صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مافي شيء يضيع عند الله 2

عبدالله بن محمد بادابود

 
كنا نشاهده ينفق المال ويعطي القريب والبعيد فما من مريض إلا يسارع لمد يد العون له ، أو فقير فيحاول أن يخفف عنه .

ورغم كل ذلك كان على موعد مع نكران الجميل وكان يقول " أنا عملت كل شيء لله وسأنتظر الثواب من ربي " .

ومازالت الدنيا به - رحمه الله - ترجعه للوراء من الناحية المادية وكان يقابل كل ذلك بالبذل بشكل أكثر . والتصدق والعطاء بلا خوف من المستقبل ولا خوف من الفقر .
كانت فلسفته في الحياة .. أنفق من مال الله ..

تنكر له من تنكر ، من كانوا بالأمس يرسمون البسمات تناسوا كل ذلك وأكثر من ذلك فكان - رحمه الله - لا يحمل الحقد لأحد ولا الكره لأحد فقد وهب ماله لربه وليس لهم , نعم ماذا أقول هناك الكثير والكثير من الصور , من مد يد العون للغير مادياً أو معنوياً أو الشفاعة لهم في أمورهم كان شعلة خير لغيره ولم يفكر في نفسه أبداً .

من الصور الجميلة انه أراد مني أن أكون طبيبا أو مهندسا وبالفعل التحقت بكلية الهندسة في الجامعة بمباركة منه ولكني أحسست باني لا ارغب بالاستمرار فعزمت على التحويل من أول أسبوع ولكن نظام الجامعة لا يسمح بذلك , كنت اعرف أن أبي - رحمه الله - باستطاعته بعد الله أن يساعدني في النقل ولكن كنت أخشى من رفضه وحاولت , بكل ما لدي ولكن في الأخير استسلمت وأخبرته فابتسم وقال سأحضر معك غداً صباحاً للجامعة بالفعل جاء معي وتحدث لأحد معارفه هناك ونقلت في نفس اللحظة وكم كنت سعيداً في تلك اللحظة , وكان ذلك بفضل من الله ثم بفضل أبي - رحمه الله - .

حتى في أحلك الظروف كان يتصدق بما لديه حتى يعود للمنزل وليس في جيبه أي ريال
، حتى في آخر الأيام كان هذا ديدنه - رحمه الله - .. فقد كان يبني لآخرته - رحمه الله - .

صام رمضان وصلى التراويح وصلى التهجد ، حافظ على صلاة الفجر وفي غرفته دائماً ما نسمع أثير إذاعة القرآن ومصحفه الكبير وسبحته الجميلة وقنينة طيب يتعطر بها للمسجد , أما أصدقاؤه من إمام المسجد إلى المؤذن إلى خادم المسجد إلى كل صغير وكبير في الحي فقيراً أو غني
الكل يعرفه والكل يجلس معه , حتى الأطفال يشعرهم بأنهم رجال ، كان بالفعل شعلة في الحي ونوراً للحي وبهجة وسروراً لأهل الحي , بعد صلاة الفجر يوصل زوج العمة للمسجد الذي كان يجد صعوبة في السير .

كان يساعد الناس في تعبئة ماء زمزم من ذلك البرميل القابع أمام منزلنا ، كان أحيانا يقوم بتعبئة الماء لهم بنفسه ، كان يساعد المريض ويحنو على الصغير ويسقي العطشان ويضيف الفقير المعدم .

من الصور الجميلة رغب رحمه الله في مساعدة أحد الفقراء فاقترح عليه أن يعمل لديه في الموسم بأجره مرتفعة , فوافق المسكين وقد فرح بذلك ، هل تعلمون ؟ كان الرجل يجلس في المحل ولا يعمل وكان والدي – رحمه الله - يأتي به لمنزلنا كل يوم حتى يتناول طعام الغداء وعندما أبدينا اعتراضاً لذلك قال " ما في شيء يضيع عند الله " ، كلمة سمعناها كثيراً منه رحمه الله .

أما في آخر أيامه - رحمه الله - وقف وقال أنا من بعد اليوم سأصوم كل يوم اثنين وخميس ما حييت
كثيرة هي المرات التي حج فيها رحمه الله , وفي ذلك اليوم توضأ كالمعتاد وقال ربي يوفقكم يا أبنائي سأذهب للمسجد ثم سأذهب لأحد الأصدقاء . صلى المغرب وبعد المغرب كان على موعد مع حادث أليم أثناء محاولته لعبور الطريق , نعم .. بعد أدائه للصلاة .. نعم وقد كان متوضأ

ظل في المستشفى يوم وليلة تقريبا في حالة إغماء فقط قلبه يعمل ولكن في يوم السبت 12/10/1424هـ
في الساعة الواحدة والنصف ظهراً
مات أبي
نعم مات وماتت معه البسمة والفرحة !
في تلك اللحظة كنت في طريق عودتي من الرياض لمكة ولم يخبروني بشيء فقد كنت مرهق ونمت في الطريق , ثم صحوت واتصلت على أحد الأصدقاء من الذين يعملون في المستشفى فقال لي أنه بخير ولا تقلق ..

فأحسست بالإرهاق ثم نمت ورأيته في الحلم كأنه يأكل ويضحك وفرح جداً وأنا أقول له " مايضحكك ؟ وهو يضحك ولا يجيب " .
أحسست بشيء غريب واستيقظت وبدأت أفكر , ولكن عندما وصلت إلى مكة ووصلت لمنزلنا ا رأيت أبواب المنزل مفتوحة والتقيت بخالي أمام الباب وقال عظم الله أجرك . !
أحسست بانهيار كامل ولكن تذكرت أن الصبر في اللحظة الأولى ،
حاولت أن أتمالك نفسي وان أدعو وأصلي ولكن
إنه الحزن أخوتي

وذهبوا لغسيله رحمه الله
وجاءوا به محمولا

ورفعوا الغطاء عن وجهه والله لم نرى سوى وجه يملأه النور وجه به جمال غريب لم أره في حياتي وجه مبتسم


وكانت ابنة أختي بجانب والدتها وقالت بعفويه : ماما ليه جدي يضحك وهو ميت !
توقف القلم وسقطت الدمعة

رحمك الله يا أبا خالد وأسكنك فسيح الجنان .

هـــــدى :~


قال تعالى : { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون }

نور من السنة :~


قال صلى الله عليه وسلم : [ إنما الصبر عند الصدمة الأولى ] رواه البخاري

][ همسه ][

الموت مصيبة وفاجعة وما بعده أعظم .


بقلم : عبدالله بن محمد بادابود
A.Badabood@gmail.com


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالله بادابود
  • مقالات
  • كتب
  • دورات
  • الصفحة الرئيسية