صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رسالة إلى مؤمنة متعلمة

إبراهيم بن محمد الحقيل


بسم الله الرحمن الرحيم


سلام عليك أختي الكريمة ورحمة الله وبركاته...
أحمد الله الذي لا إله إلا هو إليك؛ إذ هداك للإسلام، وعلمك العلم، واختارك لتكوني من طليعة نساء هذا البلد.. وهذا الشرف العظيم يحملك مسئولية كبرى؛ لقلة الأقلام النسائية الفكرية الواعية، وكثرة التحديات التي تواجه نساء المجتمع والمؤمنات بوجه عام..
فالخطاب الفكري النسوي المحافظ ضعيف جداً في مقابل هجمة شرسة تقوم بها أقلام غربية نسوية ورجالية، وعربية مغتربة الفكر، مستلبة العقل والوجدان. وللتيار النسوي الغربي المتطرف سطوة على القرارات الدولية، وتطالب صاحباته بتشريعات في الدول الإسلامية تبيح نكاح المحارم والشذوذ والزنا للمرأة على أنه حق من حقوقها لا يجوز للدولة ولا للمؤسسة الدينية ولا للوالدين ولا للمدرسة منعها منه أو حتى نقده..

وهذه التيارات استطاعت اختراق كثير من المنظمات الدولية والإقليمية بما فيها المنظمات الرياضية ليس لفرض الرياضة النسائية في بلاد المسلمين فقط، وإنما أيضاً لخلط الرجال بالنساء في الألعاب الرياضية، فليس هناك ألعاب للنساء وأخرى للرجال، وليس هناك ملاعب للنساء وأخرى للرجال، وليس هناك منتخبات للنساء وأخرى للرجال.. المطلوب هو إلغاء ذلك كله بحيث تكون المرأة في منتخب الرجال والعكس، بل إلغاء وصف الرجولة والأنوثة وكل ما يترتب على هذا الوصف من تمييز بين المرأة والرجل، وإذا قرأتِ في قراراتهم الدولية، أو سمعتِ في مطالباتهم الإعلامية جملة: إلغاء التمييز على أساس الجنس أو الدين..، أو مكافحته أو تجريمه، فهم يعنون به إلغاء خصائص الذكورة والأنوثة.. فلا تمييز بين جنس الذكر والأنثى في أي شيء..

وكثير من المطالَبات بحقوق المرأة مسيسة لصالح هذا التوجه المتطرف، ويستغلون ما يقع على المرأة المسلمة من ظلم اجتماعي لضمها إليهم، وكسب صوتها لصالحهم، كغصبها على من لا تريد في الزواج، أو حرمانها من الميراث، أو تعليق زوجها لها، أو طلاقها وحرمانها من ولدها...الخ. فتكون مشحونة جداً مع رصيد العاطفة الذي تمتلكه، فيقنعونها أن أحكام الإسلام هي السبب حين منحت الرجل القوامة، وحين جعل القضاء حكراً على الرجال دون النساء، فصار القاضي يقضي لصالح الرجل لأنه مثله...في سلسلة لا تنتهي من الاتهامات، يخلط باطلها بحقها لإضفاء الشرعية على الباطل، وإقناع المرأة به للتمرد على الشريعة باسم المطالبة بحقوقها ورفع الظلم عنها، ولا سبيل لحماية النساء عامة والفتيات خاصة من هذه الدعوات إلا عن طريق صاحبات الفكر والقلم المقنع اللائي يخاطبن العقل والوجدان، ويجادلن أهل الفكر بأدواتهم، ويقوضن الأفكار المنحرفة من داخلها.

إن بلادنا العزيزة قد مرت بفترة عصيبة حين تسلط الليبراليون على ديننا وقيمنا وأخلاقنا، وسعوا في مسخ هويتنا، وإلغاء خصوصيتنا، ومارسوا إرهاباً فكرياً تمثل في الكذب والتدليس والخداع على علمائنا ودعاتنا، واجترار أهل الأهواء ممن يبيعون دينهم بعرض من الدنيا؛ ليوافقوهم في أهوائهم بفتاوى وبحوث ومقولات أرادوا بها تصديع المؤسسة الدينية الموثوقة عندنا، وفتح ثغرات في تديننا والتزام نسائنا بحجابهن وعفافهن، وإطلاعهن على أقوال شاذة منكرة تجيز الاختلاط والسفور وكل محرم يتعلق بالمرأة، بقصد تحطيم مناعتهن الذاتية التي حمتهن بعد الله تعالى من الانجرار للأفكار التغريبية.. ويصاحب هذا الإرهاب الفكري إرهاب آخر عملي بفرض الأفكار التغريبية على المجتمع، وجعلها واقعاً يعيشه الناس لا مناص منه.. فلا وظائف للفتيات إلا في مجالات مختلطة.. ولا حفظ لحقوقها إلا بإظهار صورتها للناس على بطاقتها.. مع السعي الحثيث في فرض الاختلاط في التعليم والرياضة النسوية والسينما....في سلسلة تغريبية ممتدة لن تنتهي حتى تقذف بالمرأة في طرق الهوى والرذيلة على غرار ما فعلوا ببنات المسلمين في الدول الإسلامية التي كانت مستعمرة، وكان التغريبيون يفرضون فيها أجندة المستعمر بعد نيل استقلالها.

وكانت هذه الحملة التغريبية الشرسة على بلادنا تستمد قوتها من الخارج، وتستغل بعض الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، وخاصة بعد أحداث سبتمبر، ثم ما أعقب ذلك من موجات الغلو والتكفير والتفجير التي انتهجها بعض أبناء بلادنا، وهي وإن كانت محدودة، ولم تصدر إلا من أفراد قليلين لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يمكن أن يحسبوا على التوجه الديني العام لا الرسمي ولا الشعبي، لكن أثرها كان كبيراً وعميقاً في تقليص دور العلماء والدعاة، واستطاع الليبراليون بمكر وخبث تجيير هذه الأحداث المؤسفة لصالحهم بضرب كل ما يتعلق بالتدين أو مقاومة التغريب، ووضعوا العلماء الربانيين، والدعاة الناصحين، والمحتسبين الصادقين موضع الاتهام؛ ليجد أهل الخير والصلاح أنفسهم في مواقع الدفاع عن أنفسهم، ونفي التهم عنهم.. تلك التهم المعلبة الجاهزة التي كان التيار الليبرالي يضربهم بها ليشغلهم عن مقاومته، في الوقت الذي يمضي فيه الليبراليون قدماً في مشاريعهم التخريبية للمجتمع، حتى كادوا أن يحققوا كثيراً من مرادهم..

ولكن الله تعالى لطف بالبلاد والعباد؛ إذا عاد الأمر إلى نصابه الصحيح بعد ما سمي بمظاهرات حنين التي قرأها العلماء والدعاة قراءة صحيحة، ووفقوا في التعامل معها برفضها رغم وهج الثورات الذي يحيط بنا، ويملأ أسماعنا وأبصارنا، مع كشف حقيقة الليبراليين الذين لم يكن لهم جهد يذكر في مقاومة هذه الثورة أو التحذير منها رغم امتلاكهم لأهم الوسائل الإعلامية في البلاد.. فكان هذا الحدث المهم نقطة تحول فاصلة في تاريخ المملكة الاجتماعي والسياسي، وأعيد للعلماء والدعاة مكانتهم اللائقة بهم، كما أعيد الليبراليون لحجمهم الطبيعي الذي يجب أن لا يتجاوزوه وإلا أحدثوا فتنة لا خلاص منها..
وإني أحسب أن الليبراليين لم يتجاوزا الصدمة بعد، وربما عادوا إلى ترتيب خططهم بعد الإفاقة ليحاولوا من جديد الإغارة على ديننا وقيمنا وأخلاقنا.. وهنا لا بد من الاستفادة من تجربتنا الماضية التي دلّت على ضعف المرأة الداعية في مواجهة الحملة التغريبية رغم كثرة النساء الخيرات المتعلمات اللائي يحملن شهادات عليا، ويتوزعن على تخصصات كثيرة، كما دلت على قوة المرأة الليبرالية في التسويق لقضيتها، ورفع صوتها بمطالبها، ومحاولتها إسقاط المشايخ الذين يقفون عثرة في مشروعاتها، واستلام دفة القيادة النسوية لنساء البلد مدعية أنها الممثل الحقيقي للمرأة السعودية، وهي في الحقيقة قد اختطفت هذه المكانة في غفلة أو عجز من الصالحات القانتات الممثل الحقيقي لنساء المملكة.. وباستقراء مقالات عدد من الكاتبات والصحفيات والروائيات الليبراليات ومقارنتها بأطروحات النساء الداعيات أو المحافظات على دينهن سيتضح كثافة الإنتاج النسوي الليبرالي مع قلة من يمثله من النساء، وأيضاً قوته في إيصال أفكاره للشارع النسوي، والأوساط الاجتماعية في بلادنا، حتى ليخيل لمن يتابع ذلك أننا في بلد تمثل فيه الليبراليات نسبة كبيرة من نسائنا..وهن في الواقع قلائل، لكن إنتاجهن كثير..

إنني أقترح عليك أختي الكريمة وأنتي تحملين همّ الدعوة والذود عن حياض الدين، ولا ترضي بالمساس بالشريعة أو شيء من أحكامها.. أقترح جملة من المقترحات للبناء العلمي الدعوي الفكري الذي أرى أنه يعزز حضور المرأة الداعية في الوسط الثقافي، ويجعل قلمها قوة دافعة للخير، محطمة لمن يريد المساس بديننا وقيمنا وأخلاقنا مهما كان وزنه..
وقبل ذلك أُأَكد على أن المرأة أقوى في معالجة ما يتعلق بها من جانبين مهمين:
أولهما: أن الليبراليين كانوا ولا يزالون يمررون مشروعاتهم التغريبية باسم إعطاء المرأة حقوقها المسلوبة، ويركزون على بعض الظلم الاجتماعي الذي يجب رفعه -وهو من الحق الذي لا جدال فيه- لتمرير باطلهم في ثنايا هذا الحق، في استغلال بشع للمرأة وقضاياها لفرض أجندتهم المنحرفة.

وثانيها: ما تتمتع به المرأة من خصوصية واحترام في بلادنا سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، فمن العسير جداً المساس بها، ولها هامش حرية في الكتابة والرأي أكثر من هامش الرجل، لكن للأسف لم يستغل هذا الهامش من الحرية إلا النساء الليبراليات، وقليل جداً من الناصحات.

ومن المقترحات التي أقترحها على أخواتي ما يلي:


أولاً:
الإخلاص لله تعالى في الأقوال والأفعال، وفي طلب العلم وتحصيل المعرفة، وليكن همّ الواحدة منكنّ في التزود من العلوم والمعارف نصرة الحق، ودحض الباطل، وهذه القضية وإن كانت بدهية عند كل مسلم فلا بد من التأكيد عليها في كل شأن من شئوننا؛ لأن الإخلاص سبب للتوفيق والسداد والهداية للرشاد ونيل المراد.

ثانياً: لا غنى عن التأصيل الشرعي، والتحصين الذاتي لمن تريد اقتحام ميدان الشبهات والأفكار المنحرفة للرد عليها ومناقشة من يصدرها للمسلمين؛ لأن من لم تحصن نفسها قد تجرفها شبهة من الشبهات فتودي بها؛ ولذا حرم العلماء الاشتغال بالفلسفة والاطلاع على الشبهات في الدين إلا لمن يريد نقضها، والرد على أصحابها، مع امتلاكه حصانة من العلم والمعرفة تحول بينه وبين التأثر بالأفكار المنحرفة.. وبعض الفتيات قد يغرها وهج الثقافة والمعرفة والفكر فتزهد في التأصيل العلمي الشرعي، وترى أنه طريق الأكثرية غير المتميزة، وهي تريد التميز بأبواب من المعرفة لا تجيدها قريناتها، فلتحذر من هذا الغرور.

ثالثاً: الأفكار والشبهات كثيرة جداً ولا يتسع العمر لمعرفة أصولها وتاريخها كلها، فضلاً عن قراءة كل ما كتب فيها أو أكثره؛ لذا لا بد من منهجية في القراءة تكون مركزة وواعية، وفيها حسن اختيار لما يقرأ؛ فقد تقرأ الفتاة مثلاً عشرين كتاباً عن الليبرالية ولا تفهمها جيداً، وتقرأ كتاباً واحداً يغنيها عن العشرين السابقة، ويفيدها أكثر منها.. وهكذا في كل الأفكار والشبهات.. وهنا لا بد من الاستعانة بأهل التخصص والمهتمين للدلالة على ما يقرأ في بابه.

رابعاً: لا بد للمرأة من متابعات للإنتاج الفكري وخاصة المحلي منه، وتخصص لذلك وقتاً محدداً حتى لا تهمل واجبات أو علوماً أخرى مهمة..والحقيقة أنه لا عذر للمرأة في ذلك؛ إذ كل ما تريده بين يديها عبر الشبكة العالمية، لكن تحتاج إلى شيء من الجد والعزم..
وتكون متابعتها لمواقع فكرية أو مجلات ورقية أو الكترونية، والاشتراك في المواقع الحية، والمجموعات البريدية المميزة؛ لتصلها بغيتها على بريدها، وتطالعها في الوقت الذي خصصته لذلك.. وتستشير في اختيار المواقع والمجلات والمجموعات من تتوسم فيهم الرأي والخبرة من النساء أو الرجال.

خامساً: اكتشاف المواهب والميول؛ فإن لكل إنسان رغبات وميولاً ومواهب منحها الله تعالى إياه، فإذا وجهت المرأة طاقتها لها أبدعت فيها، ووجدت لذة في التعاطي معها، بخلاف ما إذا كانت ميولها ومواهبها في واد، ووجهت طاقتها لواد آخر فإنها لا تبدع وتتعب وتمل.. وأظن أن هذه من أهم الأسباب التي جعلت المبدعات مبدعات، والموهوبات موهوبات؛ فإنهن اكتشفن مجالاتهن التي يحسنّ فنجحن في ذلك، وتفوقن على قريناتهن.
وبيان ذلك: أن من النساء من تحب البساطة في الفكرة، ووضوحها، وعدم الإطالة في عرضها، بينما تفضل أخريات العمق في معالجة الفكرة وتحليلها، ولا يهمها الطول والقصر.
ومن النساء من تميل إلى تفكيك الفكرة وتحليلها وإمعان النظر فيها لمعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف فيها، وتقرأ كل ما كتب حولها قدر المستطاع، وتحاول أن تكتشف جديداً لم يكتشفه أحد قبلها.. بينما من النساء من لا تحب إلا العنوان الرئيس للفكرة..
ومن النساء من تحب الرد على الأفكار المنحرفة، وتفنيد شبهاتها، وتبدع في ذلك، ومن النساء من لا تحسن ذلك، لكنها تعرف كيف تعرض الفكرة الصائبة بطريقة مشوقة إما بأسلوب قصصي أو سردي أو عاطفي محكم البناء، فتقتنع من تقرأ لها بفكرتها.
ومن النساء من تحب التركيز على فكرة لا تبارحها حتى تكون ملازمة لها، لا يصدر شيء حيالها إلا ولها علم به واطلاع عليه؛ حتى تكون المرجع فيها.. ومنهن من تمل ذلك وتنتقل من فكرة إلى غيرها حسب ما يمليه الواقع...

سادساً:
لا تتهيبي من الكتابة.. فلن تولد الفتاة كاتبة ولا متعلمة، وإنما الكتابة بالتمرس عليها كما أن العلم بالتعلم.. صحيح أن من نشرت شيئاً فقد عرضت عقلها على الناس لكن لن تكون الواحدة مبدعة في يوم وليلة، وبالإمكان لتلافي الحرج والتحطيم من المعارف أن تكتب المرأة في البداية بأسماء مستعارة حتى ترسخ قدمها في فن المقالة أو البحث أو الردود ثم تفصح عن اسمها الحقيقي، وكثير من مشاهير الكتاب فعلوا ذلك، واتخذوا أسماء مستعارة في بعض المجلات والمواقع الالكترونية، ولم يكشفوا للناس شخصياتهم الحقيقية إلا بعد سنوات..
وأخيراً: تذكري أختي الكريمة أنك إن صدقت مع الله تعالى في نصرة دينه، والذب عن شريعته، ونفع أخواتك المؤمنات؛ فإنه تعالى سيمدك بعونه وتأييده، ويعلمك ما لم تعلمي، ويهديك لما هو أقوم من الأقوال والأفعال ، وحسبك في ذلك قوله سبحانه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] {محمد:7}.. والله وليك في الدنيا والآخرة.

الاثنين 30/4/1432هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
إبراهيم الحقيل
  • مقالات
  • كتب
  • خطب
  • الصفحة الرئيسية