صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مسألة: هل للعزاء مدة محددة؟

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذه المسألة قد اخْتَلَف العلماء فيها على قولين:
القول الأول:
قيل ثلاثة أيام بعد الدفن على التحديد(1)، وتكره التعزية بعد ثلاثة أيام على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء(2).
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -:( قال أصحابنا: وتكره التعزية بعد ثلاثة أيام، لأن التعزية لتسكين قلب المصاب، والغالب أنَّ سكون قلبه بعد الثلاثة، فلا يجدد له الحزن، هكذا قال الجماهير من أصحابنا)(3).
وقال ابن مفلح - رحمه الله تعالى -:(وحدها في "المستوعب": إلى ثلاثة أيام، وذكر ابن شهاب والآمدي وأبو الفرج: يكره بعدها لتهييج الحزن، واستثنى أبو المعالي إذا كان غائباً، فلا بأس بها إذا حضر)(4).
وقال ابن عابدين - رحمه الله تعالى -:( الجلوس في المصيبة للرجال ثلاثة أيام جاءت الرخصة فيه)(5).
وقال الشيخ البهوتي - رحمه الله تعالى -:(وتكون التعزية إلى ثلاث ليال بأيامها)(6).
وقال الشيخ محمد بن عارف خوقير المكي - رحمه الله تعالى -: (وتسن تعزية المصاب بالميت إلى ثلاث، وقول ما ورد)(7).
وقال الشيخ ابن ضويان - رحمه الله تعالى -:(ويسن تعزية المسلم إلى ثلاثة أيام بلياليهن؛ لأنها مدة الإحداد المطلق)(8).
 
وقال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى -: بعد إيراد مسألة: هل يجوز أن يحد على الميت بأن: يترك تجارته أو ثياب الزينة، أو الخروج للنزهة، أو ما أشبه ذلك؟
 
الجواب:(أن هذا جائز في حدود ثلاثة أيام فأقل، إلا الزوجة، فإنه يجب عليها أن تحد مدة أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملاً، و إلا إلى وضع الحمل إن كانت حاملاً، وإنما جاز هذا الإحداد لغير الزوجة لإعطاء النفوس بعض الشيء مما يهون عليها المصيبة؛ لأن الإنسان إذا أصيب بمصيبة ثم كبت، بأن يقال أخرج وكن على ما أنت عليه، فإنه ربما تبقى المصيبة في قلبه، ولهذا يقال: إن من جملة الأدب والتربية بالنسبة للصبيان أنه إذا أراد أن يبكي أن يترك يبكي مدة قصيرة من أجل أن يرتاح، لأنه يخرج ما في قلبه، ولكن لو أسكته صار عنده كبت وانقباض نفسي)(9).
 
وقال الشيخ وهبة الزحيلي:( وتكون إلى ثلاث ليال بأيامها، وتكره بعدها إلا لغائب، حتى لا يجدد الحزن)(10).
 
القول الثاني:

قالت طائفة من أصحاب الشافعي(11)، وأحمد(12) أنها لا تحد بثلاثة أيام، وأنه لا أمد للتعزية، بل تبقى بعد الثلاثة أيام وإن طال الزمان، فإن الغرض من التعزية الدعاء، وحمل النفس على الصبر، وهذا رأى شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه ابن مفلح(13).

ونقل الإمام النووي - رحمه الله تعالى -:( عن إمام الحرمين- وجهاً- أنه لا أمد للتعزية، بل يبقى بعد ثلاثة أيام وإن طال الزمان، لأن الغرض الدعاء، والحمل على الصبر، والنهي عن الجزع، وذلك يحصل مع طول الزمان)( 14).
 
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله تعالى -:(العزاء ليس له أيام محدودة، بل يشرع من حين خروج الروح قبل الصلاة على الميت وبعدها، وليس لغايته حدٌّ في الشرع المطهر سواء كان ذلك ليلاً أو نهاراً، وسواءً كان ذلك في البيت، أو في الطرق، أو في المسجد، أو في المقبرة أو غير ذلك من الأماكن)( 15).
 
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله تعالى -: ( ولا تحد التعزية بثلاثة أيام لا يتجاوزها، بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها)( 16).
 
وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بهذا؛ فكانت الفتوى كالتالي:( وليس للتعزية وقت محدد، ولا مكان محدد)( 17).
 
الراجح من القولين:

القول الثاني أن مدة التعزية لا تحد بثلاثة أيام، لأنه ليس في المسألة دليل صريح، وإنما تمسك من يحدها بثلاثة أيام بأمرين:
أحدهما: أن المقصود من التعزية تسلية قلب المصاب، والغالب أن يسكن بعد ثلاثة أيام، فلا ينبغي تجديد حزنه بالتعزية بعدها.
الثاني: أن الشارع أذن في الإحداد ثلاثة أيام، فيجب أن تكون التعزية كذلك، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً"(18).
 
والجواب عن هذين الأمرين:

 1ـ أن التعزية وردت في الشرع مطلقة، فلم يجز لأحد تقييدها بالرأي، ثم إن المصاب لا يسلو بعد ثلاثة أيام ولا عشرة، ولو سُلِّم ذلك فليست التعزية مقصورة على التسلية، بل من مقاصدها إشعار المصاب بوقوف الناس معه، وهذا من أسمى مقاصد الشريعة، لما فيه من جمع القلوب، بحيث يصير الناس كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد(19).
2ـ وأما الإحداد فهو تعبير عن الحزن، فلا ينبغي أن يدوم أكثر من ثلاثة أيام على غير زوج، بخلاف التعزية التي هي تسلية، فإن اللائق أن يكون مدارها على موجبها، فمتى وجد المصاب حزيناً شرع لمن لم يعزه أن يعزيه، سواء كان ذلك في الأيام الثلاثة أو بعدها، فليس فيما ذكروا متمسك، وإنما الأعدل حمل الأدلة على عمومها وإطلاقها، فإن الغرض من التعزية الدعاء، والحمل على الصبر، والنهي عن الجزع، وهذا يحصل مع طول الزمان.

إذن تحديد مدة العزاء لا أصل له من السنة، فالسنة ليس فيها دليل صريح يدل على أن مدة العزاء محددة بمدة معينه، بل مدة العزاء بحسب من يأتي، فإذا كان الناس يأتون في يوم واحد فينتهي العزاء بنهايته، وكذلك يومين أو ثلاثة أو أكثر وهكذا، وإذا كان غالب أحوال الناس أنهم في ثلاثة أيام ينتهون فعلى ما انتهوا إليه، ولمن لم يدرك تلك الأيام له أن يعزي ولو بعد ثلاثة أيام، إلا إذا حصل تجديد الحزن فيكره ذلك، لكن لا أصل لتحديد هذه المدة في الشرع.
والله تعالى أعلم وأحكم
 

0وكتب:
 ظَافِرُ بْنُ حَسَن آل جَبْعَان
خميس مشيط - تندحة المحروسة
dhaferhasan@gmail.com
 

-----------------------------------------------
(1) قاله الشيخ أبو محمد الجويني، كما نقله عنه الإمام النووي كما في المجموع (5/277).
(2) البناية في شرح الهداية للعيني (3/304)، رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) (3/139)، شرح منح الجليل(1/300)، المجموع شرح المهذب (5/306)، مغني المحتاج(1/355)، الإنصاف (2/564)، كشاف القناع (2/160).
(3) الأذكار (ص: 159).
(4) المبدع (2/286).
(5) حاشية ابن عابدين (3/139).
(6) كشاف القناع (2/160).
(7) مختصر في فقه الإمام المبجل والحبر المفضل أحمد بن حنبل (ص:65).
(8) منار السبيل(1/248).
(9) الشرح الممتع (5/491-492).
(10) الفقه الإسلامي وأدلته(2/543).
(11) المجموع (5/277-278).
(12)الفروع(2/228)، الإنصاف (2/564).
(13) الفروع(2/228).
(14) المجموع (5/ 277-278).
(15)  مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/379).
(16) أحكام الجنائز (ص:209).
(17) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(9/134).
(18) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق: باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة(2/112برقم:1491).
(19) إشارة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه أحمد (4/270)، وأخرجه البخاري في كتاب الآداب: باب رحمة الناس والبهائم(فتح12/50برقم:6011)، وأخرجه مسلم في كتاب البر والآداب الصلة: باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم(4/1999برقم:2586) واللفظ له.
 


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ظَافِرُ آل جَبْعَان
  • الفوائد القرآنية والتجويدية
  • الكتب والبحوث
  • المسائل العلمية
  • سلسلة التراجم والسير
  • سلسلة الفوائد الحديثية
  • المقالات
  • منبر الجمعة
  • الصفحة الرئيسية