بسم الله الرحمن الرحيم

الإجماع


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
= أرجو أن يظل النقاش علميّاً ، ولا داعي للاتهام بالزيغ والضلال إلا عند ثبوت ذلك بالجزم والقطع .
= الأخ asdqw
إذا كنت قد جئت بكلامك من كتب الأصول ، فلم يخرج الأخ أبو محمد عنها في كلامه ، وأظنه جاء بالكلام من كتب الإمام الشوكاني من المتأخرين ، والإمام ابن حزم من المتقدمين !

وقد ردَّ كثير من الأئمة على الإمام الشافعي في استدلاله بالآية { ومن يشاقق الرسول …} ، ومنهم الجويني من أئمة الشافعية .

قال الجويني : فأما الإجماع فقد أسنده معظم العلماء إلى نص الكتاب وذكروا قول الله تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين } الآية وهذا عندنا ليس على رتبة الظاهر فضلاً عن ادعاء منصب النص فيها. أ.هـ " البرهان في أصول الفقه " (1/119).

= وإذا كان الأخ أبو محمد قد طلب بحث هذه المسألة منا فلنبحث بإنصاف وروية فلعل الأمور تتضح لبعض من ظن أنها واضحة ، وتبين لمن ظن أنها مبينة.

= وأقول
1. أمر الله عز وجل عند التنازع بالرجوع إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم { فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول } ، وقال { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله }.
2. ولم يجعل الله تعالى مرجعاً للمسلمين آخر يرجعون إليه .
3. والإجماع : لا يكون إلا بنص من الكتاب والسنة ، فصار المرجع : الكتاب والسنة ، وفائدة الإجماع هنا : هو في فهم النصوص الشرعية ، و لا فهم خير من فهم الصحابة ، ولذلك أرى أن الإجماع المعتبر هو إجماع الصحابة فقط ، وعليه بعض الأئمة مثل داود الظاهري وابن حزم وهو رواية عن أحمد ، وبعض الأئمة – وعليه شيخ الإسلام كما في الواسطية – يرى أن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع القرون الثلاثة .
4. والإجماع إجماعان ، إجماع ظني وإجماع قطعي ، والأول هو الذي يثبت بالبحث والتحري عن أقوال الأئمة ، ويحتاج من مثبته إلى استقراء لكتب الخلاف ، وهو الذي أنكره الإمام أحمد وقال " من ادَّعى الإجماع فقد كذب ، وما يدريه لعل الناس اختلفوا " .

قال ابن القيم : ولم يكن –أي : الإمام أحمد - يقدم على الحديث الصحيح عملاً ولا رأياً ولا قياساً ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسمِّيه كثيرٌ مِن النَّاس إجماعاً!! ويقدمونه على الحديث الصحيح ، وقد كذب أحمد مَن ادَّعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت وكذلك الشافعي أيضاً نصَّ في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه خلاف لا يقال له إجماع، ولفظه ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب مَن ادَّعى الإجماع فهو كاذبٌ لعل الناس اختلفوا ما يدريه ولم ينته إليه ، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المرسى والأصم ولكنه يقول لا نعلم الناس اختلفوا أو لم يبلغني ذلك ، هذا لفظه .

ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلُّ عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده!!. أ.هـ "إعلام الموقعين " (1/30).
والثاني – وهو القطعي - : وهو يكون على الأمور المعلومة بالضرورة ، كتحريم الزنا والقتل ، وكوجوب الصلاة وغيرها .

قال ابن حزم : وإنما ندخل في هذا الكتاب الإجماع التام الذي لا مخالف فيه البتة الذي يعلم ، كما يعلم أن الصبح في الأمن والخوف ركعتان ، وأن شهر رمضان هو الذي بين شوال وشعبان ، وأن الذي في المصاحف هو الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه وحي من الله ، وأن في خمس من الابل شاة ، ونحو ذلك وهي ضرورة تقع في نفس الباحث عن الخبر المشرف على وجوه نقله إذا تتبعها المرء من نفسه في كل ما يمر به من أحوال دنياه وأهل زمانه وجده ثابتاً مستقراً في نفسه . " مراتب الإجماع " (ص16).
5. وفائدة إجماع الصحابة على فهم النصوص ضرورية لحفظ الدين ، كإجماعهم – مثلا – على أن آيات وأحاديث الصفات على ظاهرها ، فعدم وجود حرف واحد عن أحدٍ منهم في التحذير من الأخذ بظاهرها يدل على أنه لا فهم لها إلا بفهمهم . وإجماعهم على عدم اعتبار الذوق والعقل دليلا على إثبات الأحكام الشرعية يرد به على من جعلهما من الأدلة على إثبات الأحكام الشرعية .
6. وأرى أن من أنكر الإجماع – المنقول في كتب الأصول – هو بسبب عدم تصور وقوعه ، وهذا عند التأمل صحيح ، فنحن الآن في قمة التطور في الإتصالات والمواصلات ، ومع ذلك لا نستطيع إثبات إجماع على مسألة معينة ! فكيف بمن كان في القرون الأولى ؟!

قال ابن حزم : وأيضاً فانه لا يجوز لأحد القطع على صحة إجماع أهل عصر ما بعد الصحابة رضي الله عنهم على ما لم يجمع عليه الصحابة بل يكون من قطع بذلك كاذباً بلا شك لأن الأعصار بعد الصحابة رضي الله عنهم من التابعين فمن بعدهم لا يمكن ضبط أقوال جميعهم ولا حصرها لأنهم ملئوا الدنيا ولله الحمد من أقصى السند وخراسان وأرمينية وأذربيجان والجزيرة والشام ومصر وافريقية والأندلس وبلاد البربر واليمن وجزيرة العرب والعراق والأهواز وفارس وكرمان ومكران وسجستان وأردبيل وما بين هذه البلاد ومن الممتنع أن يحيط أحد بقول كل انسان في هذه البلاد .أ.هـ " النبذة الكافية " (ص 20).

والأسباب التي ينفى من أجلها وقوع الإجماع وجيهة مثل : عدم وصول المسألة للعالم – عدم نقل إجابته – توقفه في الإجابة – رؤيته وضوح المسألة وعدم الحاجة لبيانها – خوفه من العامة أو السلطان في إبداء رأيه …الخ .
7. ولذلك كان الإجماع السكوتي ضعيفاً ، ولا يثبت بمثله إجماع .
8. والأدلة التي استدل بها الأئمة لإثبات الإجماع لا تخلو من طعن سواء في الثبوت – كحديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة " – أو في الاستدلال – كقوله تعالى { ومن يشاقق الرسول..} - ، ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الأدلة أدلةً على إثبات دليل شرعي يضاف إلى الكتاب والسنة واللذين ثبتا بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة . أما أن يكون الإجماع على فهم نص وممن يمكن حصر أقوالهم – كالصحابة – فهذا هو الذي يمكن أن يقال .

الأخوة الأفاضل
أرجو أن لا يكون الانتصار للنفس هو القائد في هذه البحوث ، فأنتم من صفوة الناس ، فاضربوا للناس مثلا في التراجع والاستفادة من بعضكم والذل لإخوانكم .

= الأخ as..
1. الحديث الذي نقلته " أقل الحيض ثلاث ...." : حديث ضعيف لا يصح .
انظر : نصب الراية (1/191) ، مجمع الزوائد (1/280) ، العلل المتناهية (1/384،385).
قال شيخ الإسلام رحمه الله : والقول الثالث أصح : أنَّه لا حدَّ لا لأقله ولا لأكثره ، بل ما رأتْه المرأة عادة مستمرَّة فهو حيضٌ.

وقال:
ومن لم يأخذ بهذا بل قدَّر أقل الحيض بيومٍ أو يومٍ وليلة أو ثلاثة أيامٍ ، فليس معه في ذلك مايعتمد عليه ، فإنَّ النقل في ذلك عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه باطل عند أهل العلم بالحديث، والواقع لا ضابط له . " مجموع الفتاوى " (19/ 237-241).

2. لا أظنه يخفى عليك أنه ما من كتاب في الأصول تعرض لقوله تعالى { ومن يشاقق الرسول ..} ، إلا وذكر فيها قول المخالف لهم في الاستدلال بها ، وطرق الرد عليهم .

فما هو حكم أولئك العلماء على المخالفين ؟ وما هي منزلة هذا الاستلال - من حبث الوضوح - الذي جعل الإمام الشافعي يغيب مدة يقرأ القرآن ليبحث عن الدليل ؟ وكيف نقول إنها دليل على أمر ما أنزل الله الآية لأجله و بحثه الصحابة ولا طرق سمعهم ؟ كيف وقد رد بعض العلماء على من استدل بها بأكثر من 12 وجهاً ؟؟

3. أما قولك إنه لم يقل أحد بأن الأدلة الظنية لا يستدل بها على إثبات الأصول : فأظن أنه كلام يحتاج منك إلى تحرير .
قال الصنعاني رحمه الله : وقد تقرر ! أنه لا يثبت هذا الأصل بالأدلة الظنية !! . " إجابة السائل شرح بغية الآمل " (ص143) .
ومقصوده بـ " الأصل " : الإجماع.

4. وحديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة " .
قال الزركشي : طرقه كثيرة و لا تخلو من علة ، إنما يتقوى بعضها ببعض ... . "المعتبر " (ص57).
فما منزلة هذا الأصل الذي يثبت بعد جمع الطرق والشواهد ؟ وما حكم من لم ير حسن هذا الحديث بطرقه وشواهده ؟

5. وأود تذكيرك - والأخوة القراء - بالفرق بين رد الاستدلال بتلك الأدلة ، وبين رد أخبار الأسماء والصفات .
والفرق : أننا لا نسلم أنها أدلة فضلا عن الاستدلال بها ، وأحاديث الصفات ثابتة دليلا واستدلالا ، فهي نصوص في الموضوع أصلا ومن ردها فبعقله أو بجهله.

= وعلى كل حال : فالأمر بحاجة لروية وتأن ، وأود أن أذكرك بأن الاستدلال بكلام أهل الأصول وحده دون أدلة ليس بمستقيم ، لأن جل من كتب فيه هم من أهل البدع كالرازي والغزالي والآمدي ..الخ ، فهم ما بين معتزلي وأشعري وصوفي .

وهم يذكرون أشياء أجزم بأننا نتفق أنهم أخطئوا فيها مثل رد أخبار الآحاد في الاعتقاد.

والله يوفقنا ويحفظنا .
 

كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
أبو طارق