأى ما فيها من تبرج وتهتك، وأخطر ما يهددها: الشبح الشيعي اللعين.
وقد زرنا مجلس علماء إندونيسيا، ولهم جهود مقدرة يقومون بها، أسأل الله أن ينفع بهم، وأن يسخرهم لنصرة الحق. وهو مجلس أشبه ما يكون بهيئة العلماء عندنا.
وجزر إندونيسيا يزيد عددها على الـ 17000 جزيرة، والخمسة الكبرى منها: جاوا، وفيها العاصمة جاكرتا، وكاليمنتان، وسومطره، وعريان، وسولاويسي.
ونسبة المسلمين في هذا البلد 87% تقريباً، وتشهد إندونيسيا نشاطا كنسياً واسعاً في أوساط الفقراء! وقد ارتد كثير من ضعاف النفوس من الفقراء بهذه الإغراءات الكنسية.
إندونيسيا حباها الله تعالى بطبيعة ساحرة تأخذ بالأبصار والقلوب، فالأمطار غزيرة، والخضرة في كل مكان، والغيوم تحجب أشعة الشمس معظم اليوم، والجو معتدل، والجبال الشوامخ الشواهق ازدانت بحلتها الخضراء السابلة، وما أجملها وهي تخترق السحب في رحب الفضاء!
لقد قُدِّر لي أن أسافر من (ماكسار) إلى (سِدراب) و(بولوكومبا) فلم تقع عيني إلا على خضرة ناضرة في مسير استمر لثلاث ساعات لكلٍّ منهما.
في شوارع إندونيسيا تكثر (الدبابات: المواتر)، وهذا أمر سببه الازدحام الشديد في شوارعها؛ لا سيما في (جاكرتا) التي يسكنها تسعة ملايين، فالزحام فيها أمر لا يُقدر على تحمله! ومن المعتاد عندهم أن يحمل الرجل في هذه الدراجة البخارية أسرته بكاملها! ورأيت مرة طفلة في الصف الأول أو الثاني في مرحلة الأساس خلف أبيها تمسكه وهي نائمة، فطار قلبي خوفاً عليها، إلا أن من معي من الشباب أخبرني بأنه أمر معتاد ولا يخشى على الأطفال منه.
قوة العلاقة بين الأزواج وسيادة المحبة والمودة في الأسرة الإندونيسية وتقدير الزوجة لزوجها والعكس أمر لا يحتاج إدراكه إلى قوة ملاحظة، وما أجمل قصة مسجد الرحمة في (بولوكومبا) الذي أوقفته امرأة لزوجها الميت!
 
ومما شهدناه من الفعاليات في (جاكرتا) قبل السفر إلى (سولاويسي): انعقاد هيئة العلماء الشباب والمثقفين الإندونيسيين MIUMI وذلك في يوم الثلاثاء 28 فبراير 2012م، والهدف من الرابطة مبارك؛ وهو: التصدي للشيعة التي بات خطرها واضحاً، وعلى العلمانيين والليبراليين. ومن أجمل ما كان في هذه الفعالية: القصيدة التي ألقاها شاعرهم الفذ: توفيق إسماعيل في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من أني لم أفهم منها إلا قليلاً إلا أن موضوعها وطريقة إلقائه وانفعاله وانفعال الحضور بها مما شدني إليها.
 
وفي هذه الفعالية التقيت بالأخ المبارك/ محمد فضلان –من جزيرة عريان-، وهذا الأخ كان نصرانياً، وهو زعيم لقبيلة، فلما أسلم أسلم بإسلامه ستون ألفاً! فيالله ما أعظم بركته!!
كانت زياراتي لإندونيسيا تجربة لإلقاء المحاضرات المترجمة، ومن سلبيات هذا النوع من المحاضرات: قطع حبل الأفكار، وعدم حكاية المترجم لانفعالات المحاضر، واستغراق المحاضرة لوقت كبير مضاعف، وأحياناً المترجم لا يفهم ما قيل، وأنفع شيء في هذا النوع من المحاضرات أن تترجم كلماتك عبارة عبارة، ولا تُكثر على المترجم بكثرة العبارات، فهذا أدعى لأن يفهم عنك كل ما قلته ولا يُنسى منه شيء، ولعدم الملل والسآمة، ولابد من التقاط فرصة الحديث في الوقت المناسب، فلا مقاطعة ولا سكوت. وبعض المترجمين يترجم بأسلوبه الحماسي، وبعضهم بأسلوبه الفكاهي، وأول شيء يدركه المرء إذا سمع مثل هذه المحاضرات المترجمة: عظمة لغة القرآن، التي تختصر المعاني في كلمات وجيزة.
 
لقد فرح شباب إندونيسيا بمقدم الشيخ العالم الأمين الحاج فرحاً عظيماً، وكان بعضهم يقول لبعض قبيل مجيئه: سيأتي أبونا لزيارتنا؛ وذلك لأن الشيخ يعاملهم معاملة الوالد في جامعة إفريقيا، ومنزله المبارك مفتوح لهم، ولم أر مثيلاً لهذا الشيخ في الرقة والطيبة.
مساجد هذه البلاد يُعنى أهلها بنظافتها، فلا يمكن أن تقع عينك على قذر، ومما تعجبت منه شدة الصمت أثناء الصلاة، فإذا كبَّر الإمام لم تسمع لهم بعد ذلك همساً إلا في التأمين بعد الفاتحة في الركعات الجهرية.
وأذكر أنني شكرت الإخوة المصلين بمسجد باب الجهاد في (ماكسار)؛ بسبب رحمتهم بالأطفال، فمع كثرتهم وشغبهم ولعبهم لا ترى زاجراً لهم، وإنما هو التوجيه باللين واللطف.
 
ومن عادة القوم أنهم يأتون للمحاضر بالماء والعصير (شاي بارد معبأ في قوارير) وبعض الطعام أثناء المحاضرة، ولابد أن يصيب المحاضر من طعامهم بعد المحاضرة وإلا وجدوا عليه في أنفسهم.
وأجمل ما في هذه المساجد: إتقان أئمتهم للتجويد، فلا يصلي إلا متقن للقراءة، وفيها بدع كثيرة قبل الأذان أسأل الله أن يخلصهم منها.
 
وفي إندونيسيا غرائب وعجائب، فقد سمعت بـLia Eden  التي ادعت أنها تزوجت من جبريل عليه السلام  وباثنين ممن ادعوا النبوة! وكل صاحب قول شاذ يجد له أتباعاً فيها؛ لفشو الجهل.
 
أخي أبو عائشة/ هارمان تاجان الكاجاني هو من تسبب في إقامة هذه الأنشطة، فجزاه الله خير الجزاء.
أحبابنا: هارمان، وشيباني، وسيف الله، ومحمد يسران، ومقران، وحارث، وفضل الرحمن، ومفلح: أحبكم في الله، ولكم شكري وتقديري، وأسأل الله أن يستعملنا في طاعته، ويجمعنا في جناته جنات النعيم.
رب صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وأتباعه، والحمد لله رب العالمين.
 
 
------------------------------
[1] / الثانوي عندهم: مرحلة ما بعد الأساس، والعالي: ما قبل الجامعة.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. مهران ماهر
  • الخطب المنبرية
  • المقالات
  • البحوث
  • الردود
  • برامج إذاعية
  • المواعظ والدروس
  • الصفحة الرئيسية