صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







نشوز الزوج ( الأسباب – الحلول )

د. بدر عبد الحميد هميسه


بسم الله الرحمن الرحيم


أمر الإسلام بحسن العشرة بين الزوجين وحث على التسامح والعفو والتواد والتراحم بينهما,قال تعالى :\" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم .
فالزوج لا يجد راحته ولا سعادته إلا في بيته , وكذا الزوجة , عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : قُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ.
أخرجه أحمد 4/148(17467) و\"التِّرمِذي\"2406الألباني :الصحيحة ( 888).
لكن أحياناً يحدث نوع من النشوز والتمرد على الحياة الزوجية من قبل الزوجة , بسبب تعذر العشرة بينها وبين زوجها , أو بأسباب ترجع إلى طبيعة المرأة , ولقد وضع الإسلام الحكيم الحلول العملية لتمرد الزوجة ونشوزها , فقال سبحانه : \" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) سورة النساء .

ولكن قد يكون النشوز والتمرد من قبل الزوج , وهذا هو موضوعنا في هذا المقال , وكما أشار القرآن الكريم إلى نشوز الزوجة , وأوضح حلول هذه المشكلة , فإنه كذلك قد أشار إلى نشوز الزوج وبين حل تلك المشكلة , قال تعالى :\" وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) سورة النساء .

1-معنى نشوز الزوج :

قال ابن عادل قال الكَلْبِيُّ : نشوز الرَّجُل للزوجة : ترك مُجَامَعَتِها ، وإعراضُهُ بوجْهه عَنْها ، وقلة مُجَالَسَتِها . تفسير اللباب 5/377.
وقال الطبري\"خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا\"، قال: هي المرأة تكون عند الرجل حتى تكبر، فيريد أن يتزوج عليها، فيتصالحان بينهما صلحًا، على أن لها يومًا، ولهذه يومان أو ثلاثة. تفسير الطبري 9/280 .
وقال الشنقيطي : \" وأصل النشوز في اللغة الارتفاع، فالمرأة الناشز كأنها ترتفع عن المكان الذي يضاجعها فيه زوجها، وهو في اصطلاح الفقهاء الخروج عن طاعة الزوج، وكأن نشوز الرجل ارتفاعه أيضا عن المحل الذي فيه الزوجة وتركه مضاجعتها، والعلم عند الله تعالى\".أضواء البيان 1/241.
إذن فالنشوز هو الخروج عن الواجبات التي تطلب من الزوجين في إطار الأسرة ,فكل من الزوجين له حقوق وعليه واجبات , فإذا ما تخلى عن واجباته أُعتبر متمرداً وناشزاً .
ويمكن القول أن نشوز الرجل اخطر واشد على حياة الأسرة من نشوز المرأة , ذلك أن الرجل له دور كبير ومؤثر داخل الأسرة فهو المفكر والموجه والراعي بما يكتسب من خبرات مجتمعية زائدة عن خبرات المرأة بحكم احتكاكه الدائم والمتكرر بمختلف جوانب الحياة.
فخطورة نشوز الزوج على الأسرة لا تتوقف عند حد معين ذلك انه يحدث فقدان لنبع القرارات المدروسة ويفقد قوامته على أسرته فيفتقر الأبناء القدوة التي يحاكونها.

2-من أسباب نشوز الزوج:

قد تنشز المرأة وتتمرد على الحياة الزوجية لأسباب كثيرة منها : سوء معاشرة الزوج لها وبخله وتقتيره عليها ,وغيرته القاتلة المدمرة , وكذا التدخلات الخارجية من أهله إلى آخر الأسباب , وقد تنشز لأسباب مجهولة ربما لا يدري بها أحد إلا الزوجة فقط .
أما نشوز الزوج فله أسبابه أيضا ؛ ومنها أسباب قد تكون طبيعية ومنطقية وأسباب قد تكون غير منطقية .

فمن أسباب نشوز الزوج وتمرده على الحياة الزوجية :


1- سوء المعاشرة من قبل الزوجة.

فقد جعل الإسلام طاعة الزوجة لزوجها من أولى الحقوق في الحياة الزوجية , بل جعل طاعته من طاعة الله تعالى , عنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا صلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، قِيلَ لَهَا : ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ.أخرجه أحمد 1/191(1661) ( صحيح ) انظر حديث رقم : 661 في صحيح الجامع .
فالزوجة العاقلة ينبغي عليها أن لا تسيء معاملة زوجها , ولا تخالفه ,عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : الَّذِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ ، وَلاَ تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ.رواه النسائي ( 2 / 72 ) و الحاكم ( 2 / 161 ) و أحمد ( 2 / 251 و 432 و 438 ) الألباني في \" السلسلة الصحيحة \" 4 / 453 .
بل ينبغي عليها أن تلبي حاجاته الطبيعية ولا تمنعه من نفسها دون عذر , حتى لا تستوجب غضب الله تعالى عليها , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ ، فَبَاتَ وَهُوَ غَضْبَانُ ، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ. أخرجه \"البُخاري\" 3237 و\"مسلم\" 3530 و\"أبو داود\" 2141 .
قال ابن القيم رحمه الله : \"وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها، أن تجتهد في مرضاته، وتتجنب ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكره، أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها أو آثر غيرها\". ابن القيم : أحكام النساء 69.
فالزوجة التي تمتنع عن زوجها وتعصيه ولا تحسن معاشرته , ولا تجعل البيت واحة للسكينة والسعادة تكون سبباً في نشوز الزوج وكراهيته ونفوره من الحياة الزوجية , الأمر الذي يقلب المديح للزوجة والثناء عليها إلى ذم وهجاء لكل ما تقوم به , كما هجا بعضهم امرأته فقال :

لَهَا جِسْمُ بُرْغُوثٍ وَسَاقُ بَعُوضَةٍ * * * وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْقِرْدِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ
تَبْرُقُ عَيْنَاهَا إذَا مَا رَأَيْتَهَا* * * وَتَعْبِسُ فِي وَجْهِ الْجَلِيسِ وَتَكْلَحُ
لَهَا مضحك كَالْحَشِّ تَحْسِبُ أَنَّهَا * * * إذَا ضَحِكَتْ فِي أَوْجُهِ النَّاسِ تَسْلَحُ
إذَا عَايَنَ الشَّيْطَانُ صُورَةَ * * *وَجْهِهَا تَعَوَّذَ مِنْهَا حِينَ يُمْسِي وَيُصْبِحُ

وكما تمنى آخر موت زوجته فقال :

لقد كنت محتاجاً إلى موت زوجتي* * * ولكن قرين السوء باق معمر
فيا ليتها سارت إلى القبر عاجلاً * * * وعذبها فيه نكير ومنكر

2 ـ انقطاع الحوار والتفاهم بين الزوجين (الطلاق النفسي).
انقطاع الحوار والتفاهم بين الزوجين من أسباب نشوز الزوج وتمرده على الحياة الزوجية , إذ ينبغي أن يكون هناك ثمة تفاهم وتواد بين الزوجين وأن يكون بينهما تواصل ومحبة , عَنْ عُرْوَةَ ،عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:إِني لأعلم إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ : فَقُلْتُ : وَمِنْ أين تَعْرِفُ ذَالِكَ ؟ قَالَ : أما إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لا . وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى ، قُلْتِ : لا . وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ . قَالَتْ : قلْتُ : اجَلْ . وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ.أخرجه أحمد 6/30 و\"البُخَارِي\" 7/47 و\"مسلم\" 7/134 و135.
لكن أحياناً من كثرة المشاكل والخلافات بين الزوجين , وكثرة الصدامات بينهما يحدث ما يسمى بالطلاق النفسي , وهو عدم التواصل والحوار بين الزوجين فيصل الأمر إلى حد التقاطع والتهاجر , وإذا ما حدث حوار بينهما فإنه حوار يقوم على المماراة والمجادلة العقيمة والعتاب الأليم , مما يؤدي إلى نشوز الزوج ونفوره من الحياة الزوجية .
قال الطائي :

وقائلةٍ أهلكتَ بالجودِ مالنا * * * ونفسَكَ حتى ضرّ نفسَكَ جودها
فقلتُ دعيني إِنما تلكَ عادتي * * * لكل كريمٍ عادةٌ يستعيدها

3- كبر سن الزوجة وعجزها عن الوفاء بحقوق الزوج.
من أسباب نشوز الزوج ونفوره من الحياة الزوجية كبر سن الزوجة وعجزها عن الوفاء بحقوق الزوج , عَنْ عُرْوَةَ ، قال : قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا ابْنَ أختي ؛كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ في الْقَسْمِ ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا ، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إلا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امرأة مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلى الَّتِى هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا ، وَلْقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ اسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أن يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِى لِعَائِشَةَ . فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا قَالَتْ نَقُولُ في ذَلِكَ انْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِى أشباهها أراه قَالَ (وَانِ امرأة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزا).أخرجه أحمد 6/107 و\"أبو داود\" 2135.
قال تعالى :\" وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (128)سورة النساء.
قال القرطبي :\" ونزلت الآية بسبب سودة بنت زمعة. روى الترمذي عن ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلقني وأمسكني، وأجعل يومي منك لعائشة؛ ففعل فنزلت: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز، قال: هذا حديث حسن غريب. تفسير القرطبي 5/403.
َقَالَ الشَّاعِرُ:

أَرَى صَاحِبَ النِّسْوَانِ يَحْسَبُ* * * أَنَّهَا سُوءٌ وَبَوْنٌ بَيْنَهُنَّ بَعِيدُ
فَمِنْهُنَّ جَنَّاتٌ يَفِيءُ ظِلاَلُهَا* * * وَمِنْهُنَّ نِيرَانٌ لَهُنَّ وَقُودُ

4- الشجار والمشاكسات بين زوجاته .
فقد يكون الرجل متزوجاً بأكثر من زوجة فتحدث بينهم المناوشات والمشاكسات التي تجعل الزوج ينفر من البيت , ويكره الحياة الزوجية بكل ما فيها , ويفلت الزمام من يده , وتنفلب الأمور عليه. روى أن أعرابياً دخل على الحجاج فسمعه يقول: لا تكتمل النعمة على المرء حتى ينكح أربع نسوة يجتمعن عنده، فانصرف الأعرابي فباع متاع بيته، وتزوج أربع نسوة، فلم توافقه منهن واحدة، خرجت واحدة حمقاء رعناء، والثانية متبرجة، والثالثة فارك أو قال فروك، والرابعة مذكرة، فدخل على الحجاج فقال: أصلح الله الأمير، سمعت منك كلاماً أردت أن تتم لي به قرة عين؛ فبعت جميع ما أملك، حتى تزوجت أربع نسوةٍ، فلم توافقني منهن واحدة، وقد قلت فيهن شعراً، فاسمع مني، قال: قُل. فقال:

تزوجتُ أبغي قُرّةَ العينِ أربَعاً * * * فيا ليتَ أنّى لم أكن أتزوَّجُ
ويا ليتني أَعْمَى أصمُّ ولم أكُنْ * * * تزوجتُ بل يا ليت أنى مُخَدَّجُ
فواحدةٌ ما تعرفُ الله ربَّها ولا* * * ما التُّقَى تدري وَلا ما التَّحرُّج
وثانيةٌ ما إن تقرَّ ببيتها * * * مذكّرة مشهورة تتبرَّجُ
وثالثة حمقاءُ رَعْنَاء سخيفةٌ * * * فكل الذي تأتي من الأمر أعوجُ
ورابعة مفروكةٌ ذاتُ شِرَّةٍ * * * فليستْ بها نفسي مَدَى الدهر تُبْهَجُ
فهنَّ طلاقٌ كلُّهُن بوائنُ ثلاثاً* * * ثلاثاً فاسْهَدُوا لا تلجلجوا

فضحك الحجاج حتى كاد يسقط من سريره، ثم قال له: كم مهورهنّ? قال: أربعة آلاف درهم. فأمر له بثمانية آلاف درهم.ابن عبد البر : بهجة المجالس وأنس الجالس 1/180.
وقال الأصمعي:قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق لذة العيش، فتزوج امرأتين ثم ندم، فقال:

تزوجتُ اثنتين لفرطِ جَهْلي* * * بما يَشْقَى به زوجُ اثنتين
فقلتُ أصِيرُ بينهما خروفاً * * * أنَّعم بين أَكرمِ نعجتينِ
فصرتُ كنعجةٍ تُمْسِى وتُضْحِى * * * تَرَدَّدُ بين أخبثِ ذئبتينِ
رضى هَذِى يهيّجُ سُخطْ هذى * * * فما أعْرَى من إحدى السّخْطتينِ
وأَلْقَى في المعيشة كلَّ بُوسٍ* * * كذاك المرءُ بين الضّرَّتينِ
لَهذِى ليلةُ ولتلك أُخرْى * * * عِتابٌ دائمٌ في الليلتينِ

5- أسباب خاصة بالإنجاب .
قد يكون سبب نشوز الزوج أسباباً خاصة بالإنجاب فقد تكون الزوجة عقيم أو لديها تأخر في الإنجاب , فلا يرضى الزوج بذلك , ولا يدرك أن الأمر بيد الله تعالى وحده كما قال سبحانه : \" لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) سورة الشورى .
فيكون ذلك سبباً في نفور الزوج من الحياة الزوجية , أو قد ينشز الزوج وينفر بسبب حرمانه من الأولاد الذكور , فبعض من لا علم لهم ولا فقه يتضايقون من إنجاب البنات , ويكرهون زوجاتهم بسبب ذلك , متناسين أن هذا من النعم التي ينعم الله بها على العبد , عَنْ عُرْوَةَ ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:جَاءَتْنِي امْرَاةٌ ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا فسألتني فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ . فَاعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا . فأخذتها فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا . وَلَمْ تَاْكُلْ مِنْهَا شَيئًْا . ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا . فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنِ ابتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ ، فأحسن إليهن ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ.أخرجه أحمد 6/87 و\"البُخَارِي\" 2/136 و\"مسلم\" 8/38 .
كان لأبي حمزة الأعرابيّ زوجتان فولدت إحداهما ابنة ،فعزّ عليه ،واجتنبها وصار في بيت ضرتها إلى جنبها فأحست به يوماً في بيت صاحبتها ،فجعلت ترقّص ابنتها الطفلة وتقول :

ما لأبي حمزة لا يأتينا * * * يظلّ في البيت الذي يلينا
غضبان ألاّ نلد البنينا * * * تالله ما ذلك في أيدينا
بل نحن كالأرض لزارعينا* * * ننبت بما قد زرعوه فينا

فعرف أبو حمزة قبح ما فعل ، وراجع امرأته. ابن عبد البر : بهجة المجالس وأنس الجالس 1/162.

6- أسباب ترجع إلى طبيعة الزوج.
فبعض الأزواج لديهم نوع من التمرد على الحياة الزوجية , ويرى أن بها قيوداً قد تمنعه من الحركة وتحد من حريته , حريته في الانطلاق والتصرف كما يشاء , حريته في عدم الالتزام بالمسؤوليات التي تلقى على عاتق رب الأسرة , حريته في أن يخرج كما يشاء ويدخل كما يشاء ولا يعرف أهله عنه شيئاً , قال الشاعر :

دعيني لا أبا لك أن تطيقي * * * لحاك الله قد أنزفت ريقي

وهذا التمرد من الزوج يؤدي إلى نشوزه وعصيانه وهجره الدائم للبيت ومن ثم تقصيره في واجباته وحقوقه تجاه زوجته وأولاده .

3-علاج نشوز الزوج :


1- أن يفهم الزوج طبيعة المرأة .

من سبل العلاج لنشوز الزوج أن يعرف الزوج أن للمرأة طبيعة تختلف عن طبيعته , فهو بطبيعته يحكم عقله قبل عاطفته , ويقدم الحكمة على المشاعر الجياشة , أما المرأة فإن عاطفتها تسبق عقلها , ومشاعرها تسبق حكمتها لذا فإنه يصعب على الزوج أن يجد زوجة كاملة في كل شيء كما هو الحال بالنسبة للرجل قال النبي صلى الله عليه وسلم : \'\' إنما الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة \'\' البخاري (6498) ومسلم (2547) .
لذا فقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن لا يبغض ولا يحتقر زوجته لبعض التصرفات والأخلاق السيئة فيها فهي ليست معصومة من الأخطاء قال النبي صلى الله عليه وسلم : \" لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر \" مسلم (3/657) .
قال القرطبي : أي لا يبغضها بغضاً كلياً يحمله على فراقها ... بل يغفر سيئتها بحسنتها ، ويتغاضى عما يكره لما يحب .ا.هـ.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي عند شرحه للحديث : \'\' والناس في هذا ثلاثة أقسام : أعلاهم : من لحظ الأخلاق الجميلة والمحاسن ، وغضَّ عن المساوئ بالكلية وتناساها . وأقلهم توفيقاً وإيماناً وأخلاقاً جميلة : من عكس القضية ، فأهدر المحاسن مهما كانت وجعل المساوئ نصب عينيه ! وربما مدّدها وبسطها وفسرَّها بظنون وتأويلات ، تجعل القليل كثيراً ، كما هو الواقع . القسم الثالث : من لحظ الأمرين ووازن بينهما ، وعامل زوجته بمقتضى كل واحد منهما وهذا منصف ، ولكنه قد حُرم الكمال \'\' .ا.هـ.
قال الشاعر :

إنَّ النِّسَاءَ كَأَشْجَارٍ نَبَتْنَ مَعًا * * * مِنْهُنَّ مُرٌّ وَبَعْضُ الْمَرِّ مَأْكُولُ
إنَّ النِّسَاءَ وَلَوْ صُوِّرْنَ مِنْ ذَهَبٍ* * * فِيهِنَّ مِنْ هَفَوَاتِ الْجَهْلِ تَخْيِيلُ
إنَّ النِّسَاءَ مَتَى يُنْهَيْنَ عَنْ خُلُق* * * فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لاَ بُدَّ مَفْعُولُ
وَمَا وَعَدْنَك مِنْ شَرٍّ وَفَيْنَ بِهِ وَمَا* * * وَعَدْنَك مِنْ خَيْرٍ فَمَمْطُولُ

2- محاولة الصلح بين الزوجين .
وذلك بموجب قوله سبحانه :\" فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (128)سورة النساء.فلا بد من تقريب وجهات النظر بين الزوجين ومحاولة الإصلاح بينهما .
قال ابن العربي :\" وَجَدْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَذِنَ فِي نُشُوزِ الزَّوْجِ بِأَنْ يُصَالَحَا، وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ فِي نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالضَّرْبِ، وَأَذِنَ فِي خَوْفِهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِالْخُلْعِ، وَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بِرِضَاءِ الْمَرْأَةِ\". أحكام القرآن 1/442.
وقال السعدي :\" أي: إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها، فالأحسن في هذه الحالة أن يصلحا بينهما صلحا بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها، إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن، أو القسم بأن تسقط حقها منه، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها. تفسير السعدي 206.

3- إذا كان النشوز لعلة مقبولة يبقي عليها مقابل تنازلها عن بعض حقوقها.

قال الإمام مالك \" إن المرء إذا نشز عن امرأته أو أعرض عنها فإن عليه من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما رأت من الأثرة في القسم من نفسه وماله، فإن استقرت عنده على ذلك وكرهت أن يطلقها فلا جناح عليه فيما آثر عليها به من ذلك. وإن لم يعرض عليها الطلاق فصالحها على أن يعطيها من ماله ما ترضى به وتقر عنده على تلك الأثرة في القسم من ماله ونفسه صلح ذلك وجاز صلحهما عليه وذلك الصلح الذي قال الله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} قال ابن شهاب وذكر لي أن رافع بن خديج تزوج بنت محمد بن سلمة فكانت عنده حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة، ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها أخرى ثم راجعها، ثم عاد فآثر الشابة أيضا عليها ثم سألته الطلاق فقال ما شئت إنما بقيت لك تطليقة واحدة فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة وإن شئت فارقتك؟ قالت: لا بل أستقر على الأثرة فأمسكها على ذلك فكان صلحهما ذلك ولم ير رافع عليه إثما حين رضيت بأن تستقر عنده على الأثرة فيما آثر به عليها.
وروى ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب أن رافع بن خديج تزوج جارية شابة وعنده بنت محمد بن سلمة وكانت جلت فآثر الشابة فأشارت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: \"يا رافع اعدل بينهما ولا تفارقها\" فقال لها رافع في آخر ذلك\" إن أحببت أن تقري على ما أنت عليه من الأثرة قررت وإن أحببت أن أفارقك فارقتك\". قال فنزل القرآن: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} [النساء: 128] قال فرضيت بذلك الصلح وقرت معه. المدونة الكبرى 2/241.
قال الشاعر :

هي الضلع العوجاء لست تُقيمها * * * ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
فيجمعن ضعفاً واقتداراً على الفتى* * * أليس عجيباً ضعفها واقتدارها

ولا ننس أخيراً قول الله تعالى : \" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) سورة النساء ,ووصية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع :\" أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً \" . أخرجه أحمد 3/426(15592) و\"أبو داود\"3334 و\"ابن ماجة\"1851 , وقوله :\" خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى.أخرجه ابن ماجة (1977).
اللهم انشر السعادة والسكينة على بيوتنا , اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجعلنا هداة مهدين مهتدين .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية