صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







في الثورة .. غياب الصوت الآخر
الجمعة 18/05/2012

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه


بسم الله الرحمن الرحيم


مهمة الصوت الآخر، ليس في إظهار المعارضة، أو الإخبار بوجود صوت آخر فحسب، بل له دور رائد في الكشف عن جوانب خفية، وعيوب ونقص في الرأي المسيطر، وكما قيل: "عين الناقد بصير".
وإن ممّا هو ملحوظ في الثورات التي عمت وشملت دولاً كثيرة: أن الذي يسوق الحدث ويرعى المشهد كليًّا، صوت واحد لا غير، هو المحرك والراعي للثورة. فأمّا الصوت الآخر، الذي قد يعارض هذا التوجه ولو جزئيًّا، فإنه بدا في أول الأمر على استحياء وضعف، ثم ما لبث أن سكت، فلم يعد له حضور.
إن المبرر لغياب الصوت الآخر المعارض للثورات، قد يكون واضحًا إلى حد ما؛ فهذه الأنظمة التي سقطت، لم تترك لأحد وسيلة للدفاع عنها بكلمة، بما أحدثته من أثرة وظلم.. من يختلف في هذا؟
فمن وقف ناقدًا للثورات بأية كلمة، حتى ولو من جهة آثارها، هو ساذج أو منتفع، إن لم يكن متواطئًا؛ ففي بحر مائج من الثورات المتتابعة، وإعلام يؤجج وينفخ فيها بطريقة لا تخلو من تحريض، كل صوت آخر غير الصوت المؤيد للثورة بإطلاق لا مكان له، بل مستنكر ومستهجن.
هذا التوحد في الرأي خطأ. ففي قضايا النوازل، من المحتم التدارس والنظر والتعاطي معها بصورة صحيحة، لا بد لها من لجان علمية شرعية، وسياسية، واقتصادية.
لكن الثورات قامت بغير هذا، قام بها شبان، تواصلوا وتواصوا على الثورة، وتجمعوا لذلك، وأكثرهم ليسوا من أبناء الطبقة الفقيرة، وهم متعلمون وليسوا شرعيين، ثم انضم إليها الفقراء والمضطهدون والمحرومون، حين رأوا نجاحها، وحصل ما لم يكن متوقعًا على الإطلاق، في أجواء سمحت بذلك.
ولم يكن منتظرًا من هؤلاء البحث في النتائج والمآلات، إنما هذا منتظر من الشرعيين والسياسيين، الذين يفترض فيهم التخطيط السليم للسنوات والعقود المقبلة. هذا مقتضى الشورى التي أمرهم الله تعالى به، يقول الله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم).
إن ما ينبغي معرفته هنا بصورة واضحة: أن الصوت الآخر لا يعارض البتة، في أن مطالب تلك الشعوب مشروعة؛ من رزق يكفيهم، وكرامة مصونة، ودين يعبدون الله تعالى به، لا يخافون ولا يهانون، وأن من حقهم التخلص من ظالم يحكمهم بغير العدل، يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويستخف بهم.
الصوت الآخر لا يقول: لا تطلبوا حقوقكم، ولا تقفوا في وجه الظالم العاتي.
إنما يبحث في جوانب تغفل عنها الثورات، في غمرة الاندفاع والعجلة، حين الشعور بالقدرة على فعل شيء يزال به الظلم والظلمة، حين النشوة والفرح بالتغيير والإزالة.
يقول للمندفعين: انتبهوا إلى الطريق، ادرسوه، وافحصوه، وتأملوا وفكروا في حسناته وسلبياته، ولا تقولوا:
نثور أولاً.. ثم نفكر فيما بعد في وسيلة الإفادة. ثم بعد ذلك كله ننظر في المآلات والنتائج.
كلا، بل دراسة المآلات أولاً، ثم الوسائل، ثم بعد ذلك العمل، إن حسنت المآلات، وصحت الوسائل، أما عكس هذه العملية، فهي بحق ثورة، والثورة لا عقل لها.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية