صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الحب بين الوقاية والعلاج (1)

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
الحبُّ نوع من أنواع التعلُّقات بالآخر وهو بالتعريف: ميل القلب لشيءٍ مُحَبَّبٌ للنفس، حيث يتعلق القلب بمحبوب آخر فينشأ عن ذلك لواعج في الصدر وحرقة في القلب تؤدّي إلى اضطرابٍ في التصرفات وشرود ذهني وغرق في أحلام اليقظة، ويكثر المحبون من قرض الشعر وقول الحِكم المختلفة ليعبّروا عما في قلوبهم من أسى ولوعة وشوق وحنين.
من هذه التعلقات:
1-تعلق شابٍ بشاب:
قد يمر الإنسان في حياته على كثير من الأشخاص فتراه يأنس بشخص دون آخر وربما زاد هذا الأنس ليتحوّل إلى تعلق مذموم؛ وهو نوع من النقص الذي يعتري الإنسان، وربما ساقه هذا التعلق إلى تصرفات غريبة تزعج أخاه الذي أحبه.

والإسلام أكد على وجود مثل هذه العلاقة السامية بين بعض الأخوة وجعل لها ضوابط شرعية ولم يتركها دون توضيح وتحديد؛ بل وضّح لها الطريق وصعّدها ليستفيد منها فيما ينفع الطرفين في الدنيا والآخرة، واتخذ لذلك خطوات عدة:

أولاً - الإصرار على أن يكون الحب لله فقط:
وفي ذلك جاء الحديث الشريف عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عَن النَّبِيِّ e قَالَ:
«ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَن يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَن يَكرَهَ أَن يَعُودَ فِي الكُفرِ كَمَا يَكرَهُ أَن يُقذَفَ فِي النَّارِ». (متفق عليه).
والإصرار على أن يكون الحب لله مهمٌّ جداً لأنّ الحب عندما يكون لمصلحة فإنّه ينتهي بانتهاء المصلحة، ومن خطورة حب المصلحة أنّه يتحول إلى عداوة حقيقية إذا لم تتحقق المصلحة، وأوضح مثال على ذلك أنّ امراة العزيز تحول شغفها بيوسف عليه السلام إلى حقد عندما لم يتحقق مطلبها منه قال تعالى: )ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين(.(يوسف)
ثانياً -إخباره بأنّه يحبه:
لا بدَّ إن أحب إنسانٌ أخاه أن يصرِّح له عن هذه المحبة؛ فعَن المِقدَامِ بنِ مَعدِي كَرِبَ عَن النَّبِيِّ e قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَليُخبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» (أبو داود 4459).
ثالثاً- أن يزوره في بيته:
ففي رواية الإمام أحمد: فليأته منزله وليخبره بذلك؛ فعن أبي ذَرٍّ سَمِعَتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ: «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَليَأتِهِ فِي مَنزِلِهِ فَليُخبِرهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ» (أحمد)
وفي هذا الإخبار بالمحبة فوائد عديدة :
1- لأنّ في الإخبار بذلك استمالة قلبه واستجلاب زيادة المحبة.
2- وفيها الحثُّ على التودُّد والتألف، وذلك أنّه إذا أخبره أنّه يحبه استمال بذلك قلبه واجتلب به وده.
3- وفيه أنّه إذا علم أنّه محب له ووادٌّ له قبل نصيحته ولم يرد عليه قوله في عيب إن أخبره به عن نفسه أو سقطة إن كانت منه وإذا لم يعلم ذلك منه لم يؤمن أن يسوء ظنّه فيه فلا يقبل منه قوله، ويحمل ذلك منه على العداوة والشنآن انتهى.(عون المعبود بشرح سنن أبي داود).
4- بالإضافة أنّه إذا ظهر من المحبّ بعض التصرفات التي تزعج الأخ المحبوب أن يتجاوز له عنها ويحملها على زيادة الحرص والخوف عليه.

وفي هذه الزيارة لبيت الأخ المحبوب فوائد عديدة منها:

1- الدخول تحت باب المتزاورين في الله:
عَن أَبِي إِدريسَ الخَولَانِيِّ قَالَ: قلت لمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلتُ: آللَّهِ. فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلتُ: آللَّهِ. فَأَخَذَ بِحُبوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيهِ وَقَالَ: أَبشِرْ فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ» (أحمد)
2- المشي إلى الأخ في بيته يعني بذل الجهد والوقت وهذا أدعى لإظهار المحبة:
عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَن النَّبِيِّ e: «أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيهِ قَالَ أَينَ تُرِيدُ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ القَريَةِ قَالَ: هَل لَكَ عَلَيهِ مِن نِعمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا غَيرَ أَنِّي أَحبَبتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَد أَحَبَّكَ كَمَا أَحبَبتَهُ فِيهِ» (مسلم 4656)
رابعاً- تصعيد هذا الحبّ:
بحيث يتشكل من هذا الحب ثنائية رائعة في عمل الخير وتوظيف هذه الثنائية في مجالات متنوعة كطلب العلم ومدارسته وتوزيع الصدقات وغير ذلك، ومن أمثلة ذلك ما كان يفعله عمر رضي الله عنه مع صاحبه الأنصاري في تعلم الوحي من رسول الله e فعَن عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِن الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بنِ زَيدٍ وَهِيَ مِن عَوَالِي المَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ e يَنزِلُ يَومًا وَأَنزِلُ يَومًا فَإِذَا نَزَلتُ جِئتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَومِ مِن الوَحيِ وَغَيرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثلَ ذَلِكَ (متفق عليه)
وإذا لم يفعل الطرفان ذلك فإنهما سيقعان في مآزق متعددة وربما لا تنتهي إلاّ بالشقاق والآلام.
خامساً- عدم الإكثار من العتاب وخاصة في نشاطات الحياة المختلفة التي تختلف الرؤى حولها.

إذا كنت في كل الأمور معاتباً  *** صديقَكَ لن تلق الذي لا تعاتبه


وما يقال للشاب يقال للفتاة إذا تعلقت بفتاة مثلها فلا بدَّ أن تخبرها وأن تزورها وأن يشكلان مع بعضهما ثنائية رائعة في فعل الخير.

إضاءة:
حاول الغرب أن يحوّل هذه التعلقات التي تحصل بين الفتيات مع بعضهم والتي تحصل بين الشبان فيما بينهم تحوُّلاً مشيناً وأن ينْزلوا بها إلى الحضيض ويحوّلونها إلى علاقاتٍ شاذة لا يرضى عنها الإسلام، بينما صعَّدها الإسلام لتكون قوة أخوية كبيرة لها دورها الفعال في المجتمع.وللحديث بقية إن شاء الله تعالى


الحب بين الوقاية والعلاج (2)

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية