صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







السفر أحكام وآداب
جامع الإحسان
11/6/1427هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد .
فيا عباد الله : مع شدة حر الصيف ولأواء الشمس وهجيرها ، ومع سخونة الأجواء التي يتصبب منها الجبين عرقاً ، يستعد كثير من الناس للرحيل والسفر ، حجوزات تؤكد ، وتذاكر تقطع ، حقائب تجهز ، وأموال ترصد ، ييمم الأكثر وجوههم قبل المصائف ، والبلدان المعتدلة والباردة من أجل التنعم بأجوائها والاستمتاع بأمطارها ، والتخفف من مشاغل الحياة ومتاعبها ، وهذا السفر عباد الله وذاك التنقل في البلدان هو فطرة فطر الله تعالى النفس البشرية عليها ، ففئة تسافر لتتاجر ، وأخرى لتجاهد ، وثالثة لتتعلم ، ورابعة من اجل أداء واجب كحج وعمرة وصلة رحم أو دعوة إلى الله تعالى ، ولقد كان العرب في الجاهلية يسافرون ويسيحون في الأرض فجاء الإسلام فزكى مبدأ السياحة وقواه ، بل أمتن به على قريش حين ذكرهم بأنه هيأ لهم أسباب رحلتين عظيمتين منتظمتين إلى اليمن تارة وإلى الشام تارة أخرى فقال سبحانه : " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف".
أيها المسلمون : السفر هو قطع المسافات والمراحل بنية السفر، وسمي سفراً لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم ، فيظهر ما كان منها خافياً ، روى ابن أبي الدنيا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً يثني على رجل فقال : أسافرت معه ؟ قال : لا قال أخالطته ؟ قال : لا ، قال عمر رضي الله عنه والذي لا إله إلا هو ما تعرفه .
عباد الله : لقد كان أبائنا في القديم وأهل الجاهلية من قبلهم مع حاجتهم إلى السفر واضطرارهم إليه أحياناً ، يعانون في سلوك سبيله المتاعب، ويتجرعون الغصص ، نظراً لقلة الإمكانيات ، وانعدام الأمن ، وطول المسافات ، هذا فضلاً عن مفارقة الأهل والأبناء والأصحاب ، ولذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :" أن السفر قطعة من العذاب " .
والعذاب هنا هو الألم الناشيء عن المشقة ، لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف .. كما قال ابن حجر رحمه الله تعالى ، ولقد سئل إمام الحرمين : لم كان السفر قطعة من العذاب ؟ فأجاب على الفور : لأنه فيه فرقة الأحباب .
أيها المسلمون : ومع العذاب الذي يصاحب السفر غالباً إلا أن السفر في هذه الأزمان يختلف عن السفر في قرون مضت ، فقد مهدت الطرق ، وجرت عليها الآلات بشتى أنواعها ، فهي تسير بهم على الأرض إن شاءوا ، أو تقلهم الطائرات إن رغبوا ، أو تحملهم الفلك في البحر إن أرادوا ، مما يؤكد أهمية شكر الله تعالى على هذه المصنوعات السائرة ، وتلك الوسائل الباهرة . قال تعالى :" والأنعام خلقها لكم فيها دف ومنافع ومنها تأكلون ، ولكم في جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم .. والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون "..
عباد الله : ومع عذاب السفر في فرقة الأوطان ، والبعد عن الأهل والخلان إلا أن فوائد السفر ومنافعه تخفف جزءاً من ذلك العذاب والأم .. ولقد أجمل الأول بعضاً من تلك المنافع فقال :
تغرب عن الأوطان في طلب العلا * وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشــــــــــة * وعلم وآداب وصحبة ماجــــد
أيها المسلمون : إن من أعظم فوائد السفر ، وأكثرها تعلقاً بالله تعالى ، معرفة عظمته وقدرته بالنظر إلى ما أبدعه جل وعلا في هذا الكون من حيوان وموات ، وساكن وذي حركات ، يقول الثعالبي رحمه الله تعالى : من فضائل السفر أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ، ومحاسن الآثار ، ما يزيده علماً بقدرة الله تعالى ويدعوه شكراً على نعمه ..
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري * حتى أريك بديع صنع الباري
فالأرض حولك والسماء اهتزتا * لروائع الآيات والآثـــــــــــار
عباد الله : ينقسم الناس في السفر إلى قسمين وفسطاطين قسم أراد بسفره الخروج من الملل والسآمة ،والضيق والكآبة ، فساح في الأرض تأملاً في خلق الله أو تزوداً من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قصد بسفره صلة قريب أو أخ في الله تعالى فهنيئاً لهؤلاء جميعاً تلك الخطوات ، وبوركت تلك الرحلات ، وقسم آخر اتخذ من السفر سبيلاً للمحرمات ، والتنكر للأعراف والعادات ، فعاد لبلده بالأوزار والسيئات ، وغضب رب الأرض والسماوات .
أيها المسلمون : إلى أين الرحيل ؟ ولماذا السفر ؟ أفي طاعة الله أسفاركم ؟ أم إلى معصية الله ارتحالكم ؟
إن كان سفركم إلى طاعة الله وفي منأى عما يسخط الله ، فامضوا على بركة الله ، تكلؤكم عناية الله ، و أما إن كان ارتحالكم إلى معصية الله ، وفي غير طاعة الله ورضاه ، فاتقوا الله واستحيوا من الإله واعلموا أن الله كان عليكم رقيباً .
أيها المسافرون : إن المسلم العاقل هو من اعمل فكره وأخذ من حوادث الناس عبرة ، فكم من أناس سافروا طلباً لاقتراف الحرام ، وبحثاً عن المعاصي والآثام فكان جزاؤهم الخيبة والخسران ، اصابتهم الأمراض المعدية ، وانتقلت إليهم الجراثيم المستعصية ، بما كسبت أيديهم ، وبما اقترفوا من معصية باريهم .
أيها المسلمون : من الناس من يطلق لنفسه وأسرته العنان في السفر إلى بلاد موبوءة ، ومناطق مشبوهة ، ليفتن نفسه بالشهوات المحرمة ، والأفعال الآثمة ، في مواخير الفجور والزنا ، وحانات الغي والخنا .
فيا من أخفيت نواياك في سفرك عن البشر ، وقصدت مكاناً لا تقع فيه تحت عين ونظر ، ألا تخش سطوة رب البشر ، وأنت تعامله بالقبائح ، وتبارزه بالفضائح ولا تحسبن الله يغفل ساعة * ولا أن ما تخفي عليه يغيب
عباد الله : لقد اصبح السفر إلى الخارج ، مصيبة تضاف إلى رصيد الأمة ، التي تتابعت عليها المصائب وليت الأمر يتوقف عند ذهاب الأولياء فقط بل وصل الأمر ببعض الأولياء أن يرسلوا إلى تلك الديار البائسة فلذات أكبادهم ومهج نفوسهم وكأنهم بمعزل عما يجري ويحدث في تلك البلدان من سيء الأعمال وقبيح الخصال . ولقد أوضح علماء الإسلام شروط إباحة سفر المرء إلى بلاد غير المسلمين .
أولها : أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات ،.
ثانيها : أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات .
ثالثها : الضرورة الشرعية كعلاج ونحوه .
فيا أيها الآباء والأولياء : الله الله في رعاية الأبناء وحفظ من تحت ايديكم من النساء ... .
واعلموا أنهم امانة عندكم سوف تسألون عنها : يقول صلى الله عليه وسلم : كلكم راع ، ومسؤول عن رعيته ...
عباد الله : نحن في بلاد الحرمين لنا خصوصية تميزنا عن غيرنا ، فسلوكياتنا محل نظر وتقدير العالم كله ، لذا كما ينبغي أن تتميز فعالنا ، فكذلك ينبغي أن تتميز سياحتنا عن سياحة الآخرين ، وإذا صرفنا الناس عن السفر للخارج ، فذلك أمر مرغوب ومحمود ، لكن شريطة ألا نقع في المحظور بحجة جذب الناس للسياحة الداخلية ، فالحكم الشرعي في الأمر المحرم واحد ، وإن اختلف الزمان والمكان .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ....

الخطبة الثانية :

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شرك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا أما بعد ...

فيا عباد الله : لقد عنى الإسلام بالسفر عناية فائقة ، فجعل له أحكاما تخصه من سنن وآداب وواجبات ومحرمات ومكروهات ، وينبغي ألا يغفل عنها كل مسافر ولا ينساها كل راحل ومهاجر .
أيها المسلمون : حق على كل عاقل أن يتذكر انه في هذه الدنيا يقطع سفراً إلى الآخرة ، وان محطة الوصول بعد سفر الدنيا هي الجنة أو النار ، وزاد هذا السفر هو التقوى التي هي ثمرة الأعمال الصالحة ..." فتزودوا إن خير الزاد التقوى واتقوه يا أولي الألباب " .
عباد الله : لقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه ، فقال سبحانه .." إن الله وملائكته يصلون على النبي " الآية .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية