صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







صفات الرجال في القران والسنة (3)

أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
اللهم لك الحمد ملء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد - أهل الثناء والمجد - أحق ما قال العبد - وكلنا لك عبد ـ، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر:15].
وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المتقين وأشرف المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ::
عباد الله: أوصيكم بتقوى الله عزوجل فإنها وصيةُ الله للأولين والآخرين قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء:131].
فما من خير عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيلٌ موصل إليه، وما من شرٍ عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله عزوجل حرز متين وحصن متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره.
لا زلنا وإياكم مع الرجال وصفات الرجال.
الرجال الذين تربوا على مائدة القران والسنة.
وقفنا مع الرجال وصفات الرجال وكلنا شوق وأمل أن نكون منهم ونتصف بصفاتهم ونتشبه بهم.

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم --- إن التشبه بالكرام فلاح


وقفنا مع صفات الرجال في القران الكريم ودعونا اليوم نبحر في صفات الرجال في السنة المباركة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
أول صفة من صفات الرجال في السنة المباركة،
1- القيام بالفرائض: يقول تعالى في الحديث القدسي: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه» [البخاري: الرقاق «6136»].
فما تقرب أحدٌ إلى الله بشيء أحب إليه مما افترضه عليه جل جلاله.
فما فائدة القيام طوال الليل وهو يضيّع صلاة الفجر، وما فائدة إنفاق المال في وجوه الخير وهو يأكل الحرام، وما قائدة حسن الخلق مع الناس كلهم مع عقوق الوالدين أين الفرائض ؟أين فقه الأولويات.
وفي الصحيح عن أبي هريرة ا قال: إن أعرابيًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان». قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا»..
ومن صفات الرجال الحب في الله جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله،وذكر رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، فالرجولة أن تحب في الله ولله ومن أجل الله لا من أجل الدنيا ، وأغراض الدنيا ،فاللهم اجعلنا متحابين فيك يارب العالمين واجمعنا في الجنة على سررٍ متقابلين.
ومن الصفات تعلُّق القلب بالمسجد فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم في ظله ورجل قلبه معلق بالمساجد.
الله أكبر... هؤلاء هم الرجال راحتهم وانسهم في بيوت الله.
الرجولة لا تُبنى في الأسواق والمقاهي، إنما تبنى في بيوت الله التي فيها رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين،فيها رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.

يمشون نحو بيوت الله إذا سمعوا --- الله أكبر في شوق وفي جذل
أرواحهم خشعت لله في أدب --- قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم ربنا جئناك طائعة --- نفوسنا وعصيانا خادع الأمل
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم ---- من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرجال فلا يلهيهم لعب --- عن الصلاة ولا أكذوبة الكسل

ومن الصفات العفة والعفاف عن الحرام فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم في ظله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، إذاً الرجولة في العفة والعفاف واجتناب ما حرم الله.
ومن صفات الرجال ذكر الله مع البكاء من خشيته فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
«ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه » [رواه البخاري ومسلم]، الله المستعان متى آخر مرة بكينا من خشية الله في ساعة خلوة بالله، نشكو إلى الله قسوةً في قلوبنا وجفافاً في عيوننا. اللهم ليّن قلوبنا بذكرك وطاعتك.
ومن الصفات عباد الله: الصدقة في وجوه الخير مع تحري السر فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم في ظله «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه» [رواه البخاري ومسلم].
عباد الله: ليست الرجولة في جمع الأموال وتخزينها إنما الرجولة في الإنفاق في سبيل الله، الرجولة أن نقدم لأنفسنا صدقات تبيض وجوهنا يوم نقف بين يديه، ابن ادم يقول مالي مالي وليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى ولبس فأبلى وتصدق فأبقى.
...فاتقوا النار ولو بشق تمرة.
ومن صفات الرجال في السنة المباركة الصبر على الشدائد:
عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا.
فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله لَيَتِمَنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» [البخاري].
ومن صفت الرجال الأمانة والقناعة والحكمة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل اشترى عقارًا فوجد فيها جرة من ذهب فقال: اشتريت منك الأرض ولم اشتر منك الذهب. فقال الرجل: إنما بعتك الأرض بما فيها، فتحاكما إلى رجل فقال: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: فأنكحا الغلام الجارية وأنفقا على أنفسهما منه وليتصدق». [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
فسبحان الله كيف كانت أمانة المشتري وقناعة البائع وحكمة القاضي بينهما!!
ومن صفات الرجال عباد الله: السماحة:
فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً بائعًا ومشتريًا» [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].
فالسماحة في البيع والشراء والاقتضاء تحتاج إلى رجل، فكم رأينا من يبيع ويعود في بيعه من أجل أموال قليلة أو يبيع على بيع أخيه.
والصفة الخيرة عباد الله: للرجال قيام الليل:
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه رأيت كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية؛ كطي البئر، وإذا لها قرنان - يعني كقرني البئر - وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر. فقال: لم ترع فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة رضي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» [متفق عليه]، فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً.

عباد الله: هل للرجولة سن معين ؟
الرجولة ليست بالسن المتقدمة، فكم من شيخ في سن السبعين وقلبه في سن السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتطلع إلى ما ليس له، ويقبض على ما في يده قبض الشحيح حتى لا يشركه غيره، فهو طفل صغير... ولكنه ذو لحية وشارب.
مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ثلة من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي صبي مفرد في مكانه، هو عبد الله بن الزبير، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنباً فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك!
ودخل غلام عربي على خليفة أموي يتحدث باسم قومه، فقال له: ليتقدم من هو أسن منك، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة.
أولئك لعمري هم الصغار الكبار، وفي دنيانا ما أكثر الكبار الصغار؟ وليست الرجولة ببسطة الجسم، وطولِ القامة، وقوةِ البنية، فقد قال الله عن طائفة من المنافقين: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ﴾ [المنافقون:4] ومع هذا فهم ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ [المنافقون:4] وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: «يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة»، اقرءوا إن شئتم قوله تعالى: ﴿ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف:105] وساقي عبد الله بن مسعود ا يوم القيامة في الميزان أثقل من جبل احد.

ترى الرجل النحيل فتزدريه --- وفي أثوابه أسدٌ هصورُ
إذا كان الفتى ضخم المعالي --- فليس يضيره الجسم النحيل

وهذا يذكرنا بالشيخ الشهيد المجاهد احمد ياسين فهو وإنْ كان كبير السن، إلا أنه ظلّ كبيرًا في عقله وقوله وفعله، ثابتًا على مبادئه وعقيدته، وصنع ما لم يصنعه الشباب الأشدّاء.
الشيخ وإنْ كان مريض البدن ضعيف الإمكانات إلا أنه لم يعجز عن بعث روح العزّة والكرامة في نفوس قومه وأمّته لقد علَّمنا الشيخ ألا نحقر أنفسنا، وأنّ بيد كل منا سلاحاً يملكه، قد يكون مختلفاً عن كل سلاح آخر..احمد ياسين مات وأحيا أمة وربى رجال، الله أكبر:


همُ الرجال بأفياء الجهاد نَمَوْ --- وتحت سقفِ المعالي والنَّدى وُلِدُوا
جباهُهم ما انحنت إلا لخالقها --- وغير ملةِ مبدع الأكوان ما عبدوا
الخاطبون من الغايات أكرمها --- والسابقون وغير الله ما قَصَدُوا


عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين نحمده - تعالى - ونشكره ونثني عليه الخير كله، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله:
أيها المسلمون ليست الرجولة بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، قوةٌ تجعله كبيراً في صغره، غنياً في فقره، قوياً في ضعفه، قوةٌ تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه: يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته، ودينه، وأمته.
عباد الله: هل نصف المرأة بالرجولة ؟
نعم قد نصفها بالرجولة عندما تحسن التصرف في موقف من المواقف والتي تعودها الناس أن لا تصدر إلا من الرجال..
يقولون: فلانة وقفت وقفة رجل.. و أحيانا توصف بأنها بمائة رجل من فرط الإعجاب بها في حين تُسلب صفة الرجولة من بعض الرجال عندما يقفون وقفة لا تليق بالرجال..!!


فلو كان النساء كمن ذكرنا --- لفضلت النساء على الرجال
وَما التّأنيث لآسْم الشمسِ عَيب ** ولا التذكيرُ فخرٌ للهلالي

عندما تخلى بعض الرجال و فروا أمام العدو في معركة أحد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبات وحده.. جاءت امرأة من المسلمين لتأخذ دور الرجولة في موقف يجب أن تتجلى فيه فأخذت سيفاً من يد أحد الفارين و وقفت وقفة رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و الجراح تتفجر دما من جسدها و لا تبالي لما أصابها حتى أنقذت رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو يقول: «من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ؟؟» .
وهاهي امرأةٌ أُخرى يموت أبوها في غزوة أُحد وهي تقول ما فعل رسول الله ؟ويقال لها مات أخوك وتقول ما فعل رسول الله؟ ولما رأت المصطفى صلى الله عليه وسلم قالت كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله.
إذاً الرجولة صفةٌ يحبها الله و رسوله لكل الناس رجالاً كانوا أم نساء..
الإسلام اليوم ينادي أصحابه وأتباعه، يقول لهم ويهتف بهم كما هتف لوط بقومه: ﴿ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾ [هود:78] الإسلام اليوم يهتف بالناس: أليس منكم رجل رشيد؟! رجلٌ رشيدٌ، رشده يقيم شرع الله عزوجل في نفسه وبيته ومجتمعه، يدعو إلى الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أليس منكم رجل رشيد؟! اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم يا مصرف القلوب صرِّف قلوبنا على دينك.
عباد الله :
لم تر الدنيا الرجولة في أجلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها الإسلام على يد رسوله العظيم، من رجال يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع، لا يغريهم الوعد، ولا يلينهم الوعيد، لا يغرهم النصر، ولا تحطمهم الهزيمة.
أما اليوم، وقد أفسد الاستعمار جو المسلمين بغازاته السامة الخانقة من إلحاد وإباحية، فقلما ترى إلا أشباه الرجال، ولا رجال إلا من رحم الله.
تعجبنا وتؤلمنا كلمة لرجل درس تعاليم الإسلام السمحة الشاملة فقال في إعجاب مرير: «يا له من دين لو كان له رجال»!!
هذا الدين الذي تعب من أجله آدم وناح لأجله نوح ورُمى في النار الخليل وأُضجع للذبح إسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونُشر بالمنشار زكريا وذُبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضُّر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي واتهم بالسحر والجنون نبي الله الكريم وكسرت رباعيته وشج رأسه ووجهه محمد صلى الله عليه وسلم.
من اجل هذا الدين قُتِل عمر مطعوناً وذو النورين علي والحسين وسعيد بن جبير وعُذّب ابن المسيب ومالك.
ترك لأجله صهيب ماله كله لقريش ،ولحق بقافلة الهجرة ،فربح بيعه ،فياله من دين.
في محبته سالت دماء جعفر الزكية ، وقطعت أعضاء مصعب الطاهرة ،ومُثِّل بجسد حمزة الأسد ،فياله من دين .
من اجله صاح ابن النضر :واهاً لريح الجنة ،وقُطع لحم خبيب بتن عدي ،وهو يقول :

ولست أبالي حين أقتل مسلما ---- على أي جنب كان في الله مصرعي
مادام في ذات الإله وإن يشأ --- يبارك على أشلاء شلو ممزّع


لأجله صرخ قطز واسلاماه ،وأعلنها صلاح الدين :كيف اضحك والقدس أسير .
سالت من اجل الدين دماء الأسد الشهيد احمد ياسين ،واهريقت في سبيله دماء اسد غزة عبد العزيز الرنتيسي ،ومن قبلهما بطل الإسلام عز الدين القسام ،فياله من دين .
عباد الله: نختم الحديث عن الرجال بعد ثلاث خطب مباركات أسأل الله أن ينفع بها بمواقف للرجال، وأعظم مواقف الرجولة وقفها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأعظمهم رجولة وشجاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي نسأل الله أن يحشرنا وإياكم في زمرته ويسقنا من حوضه شربة لا نضمأ بعدها أبدا .
وبعد الأنبياء يأتي الصحابة الكرام فهم خير الخلق بعد الأنبياء وسأقف معكم مع بعض المواقف ، أول موقف مع محمد الفاتح وما أدراكم ما محمد الفاتح إنه غلام عثماني تربى على القران وسمع الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن بشر الخثعمي عَنْ أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لتفتحنّ القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش»، سمع الطفل محمد الفاتح هذا الحديث وكبر في ذهنه حتى إذا بلغ السبعة عشر ربيعاً حان الوقت الذي يحقق فيه حلم المسلمين، وتحقيق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد حاول المسلمون منذ القرن الأول فتح القسطنطينية مرات عديدة، وقد قتل الصحابي أبو أيوب الأنصاري تحت أسوارها، وادُّخِر فتحها لهذا السلطان العثماني الذي كان نعم الأمير وجيشه نعم الجيش، إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

سيد قطب «صاحب الظلال»:
ومن مواقف الرجال: موقف صاحب الظلال رحمه الله، عندما طُلب منه أن يؤيد العبد الخاسر بكلمات يكتبها فقال رحمه الله: «إن السبابة التي أشهد بها في كل صلاة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لا يمكن أن تكتب سطراً فيه ذل أو عبارة فيها استجداء». وعندما سِيق رحمه الله إلى حبل المشنقة يوم 29 من أغسطس عام 1966م كان من المعتاد أن يحضر شيخ ليلقّن الذي ينفَّذ فيه حكم الإعدام الشهادتين، فقال له رحمه الله: «إنني لم أقف هذا الموقف إلا من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله»! فهناك أناس يأكلون الخبز بلا إله إلا الله وآخرون يقدمون رؤوسهم إلى المشانق من أجل لا إله إلا الله!».
إنها الرجولة الحقة بكل معانيها ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب:23]، إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.
أطفال الحجارة:
الحديث عن الرجولة في العصر الحاضر يذكرك أطفال الحجارة، هم أطفال في أجسامهم، أبطالٌ في أفعالهم، رجال في مواقفهم، هم بحقٍ يصدق فيهم وصف الرجولة، فقد تربوا على مائدة القرآن، يجاهدون في سبيل الله، وغيرهم يجاهد بالخطب الرنانة، والعبارات المخدرة، إن كثيراً من هؤلاء لم يصلوا إلى مستوى الرجل الطفل، طفل الحجارة.
رجولة تأبى الطغيان والاستسلام للمعتدين، لا يهابون طلقات القذائف، بل يتصدون لها بصدورهم وقلوبهم حتى يُحرر القدس الشريف، إنها هِمَمُ رجال ترفض المهانة والذل. هؤلاء الأطفال أُعتقل آباؤهم، وهُدّمت بيوتهم، وهم يشهدون ذلك بناظريهم إن هذا الطفل لا يملك سوى حجر، لكنه يرى نفسه شامخاً يتحدى دبابة الاحتلال دون خوفٍ أو وجل. والأمهات يباركن خطوات فلذات أكبادهن نحو الموت والشهادة.
عباد الله: الرجولة تذكرنا بغزة غزة الصمود غزة الإباء غزة الحرية غزة الكرامة .


يا رجال غزة علمونا --- بعض ما عندكم فقد نسينا
علمونا أن نكون رجالا --- فلدينا الرجال صاروا عجينا
علمونا كيف الحجارة تغدو --- بين أيدي الأطفال ماساً ثمينا
كيف تغدو راحة الطفل ---- لُغما وشريط الحرير يغدو كمينا
يا رجال غزة لا تبالوا ---- بإذاعاتنا ولا تسمعونا
علمونا فن التشبث بالأرض ---- ولا تتركوا الأقصى حزينا
 

إن هذه الدماء لن تُثمر بإذن الله إلا نفوساً أبيّة لن ترضى الدنيّة في دينها. ولتسقط تلك الدعاوى الساقطة، ولتنكسر تلك الأقلام الهزيلة التي مازالت تُزيّن السلام غير العادل بزينة كالحة، لقد عاهدت الأمة الإسلامية ربها أن تظل القدس جوهر عقيدتها، في قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا، بل هي فوق كل الاعتبارات الآنية والمصالح الدنيوية، لن نفرط في ذرة من ترابها، ولا سلام ولا استقرار بدونها، وكل الممارسات التي يمارسها العدو من استيطان وتهويد هي أمور غير شرعية، نرفضها وترفضها الأمة كما ترفض الاحتلال ذاته.
إن أرض فلسطين إسلامية وستبقى كذلك مهما تكالبت عليها الخطوب ﴿ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ [يوسف:87].
هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:56]
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أمير المدري
  • كتب وبحوث
  • مقالات ورسائل
  • خطب من القرآن
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية