صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







نقد الغزالي في معارضته للحديث النبوي بالواقع

خالد بن عبدالله الغليقة

 
يقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله -: " كيف نقول للبريطانيين الجدد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [لايفلح قوم ولوا أمرهم امرأة](1) وأمامهم ثاتشر بنجاحاتها؟ ! ".
أقول: هذا القول من هذا الشيخ استدراك على الشارع في طريقة هداية الناس، وتعقيب على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في إرشاد الخلق إلى الدين الصحيح.
يقول العلامة عبد الرحمن بن مهدي: "من لم يهتد بالقرآن والسنة فلن يهتدي بغيرهما". وهذا هو الأصل.
فتأويل النصوص لأجل هداية الناس تضليل للناس، ورد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمخالفتها للواقع (الكاذب) فيه طمس لحكمة أحكام الدين الإسلامي، وإخفاء لمعجزات الوحيين، وفيه إثبات للتناقض بينهما، وفيه من المحاذير إضعاف المسلمين، وذلك بإبعادهم عن أسباب الفلاح وتوضيح هذه الأمور.
أقول: إنَّ واقع ثاتشر الذي بسببه ردَّ الغزالي حديث النبي صلى الله عليه وسلم كواقع ذاك الصحابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله! إن أخي استطلق بطنه.

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "اسقه عسلاً" يقينًا من النبي عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى عن العسل: { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } [النحل: 69].
فسقاه عسلاً فزاد استطلاقه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره عن ذلك فأمره أن يسقيه عسلاً فذهب فسقاه عسلاً، فزاده استطلاقًا، فجاء يشكو مرة أخرى فأمره النبي أن يسقيه عسلاً، فذهب وسقاه فبرأ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأن أخاه برأ، فقال صلى الله عليه وسلم: [صدق الله وكذب بطن أخيك](2).
فيجب على الشيخ الغزالي - رحمه الله - وغيره ممن نقص يقينهم بحديث: "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وارتفع يقينهم بتاتشر أن يكذبوا عقولهم بنجاحات ثاتشر، وفرض عليهم أن يتهموا الواقع بالكذب يقينًا بالحديث، وعدم التكذيب يخلق تعارضًا بين الحديث وقوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4].

فإذا كان الشيخ الغزالي - رحمه الله - وغيره ممن يريد أن يدرأ التعارض بين الحديث والواقع، وذلك بإبطال الحديث شفقةً على عقول البريطانيين! فهو بهذا وقع في إثبات تعارض أعظم وأخطر على عقول المسلمين البريطانيين، وهو التعارض بين الحديث والآية، فوقع في خطأ أعظم من الخطأ الذي فرَّ منه كما قال علي بن أبي طالب: -  رضي الله عنه  - لما سئل عن الخوارج:أهم كفار؟ قال: من الكُفْر فرُّوا.
فقصور الفهم عن درء التعارض بين الحديث والواقع كقصور فهم الخوارج وغيرهم من الفرق المخالفة للكتاب والسنة، فالخوارج لم يستطيعوا درء التعارض بين آيات الوعد وآيات الوعيد، فأبطلوا آيات الوعد.
والفرق التي عطلت صفات الله سبحانه وتعالى ونفت الصفات عنه جميعها كان سبب تعطيلها أنها شبهت صفات الخالق بصفات المخلوق، فأرادت تعظيم صفات الخالق واستبعاد ما ينشأ في عقول الناس من الظن بأنها تشبه صفات المخلوق، وطرد ما يعلق في أذهان الناس إن صفات الله مثل صفات خلقه، فأبطلوا صفات الله ونفوها، وعطلوا الله من صفاته، وجعلوه بلا صفات مراعاةً لعقول الناس بزعمهم، بخلاف أهل السنة والجماعة فلم يثبتوا التعارض ألبتة، بسبب يقينهم بقوله تعالى عن صفاته:
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

فاليقين بهذا النص كان سببًا لمحو صورة التعارض بين صفات الخالق وصفات المخلوق ونفي التشابه بينهما، وأسعد الناس بهذا النص هم أهل السنة والجماعة.
فسبب وقوع هذه الفرق - وأولئك الأشخاص - في تعطيل الآيات وإبطالها وردّ الأحاديث وإثبات التناقض بينها هو عدم اعتمادهم على فهم من عاصروا نزول الآيات وصاحبوا من أُوْحِيت إليه تلك الأحاديث، وهم صحابة صلى الله عليه وسلم  ومن سار على منهجهم وفهمهم.

أما كون ردّ هذا الحديث وإبطاله فيه إضعاف للمسلمين وإبعادهم عن أسباب الفلاح فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط فلاح المسلمين بقيادة رجل، وعلق عزتهم وقوتهم بزعامة ذكر. فإذا حاول الآخرون ردّ الحديث الصحيح وإبطال كلام من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فقد قطعوا رأس العزة والقوة والفلاح، لأن الحاكم أو القائد كالرأس، فإذا صلح الرأس صلح الجسد، وليس من إصلاح الحاكم جعله أنثى، بل هذا من إفساده، فإذا فسد فسدت الأمة.
ولا يمكن أن يصلح الحاكم إذا لم يصلح أولو الأحلام والنُّهى، وعلى رأسهم علماء الشرع، ولهذا قال بعضهم: زلة العالِم زلة العالَم ؛ لأن العلماء أعرف الناس بما يصلح أحوال الناس، وذلك لمعرفتهم بنصوص الوحيين وتخصصهم في دراستها، فإذا زل العاِلم وردَّ قاعدة ًمن أعظم قواعد الفلاح، وعطل سببًا من أهم أسباب العزة والقوة - كرد حديث: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» - فقد أصاب جسد الأمة بالوهن والضعف والذل.
 
----------------------------------------------
(1) أخرجه البخاري (4425) من حديث أبي بكرة.
(2) أخرجه البخاري (5684)، ومسلم (2217) بنحوه من حديث أبي سعيد
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية