صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







محــاولات في الـفـهـم
3- الحـــج

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

الحج ركن من أركان الإسلام , جعله الله فريضة على كل مسلم مستطيع مرة في العمر , يقلب المسلم فيها أنظاره في أماكن نزول الوحي , ويمتع بصره بجبل أحد والكعبة المشرفة ويستذكر ذلك النبي العظيم عليه السلام كيف هاجر من مكة إلى المدينة شريدا وحيدا ثم عاد ومعه الآلاف من المؤمنين لينشر الخير بعد ذلك على العالم كله .

يقف الحاج على جبل الصفا فيتذكر جهر النبي بدعوته وكيف رد عليه ذلك المتبوب بقوله ألذلك جمعتنا فيستشعر عند هذا المكان نزول قوله تعالى : " تبت يدا أبي لهب وتب * ماأغنى عنه ماله وماكسب* سيصلى نارا ذات لهب *وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد "

ويقف عند جبل أحد ويزور شهداء المعركة الخالدة ويستذكر أسد الله وأسد رسوله حمزة , ويدخل البقيع فيسلم على أصحاب رسول الله ويستذكر من خلاله رحلة قرون من الدعوة
ويطوف بالكعبة المشرفة فيتذكر أول ما يتذكر أبا الأنبياء ابراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام وكيف رفعا القواعد من البيت ويقرأ قوله تعالى : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم "
ويتذكر عندما يطوف كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمل في الأشواط الأربعة الأولى ويهرول بين الميلين الأخضرين ويقبل الحجرالأسود فيفعل كل ذلك لا يعرف لماذا إلا اقتداءا بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام
ويدخل المدينة المنورة مغتسلا متطبيا احتفاء بزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسلما على النبي الكريم الذي طالما حلم برؤيته والقرب منه, ويسلم على الصاحبين الكريمين بكل أدب وخشوع أبي بكر وعمر.

كل ذلك وغيره من مناسك الحج وآداب الزيارة التي تضفي على القلب خشوعا وحضورا يجعلان المسلم في حالة استذاكار دائم لهذه اللحظات التي يعود المسلم فيها كيوم ولدته أمه .

مع كل هذه الشحونات العاطفية والاستذكارية ربما نجد كثيرا من المسلمين الذي قصدوا المسجد الحرام لايتحقق في أنفسهم آثار الحج العظيمة ولا يتغيرون تغيرا لافتا بعد الحج بحيث يصبحون أكثر تمسكا والتزاما بكتاب الله عزوجل وما ذلك- في نظرنا - إلا لأنهم قصدوا البيت الحرام والمسجد النبوي ولم يفهموا في أنفسهم غاية الحج ومقصده
لذلك كان لابد من نظرة أخرى للحج بحيث نفهمه فهما بسيطا وعميقا ويترك أثره في قلوبنا بعد عودتنا من الديار المقدسة

فكيف يجب أن نفهم الحج :
1- يجب أن نفهم الحج بطريقة " أن الله أذن لك ولم يأذن لغيرك " :
فعندما يفكر الحاج بهذه الطريقة يشعر بأنه في نعمة عظيمة يغبنه عليها كثير من المسلمين
فكم من مريض لا يستطيع الذهاب إلى الحج , وكم امرأة لا تجد محرما , وكم من فقير لا يجد نفقة الحج وقلبه يتقلب شوقا لهذه الزيارة وكم من سجين وكم من أسير وكم وكم ...
فعندما ينظر الحاج إلى حجه بهذه الطريقة يستشعر مقدار النعمة التي هو فيها أن دعاه الله إلى بيته وسهل له كل السبل من صحة ومال ودابة .
وليس فقط المسلمون يغبطونه على حجه هذا بل إن كثيرا من المشركين يودون أن يدخلوا إلى هذين الحرمين الذين حرمهما الله على الكافرين وأهل الكتاب " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " فهو في نعمة مغبوطة ومحسودة فليستشعر هذا في قلبه فهو أدعى لأن يؤدي شكر الله عليها

2- يجب أن نفهم الحج على أنه " دورة في الاستسلام المطلق لأحكام الله سبحانه " :
فالإسلام بأصل معناه اللغوي هو الاستسلام , وكل عبادات الإسلام على مافيها من فوائد ظاهرة للعيان إلا أنها في حقيقتها وكنهها استسلام مطلق لأوامر الله عز و جل , ومن هذه العبادات الحج حيث يطوف الطائف حول البيت ولا يعرف كنه هذا الطواف , ويصعد الحاج على جبل الرحمة حتى مغيب الشمس ولا يدري لماذا ؟ وينفر النفرة الكبرى ويجمع الحصى من مزدلفة ثم يرمي الجمار الثلاثة ولا يدري لماذا ؟ ويسعى بين الصفا والمروة حتى إذا وصل إلى الميلين الأخضرين هرول وأسرع ثم بعد كل هذه الأفعال يسأل نفسه لماذا أفعال كل هذه الفعال ؟
ما الفائدة من أن أرمي الجمار وما الفائدة أن أهرول هنا وأسعى هنا ؟
فيأتيه الجواب هكذا أمر الله وأمر رسوله وما عليك إلا أن تقول كما قال الصحابة الكرام :
" سمعنا واطعنا "
فيتدرب على هذه الطاعة وتسعد بها نفسه , ويستقر بها قلبه, ويأخذها معه إلى بلده لبقول عند كل أمر لله سمعنا وأطعنا .

3- يجب أن نفهم الحج علىأنه " فرصة انطلاقة متجددة للمسلمين " :
حيث يراهن العالم كله على تفرق المسلمين وشرذمتهم بل هم يحاولون تفريقه وتمزيقه مصداقا لقول الله تعالى " ولا يزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " البقرة
وهذه هي العداوة الحقيقية والمحرك الحقيقي لعداوة المسلمين في كل العصور وكل الأمكنة , ومع كل المحاولات المختلفة لمنع اجتماع المسلمين وتوحدهم يأتي الحج ليجمع المؤمنين من أمة الإسلام من مختلف البقاع مختلف الألوان ومختلف اللغات وهو منظر وموقف يقصم ظهور الأعداء حيث ينظرون إلى اجتماع المسلمين في مكان واحد , يعبدون ربا واحدا ويلبسون لباسا واحدا قلوبهم خاشعة وألسنتهم داعية يسألون ولا يملون ويطلبون ولا يحرمون وكيف لا يقصم هذا الاجتماع ظهور أعدائنا وقد قصم الله في هذا اليوم ظهر إبليس اللعين فجعله في صغار حيث روى الإمام مالك في موطئه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أري يوم بدر " قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال : " أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة " رواه مالك
وما يجعل إبليس في صغار يجعل أعوانه ورجالاته!!
فهذا الاجتماع في البيت الحرام نقطة متجددة وفرصة سانحة للمسلمين ليوحدوا صفوفهم ويلتمسوا الطريق الصحيح والسليم وسيأتي اليوم الذي يدرك فيه المسلمون أهمية هذه الفرصة السانحة لوحدتهم والتي تتكرر في كل عام مرة واحدة .

4-يجب أن نفهم الحج على أنه " فرصة لتوسيع المعارف " :
حيث إن التعارف مقصود بحد ذاته قصده الله في قرآنه حيث قال تعالى: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم " الحجرات
فالتعارف له دوره الإيجابي والكبير في حياة المسلم فهو يوسع المدارك ,ويصقل المعارف ,وينقل الخبرات .
وإننا لنستغرب من أشخاص يذهبون ويرجعون من بيت الله الحرام ولا يوسعون دائرة معارفهم مع إخوانهم في العالم الإسلامي الرحيب , إنها فرصة سانحة لكل مسلم أن يكون صداقات أساسها الإيمان وقوامها الحب في الله فربما يسعد الإنسان يوم القيامة بمحبة أخ أحبه لله فقط وفي بيت الله : " وجبيت محبتي للمتحابين في " أحمد

4- يجب أن نفهم الحج على انه " وسيلة عملية لتطبيق الشعارات الإسلامية":
فالحج فيه من الشعارات الكثيرة التي يعلم الحج من خلاله تطبيق هذه الشعارات وسحبها لتطبق خارج فترة الحج تطبيقا عمليا وليس مجرد تكرار لهذه الشعارات أو غيرها
فأول شعار يطلقه الحاج في حجه ذلك الشعار الخالد : " لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك " فهو شعار يردده الحاج كلما صعد جبلا أو هبط واديا وهو ليس مجرد شعار بل هو نوع من أنواع التربية العملية للإنسان المسلم حيث يتكرس في مفهومه سرعة تلبيته لله رب العالمين فيحمل ذلك في ذاكرته ليعود إلى بلده متجسدا هذا الشعار الخالد لبيك اللهم لبيك
فإذا رأى طاعة أسرع إليها متمثلا ذلك الشعار لبيك اللهم لبيك
وكذلك وإذا رأى معصية أسرع منها لبيك اللهم لبيك .
وهو عندما يطوف حول الكعبة المعظمة يتعلم كيف يطوف في حياته حول الأمور العظيمة ولا يجعل طوافه ومحور تحركه الأمور ا لتافهة والرخيصة .
إننا إن غيرنا نظرتنا إلى الحج بهذه الصورة أو غيرها من النظرات ولو فهمنا الحج بهذه الطريقة يمكن أن نكون أقرب إلى عبادة ملؤها القرب من الله والفائدة في الدنيا والآخرة
اللهم اكتب السلامة للحجاج والمجاهدين والمعتمرين ولا تحرمنا أجرهم مولانا رب العالمين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية