صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التغيرات والتداخلات
في الاتجاه السلفي (2-2)

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
التغيرات والتداخلات في الاتجاه السلفي (1-2)

كان للاتجاه السلفي، بعمومه، موقفا واضحا من الاتجاهات المخالفة؛ الدينية، والطائفية، والفكرية. ونعني بالأولى: الديانات المخالفة للإسلام، الذين وصفهم القرآن بصريح الكفر، كاليهود والنصارى. وبالثانية: فرق الشيعة والمتصوفة دون غيرهما؛ للقرب والاختلاط والاحتكاك المستمر؛ إذ المجتمع، في العادة، يحوي جميع هذه الاتجاهات المتنافرة، بالحكم الجغرافي.
وبالثالثة الاتجاهات: العلمانية، والليبرالية، والعصرانية. وهي اتجاهات فكرية حوت مجموعات وأفرادا من شتى التوجهات والانتماءات.
هذا الموقف تجلى في المفاصلة التامة، أو بالتعبير الشرعي: البراء التام. من كل هذه الملل والفرق والمذاهب الفلسفية والفكرية.
تفاصيل هذه المفاصلة بدت في اتخاذ المواقف الحادة مع هؤلاء المخالفين، حتى إنه ليبدو أنه لا قدر مشترك، يمكن أن يعول عليه في التقارب، أو التفاهم، أو حتى في الحجاج والإلزام.
فالمخالفون في الملة والدين، وهم اليهود والنصارى خصوصا- بحكم الارتباط التاريخي والديني – نالتهم المفاصلة التامة، وبالأخص النصارى منهما.. فعلى الرغم من عمق البغض تجاه اليهود، فإن كثرة اختلاط النصارى بالمسلمين، واحتكاكهم بالمصالح الإسلامية، ومواقفهم العدائية؛ من غزو واحتلال واستغلال، ابتداء بالحملات الصليبية، إلى استعمار البلدان الإسلامية، حتى اكتساحها بالغزو الفكري، كل هذه العوامل جعلت منهم محل تطبيق عملي لمبدأ البراء التام، فلم تظهر آثار هذا المبدأ بالصورة الجلية الواضحة، مثلما ظهرت مع هذا العالم النصراني؛ الأوربي والأمريكي بالأخص.
وقد وجد التيار السلفي في النصوص الآمرة بالشدة والغلظة مع الكافرين، وبغضهم وترك موالاتهم بمحبة أو نصرة، وعدم بدئهم بالسلام، واضطرارهم إلى أضيق الطريق حين الالتقاء، وتصغيرهم كما صغر الله بهم، ونحو من هذا: مستندا في التدليل على صحة موقفه منهم.
كما أن تاريخ وسجل اليهود والنصارى مع المسلمين قديما وحاضرا، تقدم ذكرها إجمالا آنفا، أضاف تأكيدا لما قررته النصوص – بكثرة – من عداوتهم تجاه المسلمين والدين الحنيف. وذلك بدوره عمق وأكد مبدأ البراء التام.
وبهذا لم يكن من بد، واجبا شرعيا، أمام هذا التيار من إقامة صروح البراء التام تجاه المخالفين في الدين، حسب تقديره ورؤيته، وفي تفاصيل هذه الرؤية، عدم التفريق بين المحارب وغير المحارب، فمجرد الكفر يكفي لتوجه كافة أنواع البراء، على أتم درجة، وأعلى حد.
ولعل الذي عمق هذا التوجه: كون كثير من المنتمين لهذا التيار قليلي الاحتكاك والمعاملة لهؤلاء المخالفين في الملة، إما لندرة وجودهم في ديارهم، كلا الفريقين، أو لتعمدهم التباعد عنهم، امتثالا للوصايا النبوية الناهية عن الإقامة بين المشركين، ومجامعتهم في المساكن. وقد لوحظ في الذين تعرضوا لمثل هذا الاحتكاك، بسبب السفر والإقامة في الغرب، أو غير ذلك: أن كثيرا منهم كانوا أقل حدة.
في حال الفرق كالشيعة والصوفية، فإن المفاصلة والبراءة لم تكن بأقل درجة عما سبق تجاه المخالفين في الدين، خصوصا مع تلبس طوائف من هاتين الطائفتين بأعمال، هي من صريح الشرك بالاتفاق. كذلك فإن النصوص المحذرة من البدعة، القاضية بحرمان المبتدع من التوبة، ومن ورود الحوض النبوي، يضاف إلى ذلك: الأقوال والمواقف الحاسمة في الهجر، التي وردت عن الأئمة تجاه المبتدعة الأوائل، كالمرجئة والمتكلمة. كل ذلك أوجد مستندا شرعيا في معاملة هذا الطوائف بتلك الطريقة؛ بالتباعد عنها وعن رموزها، والإحجام عن التعاون والمشاركة، بله الظهور معاً في محفل واحد، ففي تقديره: أن فعل أي شيء من هذا، يعد تنازلا وتزكية، ويعني بالضرورة التهاون في أمر البدعة.
في الحين ظهرت مذاهب أوربية مستوردة، انتشرت في البلاد الإسلامية، هي: العلمانية، والليبرالية، والعصرانية. اتخذ التيار السلفي منها موقفا لا يقل وضوحا وحسما عما سبق، وعاملها بالطريقة نفسها، وربما زيادة؛ كونه رأى فيها خطرا ماحقا؛ إذ الذين يحملونها أبناء الجلدة، يروجون للأفكار الإلحادية، المعادية للدين في بلاد المسلمين، بقصد التغريب، ونقل أخلاقيات الغرب إليها، ولهم في ذلك ترتيبات وخطط، هم في واقع الأمر رسل الغرب، والغرب يساندهم ويعينهم.
والعصرانيون منهم خصوصا، وإن خلصوا من تهمة الانتماء الغربي، غير أنهم ربما كانوا أشد خطرا؛ إذ منهم من هو منتسب للعلم الشرعي، وفي هيئة دينية، وهو يمارس تحريف الكلم عن مواضعه، تحت غطاء حاجة العصر، ويسر الشريعة.

* * *

تلك المواقف كانت معلنة غير خفية؛ إذ من استراتيجيات التيار: الوضوح والتجلية، حتى يتميز الحق من الباطل، فيستبين سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين. وذلك الهدف الأكبر لا يتحقق إلا من طريق المصارحة والمطارحة، ولو بالتجريح، وغير هذا ليس بممكن؛ إذ يتسبب في تعمية الحق والصواب عن الجموع العامة من المسلمين، الذين لا يميزون بين الاتجاهات بأنفسها، إلا بإرشاد وتوجيه، وهذه إن لم تصارح، وتوضح لها الحقيقة، فإنها لن تهتدي، وسرعان ما تضل طريقها. والمؤمن الحق هو الذي لا يحابي في دين الله تعالى، ولا يداهن في بيان الحق، والنصوص في هذا المعنى كثيرة جدا، في خطابات الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ، ويعرض عن مداهنة الكافرين.
كان التيار متميزا جدا، في كل شيء؛ في خطابه، ومصطلحاته، وأفكاره، وتوجهاته، وأهدافه، وإعلانه وإسراره، واضحا على محجة بيضاء، ليلها كنهارها، بأفكار ومبادئ يقاتل دونها قتال الأسد، ويصونها بكل ما يمكن، لا يتردد في التضحية بكل شيء من أجل ذلك الهدف.
عاش لحظة استغراق تام، وفناء كلي في مبادئه وأفكاره، لم يكن يسمح لأحد بأن يرتع حولها بشك أو ريبة، وإلا فإن ما سيأتيه سيكون قاسيا له ولغيره من بعده، وقد تسلم زمام النصوص من الكتاب والسنة تفسيرا وشرحا، وأعاد للصحيح هيبته، فتفرد بنشر هذا المبدأ وعمل به، فلا يحتج في شيء إلا بالصحيح دون الضعيف، وفرض فهم السلف الصالح على النصوص، وحاكم إليه من حيث المنهج والأصل، وبهذا تملك زمام الحقيقة الشرعية، فهابته التيارات الأخرى، وتحاشت سطوته، ومن رام الوقوف والمعارضه لم يحسد على ما ينزل به، فالأحظى بنصوص الشريعة، كان الأحظى بالحقيقة، الأحظى بالهيمنة على ساحة الفتوى والتعليم.
وهكذا انتشرت السلفية في أصقاع الأرض، فكثر أتباعها الذين يؤمنون بمبادئها في الاعتقاد والفقه، حتى وجدت لها أنصارا في أقصى الأرض، يخلصون لها باعتبار أنها تمثل الإسلام الصحيح المنزل، بل لقد أوجدت أنصارا لها ومتعاطفين داخل التيارات الإسلامية الأخرى، المناوئة بدرجة أو أكثر. وتوارى الآخرون، وهم يشعرون بالعجز عن مكافحة هذا التيار، وهو يستدل بالنصوص العارمة في بيان صحة مسلكه وفتاواه، وفساد مسالك وفتاوى الآخرين، في المسائل المختلف عليها.

* * *

ذلك الوضوح والحسم والصرامة والنجاحات، بدا وكأنه في حالة أفول منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ربما ظهرت بوادر التغير قبل ذلك من قريب، لكنه لم يظهر جليا إلا منذ ذلك الحين.
لقد تبدلت مواقف جناح في هذا التيار، كان له التأثير الواسع، وتبدلت جذريا في بعض المواضع، بذريعة المراجعة والتصحيح، تحت مطارق الاتهامات الآتية من الاتجاهات والقوى، التي حملت التيار وزر ما حاق بالمسلمين من أذى، جراء ضرب برجي التجارة العالمي بنيويورك.
وأول وأكبر ما لوحظ في هذا، تغير الموقف من الآخر، المخالف في الملة أو الطائفة أو الفكر من المفاصلة التامة والبراء التام إلى غير ذلك، لا نقول إلى الولاء التام، لكن إلى التداخل والتقارب، والتفاهم، والمشاركة، والتعاون، ونحو ذلك مما يعني إلغاء الطريقة القديمة؛ الحدة والقطيعة.
لم يكن هذا التغير معزولا عن المستند الشرعي، كما في الأول، فإن البحث والتنقيب، كذلك: قبول السماع من المخالفين، وتفهم مواقفهم، والجلوس إليهم. كان له دور في هذا التغير. والحامل على كل ذلك هو محاولة التخلص من التهم الموجهة تجاه التيار، ومعالجة الأخطاء، وإعطاء صورة مخالفة عما بدا عليه العقود الماضية.
صعب على التيارات الأخرى تقبل هذا الوضع الجديد لهذا الجناح من التيار السلفي، ففي كثير من الحالات كان يرجح أنه موقف سياسي مصلحي، لا يكشف عن حقيقة النوايا. هذا الظن عمق لديهم النظرة السلبية تجاهه، "ففي الماضي كان يمارس دور الوصاية الدينية، والتبديع والتكفير، واليوم يمارس دور المتقرب المعتدل الوسطي، إنه تحايل سياسي في أحسن الأحوال".. هكذا يتهامسون، وفي بعض الحالات يعلنون. ومع ذلك فلسان حالهم، وأحيانا مقالهم: دعوهم، فإن ما نجنيه نحن من هذا التوجه الجديد، أكبر مما يحصدونه لفكرهم ومذهبهم.
في الوضع الجديد لهذا الجناح، برز التفصيل في أنواع الكافرين، وما يستحقه كل نوع من البراء، فليس المحارب كغيره، وللذمي حقوقا، وكذا المعاهد. وقد كان غائبا لا يكاد يعرفه إلا المختصون.
والتعامل مع المبتدع والموقف منه، أمر مصلحي، فحيثما كانت المصلحة فثم الحق، فليس الهجر في كل الأحوال بنافع أو حتى مشروعا، وينبغي التفريق بين صاحب البدعة، والعامي إذا قارف بدعة.
وفي أبناء الجلدة، المعجبين بالغرب، يجب ألا يساء الظن بهم كليا، وألا ينظر إلى ما يروجونه ويدعون إليه، على أنه تغريب وإفساد. فهم مسلمون، وكثير منهم يقصدون التطوير وارتقاء الأمة، فطائفة مما ينادون به، هو من المباحات الجائزات، كقيادة المرأة للسيارة، وعملها خارج البيت، وممارسة الرياضة.
والعصرانيون لم يكونوا مخطئين في كل حال، فكثير من فتاواهم قد ثبت صدقها، فهاهم الذين كانوا يرفضونها، ويجعلونها من التحريف في الدين، هم اليوم يأخذون بها، وينصرونها للتيسير الذي فيها.
وفي ظل هذا الانقلاب في الموقف، ظهرت حالة جديدة، منسجمة تماما مع هذا التوجه، فإذا كان الموقف الفارط، موقف المفاصلة التام، يستدعي التميز في كل شيء، حتى لا يختلط الحق بالباطل، فالآن لا معنى لهذا التميز، وقد اعتدلت النظرة وتحسنت تجاه المخالفين، بسبب ذاتي لا غير، وعليه فلا مانع من التوافق في الأطروحات، فتكون القضية واحدة، والهم مشتركا في مسائل عديدة، كالوحدة الإسلامية، ومواكبة العصر، واعتبار حاجة التطور، وهذا التوافق في المواقف يحمل رغما على التوافق حتى في نوع الخطاب، والمصطلحات، وأسلوب الدعوة، والفتاوى ونحوها.
هكذا بدأ التداخل بين هذا التيار والتيارات الأخرى، وإن شئنا الدقة، منذ هذه اللحظة بدأ في موافقة التيارات الأخرى في مصطلحاتها وأساليبها، وفتاواها، فلم يحصل تقارب بالمعنى الدقيق للتقارب؛ هذا يقترب من هذا، وهذا من هذا، يلتقيان جميعا في المنتصف.. كلا، بل ذلك الجناح من التيار السلفي هو الذي كان المتقرب، المتودد، الذي تخلى عن مصطلحاته، وركب مصطلحات الآخرين.
- فبعد أن كان يتحدث عن عداوة الكافرين للمؤمنين، صار كلامه عن التعايش، والسلام، والمشتركات، واحترام قرارات الأمم المتحدة.
- وبعد أن كان يتحدث عن بغض الكافرين، صار يتحدث عن لزوم محبتهم فطريا وإنسانيا.
- بعد أن كان يحذر من بدع التشيع والتصوف، صار يقرر أن ثمة أمور مشتركات بيننا.
- بعد أن كان يتحدث عن خطورة تغريب المرأة، وأدوات ذلك، غدا يكلمنا عن ظلم المرأة.
- بعد أن كان يقرر وجوب خلو المعاملات المالية من أي شائبة للربا والمحرمات، بدا يفصل ويقرر مقدار المحرم ونسبته في المعاملات، وعليه يبني الفتوى.
وأشياء أخرى لا يحصيها المقام، فهذه النظرة الجديدة ولد موقفا جديدا، لقد دخلت تيارات كثيرة في نطاق الصداقة مع هذا الجناح من التيار السلفي، فنشأت بينهم مودة وإعجاب، كانت من جانب هذا الجناح أظهر وأكثر. وفي المقابل ساءت نظر بقية التيار لهذا الجناح، فأكثرت من العويل عليه، والتحذير من مسلكه، واعتباره منقلبا على المنهج نفسه، ذلك ولد موقفا مضادا حمله على الجفاء إلى حد الامتعاض، بل وفي بعض الحالات القطيعة والهجر.
فبعد أن كان الهجر بين التيار والتيارات الأخرى، إذا بهذا الجناح يجافي بني مذهبه، ليصل ويلتقي مع الذين كانوا محل هجره وقطيعته بالأمس.
ما كان يخافه التيار بالأمس قد وقع.. انتهى عهد التميز، خصوصا مع سكوت بقية التيار الملتزمين السنة الأولى، عن الكلام في كثير من القضايا، إما حذرا وإما كسلا ويأسا. وهكذا صار كثير من الناس لا يفرقون بين سلفي المنبت والمدرسة، والصوفي، والليبرالي، والعصراني، فكلهم يتكلمون في القضية الواحدة، التي كانت محل نزاع وتنافر وهجر، كلمة رجل واحد، بلغة واحدة، وهدف واحد، وأسلوب ومصطلح واحد.. حصل التداخل.
ما فرح أحد بهذا مثلما فرح الآخرون؛ إذ رأوا في هذا المسلك قضاء على سطوة التيار في فهم الإسلام وتفسير النصوص، وخدمة لأهداف لطالما ضحوا من أجلها، في قضية بدت لهم وكأنها خاسرة، هي اليوم تخدم من قبل التيار المهيمن.
لقد كان من الحجج: أن الوضع الراهن يحتاج إلى مزيد من اليسر، وإلا فإن الناس ينفرون من الدين، ويبقى بلا أنصار. ونكون بذلك جنينا على الدين.
لكن البقية رفضوا هذا التحليل، ورأوا أنها فرصة فوتت وضيعت، فحيث كافح هذا التيار ليقول كلمة الحق جلية، وجاهد من أجلها وضحى، فلما انجلت الأمور، وصارت الكلمة ميسرة، والحرية واسعة، والناس في عطش، واستعداد لصعود الجبال، لما يجدونه من ألم الروح وعذاب البعد عن الله تعالى، إذا بهؤلاء الميسرين المجددين يمتطون التعمية، والإغماض في المواقف، فصاروا كمن يشكوا ظلام الليل، ومشقة السير فيه، فلما تجلى له النهار عن شمس ليس دونها غيم: سكن، فلم يتحرك، وإذا ما تحرك، فللتخفي عن الأنظار.
كثير من المراقبين يرون أن السلفية بكافة تياراتها، الملتزمة بالطريقة الأولى، والسائرة في طريقها الجديدة، فوتت على نفسها فرصة استغلال حرية الكلمة، والفضاء المتاح، المتصل بأجزاء العالم كله، لبث رؤيتها ومذهبها، مع شدة حاجة الناس إليها، في ظل التخبط الذي يعيش فيه العالم.
فأما الملتزمة فسكوتها غير المبرر، ولو كانت تبررها، أضاع عليها الفرصة، وأما المجددة فتركها لمصطلحها ونوعية خطابها إلى نوعية ومصطلحات الآخرين، خدم مصلحة وأهداف الآخرين لامصلحتها، إلا إن كان منها من تنكر كليا للمذهب الأول، فذلك أمر آخر.
ولا يزال الناس، يعظمون الصراحة والوضوح، ويمقتون التعمية والغبش، ويعتقدون أن كل من كان واضحا صريحا، فهو الجدير بالاحترام، والاتباع كذلك.
وفي المذهب السلفي كل شيء يمكن إبرازه، وتوضيحه من غير خجل، ولا الخوف من النقد، فهذا المذهب هو الذي يرجع بالفقه إلى الصحابة والقرون المفضلة، وهؤلاء هم أولى الناس بمعرفة الإسلام وتفسيره كما أراد الله تعالى، وهكذا فإن حقيقة المذهب السلفي: أنه التفسير الصحيح للإسلام، بشرط أن يلتزم المنتسبون إليه فقه الصحابة، وإلا فالألقاب لا تقدم ولا تؤخر.
لم يكن الكلام السابق نقدا، بقدر ما كان عرضا لواقعة وقعت، فالموقف السلفي الأول عليه، في بعض الأمور، ما على التالي الجديد، فقد أصاب وأخطأ، وإن كان صوابه أكثر، وإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث، وإن كان ذلك لا يمنع من الفحص والبحث، لكن النقد يتجه على الطريقة التي تحكم على نفسها بالغياب، عندما تترك لونها وتلون نفسها بألوان الآخرين، وتستبدل صورتها بصور الآخرين، فتضعها في إطار تصنعها، وما يصنع الناس بالإطار، وإنما العبرة في الصورة.
إن استعمال المفاصلة التامة الحادة في كل مقام، مع جميع المخالفين، باختلاف أنواعهم وأقسامهم خطأ جلي محض، وتعطيلها كليا كذلك هو خطأ، والحكمة: معرفة متى ينبغي تعطيلها كليا أو جزئيا، ومتى يمكن إعمالها كليا أو جزئيا. وصفتها موجودة في القرآن والسنة والسيرة،.
وتميز أهل الحق بكل ما يميز ويظهر الحق الذي عندهم أمر واجب، وإلا فإنه يضل ولا يهدي، فإذا ما انماع أحد في أحدهما ( = المفاصلة التامة، أو تعطيل المفاصلة كليا) فإنه يضر ضررا بالغا.
إن الكلام في هذا كثير وطويل، وحسبي أني ألقيت حملا كان ينوء به قلبي وصدري، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

* * *
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية