صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رسالة إلى مُغتاب

الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية

 
          
= أيها المغتاب .
          
 = يا من غفل عن خطر اللسان ، وعظيم جُرمه .
          
= يا من غفل عن الله سبحانه وهو غيرُ غافلٍ عنه .
          
= يا من يذكُر أخاه المسلم بما يكرَه أن يُذّكرَ به .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد ؛
فاتق الله سبحانه وتعالى في أعراض الناس ، واحذر الغيبة ظاهرةً كانت أو خفية ، فإنها آفةٌ خطيرةٌ من آفات اللسان ، وجريمةٌ عُظمى من جرائمه ، ومرضٌ عُضالٌ من أمراض المجتمع ، ومعصيةٌ كبرى حرَّمها الإسلام ، ونهى عنها القرآن الكريم في غير ما موضع ، وحذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيها من المضار الشخصية ، ولما يترتبُ عليها من المفاسد الاجتماعية ، سواءً في أمور الدين أو شؤون الدنيا . لذلك كله أحببتُ أن أُسدي لك النصح ، وأن أوجِّه إليك الرسالة التالية  التي أقول فيها مُستعيناً بالله وحده :

= يا من سلَّط لسانه على أعراض الآخرين ، اتق الله تعالى ، واعلم أنه سبحانه وتعالى قد حذَّر من الغيبة في قوله جل جلاله : { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } ( سورة الحجرات : من الآية 12 ) . لأنك متى اغتبت الآخرين ، وتحدثت عن معائبهم ونقائصهم وسلبياتهم ، فقد آذيتهم وكنتَ كمن يأكل لحومهم ، فهل هناك أبشع من أكل لحم الميت من البشر ؟!
وتذكّر أن الغيبة - كما جاء في الحديث - تعني أن يُذكُّر الإنسان في غيبته بما يكره أن يسمعه وإن كان فيه ؛ فقد ثبت عن أبي هريرة  رضي الله عنه  أنه قيل : يا رسول الله ، ما الغيبةُ ؟ قال : " ذِكرُك أخاك بما يكره " ، قيل : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه " ( رواه أبو داود ، الحديث رقم 4874 ، ص 730- 731 ) .

= يا من تعدى حدود الله وانتهك حرماته ، لا تنس أن الغيبة - والعياذ بالله - من القبائح الاجتماعية التي لا يليق بمن آمن بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً أن يتصف بها ، أو أن يُقدِم عليها لأن الله سبحانه وتعالى حرَّمها ، وشدّد في النهي عنها لما فيها من إفسادٍ للمودة ، وقطعٍ لجسور المحبة ، ولما يترتب عليها من شلٍ لأواصر الأخوة ، ولأنها تبذر بذور العداوة بين أفراد المجتمع ، فتنتشر بينهم الأحقاد والضغائن ، ومن ثم يقع الخلاف والفرقة التي لا شك أنها من المصائب العظام التي تُبتلى بها المجتمعات في كل زمانٍ وأي مكان .

= يا من يضحك بملء فيه وهو لا يدري هل الله راضٍ عنه أم ساخطٌ عليه ، إياك ومجالس الغيبة ومن فيها من رفاق السوء الذين لا يتوانون عن أكل لحوم الآخرين ، والخوض في أعراضهم ، والاستهزاء بهم في الخَلق ، أو الخُلق ، أو الشكل ، أو النسب ، أو القول أو العمل لأنك متى جالستهم غَلَبتْ عليك شقوتهم ؛ فإما أن تشاركهم في الباطل وتخوض معهم فيه ، وإما أن تجاملهم ببعض الكلام ، أو الضحك ، أو التبسم ، أو الاستماع ، وبذلك تكون موافقًا لهم وشريكًا معهم - والعياذ بالله - .

 
= يا من دفعه حقده ودعته كراهيته لاغتياب المسلمين والنيل منهم ، تذكَّر أن من أهم الدوافع للغيبة الحسد ، فاحذر منه لأنه داءٌ عظيمٌ ، وخطرٌ جسيمٌ يأكل قلب المغتاب ، ويُشغل باله فيريد أن يحط من قدر أخيه عند الناس بغيبته ، وانتقاص شخصيته ، وتشويه صورته ، وتلويث سمعته عند الآخرين كذبًا وزوراً وبهتانًا – نسأل الله السلامة .
وتذكّر أن أي محاولةٍ للحط من قدر المسلم أو التقليل من شأنه تدخل ضمن ما حرَّم الله تعالى لما صح ّعن أبي هريرة  رضي الله عنه  أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل المُسلم على المسلم حرامٌ : ماله ، وعرضه ، ودمه ، حسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " ( رواه أبو داود ، الحديث رقم 4882 ، ص 732 ) .

 
= يا من نسي قوله تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ( سورة قّ : الآية 18) . وتطاول على أعراض الناس ليلاً ونهارا ، سراً وجهارا، تذكّر أن من هتك حرمة أخيه المسلم هتك الله حرمته لما ثبت عن أبي برزة الأسلمي أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبه : لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتَّبعوا عوراتِهم ، فإنه من اتَّبع عوراتهم يتَّبع الله عز وجل عورتَه ، ومن يتَّبع الله عورته يفضحه في بيته " ( رواه أبو داود ، الحديث رقم 4880 ، ص 731 ) .
واعلم - هدانا الله وإياك - أن الغيبة سلوكٌ مرفوضٌ ، ورذيلةٌ محضةٌ تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها ، وقلبه الأسود المليء بالحقد والضغينة وكراهية الآخرين .

= يا من اشتغل بعيوب الناس وغفل عن عيوبه ، عليك بتفقد أحوالك ، وتهذيب أخلاقك ، ومراجعة نفسك في كل شأن من شئون حياتك صغيراً كان أو كبيراً ، ولا تنشغل بما لا نفع فيه ولا فائدة ، ولاسيما الغيبة التي قيل في وصفها : " إنها ضيافة الفُساق ،ومراتع النساء ،و إدام كلاب الناس " .
وليس هذا فحسب ؛ بل إنها من صفات الجبناء الذين يغتابون الآخرين في غيابهم ،فإذا لقوهم هشوا إليهم وأظهروا لهم ما لا يبطنون من حقدٍ وكراهية ، فهم بذلك السلوك الخبيث من ذوي الوجهين الذين هم من شرار الناس عند الله سبحانه لما صح عن أبي هريرة  رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ، ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ ،وهؤلاء بوجه " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 6058 ، ص 1058 ) .

= يا من نسيت أن الذنب لا ينسى ، وان الديَّان عز وجل لا يموت ، تذكّر أنك بغيبتك للآخرين صاحبُ تجارةٍ خاسرةٍ ، وبضاعة فاسدة ؛ لأنك تخسرُ حسناتك ، وتعطيها رغمًا عنك إلى من اغتبت من عباد الله ، فإن لم تكن لك حسنات أَُخذتَ عنه سيئاته حتى تفيه حقه - والعياذ بالله - كما صحَّ  عن أبي هريرة  رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه فليتحلَّله منها ، فإنه ليست ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ من قبلِ أن يؤخذَ لأخيه من حسناته ، فإن لم يكن له حسناتٌ أُخذ من سيئاتِ أخيه فطُرحت عليه " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 6534 ، ص 1132 ) .  
ويُروي عن إبراهيم بن أدهم قوله: " يا مكذب ، بخلت بدنياك على أصدقائك ، وسخوت بآخرتك على أعدائك ، فلا أنت بما بخلت به معذور ، ولا أنت فيما سخوت به محمود" .

= يا من ينشر الفساد في الأرض ،ويشجع على ارتكاب المعاصي والمنكرات ، اعلم أنك ممن يُخِلون بأمن المجتمع المسلم ،ويقوضون أركانه ،أما كيف يكون ذلك ، فإن تعاليم الإسلام تقضي بأن يأمن المسلم على عرضه سواءً  أكان ذلك في حضوره أو في غيبته ،وهذا ما لا يتحقق عندما تغتابه وتذكره بما يكره أن يذكر به ؛ لأنك حينئذ تكون قد استطلت في عرضه وآذيته ، والإسلام لا يحب الأذى ، ولا يرتضيه أيًا كان نوعه لما ثبت عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن من أربى الرِّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق " ( رواه أبو داود ، الحديث رقم 4876 ، ص 731 ) .

= وختامًا: إياك والتمادي في العصيان ، وبادر بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى والندم على ما فات ، واحرص على الإقلاع عن هذا الذنب العظيم والسلوك الخاطئ الذي يضُر ولا ينفع ، حتى قال بعض أهل العلم في شأنه : " إن من لم يتب من الغيبة كان ظالما لإخوانه الذين اغتابهم بالعدوان عليهم ، وظالما لنفسه بتعريضها لعقاب الله سبحانه " . فلا تكن من الظالمين لأنفسهم ولإخوانهم ولمُجتمعهم . وإذا كان لا بد من إشغال لسانك فليكن ذلك في ما أحل الله تعالى من الطاعات والمُباحات ، وجنّبهُ الغيبة والنميمة و هتك أعراض المسلمين .

 واعلم أن خير ما تُشغل به لسانك ذكر الله سبحانه لقول معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه أن يدله على ما يتشبثُ به من شرائع الدين : " لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله " . ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3375 ، ص 766 ) . والله نسأل أن يوفقنا جميعاً لصالح القول ، وطيب الحديث ، وجميل اللفظ ، وأن يُجنَّبنا الخوض في الأعراض ، والغيبة والنميمة ، والحسد والبغضاء والسُخرية ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

  

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية