صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حكم إجراء العملية الجراحية دون إذن المريض

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

السلام عليكم
هل يجوز عمل عملية قيصرية للأم الحامل عنوة إذا هي رفضت مع أن الجنين في خطر محدق؟ وذلك حسب أطباء مختصين الجنين فيه روح...
العملية القيصرية ذات مخاطر قليلة جدا جدا جدا
أنا استشاري مساعد توليد.


الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكرك على حرصك على معرفة الأحكام الشرعية للعمل الطبي واهتمامك في تحري إبراء الذمة والتصرف وفق الشرع. وهذا هو الواجب على كل من يعمل في المجال الطبي أن تكون تصرفاته مبنية على رأي الشرع وأفعاله موافقة للآداب والأوامر الشرعية.

أما هذا السؤال فهو يشتمل على مسألتين وبيانها:
1- الذي يظهر لي أنه يجب على المرأة الحامل أن تجري عملية قيصرية إذا تحقق موت الجنين أو غلب على الظن حصول ذلك لقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا). والمرجع في ذلك إلى قول جماعة من المتختصصين الموثوق بهم حال اتفاقهم فيجب عليها ذلك من باب إزالة الضرر عن الجنين المتحقق عملا بالقاعدة الشرعية: (الضرر يزال). وإنقاذا لنفس الجنين المحترمة شرعا وهي مسؤولة ومكلفة بالحفاظ عليه وإذا لم تفعل العملية تعد مفرطة في حصول موت الجنين لأنها لم تعمل برأي الأطباء المعتبر شرعا وتركت تعاطي السبب الذي يكون منقذا لحياة الجنين بإذن الله لا سيما وأن الطب اليوم قد تطور كثيرا وصار دقيقا بأحكامه لوجود أجهزة الكشف عالية التقنية وسهولة إجراء العملية بلا مضاعفات وآثار ظاهرة وقد نبه على هذا الأصل الفقيه ابن سعدي رحمه الله في فتاويه. ولذلك أوجب الحنفية والشافعية شق بطن الحامل الميت لاستخراج الجنين إذا رجيت حياته مراعاة لاستنقاذه وإحيائه من الهلاك. أما إذا اختلف الأطباء في تقرير الخطر على الجنين أو كان مجرد تخوف من الطبيب فلا يجب عليها ذلك ولتجتهد وتستخير وتعمل بما يترجح لديها.

أما إذا كان الباعث لإجراء القيصرية تخفيف الآلام أو طلب الرشاقة في الجسم وغير ذلك من المسوغات فلا يجوز لها أن تجري هذه العملية ولا يحل للطبيب وغيره أن يعاونها في ذلك لأن الأصل في جراحة الجسم المنع وعدم التصرف بالبدن إلا إذا وجدت حاجة معتبرة شرعا أو ضرورة تسوغ ذلك ولا تعد هذه الأمور من الأمور الضرورية أو الحاجية وإنما هي من الكماليات التي تكون إجراء العملية القيصرية لها فيها مفسدة ظاهرة من دون تحصيل مصلحة راجحة أو دفع مفسدة كبرى. وقد نص الفقهاء على اعتبار هذا الشرط في جواز الجراحة. قال الحجاوي في الإقناع: (وقطع شيء من جسده للحاجة إليه ومع عدمه يحرم ولا يصح).

2- لا يجوز للطبيب إجراء عملية جراحية للمريض بدون إذن منه أو تخويل مهما كانت الأسباب داعية لذلك لأن بدن المريض من اختصاصه لا يحق لغيره أن يتصرف فيه كما لا يحق له التصرف في ماله وذمته بغير إذنه ولأن العملية من التداوي والتداوي حق خاص للمريض ليس لأحد أن يعتدي عليه وهذا الحكم مشهور بين الفقهاء نص عليه الحنابلة والشافعية وغيرهم. وهذا معتبر في من كان أهلا للإذن أما الصغير فلا يعتبر إذنه ويشترط صدور الإذن من وليه.

فعلى هذا لا يجوز للطبيب إجراء العملية لها من غير إذنها ولو كانت حالة الجنين خطيرة لأنه يشترط لجواز العملية أخذ الإذن وإنما له أن يحاول إقناعها بضرورة العملية تفاديا للخطر حتى يأخذ الإذن منها فإن وافقت على ذلك أو خولته بعمل الأصلح جاز له إجراء العملية وإلا امتنع عن فعلها. فإن فعلها بغير إذن المريض كان آثما شرعا ومؤاخذا وإن حصل ضرر يضمن ذلك لأنه متعد والضرر حصل من أثر تصرف غير مأذون فيه شرعا وما ترتب على غير المأذون فمضمون قال ابن قدامة في المغني: (وإن ختن صبيا بغير إذن وليه أو قطع سلعة من إنسان بغير إذن أو من صبي بغير إذن وليه فسرت جنايته ضمن لأنه قطع غير مأذون فيه شرعا).

أما إذا كان المريض مشرفا على الهلاك وروحه في حالة خطيرة وتطلب الأمر تدخلا جراحيا مع تعذر أخذ الإذن فيجوز للطبيب أن يجري العملية الجراحية في هذه الحالة لأن الإذن متعذر حينئذ ولأن هذا التصرف من باب إنقاذ معصوم من الهلاك وقد قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). والضرورة الشرعية تقتضي ذلك لأن تأخيره يفضي إلى موته والشريعة جاءت باحترام النفس المعصومة والحث على استنقاذها وإحيائها.

وإذا اجتهد الطبيب وعمل الأصلح في نظره وكان محسنا في تصرفه ثم حصل ذهاب للنفس أو جزء من البدن لم يؤاخذ شرعا على ذلك ولم يلزمه الضمان لأنه لم يتعدى أو يفرط في عمله ولأنه أمين في تصرفاته وما حصل ناشئ عن تصرف مأذون فيه شرعا والمأذون لا ضمان فيه. أما إذا حصل منه تعد ظاهر بفعل ما لا يجوز له أو تفريط ظاهر بترك ما يجب فعله أو لم يكن معروفا بالحذق في الطب فعليه الضمان مطلقا إذا حصل ضرر منه وقد روي في سنن أبي داود والنسائي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن).

خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
25/1/1430


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية