صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من يستحق القتل،بين الشريعة والعاطفة

حمود بن علي العمري
@Alkareemiy

 
بسم الله الرحمن الرحيم


هذه بعض الوقفات عن (من يستحق القتل،بين الشريعة والعاطفة)
لقد وقع خلط كبير في هذا المفهوم وربط بعضهم بين أمور لا رابط بينهما
وألزم بما ليس بلازم
حتى اختلطت بعض الحقائق الشرعية على كثير من الناس
فأقول إن القتل وإزهاق النفس بلا حق من أعظم الكبائر والذنوب،بل هي قرينة الشرك في كثير من النصوص بجامع شدة الوعيد في كل منهما ،ولما يحدث كل منهما من إفساد في الأرض
وقد عظم الله حق النفس وحرمتها في قوله تعالى في سورة المائدة(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)
فانظر كيف عظم على بني إسرائيل قتل النفس المعصومة وكيف قرنه بالإفساد في الأرض،وكيف جعل من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعهم
إن الأصل القطعي هو حرمة قتل النفس ،واستحلال قتلها يكون بإذن شرعي فهو استثناء من الأصل،وقد عتب الله على موسى قتله لنفس كافرة من حزب فرعون وقومه، والعلة في عتب الله على كليمه وصفيه أنه قتلها ولم يكن الله أمره بقتلها
وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرون الكفار من المشركين واليهود والنصارى يجوبون طرقات المدينة لا يعرض لهم أحد بسوء ، بل تحميه الدولة الإسلامية وتأخذ له حقه،كما في حديث الصحابي الذي لطم اليهودي

وهنا أود التأكيد على عدة قضايا

أولا:
ليس الكفر علة القتل،فربما يكون الكافر معصوم الدم
فالذمي معصم الدم
والمعاهد معصوم الدم
والمستأمن معصوم الدم
بل ورد الوعيد الشديد في من قتلهم فقد قال صلى الله عليه وسلم(من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)
فهذا المعاهد يهودياً كان أو نصرانياً،ومصيره إلى النار ومع ذلك حمته الشريعة من التعدي عليه ،وجعلت ذلك سبباً لحرمان هذا المسلم الموحد من دخول الجنة
لأن أحكام الدنيا ليست نتيجة لأحكام الآخرة،بل هي نتيجة لأوامر الشريعة ونهيها
بل حتى الحربي فإنه لا يُقاتل حتى يعطى عدة فرص لعله يتجنب القتل والقتال
فيجب أن يدعوه قائد الجيش الإسلامي أولاً إلى الدخول في الإسلام ويبين له ما يحتاج إلى بيانه إن طلب ذلك ،كما فعل خالد رضي الله عنه مع ذلك القائد الرومي في معركة اليرموك
فإن تعذر هذا الخيار دعاه إلى استنقاذ نفسه وقومه وأموالهم وأنفسه بالمال وهي الجزية ،التي هي أرحم عقوبة مالية يفرضها المنتصر على عدوه في تاريخ البشرية والحروب إلى اليوم وإلى يوم القيامة
فإن تعذرت كل تلك المحاولات كان لا بد من إزالة تلك العقبات عن دين الله ودعوة رسله إلى الهداية والإيمان،حتى تصل كلمة الحق والتوحيد إلى تلك الآذان التي حيل بينها وبين صوت التوحيد بتلك الحكومات الكافرة والجيوش الجائرة، فإذا كسر الله شوكتهم ، رجعت العروض السابقة إلى عموم الناس ،ولم يجبروا على أي خيار،ويحضون بعدها بحقوق لم تكن لهم في ظل حكوماتهم الطاغية
ولو تظلم أهل بلد وأثبتوا أن المسلمين باغتوهم قبل هذا الخطوات فسيحكم لتلك الأمة الكافرة وتخرج جيوش المسلمين حتى تطبق تلك العروض خطوة خطوة ، وقد وقع ذلك فعلاً في خلافة عمر بن عبدالعزيز
لقد كان صلى الله عليه وسلم يحفظ حقوق الخلق كافرهم ومسلمهم،ولا يدعوه كفرهم ومصيرهم الجهنمي في الآخرة إلى انتهاك حق لهم لم يأذن الله به،فهذا المغيرة بن شعبة لما فتك بالرجلين الذين اعطاهما رسول الله الأمان ولم يكن علم بذلك ، فدفع رسول الله دياتهم من عنده،ولم يقل أنهم كفار دم أحدهم دم كلب
لقد دخل أبو سفيان ابن حرب المدينة وهو رأس الكفر في تلك الساعة وهو قائد معركة أحد التي لم يصب المسلمون بمثلها في حياته صلى الله عليه وسلم، فجال فيها وناقش أبابكر وعمر وعلياً، ودخل عند ابنته في بيت رسول الله ،ولم يعرض له أحد بسوء مع ماجتمع فيه من الشر والكيد على الإسلام ومع وقائعه على المسلمين وبذله نفسه وماله وجاهه لحرب الله ورسوله،ومع رمزيته لمشركي قريش الذي يعتبر قتله من المغانم التي يبذل لها الغالي والنفيس، ومع ذلك لم يمكر به أحد أو تمتد إليه يد لم يأذن الله لها ورسوله
فقل بربك أين هذا ممن يجيز قتل كل كافر لكفره أو مبتدع لبدعته حتى ولو كانت مكفرة
فضلا عن المسلمين الموحدين
إن الكفر ليس علة للخيانة والغدر وسلب الحقوق،فإنك تعمل بحكم الله فيهم وليس بحكمك أنت
كل هذا في دم الكافر الذي مصيره إلى وعيد الله وعدله
فكيف بالمسلم الذي زوال السماوات والأرض أهون عند الله من سفك دمه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم
وليت شعري منظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الكعبة ويوحي لها وإلى الكون أجمع بحرمة دم العبد المسلم ، فيقول(ما أعظمك وأعظم حرمتك
إلى غير ذلك من النصوص المعظمة لدم المسلم التي تقشعر لها الأبدان ولولم يكن فيها إلا قوله تعالى(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)
فكيف هانت عليك هذا القوارع من وعيد الله وتهديده ، مشرعناً لنفسك استحلال تلك الدماء بجهالات لا تغني عنك من الله شيئاً!!!؟؟؟
إن القتل وإزهاق النفوس المعصومة جريمة في كل ملة ، ولم يجعلها الله إلى خاصة رسله وأنبياءه،بل هو حق لله تعالى،فلا يقتل إلا من أمر الله بقتله أو أذن به، وليس بالتخرّص واللوازم الفاسدة التي خرج بها بعضهم من دين الله

الأمر الثاني:

أن الإسلام لا يعصم من القتل بكل حال، بل رب مسلم استحق القتل مع عظيم ما جعل الله له من حرمة وحق ،
فإذا فعل ما يوجب قتله سقطت عنه تلك الحماية والحصانة التي كانت تحمي دمه ونفسه، وإن كانت لا تُسقط كل حق له
فمن زنا بعد إحصان أو قتل مسلماً عمداً ، أو بدل دينه فقد حل قتله في الأولى والثالثة حتماً وفي الثانية اختياراً لولي المقتلول
وربما استحق القتل من يجزم له بالجنة كما في حديث المرأة التي زنت فرجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشر أنها في الجنة
فليس المصير الأخروي هو الذي يحدد استحقاقك للقتل من عدمه ، بل ذلك حكم شرعي يتبع فيه الدليل الذي يسدل به أهل العلم وأرباب الفقه في دين الله
وكم من مفسد في الأرض استحق القتل مع الحكم بإسلامه ظاهراً وباطنه إلى الله تعالى ،فإن الصائل يجوز دفعه عن النفس حتى لولم يندفع إلا بالقتل فيحل قتله شرعاً لا فضاءً إلا ببينة
مع أنا لا نحكم بكفره لأجل صياله وتعديه
فمن ربط بين حكم الدنيا والآخرة فقد ضل ضلالاً مبيناً ،وبدل شرع الله ودينه

ثالثاً:
لما رأيت بعض التغريدات التي جعلت استنكار القتل الذي وقع في الأحساء ،من موالاة الرافضة والرضا ببدعهم وشركياتهم وطعنهم على الصحابة
فأقول:سبحانك هذا بهتانٌ عظيم ، وجهل عريض بدين الله وشرعه وحدوده وبالتاريخ، فأين تجدون إماماً في تاريخ أهل السنة قد أفتا بقتل الشيعة بعامة واستحلال دماءهم لأنهم شيعة !؟
إن تبديعهم وتضليلهم وبيان ماهم عليه من ضلال في ديتهم وعقيدتهم وشركهم وتحذير الناس من تلك العقيدة الفاسدة شيئ ،واستحلال قتلهم شيئ آخر
فطعن الخوارج في استنكارنا لقتل تمسكاً بلأول ، وطعن الليبراليون في الأول تمسكاً بأنه يلزم منه الثاني ، وكلاهما ممن ضل سعيه في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً
،وهذا تاريخ أهل السنة ودولهم وحكوماتهم ،لم يفرطوا في الأول ولم يلتزموا لأجله الثاني
ولكن من أراد ترويج الباطل احتج له ولو بالكذب على الله ورسوله

رابعاً:
تكلمت عن من يستحق القتل، وهذا الاستحقاق هو استحقاق شرعي لا يثبت إلا في حق من جعلها الشرع عليه
وهذا الحكم الشرعي لا يكون إلا لأهل العلم والفقه ، فيحكمون في جنس المحكوم عليهم سواء من الكفار أو من المسلمين
وهذا جانب نظري لا يمكن أن يطبق إلا بالحكم القضائي،فليس كل من تعلق به وصف يحل دمه يصبح حلال الدم لكل أحد، بل إن الحكم بثبوت حل دم المعين لا يكون حتى لأهل العلم ، وإنماهو من الولاية القضائية التي لا يحق لأحد أن يفتات عليها،فليس كل من كان عندك تارك لدينه ،يكون كذلك في حكم القضاء، وليس كل من استحق القتل شرعاً يستحقه قضاءً ،فربما تشاهد من يزني صراحة ولا شك عندك في أنه زنا وأنه محصن فهذا قد استحق القتل شرعاً لكنه لا يستحقه قضاءً حتى يثبت بالطريقة الشرعية، ومن قتله قبل ذلك فإنه يعد قاتلاً لمعصوم الدم ويقص به
فإن كان القاتل قتله لأنه زنا بحريمه ،فإنه يقص مالم يُثبت ذلك وإن كان معفواً عنه تديناً عند الله ، فليس للقاضي إلا ما أمامه من البينات
وإن كان زناه بامرأة أجنبية عن القاتل فإنه يقص بكل حال لأنه افتات على حق غيره
ولا يحق لك أن تقتل من قتل وليك حتى ترفعه إلى القضاء ولو رأيته يمشي أمام عينيك ، فإن الحكم القضائي له من الشروط والتثبت وخلو الموانع ماليس لعامة الناس ولو كانوا علماء
ولو فتح الباب لكل أحد لعم الهرج والمرج ولأصبح الدم أرخص شيئ في مجتمعات الناس

خامساً:
إن حفظ أمن الناس واجب على كل حكومة اضطلعت بالولاية وهذا من أولويات الناس وحقوقهم على ولاتهم أن يحفظلوا لهم أمنهم ، وليس أمن المسلمين فقط بل أمن كل من تحت ولايتهم مسلمهم وكافرهم ،سنيهم وبدعيهم ،وأن لا يترك ا الناس يتسلط بعضهم على بعض، حتى تستقيم حياة الناس،كما كانت عليه الحكومات الإسلامية عبر التاريخ
وأن مما يؤلم النفس هذا العداء الذي تكنه مليشيات الرافضة والخوارج على رجال الأمن في بلدنا،وقد قُتل على إيديهم الغادرة عشرات من رجال الأمن الذين نحتسب على الله أن يجعلهم ممن قتل دون دينهم ونفسه وأهله وقومه وبلده التي ينعم فيها آلاف بل ملايين المصلين الموحدين بأمنهم في دينهم ودنياهم، وإن محاولة سلب الصفة الشرعية عن عمل رجال الأمن لهو من الجهل بالدين وبالواقع،
وهذا لا يعني أن رجال الأمن ملائكة لا يخطئون ، ولكن من يعمل عملهم ويبذل بذلهم ثم لا يخطئ فهو من الملائكة فعلاً
أقلوا عليهم لا أبال أبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
إن الظلم الذي تتعرض له من رجل أمن أو غيره من منسوبي الدولة لا يعدو أن يكون ظلماً يحاسبه الله عليه ، لكنه لا يبيح لك تكفيره واستحلال دمه فضلاً عن دم غيره من رجال الأمن أو من غيرهم
ولا يمكن أن يوجد مجتمع بلا ظلم ولا تجاوزات ولا تعديات لكن العبرة بالأغلب والأعم على أحوال الناس، وكم من ظلم تتعرض له من رجل أمن أو غيره، ويكون غير مقصود وربما أضطر له أضطراراً ، وإذا احتسبته عند الله عوضك الله خيراً منه في الدنيا والآخرة

سادساً:
نحن في هذا البلد كسكان السفينه ، فمن رضي بالخرق في نصيب غيره لم يسلم من العاقبة الوخيمة عليه وعلى صحبه وعدوه، ومن ظن أنه يمكن أن يستأصل أحداً من مجتمعه فإنما يريد أن يحرق العشب الذي تحت قدميه

اللهم احفظ هذا البلد وجميع بلاد المسلمين وأدم علينا وعليهم الأمن والإيمان
 

كتبه
حمود بن علي العمري
أبو مالك
يوم الجمعة
١٤/١/١٤٣٦


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حمود العمري
  • مقالات
  • تغريدات
  • رسالة إلى طالب العلم
  • الصفحة الرئيسية