صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تطبيق الشريعة ... مسئولية من؟

د.عبدالعزيز بن مصطفى كامل


إذا كانت الشريعة هي الدين كله، في أحكامه العملية والعلمية، المتعلقة بالعبادات والمعاملات والاعتقادات؛ فإن إقامتها وتطبيقها والسعي في نصرتها ورفع رايتها، هي مسئولية الأمة كلها ، لا مسئولية شريحة محدودة فيها ، ولهذا قال الله تعالى مخاطباً المسلمين جميعاً في [سورة الشورى:13] ((أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)) ، وذلك بعد أن بيّن سبحانه آن أصول الاعتقاد قد شرعها الله تعالى فى كل الرسالات، وذلك فى قوله : ((شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى)) ثم قال : ((أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)).

يمكننا أن نقول: إن إقامة الشريعة بمعنى التوحيد ، هو مسئولية البشر جميعاً ، الذين أرسل في أسلافهم هؤلاء الأنبياء ، فلن تنشر الصحف وتنصب الموازين يوم القيامة إلا للحساب عما جاء به هؤلاء الرسل ( صلوت الله عليهم ) حيث يقال للناس جميعاً ((مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ)) ؟ [سورة القصص:65] لكننا هنا بصدد الحديث عن مسئولية الأمة التي أعلنت رضاها بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً، تجاه الشريعة التي جاء بها ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه الأمة لو فرطت فيما آل إليها من الأمانة ، فإن مصيبتها عظيمة وخسارتها جسيمة، لأنها إعلانها الرضا بالإسلام ديناً، قد حملها دون سواها مسئولية رعايته وحمايته ونشره لنصره ، ولهذا قال الله تعالى لمن ارتضوا وصف الإيمان لأنفسهم (( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله )).

إن مسئولية إقامة الشريعة وتطبيقها في حياتنا ليست مسئولية الحكام فقط -مع ثقل حملهم في هذا – وليست مسئولية العلماء فحسب – مع – عظم أمانتهم في ذلك – وإنما هي مسئولية الجميع ، كل في موقعه وبقدر وسعه ، بدءاً من امتثال المرء لها والعمل بمقتضاها بحسب الوسع والطاقة ، ومروراً بإلزام من استرعاه الله من رعية بها ، وانتهاء بواجب المنافحة عنها والدفاع عن حرماتها والسعي لإقامة مجتمعها وتحقيق دولتها وإقامة كيانها العالمي القوى الممكن، إننا نظلم الشريعة عندما نسند مسئولية ذلك كله إلى الحكام وحدهم، خاصة أولئك الذين لا يرون لها أهمية في واقع الحياة لكننا نظلم أنفسنا أيضاً عندما نلقى عن كواهلنا شرف تحمل هذه المسئولية، تاركين حمل أمانتها لغير الأمناء أو غير الأسوياء.

- إن أمانة إقامة الشريعة وتطبيقها تتوزع على الأمة بحسب القدرة على الفعل والتأثير، ولا شك أن لكل واحد منا قدر من القدرة والتأثير فيما حوله، وبحسبه يحاسب، ولما كانت شريحة الحكام والعلماء هي الأكثر اقتداراً على الفعل والتحرك قولاً أو عملاً، فإن معظم المسئولية العملية تتركز حولهما وإن كانت لا تقتصر عليهما، فمساحة المسئولية عظيمة الاتساع، ولهذا تشمل الخاصة والعامة.

- لقد شهدت الساحة الإسلامية مرحلة، كان بعض الإسلاميين فيها يظنون أن إقامة الحياة الإسلامية هي مسئولية الحكام وحدهم، فالقوا عن كواهلهم أي سعى في نصرتها وإقامتها في المجالات المتاحة والمباحة، واقتصروا بدلاً عن ذلك بأحد سبيلين: إما السعي إلى التغيير الرأسي الجذري فقط، أو ترك المساعي كلها يأساً من الإصلاح وفراراً إلى العزلة و الانطواء أو الاستعلاء والاستقواء، لكن الفطرة السليمة للشريحة العامة من المتدينين ، والتي لم تتلوث بالتنظيرات والتقعيرات، اختارت الطريق الوسط بين الإفراط والتفريط ، فأثمر جهدها مانراه الآن من مظاهر العودة الكبيرة للدين في حياة المسلمين، ورأينا إقبالاً من الناس رجالاً ونساء، شباباً وشيباً على الدين في أمور الشريعة والعقيدة والسلوك تعد شيئاً طيباً مقارنة بما كان عليه الأمر منذ عقود قليلة، وهو ما اصطلح عليه تسميته بـ ( الصحوة الإسلامية ) تلك الصحوة التي لم تأت بإذن من الحكومات، ولا بتخطيط من الجماعات ولا باجتهاد من رمز بعينه أو قائد بخصوصه.

- إن هذا يدعونا إلى استثمار نتائج ذلك النهج السلمي في التنفيذ، حيث إن هناك الكثير والكثير من مجالات الإصلاح التي لا تحتاج إلى وسائل غير تقليدية، ولا إلى تأجيلات تسويفية.

- وإذا كنا لا نقلل من فداحة مسئولية الحكام تجاه قضية الشريعة، باعتبار أن الدين يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن؛ فإن ذلك لا ينبغي أن يتخذ تكأة لقعود المحكوميين عن أداء هذه المسئولية، فالله تعالى لم يحكم في القرآن بانحراف وزيغ من يحكم بما أنزل الله من الحكام فقط، بل قال سبحانه للأمة كلها (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)) وقال ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)).

وقد خاطب الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بخطاب حاسم ، يشمل طوائفهم وعناصرهم وطبقاتهم كلها ، في قوله تعالى (( يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم )) فإذا كان هؤلاء لم يكونوا على شيء بسبب عدم إقامتهم لشريعتهم ، فهل نكون نحن شيئاً ، إذا لم نقم شريعتناً ؟!

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالعزيز كامل
  • كتب ورسائل
  • الصفحة الرئيسية