صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خط القلم
في إثبات أنَّ تفجير كنيسة (القِدِّيْسَيْنِ) مُحَرَّم
(رؤية شرعية واقعيَّة للأحداث الأخيرة)

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد    

خبَّاب بن مروان الحمد


بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد:
اللهم رب إسرافيل وميكائيل وجبرائيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم اجعل عملي كلَّه صالحاً ، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.
اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين..

آمين آمين لا أرضى بواحدة *** حتَّى أبلغها آلفين آمينا


• توطئة وتمهيد وسبب الكتابة في هذا الموضوع:

تصحو كثير من بيوتات المسلمين في بعض بلاد الإسلام على دوي انفجارات، وصخب تفجيرات تأكل الأخضر واليابس، وتعم البادي والحاضر، ولا تفرق بين محتل وغاصب، وبين مؤمن صادق أو مستأمن في كنيسته راهب!
ولقد صحا الناس على أخبار التفجيرات التي وقعت في مدينة الاسكندرية في الكنيسة الأرثوذكسيَّة المسمَّاة بـ:(كنيسة القديسين) مِمَّا أدَّى لمقتل 21 شخصاً وإصابة 80 أغلبهم نصارى وقلَّة من المسلمين الذين أصابهم شيء من تلك العمليَّة التفجيريَّة، وقد استنكرها الشرق والغرب، وتحدث عن بيان تحريمها = تيجان الناس من علماء الإسلام.
لكنَّ ما فاجأني حقيقة احتفال واحتفاء قلَّة قليلة من الناس بهذه التفجيرات وخصوصاً في بعض المنتديات والمواقع، وجعلها ضرباً من ضروب الجهاد في سبيل الله، ورفضهم لمن حرَّم هذه التفجيرات من أهل العلم، واتهامهم بالتمييع في الدين، وعدم الفقه الشرعي، ومداهنتهم للطواغيت وغير ذلك من الألفاظ التي يقولونها، فقد بات هذا الوضع في كثير من المواقع الإلكترونية واضحاً ولائحاً، فيحتدم النقاش وتنبري الأقلام الكيبورديَّة للقدح والردح وقدح زناد الجرح لبعض من اختلف مع بعض الشباب الذين غالوا في قضايا التكفير والتفجير، أو الحركة الشبابية الحماسيَّة التي لا تُؤطر بإطار، أو تحلى بسوار، مع عدم إنكارنا لغيرتهم على هذا الدين، لكنَّ الخلاف معهم بطبيعة أفكارهم وضعف انصياعهم لسماع الرأي الوجيه من أهل العلم الربانيين الذي يُحرِّمون هذه الأفعال !
كما أنّي حينما أكتب ذلك فإنَّ مقصد الكتابة النصح لله ولرسوله ولعامَّة المسلمين، و(الدين النصيحة) و( المؤمن مرآة أخيه) كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم.
إنَّها كتابة ليست أشبه بتسجيل موقف، لكي يُخلِّص بعض الناس أنفسهم من تبعة ذلك الأمر فحسب، واختيار الكلمات الرنَّانة لتجريم مثل هذه الأفعال، والتي لن يصعب على أي كاتب أو داعية أن ينتقيها ويخاطب بها الناس، ويبين رأيه الشديد في بيان حرمتها أو استنكارها، فتكون أحياناً أشبه بخطابات كثير من حكَّام العرب في استنكار بعض المجازر الدموية التي تحصل من قوى الاحتلال الغاشم للديار الإسلامية، ويكتفون بذلك فحسب!!..
لقد جاءت هذه الأكتوبة من شخص يشعر صاحبه بالحدب على بلاد الإسلام، والحنو عليها، حينما يراها تتقلب بها المواجع، وتكثر بها الفجائع، وتميد بها الفتن البلاقع.

• بيان خطورة التدخلات الغربيَّة والصهيونية في البلاد الإسلاميَّة:

في البداية فإنَّه يقع في حدسي ويجول في خاطري ما يجول بقلوب الملايين من المسلمين:
بأنَّه لربما تكون اليد الفاعلة لهذه التفجيرات هي أيد خفية خارجية كالموساد (وذلك لأنَّهم قاموا بأعمال شبيهة بذلك وباعترافات بعضهم) فهم يسعون في الأرض فساداً كما وصف الله يهود وهم يهود!
ولقد صرَّح نواب مصريون في البرلمان ومراقبون بارتكاب جهاز الموساد الإسرائيلي حادث كنيسة الاسكندرية، ففي تصريحات خاصة قال النواب صبحي صالح ومصطفى بكري وسعد عبود لـ جريدة 'القدس العربي' أنَّ الحادث يحمل رائحة جهاز الموساد وشدد بكري على أن رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق كشف النقاب صراحة مؤخراً عن ضلوع الموساد في تأجيج ملف الفتنة الطائفية والوقيعة بين المسلمين والنصارى، وربما كان الغرض منه التغطية على خبر القبض على عملاء للموساد في مصر، والضغط على الحكومة المصرية بشأنهم !
ولأجل ذلك اعتبر اللواء أحمد عبدالحليم -وكيل لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومى بمجلس الشورى - أن تفجيرات (كنيسة القديسين) بالإسكندرية هى رد فعل طبيعي من العدو الصهيونى نتيجة للمبالغة الشديدة من قبل الإعلام المصرى الذى احتفل بالقبض على الجاسوس المصري الذى يتجسس لصالح اسرائيل، وأظهر الفشل الذريع للموساد والحديث المستمر عن تفوق المخابرات العامة المصرية فكان من الضروى لهذه الجهة القيام بعمل يغطى على فشل هذه العملية .
ولربما ما ينفك الموساد أو غيرهم مِمَّن تُشار إليه أصابع الاتهام عن الانتهاء من عملهم المجرم حتَّى يحاولون إلصاق هذه الأفعال المُحرَّمة بالمسلمين، أو أنَّهم قد يستخدمون بعض الحمقى من المسلمين؛ لقيامهم بمثل هذه التفجيرات المحرَّمة من خلال اختراق بعض التنظيمات المقاتلة، وذلك خدمة لمصالحهم الخاصَّة؛ للقيام بمثل هذه التفجيرات التي لا يقرها شرع ولا عقل ولا ضمير، ويكون خلفها بالفعل أصابع مجرمة تريد زرع الفتن والقلاقل في بلاد المسلمين؟
وإنَّ مما قيل عمَّن يشار إليه بأصابع الاتهام في طبيعة هذا التفجير، ما أوردته بعض وسائل الإعلام عن تصريح بعض الجماعات المسلحة الإسلاميَّة، وقولهم في بيان لهم قبل مدَّة ليست بالطويلة: (إنه إذا لم يُلَبِّ الأقباط مطلب التنظيم؛ فسيفتحون على أبناء مِلّتهم بابًا لا يتمنونه أبدًا، ليس بالعراق فحسب؛ بل في مصر والشام وسائر بلدان المنطقة؛ فلديهم عندنا مئات الآلاف من الأتباع ومئات الكنائس، وكلها ستكون هدفاً لنا) ا.هـ
وهذا هو السبب الوحيد والرئيس الذي يجعلنا نقول: إنَّ بعض المسلمين قد يكون لهم دور أو تورط في القيام بمثل هذه الممارسات، وهو السبب الذي جاءت لأجله هذه الرسالة التي تُبَيِّنُ تحريم التفجيرات التي جرت في كنيسة النصارى بالاسكندريَّة، مع أنَّه لا يمكن الحكم على أنَّ من قام بها أحد من المسلمين ـ كما يريد أن يدندن بعض المُغرضين لحاجة في
أنفسهم ـ إلاَّ ببينة وبرهان وحجَّة ودليل ـ ولم يظهر شيء من ذلك إلى الآن ـ ، وليس أن تتهم مجموعات إسلامية أياً كانت ومن ثمَّ تظهر الحقائق أنَّه ليس لهم في هذه التفجيرات ناقة ولا جمل، ولا خطام ولا زمام، كما حدث في حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري حيث خرج تسجيل (مفبرك) لرجل ملتحٍ يقال له (أحمد أبو العدس) وهو يلبس العمامة البيضاء ويقرأ بياناً ومن خلفه الراية السوداء ومكتوب عليها «جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام» ويعلن مسؤوليتها عن الاغتيال، وذلك بسبب علاقات الحريري بالسلطات السعودية!!
وهو تسجيل لم يقنع غالبية الللبنانين، فضلاً عن المسلمين، ثمَّ نُسي هذا التسجيل بعدما تمَّ استغلال رجل ـ الله أعلم بحاله ـ كيف استخدمه أولئك وأقنعوه أو أخضعوه ثمَّ استخدموه، وكيف جاء ولُبِّس هذا الأمر وقام به، وحاولوا في البداية إلصاق هذا الأمر بهذه الجماعة التي لم يسمع لها مطلقاً عمل ما سابقاً لتلك الحادثة ولاحقاً كذلك، بل قد كشف أمير "القاعدة في بلاد الرافدين " سابقاً أبو مصعب الزرقاوي أنه لا يوجد أي فصيل جهادي تابع للقاعدة بهذا الاسم في المنطقة، وبعد أن تمتَّ المسرحيَّة واختفى أمرها وأثرها ولم يعد يتحدث أحد عنها، بدأت الحقائق الواضحة تشير بأصابع الاتهام في اغتيال الحريري وتُوَجَّه لقوى مؤثرة عالمية وتنظميات معروفة في الميدان.
هذه المسرحيَّة يجيد صنعها بالفعل أعداء الإسلام ويحيكون خيوط المؤامرة بدقة، ويحاولون كذلك ألاَّ ينسبوا شيئاً من خلال هذه التفجيرات إلاَّ للمسلمين، لمزيد كراهية فيهم، ولأنَّهم يعلمون أنَّه الدين الحق ، ولإبعاد غير المسلمين من الاقتناع به، حقداً وحسداً من عند أنفسهم...
قلت ذلك؛ لكي يُعلم أنَّ مثل هذا الشيء قد حدث ولكن بصورة مغايرة، في أحداث تفجير الكنيسة في الاسكندرية، حيث قامت الإذاعة اليهودية في الكيان الصهيوني بنسبة هذا العمل لجماعة جهادية غير معروفة تطلق على نفسها "مركز المجاهدين " وأنَّها تُعلن تبنيها لتفجير كنيسة " القديسين " في الإسكندرية ...وتستند هذه الدعاوى على تحريض سابق لاستهداف الكنائس المصرية في أيام أعياد النيسان النصرانية نشر على شبكة شموخ الإسلام المقربة من تنظيم القاعدة قبل أسبوعين، بل انقادت وسائل الإعلام العربية ومنها (العربية) نموذجاً كالعادة وبدون تأكد ونسبت ما نسبته الإذاعة الإسرائيليَّة لهذا المركز...
و بعد أيام قلائل ينفي هذا المركز الإعلامي تبنيه لهذه التفجيرات ببيان صادر عن شبكة المجاهدين الإلكترونية، بنفي ما تناقلته الصحف والمواقع بعد تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في أرض الكنانة (مصر) بأنَّ هذا المركز هو القائم بها، ويذكر أنَّه مركز لا علاقة له بأية جهة تنظيمة أو حزبيَّة وأنَّه لا يقوم سوى بالعمل الإعلامي لنشر صور وأعمال الحركات الجهادية.
أقول هذا لإقرار مسألة مهمَّة وهي خطورة ما يقوم به أعداء الإسلام في نسبة الأفعال المحرَّمة في دين الإسلام للمسلمين، واتهام بعض الجماعات الإسلاميَّة بها ، وجعلها شمَّاعة يعلِّقون عليها ما يشاؤون من أعمالهم التي لا تزرع سوى الفتنة في بلاد المسلمين، وقد تقع بالفعل بعض هذه الجماعات بأخطاء أو أعمال محرَّمة وغير جائزة شرعاً، ولكن تقوى الله يجب أن تكون أمام أعيننا في اتهام مجموعة أو أحد بعينه إلى أن يثبت القائم بها.
ومن المهم التحذير من الانسياق خلف الآيديولوجيات الغربية التي تريد أن تنال من الإسلام من خلال هذه الحركات التي لا أشك كذلك بوجود حالة اختراق في صفوفها بسبب طبيعة هيكليتها الحركيَّة والتنظيميَّة وما حادثة(الجاسوس) المسمَّى: ( محمود قول آغاسي أبو القعقاع الشامي) واختراقه لبعض الحركات الجهادية في العراق وتقمُّصه العلم والمشيخة وتثوير الشباب للجهاد، ما تلك الحادثة ببعيدة عمَّن كان يسمع به ولربما كان يُعجب بمنطقه، فضلاً عن انخداع بعض الناس به، مِمَّا يُعدُّ مثالاً لاختراق بعض الأنظمة أو الحركات الخفيَّة الغربية لمثل هذه الحركات الإسلامية، مما يستدعي وجوب الحذر والانتباه قبل الثقة بالأشخاص في عالم مليء بالأكاذيب ومخضب بالدهاء والنفاق السياسي والاجتماعي.
وبعد هذه المقدمة المهمَّة في ضرورة الحذر من التأثر بالسموم الإعلاميَّة في إلصاق أي شيء بالمسلمين أو بالحركات الجهادية، وضرورة التثبت والتأكد والتبين قبل اتهام الآخرين جزافاً بدون بينة أو برهان، والوقوف مع قول الله تعالى:(ولتسألن عمَّا كنتم تعملون) والقول عمل، وقوله تعالى :(ستكتب شهادتهم ويُسألون) فإني أقول:

• السبب الحقيقي لوجود الأزمة الكنسيَّة في مصر:

وقبل الحديث عن تحريم ما جرى بكنيسة الاسكندرية في مصر، ومع ضرورة التأكيد على حرمة ما حصل فيها من تفجير، ومع التأكيد ثانياً على أنَّ ما سأذكره من أسباب، لا يعني بالمطلق إيجاد ذرائع لأعمال العنف مهما كان مصدرها، فذكر السبب مهم برأيي لكي ندرك لماذا آلت الأمور لما صارت إليه.
إنَّ من اللازم بداهة أن نتحدث عن قضيَّة أحسب أنَّها هي الشرارة التي أضرمت نيران هذا التفجير، والزوبعة التي قلبت المعادلة، حينما تستغل ذلك أيَّة طائفة (قد تنتسب للإسلام) تريد القيام بمثل هذا التخريب في الكنيسة، مع تركيزي على أنَّه وحتى الآن لم يتم الإعلان الحقيقي عمَّن يقف وراءها..

إنَّ أكبر سبب داعٍ لهذه التفجيرات فذلك يعود في رأيي إلى شقين مهمين جداً :

أولا:
من كان سبباً لذلك حينما زرع بذور الفتنة وسقاها بالماء، وهم رؤوس النصارى سواء أكان البابا شنودة أو نظير جيد روفائيل زعيم عصابة الأمة القبطية، أو بيشيوي وغيرهم، ممَّن كانوا خلف اختطاف المسلمات اللاتي تركن دين النصارى ودخلن في الإسلام طوعاً مثل:(كاميليا شحاتة، وفاء قسطنطين،عبير ناجح إبراهيم، وماريان مكرم عياد، كريستين مصري قليني، تيريزا إبراهيم، وغيرهم فهؤلاء المعروفات إعلاميًّا ومن خفي كان أعظم) وقد تناقلت وسائل الإعلام أخبار تعذيبهنَّ بشدَّة، بل فقدان إحداهنَّ لعقلها، مع العلم أنَّ أغلب هؤلاء النسوة مِمَّن كنَّ زوجات لبعض الكهنة، ولأجل ذلك اختطفن وعذِّبن من زبانية الإجرام النصراني في الكنائس وأقبية وأديرة التعذيب، حتَّى لا تهتز صورة الكاهن أمام الرأي العام من النصارى في مصر، وبالطبع فإنَّ القس اللص (سارق الأخوات) (البابا شنودة) رفض أن يدلي بتصريحات عن مكان وجود كاميليا شحاتة لدرء الفتنة كما يزعم!
ثمَّ يقول باستهتار بعاطفة أكثر من 95% من الشعب المصري وبكل فجاجة : (الناس هاتنسي كاميليا زي ما نسيت وفاء قسطنطين ودي أحسن حاجة في الشعب المصري)! وهذا سيصنع في الحس اللاشعوري لدى الوعي العام للشعب المصري أو من يتابع قضية الأسيرات المسلمات المختطفات، حالة من الضغط والكره والعداء، لقادة الكنائس في مصر، ولربما ولَّد عند بعض المندفعين لمعالجة الأمور ما يسبب تفاقم المشاكل والسبب في ذلك، الجرائم الكنسيَّة ضدَّ الأسيرات المصريات المسلمات.
لقد شهِدَ بذلك كذلك، وما عرضته من أنَّ سبب ما جرى ممارسات قيادات الكنائس المصريَّة، أحد القساوسة المصريين وهو القس إكرام لمعي كما ورد في صحيفة المصريون الألكترونية، وقال القس إكرام لمعي، أحد قيادات الكنيسة الكاثوليكية لـ "المصريون"، (إن الاحتقان الطائفي الذي ساد مصر خلال المرحلة وتصاعد التوتر بين الدولة والكنيسة الأرثوذكسية لعب الدور الأبرز في تهيئة الأجواء لحدوث تفجير كنيسة الإسكندرية، لافتا إلى أن "علو الصوت الطائفي داخل الكنيسة، واستفزاز قيادات كنسية للأغلبية المسلمة، وإصرار الكنيسة على احتجاز سيدات ترددت أنباء عن اعتناقهن الإسلام كلها عوامل اسهمت في حدوث التفجير" الذي لم تتبنه جهة حتى الآن، وانتقد لمعي قيادات الكنيسة الأرثوذكسية، معتبرا أن تعاملهم مع الملف القبطي من منظور طائفي والاستماع لأصوات متطرفة في الداخل والخارجي هو من الأسباب التي أدت إلى حدوث التوتر بين الطرفين وتهيئة الساحة لمثل هذه الأعمال، مطالبا قيادات الكنيسة بالتعامل بشكل موضوعي مع الدولة والبعد عن نهج المواجهة، باعتبار أن هذا النهج لا يخدم مصالح المسلمين والأقباط في مصر).
فهذه شهادة من أحد قساوستهم تُبيِّن أنَّ النصارى في مصر كانوا هم السبب الحقيقي لوجود مثل هذه الأزمات والنكبات التي حصل في مصر.
مع أنَّ عموم العلماء والمشايخ وكذا من كانوا خلف كشف الظلم الواقع على الأخوات الأسيرات، كانوا يستنكرون قيام الكنائس وقياداتها باحتجاز المسلمات، وسبِّهم للقرآن والرسول عليه السلام، ومع ذلك كانوا يُحذِّرون الشباب المندفع لنصرة إخوانه بألاَّ يقع منهم تجاوز لحدود الله تعالى في التعامل مع هذه الأزمة بل يتمثَّلُون قوله تعالى :( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (128) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ( 129 ) )
فما كان أهل العلم إلاَّ سداً منيعاُ في الوقوف ضدَّ أي فتنة في مصر؛ للحيلولة لكلِّ من يريد أن يتربَّص بهم الدوائر والسوء،فإنَّ أهل العلم قاطبة كانوا ضدَّ هذه التفجيرات ، وكانت لهم طرقهم الخاصَّة في التعبير عن الرفض لممارسات النصارى من ترويع للمسلمات وخطفهنَّ، وغير ذلك وهو أمر معلوم.
إنَّ أهل مصر مسلمهم ونصرانيهم وقد عاشوا لأكثر من 1400 عاماً بكل تعايش وتسامح مع احتفاظ كل منهم بعقيدته، بل بشهادتهم أنفسهم أنَّهم حينما عاشوا في ظل حكم الشريعة الإسلاميَّة سابقاً كانوا أسعد حالاًُ وأكثر أمنا..
وقد يستغرب القارئ حينما أسوق له ذلك، وأذكر له أنَّ من قال ذلك ليس غريباً عن أذهانهم، بل هو الذي تدور حوله الأحاديث، وهو (الأنبا شنودة) ،ليعلم القاصي والداني عظمة هذا الدين الإسلامي، وأن شريعته السمحاء هي العاصمة لأمن مصر، فيقول: "إن الأقباط، في ظل حكم الشريعة، يكونون أسعد حالاً وأكثر أمنًا، ولقد كانوا كذلك في الماضي، حينما كان حكم الشريعة هو السائد. نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا" إن مصر تجلب القوانين من الخارج حتى الآن، وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة، ولا نرضى بقوانين الإسلام؟!!" عن صحيفة الأهرام المصرية، 6 مارس 1985م.
ولكنَّ النصارى وللأسف الشديد، لم يكونوا حماة للنسيج الاجتماعي، وبعداء عمَّا يمس بأمن مصر واستقراره، فبتشجيع من أمريكا ورؤوس الأموال من أقباط المهجر، بدؤوا ينادون ببعض الحقوق التي لا يمكن أن تنادي بها أقليَّة مسلمة في الدول الغربيَّة من قبيل زيادة بناء الكنائس بشكل واسع، ويأتي قادتهم النصارى من قساوستهم المرتبطين بأجندة وبرامج خارجيَّة ويريدون إيقاد الفتنة وإشعالها، باعتقال المسلمات، وسب القرآن، وسب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، والسبب في ذلك قادة الكنائس المصريَّة في الداخل المصري، وأقباط المهجر بقساوستهم وقُمُصِهِم وروؤس أموالهم، والذين يريدون شراً للأمَّة المصرية والشعب المصري بأكمله.
إنَّ قادة النصارى إن كانوا يعقلون هم الذين جنوا على أنفسهم بمثل هذا الحادث التفجيري المُحرَّم، لأنَّهم كانوا سبباً فيه، وعلى فرض أنَّ هذا التفجير كان خلفه قلَّة من السواد الأعظم من المسلمين وإن صحَّ وجود ذلك منهم، فلقد جاءت لقادة كنائس النصارى تهديدات من تنظيمات إسلاميَّة قتاليَّة، لكي يُفرجوا عن المسلمات المختطفات في أديرة النصارى، وأنَّ النصارى إن لم يفعلوا ذلك، فستفتح عليهم تلك التنظيمات حرباً لا هوادة فيها، فكان الأولى بقادة النصارى إطلاق الأسيرات حافظاً على كنائسهم ومعابدهم.
أم أنَّهم كانوا ينتظرون مثل هذه التفجيرات لكي يستغلوها لمصلحتهم ويستثمرون في الدماء!
ومع إقرارنا أنَّ ما حصل في تفجير كنيسة النصارى بالاسكندرية محرَّم شرعاً، ولكن صدق(البابا شنودة) حينما قال:
قل لمن يزرع أشواكاً كفى * هو نفس الشوك أيضاً سوف تجني!
لكنَّ (البابا شنودة) وقع فيما حذَّر منه، فما زرعه شنودة من إرهاب حقيقي ضدَّ المسلمات، جناه بمثل هذا التفجير المُحرَّم وغير المُسوَّغ شرعاً وضميراً إذ لا ذنب لأولئك الذين ماتوا بسبب هذا التفجير من عوام النصارى، ولكن ليس جميع الناس يفهمون دينهم بالطريقة المرتضاة، ومن زرع شوكاً لا يمكن أن يحصد العنب!

ثانياً:

سكوت الدولة والحكومة المصريَّة ورضوخها للجرائم التي يقوم بها الكثير من قادة الأقليَّة النصرانية التي لا تبلغ 5% في مصر، له دور كبير فيما يحصل من احتقان كبير جداً بين المسلمين والنصارى في مصر، ولهذا فلقد أكَّد المفكر النصراني د. رفيق حبيب أن الدولة المصريَّة (تتعامل بعنف وفجاجة مع التيارات الإسلامية وتنحاز للأقباط على حساب التوازن المجتمعي مما أدى للانتقام بهذه الطريقه البشعة).
وتصديقاً لذلك فإنَّه يمكن الإشارة في هذا المقام إلى واقعة تاريخية خطيرة : وهو أنه بعد قيام ثورة يوليو 1952 قام عبدالناصر وأعوانه من الضباط الأشرار بتأميم كل شيء ليصبح ملك للدولة حسب النظرية الاشتراكية، وأممت الأوقاف الإسلامية بأسرها ومنذ ذلك الحين والأوقاف في تدهور حيث آلت إلى الدولة وخزانتها فحسب ، وأصبح الأئمة والمؤذنون أقرب إلى المتسولين وذلوا بعد عزة، وأما الأوقاف النصرانية فلم تؤمم ، فتوفرت لديهم الأموال التي استثمروها وتاجروا بها، وعندما سمح لهم ببناء الكنائس بنوا قلاعا ضخمة لكن أسموها كنائس.
فالحكومة المصريَّة وعدم تعاونها مع المسلمين بوجوب إخراج الأسيرات المسلمات من قيدهن، بل الملاحقة الأمنيَّة لمن يكشف حقيقة معاناتهنَّ، وسجنهم، واتهامهم بأنَّهم يروجون لـ:(الفتنة الطائفيَّة)، وما دروا بل قد دروا أنَّ الذي أشعلها وأضرم نيرانها قادة الكنائس المصريَّة، من مثل قول كبيرهم الأفاك الأثيم: (الأنبا بيشوي) أنَّ النصارى هم أهل البلد الحقيقيون، وأن البقية الذين يمثلون 95% من المسلمين أنهم ضيوف على مصر القبطيَّة بحد زعمه، ولا نجد رد فعل حقيقي للرئاسة والحكومة المصريَّة غير السكوت من غير أن تحرك ساكنا؟
وجدد ذلك النصراني الخبيث مجدى خليل، مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات بالمهجر,هجومه على الإسلام, ويردد ما يقوله (بيشوي) فيقول :(إن المسلمين ضيوف على مصر وهذه حقيقة تاريخية).
ولا أدري لو أنَّه تسامعت الحكومة المصريَّة بوجود قيادات حقيقيَّة دخلت مصر من تنظيم القاعدة وأنَّهم يجلبون الأسلحة ويضعونها في المساجد (وهذا على سبيل المثال)، فماذا ستفعل تلك الحكومة المصريَّة إلاَّ الانقضاض من خلال جيشها وعدَّتها وعتادها لاعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة، وأنَّهم يسعون لتخريب البلد، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها؛ فإن كان الأمر كذلك فلم لا يكون هذا منصباً على قيادات تلك الكنائس التي باتت أديرتها مستودعات للأسلحة، مع تهريب المتفجرات كذلك لتلك الكنائس، وظهور الأسلحة عياناً بيد النصارى ولاسيما الأنبا ويصا في حادثة الكشح؛ مع ظهور حالات الخطف والاغتيال للمسلمات من بين الناس في الشوارع واعتقالهنَّ وكأنَّ تلك الأقليَّة دولة كاملة تحكم داخل دولة، بل تعلن الحرب على تلك الدولة وشعبها جهاراً نهاراً.
وبوضوح وصراحة فإنَّ هنالك تساؤل يفرض نفسه كذلك وهو: لو ثبت أنَّ من كان خلف هذه العملية المحرَّمة الموساد، أو بعض المجرمين من أقباط المهجر لاستغلال هذه الأحداث لصالحهم، فماذا يا تُرى ستكون طريقة محاكمتهم؟
وهل ستقدر الحكومة المصرية على مواجهتهم بالطريقة التي تواجه بها أيَّة مجموعة مسلَّحة إسلاميَّة إن ثبت أنَّها كانت خلف هذه الحادثة؟
وهل ستبقى القضية ملتهبة ضدَّهم في الإعلام الرسمي، وتطالب الحكومة المصريَّة بصراحة باعتذار (شنودة) وكذلك أقباط المهجر، مع تقديم الجاني ومن كان خلفه للمحاكمة؟
أم أنَّ الملف سيغلق، وتبقى القضيَّة غامضة، ولا يُعرف من كان خلفها، فهنا سؤال وجيه للغاية؟

• بيان الأسباب الداعية للحديث عن تحريم تفجير الكنائس في مصر:

السبب الذي دعاني للحديث عن تحريم مثل هذه التفجيرات التي طالت الكنيسة بمصر عائد لعدَّة جوانب وأوجه، يقع تحتها ما يُقال في تحريمه:
1) فقه النصوص الشرعيَّة.
2) فقه المقاصد.
3) فقه المصالح والمفاسد.
4) فقه الواقع.
5) فقه اعتبار المآلات.
وبما أنَّ هذه التفجيرات باتت حلقة في سلسلة، ولخشيتي من استمرار ذلك، فإني أكتب هذا المقال الشرعي، تبياناً لتحريم ما جرى في مصر لتفجير كنيسة القديسين، وقد استجلب سبب هذا المقال ما لدى بعض الشباب من المتحمِّسين والمندفعين، بمباركة هذه التفجيرات والمبالغة في مدحها، ولربما كتابة الدراسات والمقالات الشرعيَّة في تقرير هذه الأفعال، أو أن يقول قائلهم :(لم آمر بها ولم تسؤني) فكان هذا المقال، درءاً للفتنة، وتبياناً للأمَّة، كما قال القائل سابقا:

أرى خلل الرماد وميض جمر *** ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى *** وإن الحرب مبدؤها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قومي *** يكون وراءها فتن عظام


(أدلَّة التحريم من النصوص الشرعية)

النصارى في مصر أو في غيرها كفرة بالرحمن وعبَّاد صلبان ويقولون على الله وفي الله أقوالاً بشعة وكفريَّة،
قال تعالى :( لقد كفر الذين قالوا إنَّ الله هو المسيح ابن مريم).
وقال تعالى :( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتَّى تأتيهم البيِّنة).
إلاَّ أنَّ كثيراً منهم يعيشون مع المسلمين المصريين في تسامح وتعايش بطبيعة الحال والواقع، مع احتفاظ كل من المسلمين والنصارى بعقائدهم، ولربما حدثت في زمن سابق بعض الحوادث النادرة التي تشوبها شوائب الفتنة وضرب الخلافات المؤثرة بين الطرفين فيحصل جرَّاء ذلك بلاء وفتنة، لكنَّ الأصل في التعامل معهم قول الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة/8].
فالتعامل معهم يكون بالبر وهو بذل المعروف وكف الأذى، وتأليف قلوبهم لكي يدخلوا في الإسلام، والعدل معهم دون ظلمهم، حتَّى لو ظلم بعضهم أحد المسلمين فلا يجوز للمسلمين أن يظلموا من كان بريئاً منهم، وأن يعصوا الله تعالى فيهم، فإنَّهم وإن عصوا الله تعالى فيهم فليس على المسلمين إلاَّ أن يطيعوا الله فيهم.
وإنَّ ما قامت به هذه الفئة التي كانت وراء الاغتيالات أيا كانت وجهتها وهيئتها، فإنَّها قد وقعت في الإفساد بالأرض بغير الحق فالله تعالى يقول :﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة/32].
صحيح أنَّ هؤلاء الأقباط النصارى ليسوا أهل ذمَّة، وذلك لتهاوي نظام الحكم الإسلامي، وعدم الحكم بما أنزل الله عليهم وعلى المسلمين كذلك، وعدم دفع النصارى الجزية مع الاستسلام، وذلك يرجع لاختلاط الأمور الآن حابلها بنابلها في الدولة المدنيَّة المصريَّة الحديثة، ووجود بعض الفقهاء المعاصرين ـ وللأسف ـ والذين يريدون إلغاء أحكام أهل الذمَّة والاكتفاء بالقول أنَّهم مواطنون لا ذميون، وغير ذلك من الدعاوى التي تطلق من بعض فقهاء العصر الحديث، والكتاب الصحفييين وغيرهم.
ويشرح أهل العلم حقيقة الذميين فيقول ابن قدامة الحنبلي رحمه الله (ولايجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين: أحدهما: أن يلتزموا إعطاء الجزية في كل حول، والثاني: التزام أحكام الإسلام وهو قبول مايُحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم، لقول الله تعالى «حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون») (المغني والشرح الكبير).
والصغار هو التزامهم لجريان أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، ذكره ابن القيم وغيره (أحكام أهل الذمة).
إنّني كذلك لا أستسيغ ما يقوله بعض الفقهاء بإطلاق عام بأنَّ النصارى في مصر كلهم أهل عهد وأمان، والذي يظهر لي والعلم عند الله أنَّ النصارى الأقباط في مصر، على قسمين:
فمنهم من هو حربي آذى الله ورسوله والمسلمين ونقض عهده وأمانه مع المسلمين، بسبب ما سقناه سابقاً من أسباب اعتداء الكنائس والكثير من قيادتها على حرمة المسلمات، وسب القرآن كما يفعل (بيشوي) وقوله بأن (بعض الآيات في القرآن أضيفت إليه بعد وفاة النبي محمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ، وذلك خلال عهد الخليفة عثمان)، وسب الدين الإسلامي والسخرية منه ومن نبيه كما يفعل (زكريا بطرس) وبعض قساوستهم وقُمُصِهِم.
وعلى كلِّ حال فإنَّ ثبت لنا وجود بعض المحاربين منهم للمسلمين، فإنَّ بحث محاربتهم ومقاتلتهم له محل آخر ليس محلّه هذا المبحث، فلربما يكون الشخص محارباً ويكون من الحكمة عدم قتاله وذلك راجع لتحقيق مصالح ودرء مفاسد، وفقه لاعتبارات واقع الحال والمآل، ولا يمكن أن يتحدث فيه إلاَّ من كان في مصر ورأى الواقع عن كثب، من أهل العلم الربانيين الصادقين.
وتبقى بقيَّة من النصارى إحقاقاً للحق وعدلاً وإنصافاً لا ترتضي ما يحصل من قيادتهم، وإن كان بعضهم يُصرِّح بذلك ويكتب رداً على تلك المزاعم وأخطاء قياداتهم الكنسيَّة كما كتب(هاني سوريال) مقالة له بعنوان : (جريمة الإسكندرية.. رؤية مغايرة) وهو وإن كان نصرانياً لكنَّه كان ينتقد تعامل قيادات الكنائس مع المسلمات ويطالب بإخراجهنَّ من سجون الظلم والطغيان في أديرة الرهبان، ومثل هذا الشخص من النصارى كثير.
فمثل هؤلاء يعيشون مع المسلمين بمصر منذ مئات بل أكثر من 1400 عام، فلهم حق في عيشهم داخلها باعتبار أنَّهم من أهلها مع الأغلبيَّة الساحقة من أهل مصر من المسلمين في ديارهم كذلك، وقد جرى العرف العام أنَّهم يعيشون بأمان وسلام، سواء أكان ذلك بعهد أو أمان أو حتَّى شبهة أمان، وفي نهاية أمرهم أنَّهم يشعرون أنَّهم في بلد آمن لهم، بل لهم الآن كل الحقوق بما يسمى حقوق المواطنة دون تمييز لهم عن المسلمين، بل لربما بعضهم يكون أفضل وضعاً مادياًُ ومعنوياً من المسلمين وللأسف... وذلك كلَّه بسبب عدم تحكيم شريعة الرحمن في مصر..
ولعلَّ كثيراً من هؤلاء المستأمنين أو المعاهدين كانوا في تلك الكنيسة التي قام ذلك الشخص بتفجيرها، فراح ضحيَّتها من لا ناقة له ولا جمل، ممن كان يحتفل بعيده ويمارس طقوسه الخاصة به وبدينه، فإنَّ مثل هذا العمل بكل تأكيد لا يجوز، لأنَّهم ما ذهبوا هنالك إلاَّ لشعورهم بالأمان، ولو حصل الخلل في نقض العهد من بعضهم فلا يستسيغ ذلك أن ينقض العهد معهم جميعاً لأنَّه كما قال تعالى :(ولا تزر وازرة وزر أخرى).
فعلى المسلمين أن يرعوا حقَّ هذا العهد الذي شعروا به إيفاء لما في القرآن الكريم، بقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)؛ وقوله تعالى:(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)، وقال تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) سورة النحل:91.
بل إنَّ الوفاء بالعهود من سمات المؤمنين الصادقين، قال تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة:177.
ولما أخرجه البخارى في صحيحه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا).
بل حرَّم الرسول صلى الله عليه وسلَّم ما هو أدنى من القتل للمعاهد، فقال: (ألا مَن ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغيرِ طِيب نفس؛ فأنا حجيجُه يوم القيامة) رواه أبو داود في «سننه» وجوَّد إسناده العراقي وحسَّنه ابن حجر وصححه الألباني.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل غادر لواءٌ عند استه يوم القيامة يعرف به) رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله :" اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل ".
وصحَّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال:" ألا لا تحلُّ اللقطَةُ من مال معاهدٍ إلا أن يستغني عنها " أخرجه أبو داود وحسَّنه ابن حجر وصحَّحه الألباني.
فإذا كانت اللقطة التي تسقط من مال المعاهد لا يجوز للمسلم أن يأخذها إلاَّ بحقها وهو سماح المعاهد له بأخذها، فما البال بقتلهم والتفجير بهم، في كنائسهم وأماكن عبادتهم، بل وفي يوم عيدهم!
ولهذا فمن شعر أنَّه يعيش في أمان في بلاد الإسلام، فلا يجوز قطعاً الغدر به، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم "من أمن رجلا على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة" أخرجه النسائي في الكبرى، وصحَّحه الألباني.
وورد بلفظ : ( من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل , و إن كان المقتول كافرا) أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" و الطحاوي في " المشكل" وقال العقيلي : إسناده صالح، وصحَّحه السيوطي والألباني.
إنَّ الكافر يُعصم دمه بالأمان الصريح الصحيح وبالأمان الفاسد ـ الذي هو شبهة أمان ـ تغليباً لحقن الدماء، ولئلا يترتب عليه الصد عن سبيل الله، لأن قاعدة الشريعة أن الحدود تدرأ بالشبهات، فالكافر يصحُّ أمانه بكل ما يظنُّه أماناً عاصماً لدمه ولم يستبح دمه لأجل الشبهة
ولقد روى سعيد بن منصور في سننه عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل ـ أي ظناً أنه أراد الأمان ـ فقتله لقتلته).
وقال أحمد :( إذا أشير إليه ـ أي الكافر ـ بشيء غير الأمان فظنه أماناً فهو أمان).
وقال ابن جزي في القوانين الفقهية:(ولو ظن الكافر أن المسلم أراد الأمان والمسلم لم يرده فلا يقتل) .
وقال شيخ الإسلام : (ومعلوم أن شبهة الأمان كحقيقته في حقن الدم).
ويقول شيخ الإسلام :(لأن الحربي إذا قلت له أو عملت معه ما يعتقد أنه أمان صار له أمان).
وقال السرخسي: (وذلك لما بين أن أمر الأمان شديد والقليل منه يكفي).
ومن شبه الأمان التي تعصم بها دم الكافر: أن يؤمنه كافر بين المسلمين ظنه الكافر المؤمن مسلماً ، أو علمه كافراً إلا أنه ظن أن أمانه يصح ، وعلى هذا نص الأئمة.
فقد روى ابن وهب بإسناده كما في المدونة في " باب أمان المرأة والعبد والصبي " أن عمر رضي الله عنه بعث كتاباً إلى سعيد بن عامر وهو يحاصر قيسارية فقال فيه : " وإذا أمنه بعض من تستعينون به على عدوكم أهل الكفر فهو آمن حتى تردوه على مأمنه أو يقيم فيكم، وإن نهيتم أن يؤمن أحد أحداً فجهل أحد منكم أو نسي أو لم يعلم أو عصى فأمن أحداً فليس لكم عليه سبيل من أجل أنكم نهيتموه فردوه إلى مأمنه إلا أن يقيم فيكم ، ولا تحملوا إساءتكم على الناس فإنما أنتم جند من جنود الله ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (... وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدلٌ) رواه البخاري.
قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته".
فهذا كلام العلماء في معى الإخفار، فما البال إن كانت هذه العملية التفجيريَّة مات بسببها كذلك أناس من أهل الإسلام، وكذلك جُرح منهم الكثير، فهذه مصيبة كبرى، والله المستعان.
وحينما ندرك خطر قتل من كان كذلك، فإنَّ هذا القتل وإسالة الدم، أمر محرَّم شرعاً وهو من الكبائر، فعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:" اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال:" الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق..." رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني حتى يدنيه من العرش" أخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن غريب، وحسَّنه ابن حجر وصحَّحه الألباني.
ولخطورة الدماء التي سالت بغير حقها، فإنَّها أول ما يقضى بها يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: " أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" رواه البخاري ومسلم.
وقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ".
قال الحافظ ابن حجر: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَتَلَ عَامِدًا بِغَيْرِ حَقٍّ " تَزَوَّدْ مِنْ الْمَاء الْبَارِد فَإِنَّك لَا تَدْخُل الْجَنَّة " وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر " لزَوَال الدُّنْيَا كُلّهَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّه مِنْ قَتْل رَجُل مُسْلِم " قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حَسَن . قُلْت : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ " لَقَتْلُ الْمُؤْمِن أَعْظَمُ عِنْد اللَّه مِنْ زَوَال الدُّنْيَا " قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : ثَبَتَ النَّهْي عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَة بِغَيْرِ حَقّ وَالْوَعِيد فِي ذَلِكَ ، فَكَيْف بِقَتْلِ الْآدَمِيّ ، فَكَيْف بِالتَّقِيِّ الصَّالِح . فتح الباري لابن حجر (19 / 299)
فكلُّ ما أوردته وغيره كثير، يدل دلالة قاطعة على تحريم قتل النصارى المستأمنين في مصر؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّ لهم الحق في العيش وسكنى البلاد التي كانوا على أراضيها منذ مئات السنين.
فكيف إذا كانت الطريقة بهذا القتل كالتي حصلت فيها تفجيرات الاسكندريَّة، وفي داخل الكنيسة فإنَّه محرَّم ولا شك في ذلك ، ولقد كانت كنائس وصوامع ومعابد الكفار، محل ابتعاد عن سهام وسيوف المسلمين، والتي لم يأت مطلقاً أن المسلمين في فتوحاتهم الإسلاميَّة أحرقوها، أو غيَّروا معالمها إلاَّ برضى أصحابها وأهلها، بل كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حريصا على حماية العابدين في معابدهم ولو كانوا كفَّاراً ويشركون بالله في عبادتهم، ويقول للجيش الذي يذهب للفتح: (انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين) حسَّنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح من حديث أنس بن مالك.

• جواب شبهة : ( القول بأنَّ هذه العمليَّة سترعب النصارى وتجعلهم يخرجون أخواتنا الأسيرات):
لو أنَّ بعض المسلمين ذهبوا لإحدى الكنائس التي تيقنوا أنَّ الأخوات المسلمات المضطهدات محبوسات فيهن، وقاموا بإخراجهنَّ ولو كان ذلك باقتحام الكنيسة، وأخذوهنَّ إلى مكان آمن، لما كان ذلك سبباً في الطعن على المسلمين، ولو كان هنالك تشويه لما قاموا به، فإنَّ ذلك أخف وطئاً بكثير من القيام بمثل هذه العملية إن صحَّت نسبتها للمسلمين، ولكانت الأصوات الإعلامية تذكر السبب الحقيقي في ذلك، وهو أنَّ النصارى هم من بدأ الظلم فقاموا باختطاف هؤلاء النسوة وحبسهنَّ في أديرة الكنائس وقاموا بذلك على مرأى ومسمع من الناس ولم تقم الحكومة بحمايتهنَّ، فأتى بعض المسلمين وأخرجوهنَّ من الكنيسة، لكان الأمر في ذلك أقل ضرراً مِمَّا حصل من تفجيرات إن كان خلفها مجموعة إسلاميَّة مسلَّحة، فلربما يُعقل السبب الذي دعا أولئك الشباب للذهاب لتلك الكنيسة وإخراج الاخوات الأسيرات حفظاً لهنَّ وعرضهنَّ.
إنَّ من التجافي عن الحق، والوقوع في الخطأ، ما يعتقده إخواننا من المسلمين أنَّ مثل هذه التفجيرات قد تكون سبباً للإفراج عن أخواتنا الأسيرات، وأنَّها جائزة شرعاً بسبب تصريحات قساوسة النصارى في مصر المشينة للإسلام، وأنَّ سجن المسلمات سبباً لنقض العهد أو الأمان لهم جميعاً، والذي أراه والله أعلم في هذه القضيَّة الآتي ذكره:
حتَّى لو قلنا بانتقاض العهد أو الأمان بينهم وبين المسلمين، فإنَّ هنالك من الجوانب الشرعية الأخرى التي تدل على تحريم وقوع هذه التفجيرات وفي هذا الزمن والتوقيت والمكان مما سأذكره لاحقاً.
وأمَّا نقض بعضهم أو آحادهم للعهد أو الأمان فلا يعني ذلك أنَّ العهد والأمان يُنقض كاملاً على جميعهم، ولهذا يقول الإمام الماوردي: (وإذا نقض أهل الذمة عهدهم لم يستبح بذلك قتلهم ولا غنم أموالهم ولا سبي ذراريهم، ما لم يقاتلوا ووجب إخراجهم من بلاد المسلمين آمنين حتى يلحقوا مأمنهم من أدنى بلاد الشرك، فإن لم يخرجوا طوعاً أخرجوا كرهاً) الاحكام السلطانية للماوردي.
ويقول كذلك: (وإذا تظاهر أهل العهد والذمة بقتال المسلمين كانوا حربا لوقتهم فيقتل مقاتلهم ويعتبر حال ما عدا المقاتلة بالرضا والإنكار) الاحكام السلطانية للماوردي.
وقال أبو زكريا الأنصاري: (فنقضه من البعض ليس نقضا من الباقين بحال لقوته، والقول قول مُنْكِر النقض بيمينه لأن الأصل عدمه) أسنى المطالب لأبي زكريا الأنصارى.
ويقول ابن قدامة : (وإن نقض بعضهم دون بعض اختص حكم النقض بالناقض دون غيره وإن لم ينقضوا لكن خاف النقض منهم لم يجز أن ينبذ إليهم عهدهم لأن عقد الذمة لحقهم‏,‏ بدليل أن الإمام تلزمه إجابتهم إليه بخلاف عقد الأمان والهدنة فإنه لمصلحة المسلمين ولأن عقد الذمة آكد لأنه مؤبد وهو معاوضة‏,‏ ولذلك إذا نقض بعض أهل الذمة العهد وسكت بعضهم لم يكن سكوتهم نقضا‏,‏ وفي عقد الهدنة يكون نقضا) المغني لابن قدامة.
وجاء في الموسوعة الكويتية : (وَلاَ يَبْطُل أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِمْ وَنِسَائِهِمْ بِنَقْضِ عَهْدِهِمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ( الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ) لأنَّ النَّقْضَ إِنَّمَا وُجِدَ مِنَ الرِّجَال الْبَالِغِينَ دُونَ الذُّرِّيَّةِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِمْ . وَيُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ تُسْتَرَقُّ ذُرِّيَّتُهُمْ.
وهنا يجدر التنبيه على أنَّ مثل هذه التفجيرات، لن تحقق الثمرة والنتيجة المرجوَّة، ومن الخطأ أن يظنَّ ذلك، لعدَّة أسباب:
1 ـ أنَّ النصارى ـ وإن كانوا قد تأذوا بمثل هذه التفجيرات ـ فإنَّه قد جاءتهم هذه التفجيرات على طبق من ذهب؛ لكي يظهروا أمام الرأي العام بمنظر المظلوم والمضطهد.
2 ـ أنَّ أسلوب التفجيرات قد يؤدي مفعولاً في إزعاج من يراد تنبيههم بالانصياع لمطالب المفجِّرين ( هذا إن صحَّ أن يكون المفجِّرون من المسلمين)، ولكنَّه ليس الأسلوب الأمثل والأجدر لإخراج المسلمات من الكنائس، لأنَّ الأقباط النصارى خلفهم دول كبرى تنصرهم وترعى حقهم ونصيبهم.
3 ـ أنَّ مثل هذه التفجيرات قد تكون لا قدَّر الله مصدر فتنة لأخواتنا المسلمات الأسيرات، لكي يحاول النصارى ثنيهم عن البقاء في دين الإسلام ولفت نظرهنَّ لما يحصل من بعض المسلمين ( إن صحَّت نسبة التفجيرات لهم) بمثل هذه التفجيرات.
4 ـ أنَّ أساليب التفجيرات في البلاد الإسلاميَّة قد استخدمت سابقاً والتجربة فيها موعظة وهي خير برهان، وما زادت تلك التفجيرات أولئك إلاَّ عتوا واستكباراً، ومن ذلك التفجيرات التي طالت الصليبيين في جزيرة العرب، ومع هذا لم يزدهم ذلك إلاَّ بقاء وانتشاراً.

( فقه المقاصد الشرعيَّة)

حينما نذكر المقاصد الشرعيَّة، والمرامي الإسلاميَّة، وأنَّها سبب من أسباب القول بتحريم ما جرى في أرض الكنانة مصر، وذلك لأنَّ طبيعة الشريعة الإسلاميَّة بمعانيها وأحكامها وحِكَمِها الملحوظة تجتمع ضمن تقرير عبوديَّة الله ومصلحة الإنسان في الدارين، وأنَّ هذه الشريعة جاءت بإقامة المصالح الدينية والأخروية وذلك بجلب المصالح ودفع المضرَّة عنهم.
وحينما نتفكَّر ونرى ما جرى من خلال هذا التفجير الذي جاء في هذا الوقت وبالذات، في داخل كنيسة، وفي أول يوم من أيام السنة الميلادية، وفي يوم عيدهم، ولربما يخرج النصارى بجمعهم وجميعهم رجالاً ونساء وأطفالاً ليمارسوا طقوسهم وصلواتهم الخاصَّة بهم، ثمَّ يعمد ذلك الشخص أيَّاً كان، ويُفرِّق جمعهم بمثل هذه العملية التفجيريًَّة العشوائيَّة والجبانة والتي ليس فيها مهارة في العمل، ولا احتراف ومهنيَّة، ويحاول أن يستأصل شأفتهم وجموعهم بمثل هذه الطريقة، فهل سيكون مؤدياً لهم حقوقهم الخاصَّة التي أمر الله بها بحفظ أماكن العبادات وعدم الاعتداء عليها؟!
إنه ليأخذني ويتملَّكني ذلك الشعور الرهيب وأنا أقرأ قوله تعالى:(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبِيَعٌ وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً) فالله تعالى يُقدِّم الصوامع والبِيَع الخاصَّة بالكفار من اليهود والنصارى على المساجد، ومن مقاصد ذلك الانتباه لحمايتهنَّ ومن يقومون بعباداتهم الخاصَّة بهم فيهنَّ، بل كان الجهاد في سبيل الله حامياً لهنَّ من أن يأتي أحد يريد اقتحامها وقتل من فيها.
لقد ثبت في مسند أحمد ومعجم الطبراني: (عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث جيوشه قال: اخرجوا بسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع) وحسَّنه أحمد شاكر، وإن كان في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف وقد ضعَّفه جماعة من العلماء وإن كان الإمام أحمد قد وثَّقه.
وذلك يدلُّ على أنَّ من مقاصد الشريعة حفظ حقوق الرهبان والعباد في صوامعهم وكنائسهم، وألاَّ يُتعرَّض إليهم بسوء، وحتَّى من كان منهم حربياً فلا يتعرض له في الكنيسة بل في مكان آخر وبالشروط الشرعية لقتله.

(فقه اعتبار المآلات)

إنَّ اعتبار المآلات في شريعة الإسلام أمر وارد شرعاً، ومعروف قطعاً، وهو شيء أعطاه أهل العلم منزلة عالية، ومكانة سامقة، فالفقيه لا يكون فقيهاً إلاَّ إن أدرك قواعد الأصول، ومعاقد الفصول، واعتبار المآلات، ... فسعة الأفق، وبعد النظر، واتَّضاح الرؤية وبصيرتها النافذة سبيل من سبيل أهل العلم:
بصير بأعقاب الأمور برأيه * كأنَّ له في اليوم عيناً على غدِ
ولقد جاءت الأدلَّة من كتاب الله وسنَّة رسوله على اعتباره والأخذ به، فالله تعالى يقول :(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) فمنع الله تعالى من سب هؤلاء الكفار وآلهتهم؛ لكي لا يقوموا بسب الله تعالى.
وكذلك جاء ما يشهد له بالسنة النبوية المطهرَّة وهو حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:(يا عائشة لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس وباب يخرجون) ففعله ابن الزبير. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: "ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه صلاحهم، ولو كان مفضولاً ما لم يكن محرماً" فتح الباري (1/225).
والسبب في ذلك اعتبار الرسول عليه الصلاة والسلام لمآلات أفعال من أسلم حديثاً خشية أن يظنوا أنَّ رسول الله يريد هدم الكعبة وما هو بهادم لها عليه الصلاة والسلام بل معيد لتأسيسها على قواعد إبراهيم، ومع هذا لم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وقد أفتى الامام مالك أميرَ مكة حين أراد أن يرد البيت على قواعد إبراهيم فقال له : لا تفعل لئلا يتلاعب الناس ببيت الله.
وحينما استشير رسول الله بقتل من ظهر نفاقه، قال عليه الصلاة والسلام : (لا يتحدث الناس أنَّ محمداً يقتل أصحابه) فنظر رسول الله صلَّى الله عليه وسلًَّم لعواقب هذا القتل؛ لكي لا يُظنَّ به من قِبَلِ الكفار، أنَّه يقتل صحابته؛ لأن عبد الله بن أبي بن سلول كان يعتقد الكفار أنَّه من صحابته، لأنه يظهر الإسلام، وإن كانت حقيقته أنه كافر منافق.
وهذا الفقه العظيم قد أفرده علماء الإسلام بحديث شائق، وكلام رائق، ومن أبرزهم الإمام الشاطبي رحمه الله حيث يقول:(النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوى المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة ) انتهى من كتاب الموافقات.
ويقول رحمه الله في موضع آخر بعد أن يقرر أنه ليس كل حق ينشر، يقول: (فتنبه لهذا المعنى وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم, وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية, والعقلية).
وهذا الفقه الحيوي العميق والذي سمَّاه بعض العلماء المعاصرين بفقه التوقع، كان من المهم دراسته ومعرفة مآلات الأحكام التي لم يرد بها نص صريح لا يقبل التأويل، بأن يُنظرإلى مآلاتها وعاقبة أمرها؛ وذلك لأنَّ الفقه الإسلامي فقه قائم على النصوص وتنزيلها في الواقع بتحقيق مناطاتها، بعد تنقيحها ومعرفة الداخل منها من عدمه.
والعلماء عندما يبحثون في فقه المآلات، فإنَّهم يقصدون من وراء ذلك، معرفة عواقبه ونتائجه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، مع العلم بأنَّ أصل هذا الفعل الذي يريدون فعله لربما يكون جائزاً شرعاً أو واجباً، ولكنَّهم يتفحَّصون مآلاته، خشية أن تكون مآلاته سيئة فيكون من ورائه ضرر كبير ومفسدة خطيرة، فلأجل ذلك حرَّموه، فماذا إذا كنَّا نتحدث في مسألة جاء الأصل في تحريم التعرض لها وهو الدخول للكنائس وإيذاء النصارى فيها بالقتل والتخويف والترويع جملة وتفصيلاً...

وحينما ننظر ونفكر في مآلات هذه التفجيرات التي حصلت في مصر وفي كنيسة القديسين تحديداً، فإنَّا وجدنا مآلات قريبة حدثت ومآلات بعيدة يخشى أن تحدث بل ظهرت علامتها، وستؤدي لا قدَّر الله لعدَّة جوانب خطرة ومنها:

1) إنَّ مثل هذه التفجيرات التي قُتِلَ فيها الكثير من المسلمين والنصارى على حد سواء، مسببة لوقوع فتنة كبيرة في البلد المصري، بين المسلمين وغيرهم من النصاري، ولعلَّ هذه الفتنة يكون مصيرها (لا قدَّر الله) تفجيرات من بعض النصارى في بعض مساجد المسلمين ودور العلم الخاصة بهم، وإحراقها وهو ما حدث بالفعل، حيث قام عدد من الأقباط النصارى بجريمة نكراء كذلك فحاولوا إحراق المسجد المقارب لهذه الكنيسة ومهاجمة أهله، وحينها تضيع أرض الكنانة في مثل هذه الأعمال العشوائية الطائشة التي لا تنصر ديناً ولا تقيم دنياً، والمجتمع الدولي قد ينكر مثل هذه الأفعال علناً، ولكنَّه قد يرغب بتشجيع بعضها لدعم بعض النصارى للقيام بأعمال إجرامية في بلاد المسلمين وخصوصاً مصر، واختراق بعض الأيادي الخارجية لبعض الناس وقيام أحدهم ببعض التفجيرات التي تطال كنائس وأديرة ومعابد النصارى.
2) تضييق الخناق على الإسلاميين، فهم لا حامي لهم إلاَّ الله، والدولة المصرية معروف تضييقها على الإسلاميين عموما، وسيطال كثيراً منهم الاعتقال والتعذيب والتهديد، وهذا ما حصل مؤخراً في قضية اعتقال الأخ السلفي (السيد بلال) والذي جرى تعذيبه على أيادي أجهزة الامن المصريَّة حتَّى قُتل تحت التعذيب (رحمه الله رحمة واسعة وعجَّل بهلاك من قتله وظلمه) وكان ذلك في يوم الخميس 6-1-2011م.
3) ولربما يكون المسلمون مجرد شمَّاعة أو مشجباً يلقى عليه تلك التهم ويثبت خلافها وعسكها، وخصوصاً حينما تستغل الحكومات تصريحات بعض الحركات الجهادية وتهديدها بالقيام بضرب هذه الكنائس، بعد اعتقال واختطاف بعض المسلمات ممن كنَّ سابقاً من النصرانيات فمنَّ الله عليهنَّ بالدخول للإسلام.
4) هذه التفجيرات مفتاح شر على البلاد المصرية برمَّتها، ويخشى أن تكون ذريعة لتدخلات أمريكية أو غربية في الأراضي المصرية، حينما تنتشر لا قدر الله مثل هذه التفجيرات، ويصعب على أجهزة الأمن المصرية تطويقها أو محاصرتها، بل لربما لا يُسمح لها بذلك، وهذا ما يخشى بالفعل، أن تكون بلاد الإسلام عموماً وفي مصر تحديداً مكاناً للاستراتيجيات الغربيَّة في المنطقة بوجود الفوضى الخلاَّقة أو البناءة للغربيين، والتي يسعون من خلالها ضرب النسيح الاجتماعي لأهل الوطن الواحد، وتأليب بعضهم على بعض وهدم ما يسمَّى بـ:(الوحدة الوطنية)، فتكون بالفعل فوضى بناءة للغربيين، وفوضى خطيرة في واقع البلاد الإسلاميَّة، ما يؤدي لأن تنعق بعض الغربان الغربية والعسكرية، بضرورة التدخلات الغربية أو الأمريكية في تلك البلاد لحماية الأقباط، أو لضبط الأمن ، وما شاكل ذلك، وتكون بلاد الإسلام مرتعاً خصباً لجيوش الكفر والإفساد.
وليس هنالك وجه غرابة فيما زعمته، فبعد وقوع تفجير كنيسة القديسين، نعق بابا الفتيكان (بنديكتيس السادس عشر) ـ فضَّ الله فاه ـ في قُدَّاس رأس السنة بكاتدرائيَّة (القدِّيس بطرس) مطالباً بكل سخف بالتدخـل في الشؤون الداخلية في مصر ومطالبته للتدخل الأجنبيِّ لحمايـة النصارى، وكان الأجدر به معالجة الفضائح المنتشرة بين القساوسة والرهبان وفضائحهم الجنسيَّة، بل ما بات معروفاً بفضائح الأطفال المغتصبين في كنائسه؛ لكي يتدخَّـل في شؤون مصـر الداخليـة بكلِّ وقاحـة، ومع ضعف المؤسسة الدينية في مصر المتمثِّلة بالأزهر إلاَّ أنَّ شيخ الأزهر (د. أحمد الطيب) راعه ذلك التصريح الذي قاله بابا الفاتيكان، وردَّ عليه رداً جيداً مستهجناً هذه الأفكار المسمومة التي نعق بها ذلك البابا، حيث قال (د. أحمد الطيب: لماذا لم يطالب البابا بحماية المسلمين عندما تعرضوا لأعمال قتل فى العراق؟
إنَّ ذلك من الغرائب فعلاً، ترتفع أصواتهم حينما يرون قلَّة من النصارى يُقتلون ، ولكنَّهم يرون دماء مئات الآلاف من المسلمين تسيل ، ولا ينبس أحدهم ببنت شفة، و كان أولى بـ :(باباهم الكبير) الذي استغل وقوع هذا الحادث، أن يأمر النصارى بالهدوء ويزرجهم عمَّا اقترفوه في حقِّ المسجد من محاولة حرقه وشتم وضرب الضبَّاط بالحجارة، فلم يثبت ذلك الفعل من المسلمين، لكنَّه يقوم بدعوته الخبيثة ويستغل وقوع التفجير وبعدها بساعات ويطلق هذه الأعيرة النارية من تصريحاته المشؤومة،(أتواصوا به بل هم قوم طاغون) و(وما تخفي صدورهم أكبر).
5) ومن مآلات هذه التفجيرات العبثية أنَّها فتنة لمن يريد الدخول للإسلام؛ ومن الإحصائيات التي جاءت من خلال الأزهر الشريف فقد ثبت أنَّه في خلال عام 2010 أسلم ما يُقارب (2500) نصراني من أهل مصر، وهم مسجَّلين في سجلات المسلمين الجدد في الأزهر من أهل البلد المصري، وهذا غير من يُسلم من الآخرين الغربيين أو غيرهم، فيُخشى أن تكون هذه التفجيرات عامل استفادة من النصارى والذين سيستغلون هذا الحدث الذي ركَّزت عليه وسائل الإعلام، وأظهرت اضطادهم أمام الكاميرات وجريمة الترويع لهم؛ لكي يستغل النصارى هذه الأحداث ويكونون المستفيدين الأول والأخير من جرَّائها ويقولون لعموم الأقباط النصارى أو من يحدِّث نفسه بالدخول للإسلام: هذا هو الدين الإسلامي بحقيقته حيث يجيز تفجير الكنائس فهو دين الإرهاب والعنف والتفجيرات.
6) ومن المآلات السيئة مطالبة النصارى بحريَّة بناء الكنائس أكثر من ذي قبل، والمطالبة بذلك من خلال مظاهرات واعتصامات ومطالبات جماهيريَّة منهم، وبالطبع فإنَّ أجهزة المخابرات الغربيَّة ستدعم موقفهم، وتبقى من ورائهم لتلبية طلباتهم، بسبب حقوق الأقليات، وضرورة الاعتناء بهم وبحقوقهم!
7) لا ريب أنَّ مثل هذه التفجيرات أدارت الكفَّة لصالح الأقباط النصارى، وصرفت النظر عمَّا تتعرَّض له أخواتنا المسلمات الأسيرات في كنائس النصارى وأديرتهم وسجونهم في كنائسهم، مع أنَّ هذا الأمر هو الأولى والله تعالى يقول :(والفتنة أكبر من القتل) ففتنة هؤلاء الأخوات المسلمات عن دينهنَّ وسجنهنَّ وتعذيبهنَّ النفسي والبدني وحجبهن عن أهلهن، أمر كبير، وهو الذي سبَّب خروج الآلاف من المسلمين للمطالبة بخروجهن، ومطالبة أجهزة الأمن بذلك، حتَّى لا تتفاقم الأمور، وتخرج عن اليد، ولكن كما يقال: أنت تضرب في حديد بارد، فلا أجهزة الأمن انصاعت لمطالب الجماهير المسلمة، ولا الكافر (شنودة) استجاب لإخراجهنَّ من السجون، فحدث من وراء ذلك هذه التفجيرات، والتي سيستغلها النصارى ومن خلفهم أجهزة الإعلام العالمية لتبيين الظلم الذي جرى عليهم، ونسيان ما جرى على أخواتنا الأسيرات المسلمات من اعتقال واضطهاد.
8) مثل هذه التفجيرات قد تكون سبباً لاستعداء السلطات على الشعب المصري مما يؤجج مزيداً من الفتن والاقتتال بين أتباع الدين الإسلامي والنصارى.

(فقه الواقع المعاصر في مصر)

(ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم ، من الفتوى والحكم بالحق ، إلا بنوعين من الفهم أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما والنوع.
الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر ) هكذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم إعلام الموقعين.
وعلماء أصول الفقه يقولون: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولأجل ذلك فلا ريب أنَّ قيام هذه التفجيرات إن وقعت من مسلمين، تحتاج لدقة التصور لمعرفة سبب فعل أصحابها، وذكر بعضهم لبعض الحقائق الصحيحة من قبيل سب الإسلام بأبشع الصفات، وإهانة القرآن واتهامه بالتحريف، وسب رسول الله محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلم داخل كنائسهم، وخطف من يُعلن إسلامه من النصارى، وتهريبهم وسجنهم داخل داخل الكنائس وأقباب الأديرة...
يدعي بعض الناس أنَّ هذه التفجيرات جاءت لأجل سجن الأسيرات المسلمات المقهورات في أديرة النصارى مثل الأخوات المسلمات:(كاميليا شحاتة، وفاء قسطنطين، عبير ناجح إبراهيم) وغيرهنَّ.
والواقع أنَّ مثل هذه التفجيرات لا تؤدي للمنفعة المرجوة من إطلاق سراحهنَّ، بل قد يسبب ذلك مزيداً من التنكيل بهن وتعذيبهن ورفض إخراجهن، تنكيلاً وإيذاء لمن أراد منهم إخراجهنَّ من سجنهنًّ بمثل هذه الطريقة، ولربما كانوا ينتظرون هذه الفرصة السانحة لذلك لكي يستأسدوا أكثر، وبمعاونة القوى العالمية الكبرى المساندة لهم، وإبقاء الأسيرات رهن القيد وخصوصاً في ظل ضعف بل تراخي أجهزة الامن المصري عن استردادهنَّ ، فلن تكون هذه الطريقة بالتفجير سبب لإخراجهن.
وكلامي هنا لا يعني عياذاً بالله ما قد يفهمه قاصروا النظر، بتأييد الحبس الظالم لأخواتنا المسلمات الأسيرات فكَّ الله أسرهنَّ، أو عدم تحرق القلب عليهن، فالقلب معهن وندعو لهن ونسأل الله أن يخلصهُنَّ من شر وكيد الكفرة النصارى الذين آذوهنَّ، ونقول ما يقول الشاعر المسلم:

كيف القرار وكيف يهدأ مسلمٌ ... والمسلمات مع العدو المعتدي
القائلات إذا خشين فضيحة ... جهد المقالة : ليتنا لم نولّدِ
لا تستطيع وليس لها من حيلة ... إلا التستّر من أخيها باليدِ

إلاَّ أنَّ الهدوء في معالجة الأحداث لا يعني بالضرورة الركون أو السكون والكمون والركود، كما يحسبه بعضهم، فوسائل الإصلاح والتأثير على العقول والقلوب ونشر معاناتهن مهم جداً كما يقوم به إخواننا الكرام في موقع :(المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير) وأهل العلم الكبار والمفكرين والدعاة وغيرهم جزاهم الله خيراً.
لكن هذا الأسلوب في التفجير والتدمير في الحقيقة ليس أسلوباً إصلاحياً بل هو أسلوب أقرب ما يكون للإفساد لانَّه يعكس طبيعة ما يريده الغربيون وما يسيل له لعابهم لأن تبقى المنطقة العربية متوترة، وحينما لايستطيع النظام السيطرة على الواقع، يحاولون الدخول بقواتهم الأجنبية في داخل البلاد الإسلامية، وتكون هذه التفجيرات سبباً في مجيئهم وليس ردعهم أو طردهم!!
ثم أين العقل والدين من هؤلاء إن كانوا مسلمين حينما يقومون بعملية تفجير في شارع يقع بين مسجد وكنيسة، وكان المتضرر بمثل هذه التفجيرات كذلك من المسلمين والنصارى، وسقوط الضحايا والقتلى من المسلمين والنصارى، ووقوع التفجير بين الكنيسة والمسجد، ما يدلَّ على أنَّ هذا الفعل له مؤشرات تدل على أيادٍ مجرمة خفيَّة تريد الفساد في أرضنا الحبيبة مصر، أو أنَّ القائم بذلك مسلم أحمق حيث لا يعرف اختيار المكان المناسب للتفجير لكي لا يضر بإخوانه، على أنَّه أي مكان في التفجير في الكنائس بمصر المتخذة للعبادة حرام شرعاً، لكنَّ الحديث منصب عن طبيعة هذا التفجير الغريب في توقيته ومكانه، وهذا ما يدل على منافاة هذا الفعل للأدلة الشرعية، وفقه الواقع، ومقاصد الشريعة الإسلامية، مما يجعله في حقيقته إفساداً في الأرض لا إصلاحاً، ولهذا نجد أنَّ مثل هذه الأعمال لا يكتب لها في الغالب القبول، وحَّتى لو حصدت أرواح الكثير من البشر، لأنَّها خالفت السنن الشرعية الدينية، وصادمت نواميس الكون، وجعلت الناس لا تثق بهذه التفجيرات، و(إنَّ الله لا يصلح عمل المفسدين).
إنَّ الواقع يشهد كذلك بأنَّ أرض الكنانة مصر حماها الله وسائر بلاد الإسلام محطَّ أنظار العتاة الغزاة، ولعلَّ ما يشهد لطبيعة التحركات الآثمة فيها تلك الشهادة التي أدلاها الجنرال«عاموس يادلين»، الرئيس المنتهية ولايته لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان), بتصريحات فى حفل أقيم بمناسبة تسليمه مهام منصبه لخلفه الجنرال «آفيف كوخفى» حيث قال السابق ذكره:«لقد تطور العمل فى مصر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979. فقد أحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية فى أكثر من موقع، ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلى أكثر من شطر, لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، ولكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك فى معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى فى هذا البلد».
وبما أنَّ الحكومة المصريَّة قد وقعت اتفاقيات السلام مع اليهود، بل قامت بالتطبيع بينها وبين ما يسمى بدولة إسرائيل، فإنَّه يبقى من وصفهم الله تعالى:( ويسعون في الأرض فساداً) لا يفتؤون عن القيام بحالة الإفساد في الأرض، ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار الذي لا يريد اليهود أن يكون دائماً في مصر، بل يحاولون أن يخلقوا جواً من الانقسام وزرع الفتن بين المسلمين والأقباط وغيرهم، ومن هنا يأتي فقه الواقع للقضية التي نحن بصددها، مستدلين على ذلك بأنَّ هذه التفجيرات يسعى لها أو يستغلها أعداء الإسلام لمصالحهم الشخصيَّة والخاسر الوحيد في ذلك هو الشعب المصري برمَّته.

(فقه الموازنات القائم على قاعدة المصالح والمفاسد)

يقول رسول الهدى والسلام، والمرحمة والملحمة، محمد صلَّى الله عليه وسلَّم قال :(إن الله رفيق يحب الرفق . ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) أخرجه مسلم.
ويقول الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه: (أنتم في زمان خيركم فيه المسارع فى الأمر، وسيأتي بعدكم زمان خيركم فيه المتثبت المتوقف؛ لكثرة الشبهات).
ومِمَّا قيل في القواعد الأصولية : ( من استعجل شيئاُ قبل أوانه عوقب بحرمانه).
وقيل :( في العجلة الندامة وفي التأني السلامة).
وقال الشاعر:

قد يهدم السد المشيَّد فأرة *** ولقد يحطِّم أمَّة متهور

والشاعر المسلم يقول:

قدر لرجلك قبل الخطو موضعها * فمن علا زلقاً عن غرَّة زلجا

للعلماء تفصيلات رائعة، وتدقيقات متحريَّة، لفقه المصالح والمفاسد، وبما أنَّ مجال حديثنا عن حكم تفجير الكنائس، فإنَّ من المهم النظر لما تحققه هذه التفجيرات من المصالح والمفاسد، ومن ثمَّ نخرج بفائدة الحكم الشرعي، هذا إن كانت في أصلها جائزة شرعاً ويبقى الأمر مترتب ومتوقف على الدخول في مصالحها ومفاسدها مع أنَّها ليست كذلك.
إنَّ تحصيل المصالح ودفع المفاسد هو كما يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: (أصل أصول الشريعة إذ إن الشريعة إنما جاءت لتحصيل مصالح العباد الدينية والدنيوية ودفع المفاسد عنهم وقد ثبت هذا المعنى يقينًا من مقاصد الشارع الحكيم في تنزيله وتضافرت عليه الأدلة العقلية والنقلية).
وقاعدة فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد وما ينجم عنها من خير أو شر مشتبكة بانسجام مع قاعدة فقه المآلات واعتبارها، ويبين الإمام ابن تيمية رحمه الله شيئاً مِمَّا يوضح ذلك فيقول:(مررت أنا وبعض أصحابى في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم).
وإذ نتأمَّل في فقه شيخنا الإمام ابن تيمية فنجده في هذا المقطع الذي يذكر فيه قصَّة حصلت له هو وبعض طلابه، وينبه على ضرورة اعتبار المآلات من جهة، ومقارنة المصالح والمفسد من جهة وتغليب أيهما أكثر وأوضح، كما يبين رحمه الله أنَّ الغاية من إنكار المنكر وجود المعروف، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه فإنه لا يسوغ إنكاره، وفي مثل هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللّه - : (وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق أو يجلد الشارب ويقيم الحدود؛ لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد؛ لأن كل واحد يضرب غيره يدعي أنه يستحق ذلك ، فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر) .
وهنا يتبين فقه الفقيه وهو أن يدرك حقيقة إنكاره لهذا المنكر بيده أو حتَّى لسانه، فإن كان إنكاره سيخرج منه مفاسد أكثر وأربى من المصالح، فإنَّ السكوت عنها أولى وأحرى وإن كان في السكوت عنها مفسدة، ولكن كما هو معروف في القواعد الأصولية يرتكب أدنى المفسدتين لعدم وقوع أكبرها مفسدة، وكذلك ينظر لهذه المفسدة وتلك المصلحة فإن كان بينهما تساوٍ فإنَّه لا يتقدم على فعل تلك المصلحة لأنَّ درء المفسدة أولى من جلب المصالح، وحتَّى لو كان هنالك خير وشر وصلاح وفساد، فالعاقل كما يقول الإمام ابن تيمية : ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشرو لكنَّ العاقل الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والمؤمن ينبغي له أن يَعْرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، كما يَعْرف الخيرات الواقعة، ومراتبها في الكتاب والسنة، فيُفَرِّق (بين) أحكام الأمور الواقعة الكائنة، والتي يُراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدِّم ما هو أكثر خيراً وأقل شراً على ما هو دونه، ويَدْفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويَجْتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإنّ من لم يَعْرف الواقع في الخلق، والواجب في الدين: لم يَعْرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يَعْرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يُفْسِد أكثر مما يُصْلِح).
وقال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالاً لأمر الله -تعالى- لقوله -سبحانه وتعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن:16)، وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة قال الله -تعالى-: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)(البقرة:219)، حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما، وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة، وإن استويت المصالحة والمفاسد فقد يتخير بينهما وقد يتوقف فيهما".
ولو أردنا أن ننظر لحجم المصالح وحجم المفاسد التي تنتج من خلف هذه التفجيرات إن صحَّت نسبة القيام بها من المسلمين، ولا أظن أنَّ هنالك مصلحة ممكن أن تقال في هذا السياق إلاَّ أنَّ مثل هذه التفجيرات عامل إزعاج وإشارة تنبيه للنصارى الأقباط بالقدرة على الوصول إليهم وإيذائهم بسبب ما يقترفونه في حق أخواتنا المسلمات الأسيرات أو بعض المنكرات التي يقومون بها.
ولكنَّ المفاسد الناجمة عن ذلك أضعاف أضعاف المصالح، وقد ذكرت سابقاً في مجال اعتبار فقه المآلات عن المفاسد المترتبة عن هذه التفجيرات بشكل لا يجعل مجالاً للشك أنَّ مفاسدها أكثر من مصالحها الموهومة والمزعومة.
والأمر في الجملة كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: "وجماع ذلك داخل في القاعدة فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي -وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته" (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام ابن تيمية ص11-19).
بل إنَّ القتال في سبيل الله الشرعي والمأمور به لمقاتلة الكفَّار، لابد وأن يخضع للمصلحة في تحقيقه، ولهذا قال الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله: (إن أي قتال للكفار لا تتحقق به نكاية للعدو فانه يجب تركه؛ لأن المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من موات النفوس، وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا مفسدة محضة وليس في طيها مصلحة).
مع أنَّ ما قاله الإمام العز بن عبد السلام، عن قتال في سبيل الله ومعركة مفتوحة مع العدو، ويبين أنَّ هذا القتال إنَّ لم يحقق المصلحة المرادة، فإنَّه يجب ترك هذا القتال، لئلا يفرح به أعداء الإسلام، ولا يكون هذا القتال مكمن فرحة لقلوبهم حينما يرون انهزام جيوش الإسلام أمامهم، وهذا القتال يكون تحت قيادة واحدة وجيش جهادي منظَّم، فما بالنا إن كنا نتحدث في أمور غامضة فلا يوجد الحاكم الذي يقسم شرع الله تعالى، ولا يوجد في مصر تلك المعركة الواضحة الصريحة، وحتَّى لو وقعت فهي من إحداث الكفَّار ومحبتهم لزعزعة استقرارها، ولأجل ذلك فإنَّ وضوح المفسدة من مثل هذه التفجيرات والأعمال أمر لائح وعمل جرمه واضح.
ومن الغريب العجيب أن أجد بعض من يؤصِّل لمثل هذه العملية المحرَّمة، يقول أنَّ المصالح والمفاسد يختلف أهل العلم في تحقيقها وبيان الأغلب منهما، ويستدل بكلام الإمام العز بن عبد السلام :" إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت ، وإن لم يعلم رجحان ، فإن غلب التساوي فقد يظهر لبعض العلماء رجحان إحداهما فيقدمها ويظن آخر رجحان مقابلها فيقدمه ، فإن صوبنا المجتهدين فقد حصل لكل واحد منهما مصلحة لم يحصلها الآخر ، وإن حصرنا الصواب في أحدهما فالذي صار إلى المصلحة الراجحة مصيب للحق والذي صار إلى المصلحة المرجوحة مخطئ معفو عنه ، إذا بذل جهده في اجتهاده ، وكذلك إذا تعارضت المفسدة والمصلحة " ( قواعد الأحكام 1/ 83).
والسؤال الوارد الآن: من هم العلماء المعتبرون الذين قالوا بجواز هذه العمليَّة التفجيريَّة؟
وهل وضَّحوا المصالح الكثيرة التي تربو على مفاسدها؟
وهل نظروا لجوانب التحريم الأخرى المذكورة في هذا البحث؟

• مخالفة هذه الأعمال التفجيريَّة لنصح وفتاوى علماء الإسلام:

من مصائب هذا الزمان تسلط الجهَّال على علماء الإسلام الربَّانيين، وتضليلهم وتفسيقهم فضلاً عن تكفيرهم وإعلان ردَّتهم، واتَّهامهم بالركون إلى الدنيا، وملء البطون بالمطاعم والمشارب، والمصيبة الكبرى أنَّ مثل هؤلاء إمَّا أن يتحدثوا بمثل هذا الحديث في مجالسهم المغلقة أو في معرفاتهم الالكترونية ويظهر الرجل فيهم وكأنَّه أمير المؤمنين، أو خليفة على الإسلام والمسلمين، وهو يُجَرِّح بذلك العالم وذلك القائم بدين الله، ولربما يقول قائلهم:

زَماني لا أرى فيه اجتهادا *** سوى ما كانَ سيفاً أو زنادا
فلا تسمع فتاوىً من أناسِ *** طغوا بالعلم وازداودا فسادا

وبالفعل فإنَّ من أكبر المشكلات التي يواجهها العلماء المسلمون الآن ترشيد الشباب تربوياً وفكرياً، بل لربما يجبن بعض العلماء الأكابر عن قول كلمة الحق أمام هؤلاء الشباب، خشية منهم ومن سوء أخلاقهم معهم ، وبالمقابل ترى أولئك العلماء قد جهروا بكلمة الحق أمام الحكَّام ونالهم ما نالهم من سجن وتضييق وأذى، ولكنَّهم حينما يتحدثون للشباب يحسبون لهم ألف حساب، فالتهمة جاهزة ومعلبَّة( عملاء لا علماء، علماء سلاطين، علماء لا يفقهون الواقع) إلى غير ذلك من أوصاف السوء وقالة الإثم والبهتان.
صحيح أنَّ هنالك علماء سوء وفقهاء سلاطين، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، وضلوا وأضلوا، وغرَّتهم الحياة الدنيا، ولكن أن يكون هذا الكلام مندرجاً في الكثير من علماء الإسلام الذين ثبت علو كعبهم في العلم، وصمودهم في الحق، ووقوفهم في وجه الباطل، فيلحق هؤلاء الفضلاء بأولئك العلماء الضالين، تلك إذاً قسمة ضيزى.
إنَّ التحدث في مسائل فقه الجهاد في سبيل الله بحاجة لمنَّ منَّ الله عليه بعلم في الدين الإسلامي وفقه وبصيرة، ونظر في الدنيا وإدراك للواقع.
قال تعالى (واذا جاءهم امر من الأمن أو الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (النساء: 83)
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: (الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يُؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا).
وإنَّ حادثة كهذه (تفجير كنيسة القديس في الاسكندرية) لم أر إلاَّ إطباق وإجماع علماء الإسلام الربانيين على تحريمها وإدانتها، فمشايخ الدعوة السلفية في الاسكندرية، قد أصدروا بياناً خاصاً بهم في تحريم هذه العملية التفجيريَّة، وقد بدأت بهم أصالة لأنَّهم يعيشون في الاسكندرية محل الحدث الذي وقعت به هذه التفجيرات الآثمة، وصدرت كذلك الفتاوى من علماء الإسلام في مصر وفي غيرها ، والبيانات الحزبيَّة للكثير من الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية.
فإن كان هؤلاء الشباب المتحمسون لا يقتنعون بفتاوى هؤلاء العلماء ، ولا يملؤون عينهم، فلقد وجدت في الشبكة العنكبوتيَّة فتاوى لبعض علماء ودعاة التيار الجهادي يعلنون تحريمهم لمثل هذه التفجيرات واستنكارهم لمهاجمتها، فلا أدري هل ستكون مقنعة لهم أم أنَّهم كذلك مداهنين للأنظمة؟!!
فهذه جريدة السبيل الأردنية في لقاء لها مع منظِّر التيار الجهادي في الأردن الشيخ أبو محمد المقدسي حيث أجاب عن سؤال يطلب رأيه في التفجيرات بالكنائس فقال: ( لا أؤيد مثل هذه الأعمال وأنكرها؛ لأن الكنائس ليست ساحات معارك).
وقال أيضاً في لقائه الشهير مع قناة الجزيرة :( .... بل والكنائس أنا حذرت حتى من تفجير الكنائس، وقلت : لا مصلحة للإسلام والمسلمين في هذا الأمر كان ثمة مكان عبادة إيش مصلحة الإسلام من تفجير كنيسة؟ إيش مصلحته الكنيسة يدخلها الصبي والطفل والإنسان المسالم؟ إيش تريد في تفجير الكنيسة؟ ماذا يستفيد الإسلام من تفجير الكنائس؟).
وكذلك القائد الراحل في تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي حيث علَّق على ما يقوله بعضهم عن رأيه باستهداف النصارى وغيرهم حيث قال :(وفي أَرض الرَّافدين طوائفُ عدة، كالصَّابئة، واليزيدييِّن عبدة الشَّيطان، والكَلْدانيين، والآشوريين، ما مددنا أَيدينا بسوء إليهم، ولا صوبنا سهامنا نحوهم، مع أنَّها طوائف لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة، ولكن لَمْ يظهر لنا أَنَّها شاركت الصَّليبيين في قتالهم للمجاهدين، ولَمْ تلعب الدَّور الخَسيس الذي لعبه الرَّافضة).

• كيف تعامل كثير من المسلمين وغيرهم مع هذه الأزمة والفتنة؟

بعد وقوع هذه العمليَّة التفجيريَّة المحرَّمة، اختلفت طرائق تعامل المسلمين وغيرهم ، ولي مع ذلك عدَّة وقفات:

1) أنَّ أغلب المسلمين يقولون بتحريم القيام بهذه العمليَّة التفجيريَّة، لكنَّ هنالك قلَّة قليلة منهم يقولون بجوازها وتأييدها ويذكرون الأدلَّة على ذلك، وهم لم يعرفوا بعد من يقف خلفها، ومن يخالفهم ويناقشهم في وقوع ذلك من المسلمين، فبدلاً من أن يتوقفوا عن كلامهم يزيدون الوضع سوءاً ويقولون: بل هي من فعل المسلمين لأنَّ جماعة كذا وكذا أعلنت أنَّها ستستهدف النصارى، ثمَّ يخوضون في نقاشات كثيرة وكبيرة، والسؤال هنا : لو أنَّه ظهر بعد التحري الكامل بأنَّ من كان خلف هذه العمليَّة أصابع خارجيَّة سواء من أقباط المهجر أو الموساد، فماذا سيقول هؤلاء المتحمِّسون لجواز هذه العمليَّة، إن ثبت لهم أنَّ من قام بها غير مسلم.
ولأجل ذلك كان من الجدير بالذكر أن يتريَّث المتحمِّس، ويعلم طبيعة من قام بمثل هذه العمليات، حتَّى لا يقع في الفتنة، ولا يصب الزيت على النار، بدون فائدة مرجوَّة من تلك النقاشات العدميَّة.

2) مع أنَّ هذه العملية التفجيريَّة ستسبب بشرخ واضح وواسع بين المسلمين والنصارى في مصر، إلاَّ أنَّها وللأسف نجد أنَّها ألقت بظلال سيئة في طريقة تعامل المسلمين مع بعضهم بعضاً، فنجد الخلافات الكثيرة ولربما الخصومات، في طبيعة من فعلها وهل هو مسلم أم غير مسلم، ولربما نجد احتدام النقاشات فيما بينهم، فيقعون في مصائب أخرى من الفرقة والتنازع والخلاف والشجار، وكأنَّ الوضع يحتمل فرقة وسوءاً على ما هو عليه من فتن ومحن وبلاءات، فنجد من يرى جواز تلك الأعمال المحرَّمة، حينما يسوق لهم بعض المناقشين لهم فتاوى بعض العلماء والمشايخ الثقات الأثبات في تحريمها، فيبدأ بعض الشباب هداهم الله بالسب والقذع بهم ووصفهم بأوصاف السوء، ويكاد يأخذني العجب وأنا أقرأ هذه الشتائم على مرأى ومسمع في بعض المواقع أو المنتديات وإدارة المنتديات تقف موقف المتفرج، وكأنَّها مستمتعة بمثل هذه الحوارات اللاإنسانيَّة، والتي يتَّسم بها كل طرف مع الآخر، باستخراج الألفاظ المشينة من (قاموس الشتائم) وهو قاموس يحمل في طيَّاته الكثير من العبارات السيئة والمشينة.

3) وفي المقابل فيبدو أنَّ عقيدة (الولاء والبراء) نسيت عند الطرف الآخر من بعض المسلمين، وصارت نسياً منسياً أو في خبر كان، فنرى أقوالاً غريبة، وهتافات جماهيريَّة مزعجة حينما يخرج بعض المسلمين الجهَّال قائلين وهم يصدحون بأعلى أصواتهم وملء أفواههم :(بالروح بالدم نفديك يا صليب)، أو قولهم :(نحن والنصارى كلنا مؤمنون فهم مؤمنون من وجه ونحن مؤمنون بوجه آخر) ويستدلون على ذلك بقوله تعالى : (إنَّما المؤمنون إخوة) مع أنَّ هذه الآية تدلُّ على الأخُوَّة بين المسلمين فقط بدلالة سبب النزول فيها، ولأنَّها حدث عن المسلمين بدليل سياق الآية وسباقها ولحاقها، كما نرى لدى بعض المسلمين كانوا يقولون في هتافاتهم:(بمعانقة الهلال مع الصليب) ويفعلون ذلك، بحجَّة استنكار هذه العمليَّة التفجيريَّة المحرَّمة، فيخرجون بأشكال تُصوِّر مثل هذه المعتقدات، وكأنَّ الهلال المعبِّر عن الرمز والشعار الإسلامي مع الصليب المعبِّر عن شعار النصارى، يُرمز بهما عن الوحدة الوطنيَّة، ومواجهة الفتنة الحاصلة بين النصارى والمسلمين (بزعمهم)، وما هكذا تُورد الإبل.
لقد روى البخاري (5952) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ .
ومن الغرائب العجائب ما نادى به كذلك عدد من ممثلي القوى السياسية على تبنى المبادرة التى أطلقها الشاعر القومي العربي أحمد فؤاد نجم بضرورة بدء حملة جمع مليون توقيع على الخطاب الذى أرسله إلى الرئيس مبارك، وطالب فيه بإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية، مع ضرورة تلبية النظام للمبادرة باعتبارها بداية لحل مشكلة الاحتقان الطائفى وظهور المتطرفين والقضاء على التمييز الدينى، فيما تبنت حركة 6 أبريل حملة جمع التوقيعات.
وأظنُّ أنَّ الأمر لا يحتاج لمزيد تعليق، تحصل جريمة على كنيسة، فيُطالب أولئك السُّذَّج بإلغاء خانة الديانة من الهوية، وذلك لكي لا تحصل مشكلة الاحتقان الطائفي كما يزعمون، وكأنَّ أولئك يظنُّون أنَّ هذا الشيء سيوافق عليه الشعب المصري المعتز بإسلامه والرافض كذلك لأعمال العنف، ولكن أن يًصادر الدين كرمالاً لما حصل في كنيسة النصارى، فتلك عجيبة بعد هذه المصيبة.
وكذلك سعي بعضهم للمناداة بأداء شعائر العبادة مع النصارى في كنائسهم ومشاركتهم في ذلك بحجة إظهار التضامن والوحدة الوطنية، ومشاركتهم قدَّاس الاحتفال بعيد الميلاد فإنَّ هذا لا يجوز شرعاً، ولا أدرى من أين ينطلق هؤلاء في تقريراتهم التي يزعمونها ، ولو قرؤوا آراء الصحابة والتابعين ، وما يكتبه أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية في مثل أقوالهم وأفعالهم لعلموا انحراف فعلهم عن الهدى القويم، والبر بالنصارى والذود عن أعراضهم وعيالهم وأموالهم لا يعني إقرارهم على ضلال عقائدهم ومشاركتهم في الاحتفال بأعيادهم.
والواجب أن يرجع عموم الشعب المسلم المصري لأهل العلم الثقات، ويسألونهم عن مدى جواز هذه الأقوال والأفعال، وينتبهوا لخطورة اختلال القاعدة الإسلاميَّة العقائديَّة الكبيرة :(الولاء والبراء) بسبب ما جرى من تفجير للكنيسة، راح ضحيَّته قتلى وجرحى كان أكثرهم من النصارى ونال من المسلمين منهم حظَّاً قليلا، وسؤالهم عن وسائل التعبير الجائزة شرعاً عن منع الفتنة بمصر بين المسلمين والنصارى وهذا هدف منشود ومطلوب، لكي لا تكون مصر مسرحاً للفتنة فيها وقاها الله شرَّ ذلك.

4) بعد حادثة مقتل الشاب المسلم (سيد بلال) رحمه الله رحمة واسعة، رأينا النظام الرسمي وللأسف يفتعل هذه الفعلة تجاه هذا الشاب المسلم والذي قتل تحت التعذيب في أقل من يومين، وذكر مركز (ضحايا) لحقوق الإنسان في بيان له أنَّ "الأجهزة الأمنية دفنت الجثة ليلاً "رغمًا عن أهله" الذين رفضوا دفنه وطالب المركز بسرعة الكشف عن وقائع هذه الحادث المروع واستخراج الجثة وإعادة تشريحها لمعرفة السبب الرئيسى للوفاة".
وهذا بالتأكيد يُسبِّب احتقاناً كبيراً بين الشباب المسلم والأجهزة الأمنيَّة التي تتعامل مع الشعب المصري المسلم بعجرفة وبلطجة غريبة، وفي المقابل يختلف تعاملهم مع النصارى حتَّى أنَّ بعض النصارى كانوا يرشقون الضبَّاط المصريين والجنود بالحجارة وغيرها ، مِمَّا سبب جرح أكثر من 20 ضابطاً وشرطياً كما ذكرت وسائل الإعلام، فما سرُّ هذا الذل أمام النصارى، والاستئساد على المسلمين؟! أليس الكل واحد أمام القانون المصري كما يقولون ؟! فاللهم رحماك.

5) مسارعة أهل العلم لاستنكار الحدث المحرَّم في تفجير (كنيسة القديسين) محمودة لهم ولا ريب في ذلك، وقطع لطريق من يصطاد في الماء العكر ويخلط الأوراق من (بني علمان وأصحاب الأقلام المسمومة والتي تنزف حقداً على أهل العلم) ويتَّهمونهم وخصوصاً السلفيين منهم في السكوت عن مثل هذه التفجيرات، فكانت مبادرتهم لاستنكار وتحريم هذه العمليَّة من الحق الذي أوجبه الله تعالى على أهل العلم أن يقولوه ولا يكتموا منه شيئاً، ولكن نتمنَّى منهم وهم السد المنيع للفتن في مصر وغيرها، أن يكونوا مستذكرين كذلك لحالة اعتقال الأخوات الأسيرات المسلمات ويُذَكِّروا بها في المجامع والإعلام فتلك جريمة لا تغتفر كذلك، واستنكار ما جرى من التعذيب حتَّى القتل للأخ المسلم (سيد بلال) الذي قضى نحبه على أيادي مجرمة خالفت الشريعة الإسلاميَّة والقانون المصري الذي يُحَرِّم التعذيب للسجين والضغط عليه لانتزاع اعتراف بهذه الطرق المجرمة.

6) اتهام بعض المسلمين المستسلمين لمن كانوا وراء التذكير باعتقال الاخوات المسلمات الأسيرات، أنَّ ذلك يفتح باب فتنة طائفيَّة في البلد، اتهام لا محلَّ له من الصحَّة، وذلك لأنَّ من بدأ بمثل تلك الجرائم هم النصارى من اعتداء على الأخوات الأسيرات وسب للقرآن وتهريب أسلحة في الأديرة والأقبية النصرانيَّة، والحق الذي لا يُنازع فيه اثنان ولا تنتطح فيه عنزان أنَّ العلماء المسلمين كانوا سداً منيعاً في الوقوف ضدَّ الفتنة بين المسلمين والنصارى، فأي مشكلة لدى هؤلاء الذين يقولون: إنَّ بعض المسلمين كان لهم الدور في فتح باب الأزمة والفتنة مع النصارى، والعكس هو الصحيح.
لعلَّ متذكراً يتذكَّر أنَّه في نهاية شهر ديسمبر سنة 1979م التقى بعض المطارنة بدير الأنبا بيشوى بوادي النطرون ودار بينهم حديث حول تعديل المادة الثانية من الدستور وعلق بيشوي بأنه ينتظر نتيجة لقاءاته مع المسئولين بشأن الضمانات التى طلب إدخالها على تعديل المادة الثانية من الدستور لحماية الأقباط، وأنه فى حال عدم تلبيتها ردد عبارة: "حخليها دم للركب من الإسكندرية إلى أسوان".
ويعيد التاريخ القديم نفس أحداث أمسه، ويُعلن "بيشوي" للمرَّة الثانية في حواره الشهير مع جريدة (المصري اليوم) 25/ 9/2010م، أن تطبيق القانون على الكنيسة والطائفة يعني الشهادة أي الدم والقتل ؟!
فهذه ثقافة الدم التي يُتقنها أولئك النصارى في مصر، وهو يشرح أبعاد منهج التمرد النصراني ضدَّ المسلمين.
فهل هذا حديث من يريد الوحدة الوطنيَّة لبلده مصر؟
وهل هو كلام الشخص الحكيم الذي يحرص على نزع الفتنة الطائفيَّة؟
ولماذا إذا قمنا بتذكير الناس بهذه الحقائق التي يتحدَّثون بها سابقاً وحالياً وكذلك لاحقاً يتَّهمنا أولئك بأنَّ دعاة الإسلام يثيرون الفتن الطائفيَّة؟
أم أنَّه حلال لهم أن يقولون ما يشاؤون حرام على دعاة الإسلام أن ينبِّهوا المسلمين من خطرهم، ويرفعوا أصابعهم كعلامة تشير لأولئك النصارى بأنَّهم منتبهون لما يقولونه؟
وكيف ينسى أهل الإسلام روح التمرُّد التي نراها ظاهرة لدى قيادة الكنائس بمصر، عندنا يقومون بالتدخل في شؤون الدولة وبكل فجاجة، وينادون بإلغاء النص في البند الثاني من الدستور علي الشريعة الاسلامية، إذ سبق للأنبا مرقص المتحدث الرسمي باسم الكنيسة أن أثارت تصريحات غير مسبوقة في حوار صوتي مع "الهيئة القبطية الأمريكية" ودعا فيها بتعديل المادة الثانية من الدستور بحذف الألف واللام من كلمتي (المصدر الرئيسي للتشريع) لتصبح (مصدر رئيس)، ودعوته بموجب ذلك لإيجاد مصادر أخرى للتشريع منها الشرائع المسيحية .
كما دعا الأنبا مرقص لـ "تطبيق بعض شرائعنا فيما يتعلق بالمسيحيين" مثلما يطبق المسلمون شريعتهم ، وهو ما طبقه البابا شنوده عمليا عندما رفض العام الماضي 2010 تنفيذ أحكام محكمة القضاء الاداري فيما يخص الزواج الثاني للمسيحيين وتعلل بمخالفته للأنجيل .
إنَّ ذلك ما يجعلنا نتحدث وبكل ألم شديد، للحديث لأولئك المنخدعين من المسلمين الداعين للخنوع والركوع وعدم الدفاع عن حقوق المسلمين في مصر، وكأنَّ المسلمين في مصر باتوا أقليَّة لا يحق لهم الحديث والدفاع عن أنفسهم، وإن دافعوا عن أنفسهم فيفتح أمامهم ذلك الصوت القائل: (انتبهوا كلامكم يثير الفتنة الطائفيَّة ويُفسد الوحدة الوطنيَّة) فيا سبحان الله !
لماذا لا يوجهون هذا الكلام لقيادات الكنائس المصريَّة ويقولون لهم هذا الكلام؟!
لقد كان الشيخ الراحل محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ بصيراُ في هذا الصدد، وكتب كتاباً صدر قديماً أسماه : (قذائف الحق) وذكر فيه منذ زمن بعيد من الذي يفتح أبواب الفتنة الطائفيَّة؟!
حيث قام بعرض تقرير سري يصف لقاء شنوده مع رجال دين وأثريـاء من النصارى المصريين، في أوائل السبعينات في اجتـماع خاص بينهم على مستوى رفيع وذكر الشيخ الغزالي أنَّ (البابا شنودة) جلس أمام النصارى وتحدث إليهم طويلاً عن معاناتهم المزعومة في ظل عيشهم في مصر (ثـم ختم حديثه بأن بشّـر الحاضرين، وطلب إليهم نقل هذه البشرى لشعب الكنيسة، بأنَّ أملهم الأكبـر في عودة البلاد، والأراضي إلى أصحابها من "الغزاة المسلمين" _ !! _ قـد بات وشيكاً، وليس فـي ذلك أدنـى غرابـة _ فـي زعمه _ وضرب لهم مثلاً بأسبانيا النصرانية التي ظلت بأيدي " المستعمرين المسلمين " قرابة ثمانية قرون (800 سنة)، ثم استردها أصحابهـا النصارى ، ثم قال : وفي التاريخ المعاصر عادت أكثر من بلد إلى أهلها بعد أنْ طُردوا منها منذ قرون طويلة جداً _ واضح أنَّ شنودة يقصد الكيان الصهيوني _ وفي ختام الاجتماع أنهى حديثه ببعض الأدعية الدينية للمسيح الربّ الذي يحميهم و يبارك خطواتهـم).
كان ذلك منذ زمن بعيد لكي يدرك بعض المسلمين الذين يقولون أنَّ من يتحدث عن نصارى مصر وجرائم كثير منهم ضدَّ الشعب المسلم المصري، بأنَّه يفتح فتنة طائفيَّة؛ سقت ذلك لكي يُعلم أنَّ من ابتدأها هم النصارى وليسوا المسلمين.
إنَّ أحداث إرادة النصارى بالشعب المصري المُسالم الشر، وإغاظتهم وترويعهم، لن ينساها الشعب المصري لهم، فلقد خرج النصارى خروجاً مستفزاً بعدد لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص يقودهم ستمائة مسلح بالمولوتوف والسلاح الأبيض ليهاجموا مبني محافظة الجيزة وحي العمرانية واحتجاز الرهائن ، بعد قطع الطريق الدائري من ناحية المنيب، وتكسير عشرات السيارات يملكها بعض المسلمين، وأسفر الهجوم الدموي عن إصابة مجموعة من لواءات الداخلية والضباط والجنود الذي أصيبوا إصابات بالغة وتم نقلهم إلى المستشفى.
أليس هذا كذلك حادث إرهابي من النصارى، وأين دعاوى الوحدة الوطنيَّة، ومحاربة الفتنة الطائفيَّة، وخصوصاً من أبناء الديانة النصرانية، ولكن يبدو أنَّهم يسيرون على مبدأ :(تكلَّم بلطف واحمل عصا غليظة) وليتهم كذلك يتكلَّمون بطلف فلقد صاروا يتحدَّثون في مصر، وكأنَّهم هم الحاكم الرسمي فيه، وللأسف لا نجد من يردعهم، وتلك مشكلة كبيرة كذلك !
وفي الوقت الحالي فها نحن نُشاهد هجوماً سيئاً من بعض القنوات التي تبث على (النايل سات) مثل قناة (الكرمة) وهي تؤجِّج في برامجها نيرات الفتنة وتسكب الزيت على النار، وقد خصصت القناة برنامجا يبث على مدار ساعات بعنوان " ما وراء الأحداث " للهجوم العنيف على الإسلام وسب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتهكم على شرائع الإسلام واستقبال مكالمات من أقباط يقومون بسب الرئيس مبارك علنا بألفاظ يعاقب عليها القانون واتهامه أنه وراء أحداث الإسكندرية وأنه يقيم هولوكست للأقباط.
فأين إدارة النايل سات من مثل هذه القنوات التي تؤجِّج الفتنة، وتصيب الجميع بالاحتقان الداخلي، ولماذا لا يكون لها دور في تحذيرها من مثل ذلك، كما قامت إدارة النايل سات بتحذيرات متتابعة لقنوات إسلاميَّة تدافع عن حقوق المسلمين بحجَّة زرع الفتنة الطائفيَّة.

7) مسارعة المفتي وشيخ الأزهر لعزاء النصارى في ضحاياهم، لا إشكال فيه، ولكنَّ ذهابهم لمقر الكاتدرائية المرقصية لتعزية (البابا شنودة) فى مقره بالعباسية وسط الغوغاء الذين كانوا يرددون هتافات عدائية للمسلمين، في الحقيقة لم يكن أمراً محموداً، وذلك لأنَّ أولئك لم يحترموا رجال العلم المسلمين، بل آذوهم بألسنتهم وجوارحهم، فما كان ينبغي الذهاب إليهم، وكأنَّ المسلمين هم من كانوا خلف ذلك الحدث المشكوك بمن يقف خلفه.
لم يصدر البابا بيانا أو كلمة يستنكر فيها هذه الجرائم التي ارتكبها متطرفون أقباط ، لقد استنكر ملايين المصريين ونخبتهم على الفور الجريمة التي وقعت أمام كنيسة القديسين من باب الالتزام بالمسؤولية أمام الوطن ، أيا كان مرتكب الجريمة ، فلماذا لم يبادر البابا شنودة بإدانة فورية للاعتداء على ضيفه شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية من باب المسؤولية الأخلاقية أمام الوطن أيضا .

• وأخيراً:
قال الله تعالى: ( أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2]، إنَّ هذه الفتن التي كتبها الله عز وجل على عباده لحكم عظيمة، ومنها تمحيص الصف المسلم، ورؤية الصابر المتأني من المتسارع المتهالك عليها، لأجل ذلك فإنَّ الفتن تحتاج لرجال رجال، وأبطال لا تهُزُّهم الرياح العاصفات كالراسيات الجبال، وفي الفتن المدلهمة، نحتاج:(لأحلم الناس عند فتنة)، و( أهل التأني في الحُكْمِ وتحليل الأحداث)، وفقه أصول العبادة في الفتنة فالرسول الهادي أخبرنا في الحديث الصحيح :(العبادة في الهرج كهرجة إلي) والصبر الصبر :(استعينوا بالله واصبروا) (وجعلنا بعضكم لبعضِ فتنة أتصبرون!) والصمت نجاة، وربَّ قول يسيل له الدم، ولا نجاة لذلك إلاَّ بالاعتصام بالكتاب والسنَّة فمن اعتصم بهما فلن يضلَّ، ثمَّ اللجوء لأهل العلم الربَّانيين فقد أخبرنا بذلك الحسن البصري وقال :(الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل) فنور الفطنة يُبدِّدُ ظُلُمات الفتنة، والسعادة الأكيدة للمؤمن في اجتناب الفتن هكذا أخبرنا صلَّى الله عليه وسلَّم فقال في الحديث الصحيح (إنَّ السعيد لمن جُنِّب الفتن)، فالحذر من العجلة والتَّسرع فالعجلة أم الندامات، وكم من أناس رفعوا رؤوسهم لرؤية الفتنة فعصفت بهم الفتنة، وسقطوا:(ألا في الفتنة سقطوا) عافانا الله تعالى وثبَّتنا.
فاللهم إنَّا نسألك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
 

بقلم:
خباب مروان الحمد
Khabab1403@hotmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خباب الحمد
  • مقالات شرعية
  • حواراتي معهم
  • حواراتهم معي
  • وللنساء نصيب
  • تحليلات سياسية
  • مواجهات ثقافية
  • تحقيقات صحافية
  • البناء الفكري والدعوي
  • رصد الاستراتيجية الغربية
  • رمضانيات
  • استشارات
  • كتب
  • صوتيات
  • قراءة في كتاب
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية