صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فُكُّـوا العـانيَ

 

د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبْعانَ
@dhaferaljebaan

 
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

اللهمَّ اهدِني وسدِّدْني

فُكُّـوا العـانيَ


الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، المحمودِ على كُلِّ حالٍ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خيرِ الأنامِ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

أمَّا بعدُ؛ فإنَّ أعظمَ ما يُبتلَى به العبدُ: كتمُ حُرِّيّتِه، وحبسُ إرادتِه.
والسّجنُ والحبسُ له أشكالٌ وأنواعٌ، ومِن أعظمِه أثرًا على النَّفسِ، وأشدِّه بلاءً على البدنِ: الحبسُ بالسّجنِ، والوضعُ في مكانٍ خالٍ لا أخَ فيه يُؤانِسُ، ولا شريكَ فيه يُواسِي!

بل يكونُ السّجنُ عذابًا أليمًا، وقهرًا مُبِينًا إذا اجتَمَع معَه الظُّلمُ والقهرُ، والتَّسلُّطُ والأذى!!

فهذا نبيُّ اللهِ يوسفُ -عليه السَّلامُ- لمَّا أخذ يُعدِّدُ نِعمَ اللهِ عليه، أثنى على اللهِ بأعظمِ ما امتَنَّ به عليه من النِّعمِ، ومن تلك النِّعمِ قولُه: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [سورة يوسف: 100]، فمعَ أنَّ يوسفَ -عليه السَّلامُ- قد مَرَّ بحبسٍ أخطرَ من السّجنِ أَلَا وهو الجُبُّ الَّذي ألقاه فيه إخوتُه ظلمًا وزُورًا، على صِغرِ سِنٍّ، ومخافةٍ، وجُوعٍ، لكنَّه هنا ذكر السِّجنَ؛ وذلك لحِكَمٍ منها: عِظَمُ أمرِ الحبسِ بالسّجنِ، وألمه على النّفسِ.

ونبيُّنا مُحمَّدٌ  - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قد أدرَك هذا الأمرَ، وعَلِم شِدّةَ ألمِه وعظيمَ أثرِه، فقد جاء عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: «ولو لَبِثتُ في السِّجنِ ما لَبِثَ يُوسُفُ؛ لأَجَبتُ الدَّاعِيَ»، أي أجاب داعيَ الملِكِ لمَّا أَرسَله إلى يوسفَ - عليه السَّلامُ - ليخرجَ لمُقابَلةِ الملِكِ، فلم يُجِبِ الدَّاعيَ حتَّى يتبيّنَ الجميعُ مِن براءتِه، ويَظْهرَ للنَّاسِ نزاهتُه وعِفّتُه، عليه السَّلامُ.

فنبيُّنا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُبيِّنُ لنا أنَّه لو لَبِث ما لَبِث يوسفُ -عليه السَّلامُ- لأَجابَ الدَّاعيَ، ولعجَّل بالخروجِ من السّجنِ، كُلُّ ذلك لعِظمِ أمرِ السّجنِ، وشِدّةِ قهرِه، وبلائِه.

إنَّ المُبادَرةَ بفَكاكِ الأسيرِ طاعةٌ وقربةٌ يُتقرَّبُ بها للرَّبِّ جلَّ وعلا، واستجابةٌ لأمرِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، يقولُ اللهُ تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء: 92]، وقال عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات: 10]، قال القرطبيُّ -رحمه اللهُ تعالى- في تفسيرِ هذه الآيةِ: ({إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} أي في الدِّينِ والحُرمةِ، لا في النَّسَبِ، ولهذا قيل: أُخُوّةُ الدِّينِ أَثبَتُ من أُخُوّةِ النَّسَبِ؛ فإنَّ أُخوّةَ النَّسبِ تنقطعُ بمُخالَفةِ الدِّينِ، وأُخوّةُ الدِّينِ لا تنقطعُ بمُخالَفةِ النَّسبِ) [«الجامع لأحكام القرآن» (16/322)].

وقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ، ولا يَخذُلُهُ، ولا يَحقِرُهُ» [أخرجه مسلمٌ (2564) عن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه].

ويقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في هذا الشَّأنِ: «فُكُّوا العَانِيَ -يَعنِي الأَسِيرَ-، وأَطعِمُوا الجائِعَ، وعُودُوا المَرِيضَ» [أخرجه البخاريُّ (2881)، عن أبي مُوسَى رضي اللهُ عنه].

وعن أبي جُحَيفةَ -رضي اللهُ عنه- قال: قلتُ لعَليٍّ -رضي اللهُ عنه-: هل عِندَكم شيءٌ مِن الوَحيِ إلَّا ما في كتابِ اللهِ؟ قال: (والَّذي فَلَقَ الحَبّةَ، وبَرَأَ النَّسَمةَ؛ ما أَعلَمُه إلَّا فهمًا يُعطِيه اللهُ رجلًا في القرآنِ، وما في هذه الصَّحيفةِ). قلتُ: وما في الصَّحيفةِ؟ قال: (العَقْلُ، وفَكاكُ الأَسِيرِ، وألَّا يُقتَلَ مُسلِمٌ بكافرٍ) [أخرجه البخاريُّ (3059)].

ففَكاكُ الأسيرِ، والمُسارَعةُ في نجدتِه، والحرصُ على الوقوفِ معَه، وبذلُ كُلِّ مجهودٍ لتخليصِه من الأَسْرِ = ممَّا أمر به الشَّارعُ الحكيمُ، فنصرتُه والسَّعيُ إلى فَكاكِه واجبٌ شرعيٌّ على الكفايةِ.

والأسيرُ المسلمُ لا يخلو حالُه إمَّا أن يكونَ أسيرًا عندَ الكُفّارِ، أو أن يكونَ أسرُه عندَ المسلمينَ. فإن كان عندَ الكُفّارِ -كما في مُعتقَلِ الظُّلمِ والطُّغيانِ (جُوانْتانامُو)، وغيرِه- فيجبُ مُفاوَضةُ الكُفّارِ على إخراجِه، والجِدُّ في نصرتِه، فإن أَبَوْا إخراجَه بالمُفاوَضةِ فإنَّهم يُقاتَلُون، فإن عجز المسلمون عن القتالِ، وجب عليهم الفِداءُ بالمالِ، ولا يَدَّخِروا حِيلةً في نصرتِه.

ولقد شرع النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- للأُمّةِ فداءَ الأَسْرَى، فعن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ -رضي اللهُ عنه-، أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فادَى رجلًا برجلينِ. [أخرجه الدَّارِميُّ 2/295، والشَّافعيُّ في «مُسنَدِه» ص323].

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ -رحمه اللهُ تعالى-: (فَكاكُ الأُسارَى مِن أعظمِ الواجباتِ، وبذلُ المالِ الموقوفِ وغيرِه في ذلك من أعظمِ القُرباتِ) [«مجموع الفتاوَى» (28/642)].

وإن كان الأسيرُ في بلادِ المسلمين؛ فإنَّه على حالينِ:

الأُولَى: مَن كان على مَظلَمةٍ اقتَرَفْتها يداه، وجُرمٍ جناه، فإنَّ السَّعيَ في فَكاكِه ظلمٌ وبهتانٌ، فلا يجوزُ فَكاكُه إلَّا بعدَ إقامةِ حُكمِ اللهِ فيه، معَ مُراعاةِ المصالحِ الشَّرعيَّةِ، والمقاصدِ المرعيّةِ، ويكونُ فَكاكُه بعدَ إسداءِ النُّصحِ له واستصلاحِه، فإذا أُقِيم حكمُ اللهِ فيه، وتمَّ استصلاحُه؛ فلا يجوزُ بعدَ ذلك بحالٍ قهرُه بالحبسِ، وإهانتُه وإذلالُه به، وإن حدث ذلك فهو إذًا نوعٌ من الظُّلمِ الَّذي لا يجوزُ فعلُه، ولا السُّكوتُ عليه.

الثَّانيةُ: مَن سُجِن بغيرِ حَقٍّ، ولا مظلمةٍ اقتَرَفَها، بل لشُبهةٍ بان خِلافُها، أو مظلمةٍ اتَّضح سلامتُه منها، فإنَّ إبقاءَه في حبسِه ظلمٌ وأيُّ ظلمٍ، وجرمٌ وأيُّ جرمٍ، بل يجبُ على جميعِ المسلمين السَّعيُ في فَكاكِه، والعملُ على إخراجِه.

وفي هذا المقامِ أُوجِّهُ عِدّةَ رسائلَ:

الرسالة الأُولَى:
لكُلِّ مَن ولَّاه اللهُ ولايةً دينيّةً أو دُنيويّةً، وأجرى على يديه حفظًا للحقوقِ، أو دفعًا للمظالمِ: فعليه أن يتَّقيَ اللهَ ويُشارِكَ في فَكاكِ الأسيرِ، ونُصرةِ العاني، ويَتقرَّبَ بذلك إلى الباري؛ فإنَّ تنفيسَ الكُروبِ عن المسلمِ من أعظمِ ما يَتقرَّبُ به العبدُ إلى اللهِ، وكذلك جمعُه بأهلِه وولدِه من القرباتِ العِظامِ، ورد عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: «مَن أُذِلَّ عِندَهُ مُؤمِنٌ فلم يَنصُرْهُ وهو يَقدِرُ على أن يَنصُرَهُ؛ أَذَلَّهُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- على رُؤوسِ الخلائقِ يومَ القِيامةِ» [أخرجه أحمدُ 3/487، وعنه الطَّبرانيُّ في «الكبيرِ» 6/73، عن سهلِ بنِ سعدٍ رضي اللهُ عنه].

وهنا أذكُر مثالينِ لمَن ولَّاه اللهُ ولايةً دينيّةً، وأخرى دنيويّةً، فاستعملهما في نُصرةِ المظلومِ، والتَّخفيفِ عن المكروبِ، وفَكِّ العاني، وإعانةِ الأسيرِ المظلومِ:


فالأوّلُ لشيخِ الإسلامِ ابنِ تيميّةَ -رحمه اللهُ تعالى-:
فقد أَرسَل لحاكمِ قُبْرُصَ رسالةً طويلةً يستعطفُه في أَسْرَى المسلمينَ الَّذين في بلادِه، ويَستحِثُّه على إخراجِهم من أَسْرِهم، وإعادتِهم إلى بلادِهم. وأنقلُ مقطعًا يسيرًا من تلك الرِّسالةِ الصَّادقةِ من ذلكم العالمِ النَّاصحِ المُخلِصِ، يقولُ -رحمه اللهُ تعالى- فيها: (ومِن العجبِ كُلّ العجبِ أن يأسرَ النَّصارى قومًا غدرًا أو غيرَ غدرٍ ولم يُقاتِلوهم، والمسيحُ يقولُ: "مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأيمنِ فأَدِرْ له خَدَّكَ الأيسرَ، ومَن أخذ رِداءَكَ فأَعطِهِ قميصَكَ"؟! وكُلَّما كَثُرت الأسرى عندَكم كان أعظمَ لغضبِ اللهِ تعالى، وغضبِ عبادِه المسلمينَ، فكيف يُمكِنُ السُّكوتُ على أسرى المسلمين في قُبرصَ؟! سِيَّما وعامّةُ هؤلاءِ الأسرى قومٌ فقراءُ وضعفاءُ، ليس لهم مَن يسعى فيهم ...) [«الفتاوى» (28/625)].

الثَّاني لأبي جعفرٍ المنصورِ:
فعندما عاد مِن بعضِ غزواتِه، لقيته امرأةٌ وقالت له: يا منصورُ، استَمِعْ ندائي، أنتَ في طيبِ عيشٍ وأنا في بُكائي. فسألَها عن مُصيبتِها الَّتي عمَّتْها وغَمَّتْها، فذكرتْ له أنَّ لها ابنًا أسيرًا في بلادٍ سَمَّتْها، وأنَّها لا يهنأُ عيشُها لفقدِه، ولا يخبو ضرامُ قلقِها من وَقْدِه، وأنشد لسانُ حالِها ذلك الملكَ العليَّ:

 * أَيَا وَيْحَ الشَّجِيِّ مِنَ الخَلِيّ *

فرحَّب المنصورُ بها، وأظهَر الرِّقّةَ بسببِها، وخرج من القابلةِ إلى تلك المدينةِ الَّتي فيها ابنُها، وجاس أقطارَها وتَخلَّلها، حتَّى دَوَّخَها إذ أناخ عليها بكَلْكَلِه وذلَّلها، وأعراها من حُماتِها وببنودِ الإسلامِ المنصورةِ ظلَّلها، وخلَّص جميعَ مَن فيه مِن الأسرى، وجلبتْ عواملُه إلى قلوبِ الكَفَرةِ كسرًا، وانقَلَبت عيونُ الأعداءِ حَسْرَى) [«نَفْح الطِّيب» (1/597)].

الرِّسالةُ الثَّانيةُ:
لكُلِّ مَن تَسلَّط على عبادِ اللهِ بالظُّلمِ والقهرِ، وسَلَب حُرِّيَّاتِهم وحقوقَهم، فَلْيَعلَمْ أنَّ اللهَ له بالمرصادِ، وإن نجا من عقوبةِ اللهِ له في الدُّنيا، فعندَ اللهِ تجتمعُ الخصومُ، وعندَ ذلك يُؤخَذُ للضَّعيفِ ممَّن سلبه إرادتَه وحقَّه، يقولُ الحقُّ العليمُ: {ولا تَحسَبَنَّ اللهَ غافِلًا عَمَّا يَعمَلُ الظَّالِمُونَ إنَّما يُؤخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشخَصُ فِيهِ الأَبْصارُ} [ سورة إبراهيم: 42].

وهنا أُذكِّرُ كُلَّ ظالمٍ مُتجبِّرٍ، ومُتسلِّطٍ مُعانِدٍ، وأقولُ له: لقد جعل اللهُ لكم في كُلٍّ مِن: (حبيب العادلي)، و(أحمد عِزّ) عِبرةً وعِظةً، فالأوّلُ ضيَّق على النَّاسِ في دينِهم وحُرِّيَّاتِهم، والآخَرُ سَلَب أموالَهم وضيَّق عليهم في معاشِهم، فأَذَلَّهما اللهُ بعدَ عِزٍّ، وأهانهما بعدَ رِفعةٍ، {وَمَن يُهِنِ اللهُ فما لهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ} [سورة الحجّ: 18].

واعْلَمُوا -أيُّها الظَّلمةُ- أنَّ دعوةَ المظلومِ ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ؛ فاتَّقُوا دعوةَ المظلومِ، فكَمْ مِن ظالمٍ صُرِع لا يَعلَمُ ما سببُ مصرعِه، لكنَّها دعواتٌ تُرفَعُ، ورَبٌّ يسمعُ، يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لمُعاذِ بنِ جبلٍ لمَّا بعثه إلى اليمنِ: «اتَّقِ دَعْوةَ المَظلُومِ؛ فإِنَّها ليس بينَها وبينَ اللهِ حِجابٌ» [أخرجه البخاريُّ (1425)، ومسلمٌ (19) عن ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما].

الرِّسالةُ الثَّالثةُ: للمقهورينَ، والصَّابرينَ المُبتلَيْنَ، إلى المحبوسينَ المُعتقَلِينَ، أقولُ لهم: اصبِرُوا واحتَسِبُوا الأجرَ من اللهِ، واعْلَمُوا {إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسرًا} [سورة الشَّرح: 6]، وأنَّ اللَّيلَ وإن اشتدَّت ظُلمتُه فبعدَه فجرٌ صادقٌ وحقٌّ ظاهرٌ، واعْلَمُوا أنَّ رحمةَ اللهِ بعبادِه عظيمةٌ، فإنَّ اللهَ يُنزِلُ من المعونةِ على قدرِ البلاءِ، كما قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «إنَّ المَعُونةَ تأتي مِن اللهِ على قَدْرِ المَؤُونةِ، وإنَّ الصَّبرَ يأتي مِن اللهِ على قَدْرِ البَلاءِ» [رواه البزّارُ ص156، عن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه، وحسَّنه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الصَّحيحةِ» (1664)]، وهذه مِن رحمةِ اللهِ بكُلِّ مُبتلًى.

واعْلَمُوا أنَّ اللهَ قد يَبتلِي العبدَ بالمصائبِ والبلايا، كُلُّ ذلك لِيُكفِّرَ عنه من سيِّئاتِه، ويرفعَ من درجاتِه، فيكونُ له عندَ اللهِ بهذا البلاءِ فضلٌ عظيمٌ، ودرجةٌ رفيعةٌ.

وعليكم أن تُدرِكوا أنَّ هذه الشَّدائدَ الَّتي تعتري المسلمَ هي -بلا شكٍّ- خيرٌ له في الحقيقةِ، يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «
عَجَبًا لِأَمْرِ المُؤمِنِ! إنَّ أمرَه كُلَّه خيرٌ، وليس ذاكَ لأحدٍ إلَّا للمُؤمِنِ: إنْ أصابَتْه سَرَّاءُ شَكَرَ فكانَ خيرًا له، وإِنْ أصابَتْه ضَرَّاءُ صَبَرَ فكانَ خيرًا له» [أخرجه مسلمٌ (2999) عن صُهَيبٍ رضي اللهُ عنه].

وأُوصِيكم بأن تجعلوا السِّجنَ مكانًا لمُراجَعةِ الذَّاتِ، ومُحاسَبةِ النَّفسِ، فمَن كان أَخطَأ فَلْيُحاسِبْ نفسَه ولْيُعجِّلْ في الرُّجوعِ، ومَن كان مظلومًا فلن يُضيِّعَه اللهُ. 

الرِّسالةُ الرَّابعةُ: وهذه الرِّسالةُ لكُلِّ مسلمٍ يستشعرُ معنى الأُخوّةِ الإسلاميَّةِ، ويستشعرُ كذلك واجبَ نُصرةِ المسلمِ، وفَرْضِيّةَ عدمِ خذلانِه، فأُوصِيكم بتخصيصِ الدُّعاءِ لهم، وبذلِ الإحسانِ إلى أهلِهم، واستخلافِهم فيهم بخيرٍ.

ولقد كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يخصُّ الأسرى والمُستضعَفِينَ بالدُّعاءِ، فقد كان ديدنُه في صلاتِه إذا رفع رأسَه من الرَّكعةِ الأخيرةِ يقولُ: «
اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بنَ أبي رَبِيعةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمةَ بنَ هِشامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بنَ الوليدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُستضعَفِينَ مِن المُؤمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ على مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْها سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» [أخرجه البخاريُّ (771)، ومسلمٌ (675) عن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه].

خِتامًا ..
أسألُ مَن بيدِه مقاليدُ الأمورِ وتصاريفُ الدُّهورِ: أن يجعلَ لكُلِّ مظلومٍ فرجًا، ولكلِّ مكروبٍ مخرجًا، وأن يُعافِيَ كُلَّ مُبتلًى، وأن يَفُكَّ أَسْرَ المأسورين من المسلمينَ، وأن يربطَ على قلوبِهم، وأن يُثبِّتَهم؛ إنَّه سميعٌ مجيبٌ.


الفقيرُ إلى عفوِ سيِّده ومولاه
د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلِ جَبْعانَ

www.aljebaan.com
الأربعاء 3/5/1432هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ظَافِرُ آل جَبْعَان
  • الفوائد القرآنية والتجويدية
  • الكتب والبحوث
  • المسائل العلمية
  • سلسلة التراجم والسير
  • سلسلة الفوائد الحديثية
  • المقالات
  • منبر الجمعة
  • الصفحة الرئيسية