صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







النساء شقائق الرجال

د. بدر عبد الحميد هميسه


لقد اهتم الإسلام بالمرأة اهتماماً بالغاً وعظيماً فأحاطها بكل سبل التربية والرعاية وشرع لها من الحقوق ما يلائم تكوينها وفطرتها ما لم تعهده أمة من الأمم علي مر العصور والدهور وبهذا الاهتمام العظيم كانت المرأة المسلمة وراء هؤلاء الأفذاذ العظام الذين تحملوا عبء الدعوة الإسلامية ونشروها في كل بقاع الأرض وإذا كانت نماذج النساء لا تقل أهمية من حيث الكف ولكم فأما من حيث الكف نجد أن المرأة المسلمة لم تكن أقل بذلاً وعطاء في سبيل عقيدتها من الرجال وأما من حيث الكم فإن المرأة كما هو معلوم
تشكل نصف المجتمع من حيث العدد فإذا وضعناً في اعتبارناً أنها تلد النصف الآخر علمناً أهميتها البالغة ودورها العظيم في بناء المجتمع المسلم فالمرأة قبل الإسلام لم تكن محل اعتبار لدي الرجل إما لجحود إنسانيتها وتجريدها منها البتة وإما لإحساسهم بأن مهمات الحياة لا تقتضي دورها .
وحينما جاء الإسلام جعل النساء شقائق الرجال وساوي بينهما في إخوة النسب البشري: قال تعالي : \" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) سورة الحجرات .
وكذا ساوي بينهما في وحدة المعني الإنساني قال جل شأنه:\" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) سورة النساء .
وكذلك كانت المساواة في العمل وفي الجزاء عليه:قال تعالي: \" فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) سورة آل عمران .
ولقد أعطي القرآن الكريم والسنة المطهرة المرأة عناية فالقة استهدفت هذه العناية حماية المرأة وتنظيم حياتها العامة والخاصة , فلقد ضرب الله تعالى ببعض النساء التقيات العابدات المثل , وجعلهن قدوات للرجال والنساء في الصلاح والتقوى , قال تعالى : \" وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) سورة التحريم .
بل ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه في رحلة الإسراء والمعراج - التي خلدها الله في سورتين من سور القرآن الكريم : سورة الإسراء وسورة النجم - قد رأى ما أعده الله تعالى لماشطة ابنة فرعون , تلك المرأة التي ثبتت على إيمانها ووثقت بما عند ربها , فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أُسْرِىَ بِى فِيهَا أَتَتْ عَلَىَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ فَقَالَ هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلاَدِهَا. قَالَ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهَا قَالَ بَيْنَا هِىَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ. فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ أَبِى قَالَتْ لاَ وَلَكِنْ رَبِّى وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ. قَالَتْ أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا فَقَالَ يَا فُلاَنَةُ وَإِنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِى قَالَتْ نَعَمْ رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ. فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِن ْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِىَ وَأَوْلاَدُهَا فِيهَا قَالَتْ لَهُ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ وَمَا حَاجَتُكِ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِى وَعِظَامَ وَلَدِى في ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا. قَالَ ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. قَالَ فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِىٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِى فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ.قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَشَاهِدُ يُوسُفَ وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ. أخرجه أحمد 1/309(2822) .
بل ذكرت لنا كتب السيرة أن أول من آمن بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت امرأة وهي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها , عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أخبرته ؛ أنها قَالَتْ:كَانَ أول مَا بُدِئ بِهِ رَسُولُ اللهِِ فًي مِنَ الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ . فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ ، يَتَحَنَّثُ فِيهِ (وَهُوَ التَّعَبُّدُ) اللَّيَالِيَ اُولاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أهله وَيَتَزَوََّدُ لِذالِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا . حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ . فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ : اقْرَاْ . قَالَ : مَا أنا بِقَارِئٍ . قَالَ : فأخذني فَغَطَّنِي حَتى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أرسلني فَقَالَ : اقرأ . قَالَ : قُلْتُ : مَا أنا بقَارِئٍ . قَالَ : فأخذني فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ . ثُمَّ أرسلني فَقَالَ : اقرأ . فَق ُلْتُ : مَا أنا بِقَارِئٍ . فأخذني فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ . ثُمَّ أرسلني . فَقَالَ : ( اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقرأ وَرَبًّكَ الأكرم . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الإِِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ ) . فَرَجَعَ بهَا رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ . فَقَالَ : زَمًّلُونِي . زَمِّلُونِي . فَزَمَّلُوهُ حَتَّن ذَهَبَ عَنْهُ الروْعُ ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ : إي خَدِيجَةُ ، مَالِي ؟ وَاخْبَرَهَا الْخَبَرَ . قَالَ : لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي . قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : كَلاَّ ، ابْشِرْ فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّه أبدا . وَاللَّه إِنَكَ تَصِلُ الرًحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ . فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَى أتت بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أسد بْنِ عَبْدِ الْعُزَى ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ ، أخي أبيها . وَكَانَ امرأ تَن َصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وًيكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ . وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ . فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : إي عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أخيك . قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ : يَا ابْنَ أخي مَاذَا تَرَى ؟ فَاخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَاهُ . فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي اُنْزِلَ عَلَى مُوسى صلى الله عليه وسلم ، يَالَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ، يَالَيْتَنِي أكون حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ . قَالَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم : أو مُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ وَرَقَةُ : نَعَمْ ، لَمْ يأت رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنصرك نَصْرًا مُؤَزَّرًا. أخرجه أحمد 6/153 و\"البُخَارِي\" 1/3 و6/214 و\"مسلم\" 1/97 و98 و\"التِّرمِذي\" 3632.

كما يُذكر – كذلك – أن أول من استشهد دفاعا عن هذا الدين كانت امرأة وهي الصحابية الجليلة، سُمَـيّة بنتُ خَـيَّاط، زوجة ياسر، وأم عمار -رضى الله عنهم , وأول من فقدت بصرها في سبيل الله \" زنيرة \" رضي الله عنها , ولا ننسى دور فاطمة بنت الخطاب في إسلام أخيها عمر بن الخطاب رضي الله عنها , والذي كان إسلامه فارقا وقوة لهذا الدين , واستجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم .
وأم سليم ؛ الرميصاء بنت ملحان التي تقدم لها أبو طلحة الأنصاري ليتزوجها وكان مشركاً فقالت له : إن مثلك يا أبا طلحة لا يُرَدُّ ، لكنني لن أتزوجك وأنت رجل كافر فظن أبو طلحة أن أم سليم تتعلل عليه بذلك ، وأنها قد آثرت عليه رجلاً آخر أكثر منه مالاً أو أعز ونفراً ، فقدْ أساء ظنًّا حين اعتقد أنّ خاطبًا أغنى منه قد سبقه إلى أم سليم ، فتعللت بموضوع الكفر كي تنسحب منه ، وتتزوج ذلك الأغنى .فقال : والله ، ما هذا الذي يمنعك مني يا أم سليم قالت ما الذي يمنعني إذاً ؟ قال : الأصفر والأبيض ، الذهب والفضة ، هذا سوء ظن محض .قالت : الذهب والفضة !!.قال : نعم .قالت : بل إني أشهدك يا أبا طلحة ، وأشهد الله ورسوله أنك إن أسلمتَ رضيتُ بك زوجاً من غير ذهب ولا فضة ، وجعلتُ إسلامك لي مهراً .. فما دمتَ تقول : إنني آثرتُ عليك رجلاً أغنى منك ، فأنا أشهِد الله ، وأشهِدك أنك إذا أسلمتَ فلن آخذ منك شيئًا ، مهري هو إسلامك .وما إن سمع أبو طلحة كلام أم سُليم حتى صرف ذهنه إلى صنمه الذي اتخذه من نفيس الخشب وخص به نفسه كما يفعل السادة من قومه .. عنده صنم من خشب محفور مرتب هو إلهه ، لكن أم سليم أرادت أن تطرق الحديد وه و ما زال حامياً ، فقالت له : ألست تعلم يا أبا طلحة أن إلهك الذي تعبده من دون الله قد نبت من الأرض .. قال : بلى ، قالت : أفلا تشعر بالخجل ، وأنت تعبد جذع شجرة جعلت بعضه لك إلهاً ، بينما جعل غيرك بعضه الآخر وقوداً به يصطلي ، فأنت جعلته صنماً تعبده من دون الله ، وغيرك جعله حطباً يصطلي به في الشتاء إنك إن أسلمت يا أبا طلحة رضيت بك زوجاً ولا أريد منك صداقاً غير الإسلام .قال لها : ومن لي بالإسلام ؟ قالت : أنا لك به ، قال وكيف ؟ قالت : تنطق بكلمة الحق ، فتشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، ثم تمضي إلى بيتك ، وتحطم صنمك ، فانطلقتْ أسارير أبي طلحة ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله .. ثم تزوج مِن أمّ سليم ، فكان المسلمون يقولون : ما سمعنا بمهر قط كان أكرمَ من مهر أم سليم ، فقد جعلت صداقها الإسلام .
وها هي أم حبيبة ؛ رملة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم تضرب لنا مثلاً رائعاً في الموالاة وحسن الانتماء لهذا الدين , فقد روي عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه المدينة جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فدخل على ابنته أم حبيبة زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوته دونه، فقال: أي بنية أرغبت بهذا الفراش عني؟ أم بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت امرؤ نجس مشرك، فقال يا بنية لقد أصابك بعدي شر. انظر: البداية والنهاية لابن كثير (4/ 280) وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (5/ 457) وانظر الطبقات لابن سعد (8/ 70)).

والسبعون الأوائل الذين دخلوا الإسلام كان منهم سبعة وثلاثون امرأة ؛ ثلاثون من الحرائر وسبعة من الإماء , بل في بيعة العقبة الثانية التي حضرها ثلاثة وسبعون رجلا من الأنصار حرص النساء على حضور تلك البيعة المباركة فحضرت معهن نسيبة بنت كعب (أم عمارة) والتي ظلت تجاهد في سبيل رفع راية الحق حتى أنها سقطت في أحد، وقد أصابها اثنا عشر جرحًا، وقد خرجت يوم أحد مع زوجها زيد بن عاصم بن كعب ومعها سقاء تسقي به المسلمين، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تباشر القتال، وتذب عنه بالسيف وقد أصيبت بجراح عميقة وشهدت بيعة الرضوان وقطع مسيلمة الكذاب ابنها إربا إربا فما وهنت وما استكانت، وشهدت معركة اليمامة أيضا في حروب الردة مع خالد بن الوليد فقاتلت حتى قطعت يدها وجرحت اثني عشر جرحًا ، وأما الثانية فهي أسماء ابنة عمرو من بني سليمة قيل: هي والدة معاذ بن جبل، وقيل: ابنة عمة معاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعًا. ابن هشام (2/80) أسد الغابة (5/395) البداية والنهاية (3/158: 166) الإصابة (8/8).

ودور المرأة في الهجرة دور لا ينكر , فها هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تلك الفتاة التي كانت تحمل أمانة يُشفق على الرجال من حملها ، فكانت تقطع ثلاثة أميال إلا قليلاً - وهي الصبية الناشئة- في جوف الليل ، ووحشة الطريق ، بين أسنة الصخر ، ومساحات الرمال ، تمشى متخفية حذرة مترقبة حتى تصعد إلى هامته ، ثم تنحدر في جوفه فتوافي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبة كل ليلة بالزاد والماء وبما عسى أن تكون قد سمعته ، أو رأته ، من حديث القوم وخبرهم.
قامت الصغيرة بدور فدائي وحملت أمانة الإمداد والتمويل للرحلة المباركة ، ونقل أخبار الكفار ، ولما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الرحيل من الغار متجهاً إلى يثرب جهزت الزاد والماء ، ولم تجد ما تربطهما به ، فشقت نطاقها وربطتهما به ، وحين فعلت ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :\" أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة\" فقيل لها ذات النطاقين .
ومن تقدير النبي صلى الله عليه وسلم للنساء واعترافا بأهمية وعظم دورهن في الحياة أنه خصص لهن يوما يعلمهن فيه أمور الدين , فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِىِّ , صلى الله عليه وسلم : غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ : مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ , فَقَالَتِ امْرَأَةٌ : وَاثْنَيْنِ فَقَالَ : وَاثْنَيْنِ.أخرجه أحمد 3/14(11122) و\"البُخَارِي\" 1/36(101) و\"مسلم\" 8/39(6792) .
بل جعل من تكريمه للمرء أن يجير من تجير ,ويؤمن من تؤمن , عَنْ أبي مُرَّةَ ، مَوْلَى أم هَانِئٍ بِنْتِ ابِى طَالِبٍ ، انَّهُ سَمِعَ أم هَانِئٍ بِنْتَ أبى طَالِبٍ تَقُولُ : ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ ، قَالَتْ : فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ . فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ فَقُلْتُ : إنا أم هَانِئٍ بِنْتُ أبى طَالِبٍ . فَقَالَ : مَرْحَبًا بأم هَانِئٍ . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ ، مُلْتَحِفًا في ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِِ ، زَعَمَ ابْنُ اُمِّى انَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ اجَرْتُهُ : فُلانَ بْنَ هُبَيْرَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم : قَدْ أجرنا مَنْ أجرت يَا أم هَانِئٍ . قَالَتْ أم هَانِئٍ : وَذَاكَ ضُحًى.
- وفي رواية :لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أجرت رَجُلَيْنِ مِنْ احْمَائِى ، فَادْخَلْتُهُمَا بَيْتًا ، وأغلقت عَلَيْهِمَا بَابًا ، فَجَاءَ ابْنُ اُمِّى عَلِىُّ بْنُ أبى طَالِبٍ فَتَفَلَّتَ عَلَيْهِمَا بِالسَّيْفِ . قَالَتْ : فَاتَيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم ، فَلَمْ أجده ، وَوَجَدْتُ فَاطِمَةَ ، فَكَانَتْ اشَدَّ عَلَىَّ مِنْ زَوْجِهَا . قَالَتْ : فَجَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ اثَرُ الْغُبَارِ ، فأخبرته . فَقَالَ : يَا أم هَانِئٍ ، قَدْ أجرنا مَنْ أجرت ، وأمنا مَنْ أمنت. أخرجه \"أحمد\" 6/341 و\"الدارِمِي\" 1461 و\"البُخَارِي\" 1/78 و8/46 ، و\"مسلم\" 1/182 و2/157 .
بل جعل من حقها أن تختار شريك حياتها , عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا . فَقَالَتْ: إن أبى زوجني ابْنَ أخيه لِيَرْفَعَ بِى خَسِيسَتَهُ وأنا كَارِهَةٌ . قَالَتِ اجلسي حَتَّى يَاتِىَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الأمر إليها فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أجزت مَا صَنَعَ أبى وَلَكِنْ أردت أن اعْلَمَ للنساء مِنَ الأمر شيء. أخرجه أحمد 6/136 و\"النَّسائي\" 6/86 .
وهكذا سار خلفاؤه من بعده , روى ابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات أن خولة بنت ثعلبة لقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير مع الناس، فاستوقفته فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها، وقضى لها حاجتها فلما انصرفت قال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجال قريش على هذه العجوز؟ قال: ويحك أتدري من هذه؟ قال: لا، قال: هذه امرأة سمع الله تعالى شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف حتى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها. وفي رواية للبخاري في تاريخه: أنها قالت: قف يا عمر. فوقف فأغلظت له القول. فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما رأيت كاليوم! فقال: وما يمنعني أن استمع إليها وهي التي استمع الله تعالى لها فأنزل فيها ما أنزل. الآلوسي البغدادي: روح المعاني في تفسير القرآن ج28 ص3.
ولا عجب بعد ذلك أن نجد الرسول. صلي الله عليه وسلم يوصي بالنساء في آخر وصية له في حجة الوادع فيقول\" أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا ، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ ، فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ، أَلاَ وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهنَّ فِي كِسْوَتِهنَّ ، وَطَعَامِهِنَّ . أخرجه أحمد 3/426(15592) و\"أبو داود\"3334 و\"ابن ماجة\"1851 و\"التِّرمِذي\"1163 و3087 و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\"4085 .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \" إنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجالِ\". أخرجه أحمد 6/256 و\"الدرامي\" 771 ومُسْلم 1/171(635)و\"أبو داود\" 236 و\"ابن ماجة\" 612 .
بل من الثابت أنه صلى الله عليه وسلم فاضت روحه وهو على صدر زوجه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها , عَنْ ابِي عمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ ، أن عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ:إن مِنْ نِعَمِ الله عَلَيَّ أن رَسُولَ اللهِّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ، وَانَّ الله جَمَعَ بَيْنَ رِيقي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، دَخَل عَلَيَّ عبد الرحمان وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ ، وَانَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِّ صلى الله عليه وسلم فَرَايْتُهُ يَنْظُرُ إليه وَعَرَفْتُ انهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ . فَقُلْتُ: احذُهُ لَكَ ؟ فأشار برأسه أن نَعَمْ ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ . وَقُلْتُ: الَينُهُ لَكَ ؟ فأشار برأسه أن نَعَمْ . فَلَيَّنْتُهُ ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَة- أو عُلْبَةٌ - (يشكُّ عُمر) فِيهَا مَاء فَجَعَلَ يُدحلُ يَدَيْهِ فِي الَماءِ فَيَمْسَح بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: لا الَهَ إلا الله إن لِلْمَوْتِ سكََرَاتٍ ، ثُمَّ نصًبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرفِيق الأعلى حَتَّى قبضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. أخرجه البخاري 6/15 و8/133 وأحمد 6/48 .
ولقد كانت تعاليم الإسلام الحكيمة كانت منطلقا أساسياً للمرأة نحو الاطلاع بدورها المنوط بها , والقيام بهذا الدور على أتم وجه وأكمله فهي لا تقل مسؤولية عن الرجل أمام الله عز وجل , عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. أَخْرَجَهُ أحمد 2/121(6026) و\"البُخَارِي\" 2/6 و4/6(2751) و\"مسلم\" 6/8(4755) .
ولقد اضطلعت المرأة منذ فجر الإسلام بهذه المسؤولية فدافعت عن دينها بكل ما تملك , رائدها في ذلك عقيدة راسخة نقية لا تعرف في الله تعالى التلون ولا التراجع .

وحسبنا أن نذكر المرأة المسلمة بدورها حتى تعرف أن لها دورا تجاه عقيدتها ودينها , ويوم أن تقوم بهذا الدور سوف يعود للإسلام مجده وعزته وتعلو راية الإسلام خفاقة عالية في كل زمان ومكان .
قال الشاعر العشماوي :

هل يستوي من رسول الله قائده *** دوماً وآخر هاديه أبو لهب
وأين ما كانت الزهراء أسوتها *** ممن تقفت خطاً حمالة الحطب
فلا تبالي بما يلقون من شيه *** وعندك الشرع إن تدعيه يستجب
سليه من أنا ؟ من أهلي ؟ لمن نسبى *** للغرب أم أنا للإسلام والعرب؟
لمن ولائي؟ لمن حبي؟ لمن عملي؟ *** لله أم لدعاة الإثم والكذبِ ؟
هما سبيلان يا أختاه مالهما من *** ثالث ، فأكسبي خيراً أو اكتسبي
سبيل ربك ، والقرآن منهجه *** نورٌ من الله لم يحجب ولم يغب

فهل تعي المرأة المسلمة دورها الحقيقي في الحياة ؟ وهل ستبقى صانعة الرجال ومربية الأبطال ؟ .
إن دور المرأة المسلمة في صنع مجد الإسلام وعزه ونصرة لا يقل بحال من الأحوال عن دور الرجل , إن لم يكن يفوقه ويسبقه .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية