صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تأجير العقول

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
@Malfala7i


كم من حقيقة لم تحظ من صاحبها بالتأمل بعد ! وقد ننشغل في بحث كثير من قضايا الواقع ونتفنن في رصد أحداثها ومعرفة أسبابها وبواعثها ونغفل في ذات الوقت عن أعظم قضايا حياتنا الشخصية . وإذا أردت مثالاً تطبيقاً لهذه الحقيقة فتأمل كيف جعلنا من عقولنا مساحة مشاعة للعبث بها من خلال استقبال كل وارد ، واعتناق كل فكرة ، والتسليم بكل معلومة دون محاكمة إلى نص شرعي أو تجربة ميدانية أو تحليل وتأمل . وتحولت هذه العقول إلى مجرد أوعية تستقبل كل شيء وتؤمن بكل قضية وتعتنق كل فكرة وتستلم لواردات الأوهام .

خذ على سبيل المثال متحدث يردد : واقعنا بئيس ، وظروفنا سيئة ، ومجتمعاتنا العربية المسلمة جاهلة ، ولا سبيل لتغيير قناعات الآخرين . وآخر يقول : فلان متشدد ، والجماعية الفلانية إرهابية ، ولدينا مشكلة كبرى في مناهج التعليم . وثالث : يقيّم العمل الخيري ، وهو لم يدخل ولو مرة مع بوابة إحدى هذه الجهات الخيرية ، ويدلف عليك برؤى وأفكار وقضايا ومصطلحات تدرك أنه هو ذاته لا يفقه بعض معانيها . ولو سألت كل هؤلاء من أين لكم هذه المعلومات ؟ وما الأسس العلمية التي حكمتم بها على هؤلاء ؟ وكيف تم رصد هذه الأخطاء ؟ وما الدراسات التي تم من خلالها هذا الحكم لفجعتك الحقيقة الكبرى أن كل هؤلاء أجروا عقولهم لقناة فضائية ، أولصحيفة سائرة ، أولكاتب عمود صحفي ، أولحديث مقتضب في مجلس عارض في إحدى المناسبات ، أو لوسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي . ونسي هو الحقيقة الضخمة في كتاب الله تعالى : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) لقد خلقنا الله تعالى وجعل لكل واحد منا عقلاً يفكّر به ، ويقرر من خلاله الخيار الأوفق به في ظلال شرع الله تعالى ، وجعله حراً من قيود الخلق وجعل له وحياً يتعرّف من خلاله على الحق بأدلته وبراهينه الصحيحة . وألزمنا أن نحاكم كل فكرة أو معلومة أو نافذة من قول أو حدث على البراهين : (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وكل مسألة أو معلومة أو فكرة يجب أن تحاكم إلى النص الشرعي من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعن طريق حمّال هذا الحق وروّاده في الواقع (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .

إن مسألة التأجير لم تلد اليوم وإنما تاريخها ممتد في الواقع من أزمان طويلة فهذه قريش والكبار منها على وجه الخصوص يقفون أمام الحق ويرضون أن يتحولوا أعداء للحقيقة ، ويصطفون أمام أعظم الخلق قدوة صلى الله عليه وسلم مع معرفتهم بصدقه وأمانته ويرددون في النهاية (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) ويودّع أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا كلها وهو يرفض أن يقول : لا إله إلا الله الكلمة التي تلبسه سعادة الدارين كلها ويردد في الوداع قصة التأجير الكبرى ( هو على ملة عبد المطلب ) .

كم هو مؤسف أن يتحوّل إنسان إلى دمية يتقاذفها الآخرون كما يشاؤون ، وليس أسوأ في الواقع من العبث بالعقول . والأحرار لا يعتنقون فكرة إلا بدليل ولا يدفعون رسالة إلا ببرهان ، ولا يتبنون رأياً إلا من خلال تجربة واقعية في الميدان . والله ولي التوفيق أولاً وآخراً وهو المستعان في كل حال .


د / مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@hotmail.com
الثلاثاء 24/5/1435هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية