صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







11 همسة..للأمهات الكريمات (1)
2/7/1438هـ

د.فيصل بن سعود الحليبي
أستاذ أصول الفقه المشارك بكلية الشريعة بالأحساء
@Dr_fisal_holibi


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصبحه ومن والاه.
أما بعد: فإن كلمةَ
(الأم) كلمةٌ تورقُ فيها حدائقُ: الحبِ، والحنان، والعطف، والتضحية، والصبر، والتفاني، والأمل، وقاموسٍ طويلٍ من البذل والعطاء، يصعب على المرء أن يفي به في هذه الدقائق، فقلما تجد ناجحًا أو منتجًا أو معطاءً إلا وراءَه أمٌ كانت أكثرَ نجاحًا ونتاجًا وعطاءً.

أوصى بكِ اللهُ ما أوصتْ بكِ الصُحفُ --- والشـعرُ يدنـو بخـوفٍ ثم ينـصرفُ
مــا قــلتُ والله (يـا أمـي) بـقـافــيـةٍ --- إلا وكـان مـَـقـامـاً فــوقَ مـا أصـفُ
يَخضرُّ حقلُ حروفي حين يحملها --- غـيـمٌ لأمي علـيه الطـيـبُ يُـقتـطفُ
والأمُ مـدرسـةٌ قـالوا، وقـلتُ بـهـا --- كـل الـمدارسِ سـاحـاتٌ لـها تـقـفُ
هـا جـئتُ بالشعرِ أدنيها لقافيتي --- كـأنـما الأمُ في اللاوصـفِ تـتصفُ
إن قلتُ في الأمِ شعراً قامَ معتذراً --- ها قـد أتـيتُ أمـامَ الجـمعِ أعـترفُ(2)


(الأم)..يا الله، ما أعذبَ هذه الأحرف.. التي تسبق على لسان الطفل، فتطير به الأم فرحًا، وكأنها لم ترهق في حمله، ولم ترهق في وضعه، { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً}.

(الأم)..كنت أظن أنها كلمة تسعد قلب الطفل فحسب، فلمّا مضى بي العمر، عرفت أنني ما زلت طفلاً حينما أقف بين يدي أمي، وإنني إذا غبت عنها أو غابت عني لفّني شعور بالأسى وكأنني لم أفطم بعدُ منها..(والطفل يؤلمه الفطام).

إنني أعلم يقينًا أن الحديث ليس عن عظمة الأم في القلوب، فهذا مما يدركه المرء بفطرته، وقد أخذ حظًا كريمًا من هذا البرنامج المبارك، وإن كان حتمًا لا يفي بحقها، فسلام عليها، ثم سلام، وألف سلام.
ولكنها همسات، أهمس بها في أذن الأم، التي تحمل الحب النقي لحشاشة فؤادها، وهو أيضًا يحمل في قلبه تعظيمًا وإجلالاً لها لا ينافسه إلا حبُ خالقه ونبيه صلى الله عليه وسلم .
أيا أيتها الأم: سأسأل سؤالاً واحدًا فقط، أرجوك أجيبي عنه في نفسك..ما دورك في حياة ولدك!
أهو بناءُ جسمه..أو تنميةُ عقله..أو حياةُ قلبه؟ أربيته لكِ..أو لنفسهِ..أو لوطنه ودينه وأمته!!
إن الجواب هنا قصةُ حياة..إما أن تنجح أو غير ذلك!

وأنتِ بلا ريب تريدين له النجاح، لأنه نجاحُك أنت..لا بل هو نجاح أمته التي تتطلع إليه، وتنتظر مقدمه، فحفيه بالآتي:

1. عظمي الله في قلبه: فهذا أبقى لكل التوجيهات التي تسدينها، فإن أي أمٍ يهابها ولدها لذاتها، فإنها حينما تغيب عنه، أو يخلو بنفسه أو يتغرب عن بيئته، فإنه ربما سرعان ما يضعف أمام الشهوات والشبهات؛ لأنها ربطته بها، أمّا مَنْ عظمتِ اللهَ في قلبه، فغرست في فؤاده بذور محبةِ الله، والتعلقِ به، وحسنِ التوكل عليه، والخشيةِ منه، وتذكرُه في السراء والضراء، والسر والعلن، عاش الولد بذلك معتزًا بدينه، مراقبًا لربه، أمينًا في عمله، مخلصًا وفيًا، لا يتمادى في منكر، ولا يألف المعصية، ولا يرضى بالخيانة، وهذا هو المنتج الذي تحتاجه الأمة اليوم؛ لا تريد من ربتهم أمهاتهم على الأنانية واللهث خلف سراب الشهوات، أو خنادق الشبهات، أو الطغيان بالثراء على حساب الفقراء!

2.
كم قيمة نشّأت ولدك عليها؟ كم يوم مرَّ عليك لم تفكري في هذا السؤال!! لم تطرحيه على نفسك؟ هل ستصدقيني أن ولدك وحبيبك هذا هو إلى زَرْع القيم في شخصيته أحوج من إمتاع بطنه بأنواع المأكولات والمشروبات التي تتفننين في إبهاجه بها!! وهذه وإن أُجِرتِ عليها بحسن نيتك، إلا أنها لا تحقق هدفًا يستحق الطموح إليه، وهو في الذاكرة إلى الاضمحلال والفناء! وخذي هذه التجربة، فإنه حينما وضعتُ سؤالاً على حسابي في تويتر يقول: ((ماذا تذكر من أمك؟))، انهالت علي الإجاباتُ الرائعةُ من المتابعين والمتابعات الكرام، وأنا أشكرهم من قلبي على مشاركتهم النبيلة، فقد رأيت كل الإجابات تتحدّث عن القيم الفاضلة، ومن ذلك: (الحنان، الرحمة، الإخلاص، الحكمة، الكرم، الابتسامة، الحياة، اللطف، صلة الرحم، الاحترام، الأمان، التضحية، الجمال، الصدق، الوفاء، الود، الإيثار، القوة، التقوى، الإحسان، الدعوات الصادقة، التفاني، عدم انتظار المقابل والشكر، حسن الظن بالله، العطاء بلا حدود، النجاح، التذكير بالصلاة، الصبر، وألوان زاهية ورائعة من المواقف والذكريات المتفردة التي يطول الحديث عنها، ومشاعر مؤلمة من ألم الفقد والفراق، ومن بين هذه النسائم الأمومية الحنونة أسأل سؤالاً لكل أم فاتها أن تعطي شيئًا من مما سبق: هل سمعتِ أحدًا من هؤلاء المغردين والمغردات الكرام قال: الطعام والشراب، أو الملبس والمسكن، أو الأموال والهدايا!! إذن.. لتعلمي ـ يا رعاكِ الله ـ أن الباقي لك في أولادك أمران: القيمة الفاضلة، والأجر عليها عند ربك، وإنما تبنى القيم في النفس بأساليب كثيرة: القصة، المسابقة، الحوار، التعليق على المشاهد والأحداث والأخبار، ونحو ذلك.
 

ولم أرَ للخلائق من مَحَـلّ *** يهذّبها كحِضــــن الأمهاتِ
فحضنُ الأم مدرسةٌ تسامت *** بتربيـةِ البنــين أو البنات
وأخلاق الوليد تُقاس حسنًا *** بأخلاق النســــاء الوالدات
 

3. أنت الأنموذج الأشدُ تأثيرًا في المنزل، فقرارك فيه أكثر، وشخصية الأم التي فُطرت على جمعها بين خصلتين: الحنان والصبر، جعلها أكثر تأثيرًا من أي شخصية أخرى في حياة الولد، ذكرًا كان أو أنثى، فالمسؤولية أراها عليك أكثر، لا لأرهقك بها، ولكن لتشرفي بأنك مربية الأجيال، وصانعة الأبطال، أما ترين كيف يفرح الفلاح بالثمر، والتاجر بالربح، والعالم بالتوفيق، والمتسابق بالفوز، أنت والله بنتاجك أعظم من هؤلاء فرحًا، ومنك تعلمنا الصبر، فاستفيدي من قوة التأثير لديك، واكتشفي مكامنها في مهاراتك، ولا تستسلمي للضعف، أو طول الطريق، و لا تقفي عند العقبات، اقرئي، تدربي، استشيري، وجربي، وكوني الأنموذج الأروع، لتفرحي بنتاجك الأجمل، وتذكري ماذا قالت أم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما لولدها حينما رأته قد ذاع صيته واحتاجه الناس وأقام بمصر لخدمة العلم والدين، فاعتذر لها عن بعده عنها، فأجابته بجواب يكسوه النور والضياء، فإنها قالت له: (والله لمثل هذا ربيتك، ولخدمة الإسلام والمسلمين نذرتك، وعلى شرائع الدين علمتك، ولا تظننَّ يا ولدي أن قربك مني أحبُ إلى من قربك من دينك وخدمتك للإسلام والمسلمين في شتَّى الأمصار، بل يا ولدي إِنَّ غاية رضائي عليك لا يكون إلا بقدر ما تقدمه لدينك وللمسلمين، وإني يا ولدي لن أسألك غَدَاً أمام الله عن بُعْدِك عني؛ لأنَّي أعلم أين، وفيم أنت، ولكن يا أحمد، سأسألك أمام الله وأحاسبك إن قصَّرت في خدمة دين الله، وخدْمة أتباعه من إخوانك المسلمين)، أي أنموذج هذا الأنموذج، وأي أم هذه الأم، إنها أم لا كل الأمهات!

4.
ضعي هدفك الأسمى، وانطلقي نحوه، أن ( ينجح في دراسته)، أو (يتخرّج من كليته)، (أن يتوظف)، (أن يتزوج)، هذه أهداف مشتركة بين الملايين من الناس، ولكن أين الهدف الأسمى، الرؤية غير العادية، كل ما ذكرتُه لكِ هي أمور خاصة لنفسه، فأين حق دينه عليه، وأين حق وطنه من عطائه، وأين حق أمته؟ القضية تبدأ بالهم، وتنطلق بالهدف، وتوفق بالتوكل على الله، وتتوج بالنجاح، وتختم بالفرح، فلا يفوتنك هذا كلُّه، قيل لهند بنت عتبة رضي الله عنها ومعاوية بن أبي سفيان ولدها رضي الله عنه مازال طفلا صغيرًا في حضنها: "إن عاش معاوية ساد قومَه"، فردَّت هي من فورها وكلها ثقة وحزم: "ثَكِلْتُه إن لم يسُدْ إلا قومه"، وتأملي كيف كانت الأمُّ الكريمة الفاضلة أمُ الإمام أحمد بن حنبل إمامِ أهل السنة رحمه الله، كيف كانت لولدها الذي نشأ يتيمًا، لقد كَانَتْ توقظه قبل الفجر، وتسخن له الماء ليتوضأ، ويصليان حتى الفجر، ثمَّ تصحبه إلى المسجد وتنتظره، لأن الطرق مظلمة حينئذ وتخشى عليه، ثمَّ عندما كبر أرسلته لطلب العلم، ولقد وضعت الهدف وسعت إليه.

5.
توازني بين الإسعاد والإنتاج، فالحياة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ساعة وساعة)، وحتى تؤثر الساعةُ الجادةُ لابد من ساعة تسبقها أو تتلوها تكون ساعة متعة وترفيه، والترفيه المغلوط اليوم هو الذي افتقد فيه الولد روح المتعة؛ حيث يُجعل بين يديه هذا الجهاز الإلكتروني اللوحي، فيحجبه عن التواصل الإيجابي ويبدله بتواصل سلبي خطير في الجملة، وبعض الأمهات هنا تتنفس الصعداء ـ بزعمها ـ لأنها تتخلص بعض الوقت من أولادها، وتتفرغ هي أيضًا لجولة بين أروقة برامج التواصل غثها وسمينها!! وبهذا الشكل نفتقد روح المشاركة الجميلة التي يتطلع إليها الولد، ولا يذكر من أمه إلا الأمر والنهي، والوجبات والواجبات!! يا أم الأجيال..توازني بين الإمتاع والإبداع، شاركيه اللعب، والتسابق، والفكاهة، والقراءة، والحفظ، والأذكار، والتشاور، وانظري إلى روحك كيف تشعر بلذة وراحة وطمأنينة لا يمكن وصفها، بعد أداء هذه المهمة الراقية، وبهذا الأسلوب التربوي المؤنس.

6.
أسمعيه كلمات الحب والدعاء، وعبارات التحفيز والتشجيع، وتوقفي تمامًا عن الدعاء عليه، أو ألفاظ السب والشتم أو الإحباط والتثبيط، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكُم، ولا تدعوا على أموالكُم، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم) رواه أبو داود بإسناد صحيح. ويا ليتك تنظرين إليه وهو في سن الثامنة أو الخامسة عشرة أو العشرين أو يزيد أو ينقص، وكأنه غدا طبيبًا بارعًا، أو معلمًا ناجحًا، أو مهندسًا مبدعًا، أو داعية مسددًا، فهل مثل هذا يُدعى عليه أو يُدعى له!! هل هذا يحفز أو يثبط!! انتبهي أن تقتلك الوقتية عن الرؤية السابحة في فضاء العطاء والنماء، إن الكلمات العذبة لن تزيد من طاقته فحسب، بل ستضاعف من طاقتك أنت أيضًا، وأترك لك التجربة، والتجربةُ خير برهان.

7.
أديري مشاعرك باحترافية، فإني أعلم يقينًا أن الولد لم يأتك من الجنة، في صورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وبأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا لما كان لك فضل في تربيته، وإنما هو مشروعك الذي يستحق منك أن تضبطي مشاعرك فيه، وتديري أعصابك نحوه بعناية فائقة، حتى لا تفقدي فيها صحتك وشبابك، ولا هو ينفر منك أيضًا، وهنا يأتي كلام النبي صلى الله عليه وسلم حينما أوصى الرجل فقال: (لا تغضب)، وكلنا ذلك الذي يغضب، ولكن المقصود هو الغضب السلوكي الذي ينتج عنه الإيذاء للنفس وللآخرين، فالصراخ، والعنف بكل أشكاله وأنواعه من أجل التقصير أو الخطأ أو بعض الفشل، لا يقدمك نحو ما تريدين في ولدك خطوة واحدة، بل يؤخرك إلى الوراء أميالا، ولقد أدركتُ أن الصوتَ الهادئ، والكلمةَ المعبرة، أكثرُ وأشدُ أثرًا من كل أنواع الإيذاء والقسوة التي تتعامل بها بعض الأمهات ظنًا منهنَّ أنها السبيل الأوحد في تقويم السلوك، حتى نَفَرَ منها ليس أولادها فحسب، بل حتى زوجُها أيضًا؛ فصار يبحث عن الجلسات والاستراحات! وتكّري أنَّ الولدَ بشر، يتأثر بكل المؤثرات التي حوله، سلبًا وإيجابًا، وهنا يأتي دورك في التوجيه، ولن يتم لك ذلك إلا بشخصية حليمة متوازنة مترويّة متماسكة.

8.
الحب لا يصنع الفشل، فالحب الحقيقي هو الحب الذي لا يُترجم فقط بالدلال والإغداق بالأموال والهدايا، حتى يشعر الولد أنك تشترين أخلاقه أو نجاحه بالمال، حتى إذا فقدتِ المال ـ لا قدر الله ـ(عادت حليمة إلى عادتها القديمة)، إنما الحب الحقيقي هو ما تَجْمعُ فيه الأم بين الحنان والحزم، والعاطفةِ الحانية والموجِّهة، والتغاضي عن الهفوات والمتابعةِ للخطوات، والمكابدةِ والمساعدة، يقول سفيان الثوري: ((لما أردت أن أطلب العلم؛ قُلتُ: يا ربِّ، لابد لي من معيشة، ورأيتُ العلم يَدْرُس (أي: يذهب ويندثر)؛ فقلت: أُفرِّغ نفسي في طلبه، قال: وسألتُ الله الكفاية، يعني أن يكفيه أمر الرزق، فكان من كفاية الله له في ذلك الشأن أن قيَّض له أمه التي قالت له: يا بُنَيَّ، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي!!

9.
ساعدي ولدك على وضع خطةٍ شخصية له، تكون ممكنةَ التنفيذ، ذاتَ مدةٍ محددة، ويمكن قياسها بسهولة، وضعي مكافأة مناسبة عليها، وبعد إتمامها أكملي مسيرة التخطيط له، حتى ترينه أجمل في نتاجه مما تتوقعين.

10.
(أحتاجك يا أماه)، هذا نداء تبثه الفتاة إلى كل أمِّ، وقد شاركني في هذا النداء تلميذاتي في الكليّة ـ وفقهن الله ـ فقلن: ستة أشياء نحن بحاجة إليه:

أـ مهارات الحياة
(أعمال المنزل بكل أشكالها، التعامل مع الآخرين، التعامل مع الرجل، التعامل مع الطفل) وغيرها، فمن سيعلِّمها إذا لم تعلِّمْها أمُّها هذه المهارات!

ب ـ التعويد على العفوية
و(القناعة بما يتيسّر) دون الزهو والتفاخر وقتل الأوقات وإهدار الأموال في الجري خلف ما يسمى بالماركات؛ بغية التفاخر والزهو، وبحجة: ((أننا لا نأخذ إلا من ماركة كذا وكذا !!))؛ فالحياة المرفّهة لا تدوم.

ج ـ التوسّط بين الإعطاء والمنع؛
إذ أن تعويد الفتاة على الأخذ الدائم يجعل منها فتاة فقط لا تعرف إلا الأخذ، (يد سفلى) لا يشبعها شيء، حتى إذا نقص عليها شيء تكدّرت، وكدّرت كل من حولها، وإذا تزوجت لم تتحمل أن يقال لها: (لا)، وتلك مصيبة قد تهدد حياتها بالفشل.

د ـ أن ترى الفتاة أمها صاحبة قرار
في شؤون المنزل الداخلية، حتى تكون ذات مهابة في قلوب أولادها، حتى لو سافر الأب أو انشغل، تسد الأم هذا المسَدّ، وتكفي فيه بقدر الحاجة.

ه ـ أن تفتح الأم دائرة الحوار بينها وبين أولادها
بكل وضوح، وخصوصًا الفتيات، فهذا سيشعرهم بالأمان، ويجدونها الملاذ الآمن بعد الله تعالى في التخلص من المشكلات والهموم، التي ربما تورط أحدهم فيها، ولم يعرف الخلاص منها، لأنه لم يفتح قناة للتواصل مع أمه أو أبيه، ولكن قلنا: الأم؛ لأنها الأقرب قلبًا وقالبًا من أولادها، وهنا يجب على الأم أن تتعلّم كيف تتعامل مع الأحداث المفاجئة، أو المشكلات الطارئة، بعقلانية وروية، وألا تعبث بها الانفعالات، وبالتالي تحسن كيف تتواصى مع الأب في الحلول والإجراءات اللازمة للوصول إلى الحلول والنتائج الإيجابية، فإذا افتقد الأولاد هذا التواصل وتلك الصراحة، فإنهم قد يستسلمون للخطر، أو يكونون ألعوبة بأيدي ذئاب البشر، لا قدر الله.

و ـ افهمي مستوى تفكير أولادك وبناتك،
وأحسني إلى الجميع، ولكن كلٌ بالطريقة التي تناسب عمره وتفكيره وأسلوبه، وعدم التفريق بين هذا وذاك يُحدِث اضطرابًا شديدًا في كل العلاقات الداخلية بين أفراد الأسرة الواحدة.

ز. أوجدي الثقة فيهم، وصارحيهم بهذا،
وحمليهم مسؤولية هذه الثقة، حتى لا يفقدونها منكِ، ولكن هذا لا يعني عدم المتابعة وشيء من المراقبة، فالإنسان بطبعه تزل به القدم في بعض المزالق، ويحتاج إلى من يذكره، فالتغافل مطلوب، وأما الغفلة فمرفوضة، فعليك التغافل دون الغفلة، فإن من أهمل زرعه، رعت فيه السائمة!

11.
وأخيرًا.. أنتِ لستِ لولدك فحسب، بل أنت لنفسك أولاً، ثم لزوجك ثانيًا، وإن استطعت أن تكوني لوالديك ولمجتمعك ولأمتك ثالثًا ورابعًا وخامسًا، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، فهذا خير على خير، فلا يعني حديثي أن تهمل الأم نفسها وتهضم حقوقها الدنيوية والأخروية، فتتمثل في دور الضحية، كما أنه لا يعني أيضًا إهمال حقوق الزوج بحجة الانشغال بتربية الأولاد، ولا يعني أبدًا قطعية الأرحام، أو الانعزال عن المجتمع، وإنما هو جانب من الجوانب، وحق من الحقوق، ولابد من مراعاة الأوليات، حتى لا نفقد الأهم بسبب المهم، وفي الأثر: (أعط كل ذي حق حقه)، والأمر هذا ليس بالعسير، وإنما هي إدارة الحياة، ولكل إدارة مهارات، فتعلمي أصولها، واكتسبي مهاراتها، وعليك بالإحسان إلى الخلق، وصلة الرحم، والدعاء في وجه الولد وفي ظهر الغيب، لقد نشأ سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله ضعيفَ الجسم لا تحمله رجلاه، وَلَمْ يستطع المشي إِلَّا بعد بلوغه الثالثة من عمره، وهو في سنه هذه الصغيرة تُوُفِّي أبوه، وكَانَ الأولاد يبتعدون عنه فترحمه أمه، وتعتني به وتكثر الدعاء له، فانظري ماذا صنع الدعاء، صنع الله للأمة ـ بعد فضل الله تعالى ـ إمامًا جليلاً، وداعية كريًما، وشخصية نادرة فذة، بلغت بآثارها مشارق الأرض ومغاربَها، فرددي معي بقلب مخلص: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً).


اللهم اجز أمهاتنا كل خير، على حملهن، وإرضاعهن، وتضحيتهن، وسهرهن، وتوجيههن، وصبرهن، وتربيتهن، وما أنت أعلم به منا من حالهن في تربيتنا وإسعادنا، وارض اللهم عن آبائنا، واجزهم عنا كل خير، وارحم موتانا وموتى المسلمين، يا رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.

---------------------------------------
(1) أصل هذا الموضوع مشاركة في برنامج (اللهم بك أصبحنا) في فقرة (لقاء اليوم) 2/7/1438هـ.
(2) الأبيات للشاعر الإماراتي: كريم معتوق المرزوقي.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

د.فيصل الحليبي

  • مقالات
  • حوار مع القلوب
  • استشارات أسرية
  • كتب دعوية
  • الخطب المنبرية
  • مختارات صوتية
  • الصفحة الرئيسية