صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لا يضلنك مرتين

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
قارون كان من قوم موسى، آتاه الله من الكنوز، ما إن مفاتحه لينوء بحملها العصبة أولوا القوة.. رفع رأسه في غرور ليقول: كل هذه حصلت لي بذكائي، وحيلتي، وتخطيط مني.
فخرج على قومه، وقد امتطى مراكبه الفارهة، وقد لبس زينته، فصاح خدام الدنيا وطلابها: { يا ليت لنا مثلما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم}، فأجابهم طلاب الآخرة: {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون}.
الحظ العظيم عند خدام الدنيا كانت كنوز قارون، وعند طالبي الآخرة ثواب الله؛ وهو الجنة، والتي لايلقاها إلا الصابرون: {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.
الحظ العظيم جزاء الصبر؛ فالصبر ارتبط بالجنة، فكل من دخلها فقد كان من الصابرين: (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. فالجنة والصبر اشتبكا وتداخلا إلى يوم القيامة، فمن الناس حظه عظيم، ومن الأجيال حظها عظيم، وهو لا يحصل إلا بالسلامة في الدين، والسلامة لا تحصل إلا بالصبر على فتن الدنيا.
الفتن هي المفسدة لهذا الحظ ..؟!!.
ففي الزمان أو المكان تقل فيه الفتن، تزداد فرص الانضمام والدخول في سلك ذوي الحظ العظيم، بالمعافاة في الدين، حتى إن المرء ليسلم ويعافى فيفوز بأدنى الإيمان، وأقل العمل الصالح.
وفي الزمان أو المكان تكثر فيه الفتن، تقل الفرصة أو تتعسر، فيكون القابض على دينه كالقابض على جمر، ويعز الصابرون، فيحتاج إلى إيمان أعظم لا يغني أدناه، وإلى عمل صالح أكثر لا يكفي أقله.
قال ابن تيمية: "فكثير من الناس لا يصلون إلى اليقين، ولا إلى الجهاد، ولو شككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفارا ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ورسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عوفوا من المحنة دخلوا الجنة، وإن ابتلوا بمن يدخل عليهم شبهات توجب ريبهم، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب، وإلا صاروا مرتابين". الفتاوى 7/217

* * *

وفتن الدنيا رؤوسها تنحصر في ثلاثة: الشرك أو الكفر، والمال، والنساء.
فأما فتنة الشرك أو الكفر؛ بمعنى الخروج من الملة بفعل ناقض من نواقض الإسلام، فقد جاء في القرآن وصفهما بالفتنة، في قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}، فسر السلف من التابعين وغيرهم الفتنة بالشرك والكفر. وفي قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل}، قالوا: الشرك. وفي قوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة}، قالوا: الكفر. (تفسير ابن جرير)
وأما المال فقد قال تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي في المال) رواه الترمذي.
وأما النساء فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء).
متى أعملت هذه الرءوس في زمان أو مكان، فكان الله في عون أهل ذلك الزمان والمكان، وما مثلهم إلا كمن ركب البحر في وقت هياجه وأمواجه، أو كمن وقع في بقعة كثيرة الأخطار.
وقد أطلت هذه الفتن الكبرى بأعناقها، فأظلت زماننا ومكاننا، فنالت منا ولا تزال..

* * *

فقد تقرب بعض الناس من الفتنة بتقربهم إلى الكافر بالله وبرسوله، ورفعه، وتعظيمه، بل وتزيين ملته ومذهبه، وعوائده وعاداته، والتشبه به ومسايرته في خصائصه، تحت ذرائع شتى، كالتعارف، والتعايش، والأخوة الإنسانية، والهم المشترك، والمجتمع الواحد، والقرية الواحدة.. إلخ.
ولو أنهم تقربوا إلى المسالمين منهم، بالصداقة التي تنفعهم في الدنيا والآخرة، وبالإحسان إليهم المحبب والمقرب لهم إلى اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكان حسنا وثوابا جزيلا، لكنهم خصوا برهم وإحسانهم وحسن ظنهم بالمحاربين منهم، الذين ما فتئوا يذلون المسلمين، ويحتلون بلاد المسلمين.
فهي فتنة تضرب في صميم الدين؛ في الإيمان والتوحيد.
ومن هذه الفتنة التي ضربت في عمق الدين: ظهور الشبهات، والدعوات، والتبريرات، والاستدلال لأمور الشرك، بالتقرب للأولياء والأضرحة، بدعائهم من دون الله تعالى، والتقرب إليهم بالنذور والذبائح، واعتقاد أن لهم تصرفا في الكون..حتى ظن الظان أنه لا بأس بفعل كل ذلك في الإسلام.!!.
فهذه الفتنة الأولى والكبرى..

* * *

والمال؛ الدرهم والدينار يستعبد الناس، حتى يتركهم أذلاء، جبناء، مجانين..
وقد تقربوا من هذه الفتنة بركوبهم السبل المحرمة في تحصيله، فتعاطوا الربا حتى عم وطم، ولم يسلم من غباره إنسان، حتى الكاره الراغب عنه لم يسلم.
ومن فتنته: أن الناس صاروا يطلبون فتوى ولو من مجهول، غير معروف بعلم ولا فقه، ليبرروا اقتحام المشتبهات، والمحذورات، حبا في التكاثر.. أخذوا في طريق البحث عن المال لأجل الغنى:
فكانوا أهل جشع وطمع وجرم في حق المستورين والمعوزين؛ برفع الأرباح، والتلاعب بالأسعار، والاستحواذ على الأسواق المالية، والتحكم في رفع الأسهم، غير مبالين ما يكون جراء ذلك.
أو كانوا أهل جزع وهلع، وذل وإلحاح في المسألة، وتحايل لسد الحاجة، أو رفع مستوى المعيشة.
فتنة المال حملت الناس على القطيعة للأرحام والأخوة، والتباغض والتحاسد، والحيلة والخداع والكذب والتزوير، فنزعت الرحمة والعدل من القلوب، وحل مكانها القسوة والظلم.
فتنة المال جعلت من ذوي اليسار مترفين - ولم يذكر الترف في القرآن إلا على جهة الذم، فقال عن أهل النار: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين}، {وأترفناهم في الحياة الدنيا} – بطرين أشرين، مترفعين على الخلق، مبالغين في التعاظم، مقتدين بقارون. تلك هي فتنة المال ..

* * *

وعن فتنة النساء، فهي الداهية التي تزداد يوما بعد يوم..
فكل يوم يزداد أعداد الفتيات في الطرقات، والأسواق، والوظائف، والبيوت تبقى خالية..
وكل يوم يزداد التبرج والسفور وكشف الوجه، وتزيين وزخرفة العباءة، والتقلل منها. ..
كل يوم يزداد الاختلاط المقنن المقصود في الأعمال.. حتى يتمهد الطريق للاختلاط في المدارس.
كل يوم ينتزع من القوامة جزء، باستقلالها بالهوية، وبحرية التصرف في دخولها وخروجها، حتى يأتي اليوم الذي لا تجد فيه الفتاة وليا لها، بل تكون ولية نفسها، ولا يقدر الأب أن يمارس القوامة على بناته، فيكون للفتاة أن تمارس كافة أمورها بغير حاجة إلى محرم، سواء في السكنى في البيوت المستأجرة أو الفنادق، أو السفر داخلا أو خارجا، حتى الهروب من البيوت، حتى تصل إلى تزويج نفسها بنفسها؛ أي تكون غنية عمن يصونها، ويكفيها شرور الأشرار وكيد المحتالين.
هكذا تكبر الفتنة، وتزداد اشتعالا، فتشتعل نار الغريزة الجنسية..؟!!.
دع عنك كلام المتفيقهين، المتشدقين الذين يبشرون بغد واعد، وتقدم هائل للأمة، كلما زاد عدد الفتيات التاركات للبيوت، وقبل أن تسمع للمبشرين المطمئنين: أن كل ما تخشونه من الفساد الأخلاقي أوهام لن تحدث.

اتجه لأقرب إحصائية لديك عن عدد الأيتام في دور الرعاية، الذين لا أب لهم ولا أم: ستجد أنهم قد شارفوا على العشرة آلاف مجروح.. حينئذ تدرك أنها فتنة، فمن أين أتوا ؟، وما الأسباب ؟.
وانظر في إحصائيات: العوانس،والمطلقات، والفتيات الهاربات.. حينئذ تدرك أنها فتنة. فما الذي زاد من أعدادهن هذه الزيادات الهائلة ؟،
أليس من أكبر الأسباب وأخطرها: الاختلاط، وترك القرار في البيوت.
ولا تنس أن تمر على أولئك الذين يضحكون، ويسخرون من وصف المرأة بكونها فتنة، يقولون: لازال فينا من يرى، ويعتقد أن المرأة فتنة. واستذكر في حينها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء). متفق عليه
- (واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). مسلم
استذكر ذلك وقارن، ثم احكم.
إنها فتن كقطع الليل المظلم، يصبح المرء فيه مؤمنا، ويمسي كافر، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه لعرض من الدنيا قليل، كما في الأثر، أحاطت بنا من كل جاء، وتكاثرت علينا.

* * *

هي بالمصطلح الشرعي: فتنة. من غير تزيين أو مداراة..
هي كلمة تحاشاها حتى بعض الناصحين والأخيار، فلا يذكرونها في هذا الوقت مع مسيس الحاجة إليها، فالناس غافلون عنها، وكيف لا يغفلون وهي لا تذكر لهم، ولا يذكرون بها ؟.
تلك الفتن قد جعل الله منها مخرجا، يقي الإنسان شرها، ويطفى بها نارها:
- قال الله تعالى:{إن الحسنات يذهبن السيئات..}.
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها..). البيهقي
كلما فعلت سيئة، كانت تبعا: لفتنة الشرك أو الكفر، أو فتنة المال، أو فتنة النساء؛ أي كلما وقعت في شرك وكفر أكبر أو أصغر، أو وقعت في أكل مال حرام أو شبهة، أو وقعت في زنى النظر، أو زنى السمع، أو القدم، أو اليد، اللسان، حتى زنى الفرج: فأتبع تلك السيئة بالحسنة حتى تذهبها، تدرأها، تمحها.
فإن وقعت في سيئة الشرك أو الكفر – ولا يظن أحد أنه بمنأى منها:
- فإن النبي إبراهيم عليه السلام خافه فدعا: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}.
- وخافه نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). المنذري
- والله تعالى حذر منه أنبياءه فقال: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}.
- وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم). ابن حبان
فمع كل هذه كيف يأمن أحد على نفسه ؟.
فإذا ما وقعت في هذه السيئة، فبادر إلى الاستغفار والتوبة، وتجديد الشهادتين.
وإن وقعت في سيئة المال، فجمعت حراما؛ ربا، أو رشوة، أو سرقة، أو خديعة وغشا، أو اغتصبت مالا، فابتدر التوبة والاستغفار، وتخلص من الحرام بالطرق الصحيحة المعروفة، ثم تصدق، قال تعالى:
- {إن تبدوا الصدقات فنعماهي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم}.
- وقال صلى الله عليه وسلم: (والصدقة تطفي غضب الرب). الهيتمي في الزواجر
وإن وقعت في سيئة مع النساء، فأسرع بالتوبة والاستغفار، وتظهر من ذنبك بالوضوء، إذا كانت السيئة زنى النظر، أو السمع، أو اللسان، أو اليد، أو الرجل، فإن الوضوء كفارة وطهارة.
- عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ العبد المسلم – أو المؤمن – فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب) رواه مسلم.
فإن كان الذنب بالفرج فبالغسل بنية رفع الجنابة والتوبة، ثم صل صلاة خاشع تائب، هكذا وصى الله ربنا جل شأنه، وهكذا وصى نبيه صلى الله عليه وسلم.
- قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا فاستغفروا لذنوبهم}.
- وعن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله تعالى: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}، فقال الرجل: ألي هذا؟، قال: (لجميع أمتي كلهم). متفق عليه

* * *

فإذا فعل المسيء ذلك فله البشرى بالرحمة والمغفرة والتوبة من الله تعالى، فقد وعد تعالى الصادقين:
- فقال جل شأنه: {ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}.
- وقال صلى الله عليه وسلم: (وأتبع الحسنة السيئة تمحها).
جعل الله تعالى من الحسنة ماء يطفى بها نار السيئة، وقد علم الشيطان ذلك، فله مهمتان كلتاهما في إضلال الإنسان وأسره في سجن السيئة:
- الأولى: يستزله في السيئة بأنواعها أو بعضها.
- الثانية: يوقعه في سوء الظن، فيتوهم أنه لا أمل في توبة؛ إن اشتم منه رائحة الندم.. أو يفرحه بالسيئة حتى يعاودها، إن لم يجده منه ندما.
وعنده هذه الثانية أهم المهمتين وأعلاها هدفا، فلو تمت له، فقد أحكم الخناق على المسيء، حتى يكون في أسره وأسر السيئة، وهكذا حال الذين ولغوا وبالغوا، وغرقوا وتلطخوا؛ فقد فعلوا السيئة أولاً، ثم في الثانية وقعوا في اليأس بإيهام الشيطان أنه قد سقطوا، ولا أمل في الرجوع.. أو فرحوا بالسيئة، فتمنوا غيرها وغيرها، حتى وقعوا في الأسر.
فكان من الحكمة والعقل والدين، على كل من قارف سيئة: أن لا يستسلم، ولا يرفع راية بيضاء للشيطان. إنما يقاوم مقاومة الجريح والمضروب، فربما غلب وفاز، فالمجروح لا زالت به بقية، يمكن بها استرداد العافية دحر العدو، والأيام دول، فاليوم هزيمة، وغدا النصر، ما دامت المقاومة موجودة، المصيبة كل المصيبة إذا فقدت المقاومة.. أرأيت لو أن عدوا احتل بلدك، فأنت في خير مادمت تقاوم، ولو بقدر ضعيف لا تقدر عليه، المهم أن تقاوم وتجاهد، لكن لو سلمت فقد ذللت..
كذا بدنك ونفسك، لو نزل بها الشيطان، فقاومت فلا يزال في عنت وتعب، يوم له، يوم لك، فالذي له إذا وقعت في السيئة، والذي عليه إذا أحرقته بالتوبة، والاستغفار، والعمل الصالح. لكن البلية الكبرى، لو ملك عليك بدنك ونفسك، فصيرك عبده..

* * *

إن الاستسلام للسيئة هي المصيبة، وقد أخبر تعالى عن الذين قارفوا السيئة فجعلهم صنفين؛ صنف سلم، وصنف قاوم. وفرق بينهما في العاقبة، فقال عن الذي قاوم:
- {ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}.
- {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات..}.
- {وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار..}.
- {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات..}.
- {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا..}.
وآيات ونصوص كثيرة في هذا المعنى، أوردتها لأبين عناية القرآن بهذا الوعد، حتى يلتفت المؤمنون إليه، ويعرفوا مكانته..

* * *

وقال عن الصنف الذي سلم واستسلم للسيئة:
- {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
- {ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون}.
- {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون}.
- {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}.
فهؤلاء لما سلموا واستسلموا: أحاطت بهم السيئة إحاطة السوار بالمعصم، والحبل بالجيد، حتى إذا جاءوا يوم القيامة جاءوا على هذا الحال. وهم الذين يموتون وهم على السيئة، فهم الذين قد حقق فيهم الشيطان المهمتين كلتيهما: الاستزلال والغواية، ثم الاستمرار والإصرار على السيئة.
فصارت سيئاتهم بلا ندم، وبلا توبة، ولا إقلاع، ولا استغفار، إما سوء بالله تعالى، أو لفرح بالسيئة.
أما الذين نجوا، فلم يكن من شرط نجاتهم عدم السيئة؛ ألا يقعوا في السيئة، بل أخبر الله تعالى في كل النصوص أنهم وقعوا، وقارفوا، ولم ينزهم منها، ولم يحكم لذلك بهلاكهم وحرمانهم من الرحمة ومن التوبة، ولا من الجنة والمغفرة.
بل تلك السيئات مكتوبة على بني آدم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء..).
بل كان الشرط في ذلك هو: ألا يصروا على السيئة، فيداوموا عليها حتى يدركهم الموت.
- { ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.
- (وخطير الخطائين التوابون). ابن حبان
وكلما زادت الفتن، زادت أجور العاملين بالصالحات؛ لذا كانت أجور الصحابة رضوان الله عليهم أعظم من أجور من بعدهم؛ فقد عانوا من الفتنة ما لم يجده مثله من بعدهم، فقال فيهم رسول الله:
- ( لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مده أحدهم ولا نصيفه). متفق عليه
وقال في فضل الطاعة في الفتن:
- ( العبادة في الهرج كهجرة إلي). مسلم
فلا يأس إذن، فها هو المخرج لمن عمل السيئة؛ أن طريق العودة مفتوح على مصراعية، وفيه من المحفازات ما يغري، فالسيئة تمحى كأنها لم تحصل، والأجر يزيد حتى يتضاعف أضعافا مضاعفة، حتى تكون السيئة نفسها حسنة: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}.
فالحذر كل الحذر من شيطان يستزل، ثم يمضي ليغلق باب العودة على النادمين.
احذر.. لا يضلنك مرتين..!!.

* * *

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية