صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ديننا قائم على الإحصائيات ولغة الكم
والأسلوب الرياضي (قيادة المرأة للسيارة نموذجًا)

خالد بن عبدالله الغليقة

 
تتعجب ممن يسمى في مجتمعنا أبو الإحصائيات، ولا يقيم دراسة لظاهرة من الظواهر الاجتماعية إلا من خلال التجربة.
وتستغرب ممن يطلق عليه في منطقتنا صديق الأرقام، ولا يقيم أفكاره إلا بالأسلوب الكمي والرياضيات، وسبب التعجب والاستغراب أنه إذا كان هناك ظاهرة اجتماعية خلفها الدين وينادي بها علماء الشرع، نسي أبو الإحصائياتِ الإحصائيات، وذهل صديقُ الأرقامِ عن الأرقام، وكأن ليس هناك مدرسة الفيزياء الاجتماعية مديرها " أوجست كونت "تتبنى لغة الكم والإحصائيات في دراساتها الاجتماعية، وكأن ليس في الوجود شيء اسمه الرياضيات الاجتماعية والأسلوب الكمي.
فلماذا الظواهر الاجتماعية الناتجة عن الأحكام الشرعية فقط لا يتحدث عنها بلغة الكم؟ ولماذا آراء علماء الشرع وحدها لا يطبق معارضوها عليها علم الرياضيات الاجتماعية حتى يتبين الصحيح من الخطأ والغلط من الصواب؟ ولماذا لا تكون معارضة المشايخ في آرائهم قائمة على الإحصائيات والتجارب حتى يتضح المصيب من المخطئ؟
فالاعتراض على الظواهر الاجتماعية الناتجة عن الأحكام الشرعية بلا إجراء إحصائيات ولا استخدام الأسلوب الكمي اعتراض على الله خالق العنصر الأساسي في الظاهرة الاجتماعية الذي هو الإنسان، واعتراض على مشرع هذه الأحكام.

فتاوى علماء الشرع مبنية على أساس من أساسيات لغة الكم، ونظرتهم إلى القضايا قائمة على قاعدة من قواعد الرياضيات. فمن تلك الأساسيات قوله تعالى في الخمر والميسر: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } [البقرة: 219].
ومن تلك القواعد قاعدة (ارتكاب أخف الضررين)، ولنأخذ مثالاً عصريًّا ونازلة من نوازل هذا العصر تبين صحة هذا الأمر، فمثلاً قضية (قيادة المرأة للسيارة) وتطبيق العلماء لهذه القاعدة وتلك الأساسيات عليها فقيادة المرأة للسيارة صحيح أن فيها منافعَ للناس، وفيها إيجابيات، لكن ضررها على الناس أكبر من نفعها، وسلبياتها أكثر من إيجابياتها، ولهذا نهى العلماء عنها كما نهى الله عن الخمر و الميسر مع أن فيهما منافعَ للناس لكن ضررهما أكبر من نفعهما.

قد يقول قائل: كيف عرفوا أن ضررها أكبر من نفعها، وسلبياتها أكثر من إيجابياتها، وهم لم يجربوها، ولم يختبروها؟!
** الـجـواب:
إن العلماء في هذا البلد شاهدوا ضررها في البلاد المجاورة، ورأوا فسادها العريض في إخوانهم المجاورين، فالقرآن والحديث من أولهما إلى آخرهما يحثان على الاتعاظ بالآخر، وعلى الاعتبار بالآخرين، والعقل الصحيح والقلب السليم يرشدان لذلك أيضًا، والدليل قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 179].

فليس هناك عاقل لا يرى التجربة خير برهان، وليس هناك مدرك يرى أنه يجب البدء من الصفر.
بل المشكلة أنك تجد من ينادي بقيادة المرأة للسيارة حين يتحدثون عن الاقتصاد، والسياسة، والتكنولوجيا، والتقنية، والصناعة، شعارهم البدء من حيث ينتهي الآخرون، وأساس أفكارهم الاستفادة من تجارب الآخرين.
فلماذا لا تضم قضية اجتماعية مهمة جدًّا جدًّا - كقضية قيادة المرأة للسيارة - إلى تلك الأفكار حيث البدء فيها من حيث انتهى الآخرون؟
ولماذا لا تلحق هذه القضية بشؤون الحياة الأخرى حيث يستفاد من تجارب الآخرين، ويعتبر فيها بالعواقب؟ أو أن المرأة في نظر أبي الإحصائيات، وصديق الأرقام مخلوق بسيط لا يحتاج في شئونه إلى إحصائيات، وإجراء دراسات تستخدم أسلوب الرياضيات!؟ أو إنها مخلوق هامشي ليس من المهم في شؤونه أن يبدأ فيه من حيث انتهى الآخرون! بل لأبي الإحصائيات أن يبدأ في شؤون هذا المخلوق من الصفر، ولصديق الأرقام أن يتكلم في قضاياها من حيث بدأ الناس، لا من حيث انتهوا، فمثلهم ومثلها كالطلاب في كليات الطب لكل طالب حشرة من الحشرات يقيم عليها تجاربه من الصفر مستقلاً عن زميله.
قد يقول قائل: إن السائق الأجنبي شخصية قابلة للضرر ووظيفة محتمل أن تفرز فسادًا اجتماعيًّا، وقيادة المرأة بديل عنه، وبقيادتها ارتكاب أخف الضررين.

** الـجــواب:
أن العلماء في هذا البلد يقرون بهذا الضرر، ويعترفون بالفساد الذي يحتمل أن يفرزه السائق الأجنبي، لكن تقرر لديهم بأن الضرر الذي ينتج عن قيادة المرأة بنفسها أكثر، ومتقرر لديهم بأن الفساد الذي يفرز من قيادة المرأة أعظم، فهنا أخذوا بالقاعدة الشرعية (ارتكاب أخف الضررين)، وأنا أجزم جزمًا قاطعًا لا شك فيه أن أبا الإحصائيات أو صديق الأرقام لو قدم دراسة تخالف دراسة العلماء، وقدمها للعلماء طالبًا الفتوى، وخلاصة هذه الدراسة بأن ضرر السائق الأجنبي أكثر من كون المرأة تقود بنفسها، وأن قيادتها بذاتها للسيارة أخف فسادًا من السائق الأجنبي، وأن تكون هذه الدراسة مدعومة بالإحصائيات وبالأسلوب الكمي، ولغة الرياضيات، فإنَّ علماءنا ستنقلب فتواهم، وتتغير جذريًّا، وتكون قيادة المرأة مباحة في نظرهم، وسيكون نصيب السائق الأجنبي التحذير من استقدامه، والحث على اتخاذ بديل لـه هو قيادة المرأة للسيارة بنفسها وبذاتها أيضا، وهذا التغير في الفتوى وذاك القلب الجذري هو الذي لم يفهمه بعض الناس فيظن أن التغير والقلب بسبب ضغط السلطة أو ضغط الواقع !وأكثر منه جهلاً من يظن أنه بضغط الأيام والزمان!!

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية