صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لسنا شاه إيران يا سيادة الرئيس

خالد بن عبدالله الغليقة

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الهوية الوطنية وأهميتها في سيادة الدولة السعودية وسيادة المواطن السعودي وأمنهما وفِي مجالات التنمية والتعليم والاعلام

رسالة إلى الشعب السعودي

تمهيد :

في رسالة أرسلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - للرئيس الأمريكي قال فيها: "إن قيادة المملكة ليست مثل شاه إيران، الذي وضع مصالح الدول الأجنبية قبل مشاعر شعبه".

في البدء لماذا الشاه؟!

لأن الشاه كان صريحًا بقيامه بأعمال تقطع حبال الصِّلة والمودة بين رأس الدولة وهو الحاكم، وبين قاعدة الحكم وهم الشعب ، وكانت تلك الأعمال تساهم بتوسيع الهوة بينهما يومًا بعد يوم. والمعضلة أن كل هذا كان يتم تحت مسمى "تنمية وتحديث الدولة والشعب"، لكنه أضاع البوصلة فأضاع معها قاعدة الحكم - الشعب - كما أضاعها غيره من حكام منطقتنا، فكانوا لقمة سائغة لخطط الدول الأجنبية، ترفع وتخفض بهم، وتقيم الانقلابات، وتدعم الثورات عليهم متى شاءت، وكيف شاءت ، وعلى أي شكل شاءت .

لم يسقط الشاه لضعفه عسكريًّا واستخباراتيًّا؛ بل سقط لضعف مكانته لدى شعبه. فقد كان لديه من القوة العسكرية ما جعله يتفوّق على بعض القوى العظمى، وكان لديه جهاز استخباراتي يضرب به المثل في قوته ورصده وكشفه (السافاك)، ولم يسقط الشاه لأنه ضد التحديث والتنمية، بل سقط لأنه زاد في جرعة التحديث والتنمية، لكنها كانت تنمية وتحديث من خارج دين الشعب وأخلاقه وعاداته وتقاليده.

لا شكّ أن الدول الأجنبية الكبرى تضغط بالتغيير تحت مسميات ظاهرة عدة، كالحرية والتنمية وحقوق الإنسان والحقوق السياسية ، من دون مراعاة لدين وأخلاق المجتمع المطلوب تغييره، فإن استجاب الحاكم وتنازل لكل الضغط، ولكل المطالَب من دون فرز بين ما يضر دين الشعب وأخلاقه، ومن دون تمييز بين ما يصلح لدينهم وأخلاقهم، وما لا يصلح لهما. فإذا لم يقم بعملية الفرز والتمييز فقد بدأ عند ذلك العدّ التنازلي لسيادة الحاكم داخل بلده وبين شعبه، وبدأ يستسلم لقبضة أجهزة العدو، فكلما خضع أكثر فقد شعبيته أكثر فأكثر. وابتعد رأس الدولة وهو الحاكم، عن قاعدة الحكم وهم الشعب أكثر فأكثر ؛ وبذلك يسهل تدبير الانقلابات عليه وإقامة الثورات في وجهه.

وهذا ما حصل في منطقتنا، فليس هناك شاه واحد بل شاهنشاهات عدة، وما صدام وغيره ممن قامت عليهم الانقلابات والثورات عنا ببعيد

لذا كانت هذه الرسالة للشعب السعودي:

شعب المملكة العربية السعودية، شعب بلاد الحرمين ومهبط الوحي ومدفن النبي عليه الصلاة والسلام:

الدولة السعودية لم تألُ جهدًا، ولن تألوَ، في تقديم مصالح الشعب السعودي على مصالح الأجنبي، ولن تقصِّرَ في أي عمل يُعزِّز سيادة الدولة السعودية وأمنها، وهو ما يعزّز سيادة المواطن السعودي وأمنه داخل المملكة وخارجها.

فالمسؤولية ملقاة على كاهل الشعب السعودي، بل على عاتق كل مواطن سعودي، بأن لا يقدِّم مصالح الأجنبي على مصالح الدولة السعودية، ولا يساهم في تعزيز سيادة الدول الأجنبية على سيادة دولته السعودية، فلا تؤتى سيادة الدولة من قبله، ولا يختلَّ أمنها من فعله، وبهذا يكون سدًّا منيعًا وجدارًا حاجزًا أمام أيّ اختراق أجنبيّ يضرّ بمصلحة الدولة السعودية أو المجتمع السعودي.

فلن تهتزَّ سيادة الدولة ولن يختلّ أمنها إلّا بالاختراق الأجنبي للفكر الذي قامت عليه سيادتها، ولن يختلّ أمنها إلا بدخول المبادئ الأجنبية المخالفة للمبادئ التي قام عليه أمنها، ولن تهتز مكانة الدولة إلا بدخول قيم جديدة مخالفة للقيم القديمة التي قامت عليها مكانتها.

فعلى الشعب السعودي مهمّة جسيمة ومسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة، وهي: التمسّك بالمبادئ والأفكار والقيم التي قامت عليها سيادة الدولة والمواطن وأمنهما؛ فمن احترم مبادئه وقيمه احترمه العدوّ، ومن حَقِر مبادئه وقيمه حقره العدوّ، ومن أهان مبادئه وقيمه أهانه العدوّ.

فنحن - شعبَ المملكة - كغيرنا من شعوب العالمين العربي والإسلامي، لسنا مستثنين من النصوص الإلهية ، ولسنا خارج السنن الكونية، بل نحن بشر وهم بشر، فلم ينقصهم البترول، ولم ينقصهم التعليم، ولم ينقصهم التاريخ والحضارة والحداثة، ومع هذا كله رأينا بعضهم قد تهاوت دولهم واحتلت وشرِّد شعبهم ودمرت حضارتهم، وبعضهم اختلت سيادة دولهم، واختلّ معها أمن المواطن فيها ورغد عيشه ورفاهيته؛ فليس السبب نقصًا في البترول، ولا التعليم، ولا التاريخ، ولا الحضارة، ولا الحداثة؛ بل كان السبب هو نقص في احترام المبادئ والقيم، فكانت النتيجة أن سهل وهان اختراقهم من الأجنبي المتربّص بهم.

ويمتاز شعب المملكة العربية السعودية بأنهم معقل الإسلام والإيمان ومنبته وأرومته، وعلينا التمسّك بمبادئ هذا الدين العظيم وقيمه الأخلاقية، فهي (الهوية الوطنية)، وهي الركيزة التي قامت عليها سيادة الدولة وأمنها وقوتها ومكانتها.

فالهوية الوطنية مهمّة لتعزيز سيادة الدولة السعودية؛ فمن المبادئ والركائز التي يتحلّى بها الشعب السعودي هو الاعتقاد بأن السمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف باب من أبواب الإيمان بالله، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، فمبدأ السمع والطاعة لولي الأمر، وعدم الخروج عليه المبنيّ على الثواب والعقاب الأخروي أقوى مفعولًا في النفس، وأجدى من السمع والطاعة المبنية على العقود المادية، كما قال سبحانه وتعالى: (فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يَعْطوا منها إذا هم يسخطون).

وقد فرّق الرسول عليه الصلاة والسلام بنصّ واضح وجليّ بين من بايع إمامه لأجل الثواب في الآخرة والخوف من العقاب في الآخرة، وبين من بايعه لأجل الدنيا والمادة، فقال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم،... - ومنهم - رجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى له، وإلا لم يفِ له" [صحيح البخاري].

ولهذا كان من أهمّ المعادلات لتعزيز سيادة الدولة وتعزيز الاستقرار والأمن المستنبطة من عقيدة الإيمان هي: أنه إذا زاد الإيمان عند الفرد بالعقيدة الصحيحة زاد معه حتمًا الإيمان بهذا النصّ، وإذا زاد الإيمان بهذا النص زاد الولاء لولي الأمر، وزاد الولاء للوطن.

ففرق بين من كان ولاؤه نابعًا من فاعلية هذا النص وغيره من النصوص في النفوس، وهو الخوف من العقاب في الآخرة وطلب الثواب فيها، وبين من كان ولاؤه لأجل دنيا ومادة فأيّ نقص يعتريها يختلّ معها ولاؤه ووطنيته.

فقد كانت قلة الإيمان بركائز الإيمان الصحيح وعقيدة أهل السنة والجماعة - وما زالت - سببًا لتغيير الولاء وتحوّله وانعدامه، وسببًا لخيانة الوطن والاصطفاف مع أعداء الوطن، فأي تخلٍّ عن هذه العقيدة هو الإذن والسماح للأفكار الدخيلة بأن تدخل وتخترق المجتمع السعودي، وتتغلغل بين أفراده، كفكرة الملكية الدستورية.
وهي ما يفهم من قول الأمير نايف - رحمه الله - أيام الملك فهد، ومعناه "وضع الملك فهد على الرف"، وأخطر منها فكرة الحكم الديمقراطي، وفِي هذا الصدد، ومع الأسف، فإن هناك معارضًا سياسيًّا سعوديًّا نسف ما تعلمه من المنهج السلفي، واستسلم للأفكار الاجنبية الدخيلة، فقد قال ساخرًا: "السلفي يسمع ويطيع الحاكم بشرط أن يكون متغلبًا، أما إن كان منتخبًا فتجوز معارضته، لأن النص التراثي الذي يعيش فيه لم يتحدث عن الديمقراطية".
فهذا يدل على أن المنهج السلفي يمثل حاجزًا قويًّا أمام تمرير مشروعهم المدعوم من الدول الأجنبية، فهذه الأفكار الأجنبية دخيلة على عقيدتنا وهويتنا، وقد جربّها غيرنا من الشعوب والمجتمعات الإسلامية والعربية فلم تزدهم إلا اختلالًا سياسيًّا وسياديًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا .

أما عن الهوية الوطنية وأهميتها على صعيد التنمية والتحديث ، وفِي مجالي التعليم والاعلام . فإني أنقل عن رجل من أعمدة التنمية والتحديث في السعودية، ومن فرسانها، وهو رجل تقلّد مناصبَ عدّةً، كان من مهامها التنمية والتحديث، وهو الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله -؛ فقد كفانا مؤنة الحديث، فقد كتب وحاضر عن الهوية الوطنية وأهمّيتها في مجال التنمية والتحديث، وفِي مجالي التعليم والإعلام ، ووضح خطر الغزو الثقافي على تلك المجالات فمما سطره في ذلك :

١- أن ظاهرة الغزو الثقافي ليست ظاهرة محايدة بالامكان التعايش معها بسلام بل هي مشروع يهدد الكيانات المقصود غزوها وفِي النهاية انهيارها

يقول القصيبي: "الغزو الثقافي، بوجوه المختلفة، ظاهرة عرفها التاريخ عبر كل أطواره، على مدى السنين كانت هناك حضارة، أو حضارات، سائدة، تطبع بقية العالم بطابعها السياسي والاجتماعي واللغوي والديني. ولو استعرضنا أي كتاب من كتب التاريخ لوجدناه يعجّ بأمثلة لهذه الحضارات السائدة، بدءًا من الحضارة الفرعونية، مرورًا باليونان والرومان، فالحضارة العربية والإسلامية، فالحضارة الغربية التي تسود العالم اليوم، ممثّلة في الولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص. الظاهرة، إذن، قديمة قدم التاريخ، إلا أنها لم تعد في عصرنا هذا ظاهرة محايدة يمكن أن نتعايش معها بسلام، وإنما أصبحت خطرًا ماحقًا يهدد كل الكيانات الأضعف من الحضارة السائدة بالتفسُّخ، فالانهيار" (الغرو الثقافي ومقالات أخرى، ص٧).

٢- التحذير في مشروعات التنمية وبرامجها من الأفكار الدخيلة على ديننا وأخلاقنا، والأساليب المستوردة من خارج هويتنا وقيمنا ولغتنا، ومحاولات مسخ الهوية الوطنية وطمس تميّزنا بها.

يقول القصيبي: "إن التنمية، في محصلتها النهائية، وسيلة وليست غاية؛ هي وسيلة نحو الارتفاع بمستوى الإنسان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي. وما دام هذا هو هدف التنمية الحقيقية، فكل ما يؤدي، على أي نحو إلى الإضرار بالإنسان، جسدًا أو روحًا، لا بد وأن يكون عملًا معاديًا للتنمية حتى لو ارتكب باسمها. أي تغيير لا يخدم الإنسان اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا أو سياسيًّا أو ثقافيًّا هو تغيير لا علاقة له بالتنمية. من هنا يصبح من الواضح أن المحاولات التي شهدتها، ولا تزال تشهدها، دول كثيرة في العالم الثالث لطمس هويتها ومسخ تميّزها واستيراد عقائدها وأفكارها هي محاولات تخريبية مقطوعة الصِّلة بالتنمية الحقيقية وهدفها النبيل.

نقد القصيبي لتجربة أتاتورك في تركيا:

قال: بدأت المأساة عندما استقر في الأذهان أن التغيير، في حد ذاته، يعني التنمية. وكان أول زعيم يبدأ هذا الانحراف الفكري مصطفى كمال أتاتورك. تصوّر أتاتورك أن التنمية تعني تغيير هوية تركيا من دولة شرقية إسلامية إلى دولة أوروبية علمانية، وشنّ حربًا ضروسًا على كل ما له علاقة بتراث تركيا وعقائدها وتقاليدها. حرّم أتاتورك على مواطنيه لباس الطربوش، وفرض السفور على النساء بالقوة العسكرية، وألغى الأبجدية التركية التي تستخدم الحروف العربية ووضع محلها أبجدية مكتوبة بحروف لاتينية. حتى في الغرب الذي كان أتاتورك يعبده لم يحارب الدين بالضراوة التي حورب بها في تركيا التي كانت، عبر قرون عديدة، قلعة الإسلام الأولى!

نقد القصيبي لتجربة شاه إيران رضا خان:

قال: نهج الشاه رضا خان، والد الشاه محمد رضا بهلوي، في إيران نهج أتاتورك في تركيا، واتخذت (التنمية) مظاهر مضحكة مبكية يصعب تبريرها من أي منظور عقلاني. منع الشاه استخدام الملابس الإيرانية التقليدية، وأصدر أمرًا بوضع القبعة على كل رأس. منع النساء من ارتداء العباءات، وأطلق الشرطة في الشوارع يمزقون عباءة أي امرأة ترتديها. عندما احتجّ الناس وتجمّعوا في المساجد أرسل المدفعية لنسف هذه المساجد.

أمر الشاه بتوطين البدو الرحل رغمًا عنهم. وعندما قاوموا المحاولة أرسل الحملات العسكرية لتأديبهم، وأمر بتسميم آبارهم. منع الشاه تصوير الجمل باعتباره حيوانًا بدائيًّا يرمز إلى التخلف.

من حقّ أي باحث موضوعي أن يتساءل ما علاقة القبعة المفروضة والعباءات الممزقة والآبار المسمومة وصور الجمل المحظورة بالتنمية؟! وهل أنتجت هذه المحاولات الغريبة تنمية تذكر؟ النتيجة الوحيدة لهذه (التنمية) هي ظهور طبقة مسخ...،لم تكن التنمية تستهدف تحسين أوضاع المواطنين الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، بقدر ما كانت تستهدف تغيير هويتهم وبلبلة انتمائهم.

كانت النتيجة النهائية شبيهة بمأساة الغراب الذي أضاع مشيته القديمة ولم يتعلّم المشية الجديدة التي أغْرَته بترك المشية القديمة. وإذا كانت محاولات طمس الهوية قد بلغت ذروتها مع أتاتورك، فقد كان هناك في أماكن عديدة من العالم الثالث، أتاتورك صغير يقتفي خطى أستاذه الروحي" (التنمية والأسئلة الكبرى، ص24، 25، 68).

٣ - من مظاهر النضج التنموي هو أن تديّن المجتمع وتقاليده وعاداته ليست عقبةً أمام التنمية، بل عاملًا مساعدًا في التنمية. وأن تخلف بعض الدول الاسلامية حالة عابرة ليس له علاقة بالعقيدة الإسلامية أو تراث الأمة الأصيل.

يقول القصيبي: "من مظاهر النضج الذي بدأ يدب في فلسفة التنمية الموقف المحايد من التقاليد والأعراف والعادات بدلًا من الموقف القديم الذي كان يتّسم بالعداء الشديد. كانت النظرية القديمة تعتبر كافة التقاليد التي تسود في مجتمع ما بمثابة عقبة كأداء تعوق التنمية ولا بد أن تزاح من الطريق. أما النظرية الجديدة فتتّخذ موقفًا تحليليًّا موضوعيًّا يدرك أنه في الوقت الذي يوجد فيه عادات تعرقل عملية التنمية فهناك عادات لا تتناقض مع التنمية بل ربما كانت تساعد على دفع عجلتها. وفِي هذا المجال يشير أحد الباحثين العرب: إن تدين مجتمع ما أو أخذه بنظام الأسرة الكبيرة أو حتى عدم إعطاء المرأة حقوقها كاملة لا يشكل بالضرورة عقبات تحول دون وصول هذا المجتمع إلى التنمية الاقتصادية" (التنمية الأسئلة الكبرى، ص73).

ويقول أيضًا: "إن عدونا الأكبر هو التخلف، وهذا العدو أخطر علينا من أي غزو فكري قادم من الخارج. إن حالة التخلف التي نعيشها هي التي دفعت بالبعض، في محاولة بائسة للتخلص من التخلف، إلى البحث عن آراء مستوردة من الغرب. إن واجبنا إذا أردنا أن نقاوم الغزو الفكري هو أن نثبت أن تخلّفنا حالة عابرة عارضة لا علاقة لها بعقيدتنا وتراثنا الأصيل" (عن هذا وذاك، ص٣٤).

٤- من أخطاء المخطّطين للتنمية في العالم الثالث أنهم وقعوا ضحية الغزو الثقافي بأن جعلوا استيراد الفكر غايةً كبرى، بدلًا من أن يكون وسيلة صغرى.

يقول القصيبي: "وقعت التنمية - في العالم الثالث- منذ نعومة أظفارها، ضحية الغزو الثقافي، آمن المخططون للتنمية أن أول ما يجب تنميته هو الفكر المستورد، سواء استورد من الغرب الرأسمالي أو الشرق الاشتراكي. بعبارة أخرى: أصبح استيراد الفكر غاية كبرى بدلًا من أن يكون وسيلة صغرى. جاء أنصار الغرب بنظرياتهم الليبرالية يبثونها في المدن والقرى بين الفقراء الأميين، وجاء أنصار الشرق يتأبطون كتب كارل ماركس، ويبشرون نفس الفقراء الأميين بزوال الفقر والأمية. ظلّت جماهير العالم الثالث الفقيرة الأمية ترقب صراع المثقفين هذا يتخذ أشكالًا وديةً حينًا ودمويًّا حينًا آخر. جاءت حكومات وذهبت حكومات، قامت انقلابات واندلعت ثورات، صعدت فلسفات وانهارت نظريات، والجماهير الفقيرة الأمية باقية، تراوح في مكانها، على فقرها وأميتها. (التنمية الأسئلة الكبرى، ص64- 65).

٥- من الأخطاء الفادحة في عملية التنمية عدم التفريق بين التنمية في مجتمع مسلم والتنمية في مجتمع غير مسلم، فما يصلح لهذا قد لا يصلح للآخر، والمجتمع القبلي غير المجتمع غير القبلي.

يقول القصيبي: "فعلينا أن نتذكر أن التنمية في مجتمع إسلامي تختلف عن التنمية في مجتمع مسيحي أو هندوكي أو بوذي. كما أن التنمية في المجتمع القبلي غيرها في المجتمع الذي لا يعرف التقاليد القبلية. والتنمية في مجتمع رعوي غيرها في مجتمع المزارعين...؛ من الواضح، مع هذا التفاوت البيّن، أن ما يعتبر مطلبًا أساسيًّا في الدولة (أ) قد يكون مطلبًا فرعيًّا في الدولة (ب). كما أن التقاليد التي تسمح بتحقيق مطلب ما في الدولة (ج) قد تقف عقبة دون تحقيقه في الدولة (د) (التنمية الأسئلة الكبرى، ص77).

٦- من أخطاء برامج التنمية في دول العالم الثالث: النقل المستميت لقشور العالم الأول وبيع هويته الحضارية.

يقول القصيبي :"لم تكن الرؤية صافية، ولم تكن الأولويات واضحة، وتحوّلت التنمية إلى مجهود مستميت لنقل قشور العالم الأول. بلا شعور بالمسؤولية، يبدو أن العالم الثالث مصرٌ على بيع هويته الحضارية، وثروته المادية، مقابل ناطحات سحاب، ومستشفيات حديثة لا تخدم سوى الصفوة من ساكني المدن، وتقنية تشترى بديون باهظة تعكس كالمرآة صور الحضارات البعيدة التي صنعتها. أما عن أولئك البشر البعيدين عن الخدمات الحديثة فإن النمو الاقتصادي بالنسبة إليهم لا يعني سوى وعاء من البلاستيك، وأقمشة رخيصة رديئة، ومبان مؤقتة واهية، وديون خارجية متزايدة" (التنمية الأسئلة الكبرى، ص25).

٧ - إن القادة الحقيقيين المرتبطين بروح الشعب ومشاعره يدركون إدراكًا غريزيًّا أن التنمية لا يمكن أن تتم بقرار فوقيّ يفرض على الجماهير من أعلى، ويتجاهل احتياجاتها وعاداتها وتقاليدها.

يقول القصيبي: "إن القادة الحقيقيين، المرتبطين بروح الشعب ومشاعره يدركون إدراكًا غريزيًّا أن التنمية لا يمكن أن تتم بقرار فوقي يفرض على الجماهير من أعلى، ويتجاهل احتياجاتها وعاداتها وتقاليدها...، ولنا أن نتذكر أن أنديرا غاندي دفعت الثمن باهظًا عندما تناست مؤقتًا حكمتها - الصبر والإقناع بدلًا من الفرض بالقوة وحاولت (حث) الرجال على قبول التعقيم كجزء من حملتها لتنظيم النسل. كان هذا من أهم أسباب سقوطها في الانتخابات "(التنمية الأسئلة الكبرى، ص27- 28).

٨ - من ركائز التنمية في المجتمع المسلم العلم بأن في دين المسلمين وشريعتهم ما يغنيهم عن استيراد الإصلاح من الخارج.

يقول القصيبي :"هذه الجولة القصيرة في كنوز السنة النبوية ليست سوى دعوة أقدمها إلى باحثين آخرين ليقوموا بجولات أعمق وأوسع، تنتهي كلها إلى الهدف المرجوّ؛ وهو أن يقتنع المسلمون الراغبون في الإصلاح، بقلوبهم لا بألسنتهم، أن في دينهم ما يغنيهم عن استيراد الإصلاح من الخارج (ثورة في السنة النبوية، ص7).

٩ -إن سبيلنا الإسلامي القويم لا يتطلّب منّا في مجال التنمية ما تطلبه الرأسمالية المتطرّفة من أتباعها، من استغلال للنساء والأطفال والعمّال، ولا ما تطلبه الشيوعية من أتباعها من إذلال وقهر وكبت.

يقول القصيبي: "إن سبيلنا الإسلامي القويم لا يتطلّب منا ما تطلبته الرأسمالية المتطرفة من أتباعها ولا ما تتطلبه الشيوعية الغاشمة من الواقعين تحت نيرها الجهنمي.

الإسلام يعترف بحقوق الفرد كما يعترف بحقوق المجموع، ويرفض أن يخنق الفرد ويقضي على مقومات إنسانيته في سبيل بناء جنة مزعومة على الأرض لم تتحقق ولن تتحقق. إن تنميتنا اليوم تتم بطمأنينة وسلام، دون استغلال للنساء والأطفال والعمال الذي شهدته الرأسمالية قبل أن تهذّبها التجارب المريرة، ودون أن تشهد الكبت والقهر والإذلال الذي يحتضن كل جانب من جوانب التنمية في ظل الشيوعية، تتم ضمن مجتمع يؤمن بتآخي الطبقات لا بحربها وبحرية الفرد ضمن مصلحة المجموع، لا بانعدام حرية الفرد وحرية المجموع (التنمية وجهًا لوجه، ص47).

١٠- على الجيل الذي سيقود التنمية أن يتحلّى بالصفات التي تحلّى بها جيل الآباء العظيم: العنفوان، والقوة، والصبر، والإصرار، لا المياعة الدخيلة على بيئتنا ، والموضات المستوردة والتي تعارض كل منطق سليم، وللأسف إن صار هذا هو التمدن الحقيقي عند كثير من البسطاء، والحل هو التجنيد.

يقول القصيبي: "إن أخشى ما أخشاه هو أن نكون خلال عبورنا من عصر القلة إلى عصر الوفرة أضعنا بعض الصفات التي تحلى بها جيل الآباء العظيم: العنفوان والقوة والصبر والإصرار. إنني أشعر بكثير من القلق، وأنا أشاهد بعض أبناء الجيل الجديد يتسكّعون بسياراتهم صباح مساء، متزينين تزين النساء لا يكادون يحسنون شيئًا سوى العبث بأجهزة التسجيل والفيديو، وأرجو أن يأتي قريبًا اليوم الذي يفرض فيه على كل شاب في المملكة أن يخدم وطنه في معسكرات الجندية يتعلّم منها الرجولة والانضباط والخشونة" (التنمية وجهًا لوجه، ص48).

وقال: "هناك في الحضارة الغربية جوانب لا بد لنا من رفضها رفضًا تامًّا، لا لأنها تتناقض مع بيئتنا الشرقية فحسب، ولكن لأنها تتعارض مع كل منطق سليم. من هذه الجوانب موضوع الأزياء والموضات. من السخف أن تسارع نساؤنا إلى نقل كل بدعة يخرج بها مصممو الأزياء في باريس لترويح منتجاتهم، ومن السفه أن يحاول رجالنا تقليد آخر تقاليع الأزياء الإيطالية. والمؤلم أن هذه الناحية بالذات هي الناحية التي برعنا في نقلها من الغرب، وهي الناحية التي تمثّل في نظر كثير من البسطاء الوجهَ الحقيقيَّ للتمدن الغربي. (عن هذا وذاك، ص٣٥).

ويقول: "يتخذ - الغزو الثقافي - شكل بنطلون (جنيز) أزرق يتحوّل، فجأة، إلى الزِّيّ الرسمي لكل المراهقين في كل مكان (ولأكثر المراهقات!) يتخذ الغزو الثقافي - باختصار -، شكل الرغبة الجارفة المشتعلة في تقليد الحضارة السائدة في لغتها وملابسها وعادتها وحتى بذاءاتها (الغزو الثقافي ومقالات أخرى، ص٨).

١١ - يجب أن ينقّى النظام التعليمي من أعشاب الاستعمار الفكريّ، بحيث يغرس في نفوس الطلبة الاعتزاز بدينهم وحضارتهم، ويغرس الاعتزاز بلا تطرف، وبلا انغلاق وبلا مركبات نقص.

يقول القصيبي: "المفتاح، إذن، يتطلّب أن نتعامل، بحزم وجدّ، مع هذه المشكلات الأربع، نبدأ بحملة وطنية صادقة لا تبقي طفلًا واحدًا في السادسة خارج أسوار المدارس، مهما كانت الصعوبات أو العقبات أو التضحيات. بدون هذه الخطوة الأولى فإن أي مجهود تنموي لن يكون سوى (قبض الريح) و(باطل الأباطيل).

أما الخطوة الثانية فصياغة النظام التعليمي في ضوء واقع المجتمع، فلا نخرج خبراء في شعر (اللورد بيرون) و(الأقوال الشتى في إعراب حتى)، ومجتمعنا يئن حنينًا إلى الكهربائيين والممرضين والسباكين. ثم نأخذ هذا النظام لنجعله معدًّا للبشر لا للببغاوات: نجعل التعليم رحلة مسلية ممتعة بدلًا أن نجعله عذابًا عقيمًا طويلًا. وهذا الهدف بخلاف ما يتصوره قاصرو الخيال، ليس بالأمر المستحيل إذا استوعبنا ما أنتج العلم الحديث من وسائل تربوية. (يجب) بعد هذا أن ننقّي النظام التعليمي من أعشاب الاستعمار الفكري، بحيث نجعله يغرس في نفوس الطلبة الاعتزاز بدينهم وحضارتهم وتاريخهم، يغرس الاعتزاز بلا تطرف وبلا انغلاق وبلا مركبان نقص" (الغزو الثقافي ومقالات أخرى، ص١٥).

١٢- تأثر مدارس العالم الثالث بالغزو الثقافي مما ساهم في طمس الهوية الحضارية وتعطيل التنمية.

يقول القصيبي" :إن كثيرًا مما يدرس في مدارس العالم الثالث منقول بحذافيره من جهة ما نقلته بدورها من جهة ما في الحضارة السائدة. من المألوف أن تجد طالبًا في العالم الثالث يعرف تاريخ الثورة الأمريكية أو الروسية، دون أن يعرف شيئًا عن بطل قومي من أبطال تاريخه. ولا أنسى في هذا المجال ما قرأته لكاتب باكستاني ذكر أنه كان يتألم أثناء طوافه بقرى الباكستان وهو يرى الطلبة يرددون الأغاني والمحفوظات التي يرددها طلبة المدارس في بريطانيا، دون ان يفكر أحد في تعليمهم كيف يقرأون التعليمات المكتوبة على كيس السماد ليستطيعوا مساعدة آبائهم (الأميين) على تطوير مزارعهم".

ويقول في موضع آخر: "فإن الطلاب الذين يشربون في مدارسهم حبّ أمريكا أو روسيا سينمون وفِي قلوبهم لأمريكا أو روسيا حبٌّ متمكنٌ لا يزول (وما فرنسا ومدارس لبنان الفرنسية عنا ببعيد)" (الغزو الثقافي ومقالات أخرى، ص14- 15).

ويقول: "نجد المدارس الخاصة تسابق المدارس الحكومية في صبّ اللغة الإنجليزية صبًّا في عقول الطلاب عبر العالم الثالث كله، مع الاختلاف في اللكنات. ونجد الابتعاث إلى عاصمة غربية للمدارس حلم كل الشباب طموح في آسيا وأفريقيا. ونجد "أوكي" و"باي باي" و"هاي"، تنافس - وتغلب – "حسنًا"، و"إلى اللقاء"، و"مرحبًا"، حتى في ثغور الضادّ وعواصمها. (أمّا "الشاطر والمشطور" فقد سحقه "الساندوتش" بالضربة القاضية ولم يأسف عليه أحد" (الغزو الثقافي ومقالات اخرى ص١٠).

١٣- خطر البرامج الإعلامية القادمة من الحضارة السائدة، وأنها شكل من أشكال الغزو الثقافي.

يقول القصيبي: "الغزو الثقافي المعاصر يتخذ شكل برنامج تلفيزيوني تصدره (هوليود) اليوم، فيصبح جنون العالم كله بعد أيام...، ويتخذ شكل مسرحية تعرض في (برودوي) بنيويورك مساء السبت فتسمع أصداءها الأحد في محلات الديسكو في القاهرة وهونج كونج وجاكرتا "(الغزو الثقافي ومقالات أخرى، ص٨).

كتبه / خالد بن عبدالله الغليقة

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية