صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







هذا الفتى كان أعقل مني

حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih


بسم الله الرحمن الرحيم


قال هذا الاعتراف رجل من الأنصار، وكان يقصد به صديقه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، إنه اعتراف يأتي نتيجة لمواقف قبل سنوات بينهما, وهذا الموقف يحكي قصته ابن عباس رضي الله عنهما، ولكم أن تتخيلوا مقدار الصدق عند ذلكم الأنصاري وهو يتحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول: ( هذا الفتى كان أعقل مني )، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير"، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم، قال:" فتركت ذاك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني"، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: "لا، أنا أحق أن آتيك" قال: فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول:" هذا الفتى كان أعقل مني )

هذه الجملة تعود مجدداً إلينا لبيان أن الإنسان بهمّته وعمله أيضاً، فلقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يدعوه للعلم والعمل، واستثمار فرصة وجود الصحب الكبار والاستفادة منهم ومن علمهم، تقوده لذلك همّة عالية مصحوبة بثقة في النفس واعتماد على الله قبل كل شيء إلا أن الأنصاري يرفض ذلك العرض، بل سعى إلى أن يقنع ابن عباس رضي الله عنهما بان لا فائدة من سعيك ومن تحقيق هدفك، فالمجتمع مليء بالعلماء والدعاة وهم لا يحتاجون إليك ولا إلى علمك، إلاّ أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يلتفت لما قاله الأنصاري بل تركه على الإطلاق وذهب وهو يبصر هدفاً تلوح بوادره في الأفق ولا مناص من السعي إليه وتحقيقه، نعم لا مناص من تحقيقه مهما كانت العقبات والظروف حتى وأن كلفني ذلك السعي إلى المزيد من التضحيات في الجسد وفي المال وفي الوقت، حتى وإن اضطررت للجلوس تحت لهيب الشمس الحارقة متوسداً نعلي على عتبات أبواب من أجد عندهم العلم والفائدة والريح تسفّ في وجهي، نعم لا مناص من تحقيق الهدف حتى وإن كان الطريق طويلاً وشاقاً فلا عز إلا بتعب، ولا سيادة إلا بتضحيات، ولا إمامة في الدين إلا بالصبر واليقين، لامناص من تحقيق الهدف حتى وإن كنت نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأولئك القدوات أصحاب الهمم العالية، الذين تربوا على يد محمد عليه الصلاة والسلام، حتى وإن كنت ابن عم النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، وقد أطلب الشيء من الآخرين فيسعون جميعاً على توفيره إجلالاً وتقديراً لقرابتي وصلتي بالرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن ذلك كله لا ولن يقعدني عن السير إلى الهدف الأسمى والذي يقودني إليه همة عالية تسكن بين أضلاع صدري، ذلكم لسان حال ابن عباس رضي الله عنهما الذي لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره.
لقد كان رضي الله عنهما مثالاً جلياً للهمة العالية، حتى أن همته تلك جعلته أهلاً للقيادة والقدوة، فقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقر به ويجلسه مع الكبار والأشياخ من الصحابة ويستنير برأيه وهو شاب يافع، ولقد بلغت الهمّة العالية بابن عباس رضي الله عنهما لأن يكون إماماً في جميع العلوم، كان يزدحم في بيته أهل القرآن والتفسير ثم يأتي بعدهم أهل الحديث والمغازي ثم يلونهم أهل العربية والشعر ويهدهم يدخل أهل التاريخ والأنساب...الخ، ذلكم الأنصاري يرى تلك الجموع تتزاحم على بيت صاحبه القديم ــ ابن عباس رضي الله عنهما ــ ، ويرى تهافت الناس عليه في السوق وفي البيت وفي المسجد، فيأخذه العجب، ويلفت انتباهه ذلكم السير الحثيث من ابن عباس رضي الله عنهما حتى حقق جزاءً كبيراً من أهدافه وأصبح علامة فارقة بين أقرانه، عندها قال معترفاً صادقاً فيما يقوله، مدركاً بنتيجة سير كل واحد منهما، ( لقد كان هذا الفتى أعقل مني ).

وصدق من قال:

أعاذلتي على إتعاب نفسي ورعي في الدجى روض السهادِ
إذا شــام الفتى برق المعالي فــــــأهون فائتٍ طيب الـــرقادِ
 

حسين بن سعيد الحسنية
h_alhasaneih@


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية