صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







السعودية بين الجزيرة والعربية

حامد خلف العُمري

 
تعد المهنية و البعد عن التوجيه أساساًً و ركيزة هامة في نجاح أي عمل إعلامي , ويقاس نجاح أي وسيلة إعلامية بمدى تحقيقها لهذا المعيار أو اقترابها منه , ولكن يبقى إن حضور هذا المعيار بصفة دائمة يعد أمراً نادراً إن لم يكن معدوما لدى جميع تلك الوسائل , ليس فقط في منطقتنا العربية بل في العالم بأسره .

و يهدف هذا المقال إلى محاولة تلمس مدى توفر هذا العنصر ضمن سياسة اثنتين من أشهر وسائل الإعلام المرئي في عالمنا العربي , وربما من أكثرهما تأثيراً في المشاهدين , أعني قناتي ( الجزيرة و العربية ) , و سآخذ نموذجاً على ذلك طبيعة تناولهما للشأن السعودي , و أثر ذلك على المشاهد السعودي .

قناة الجزيرة :

ربما يكون من المناسب تقديم الحديث عن قناة الجزيرة لاعتبار عامل السن , و للحقيقة فإنه لا يخفى على أحد من المتابعين ما يمثله هذا الاسم أعني ( الجزيرة ) من ثقل في قاموس الإعلام العربي بل و العالمي , فليس خطأً قولنا إن هذه القناة قد أحدثت انقلاباً شاملاً في مفهوم الإعلام في العالم العربي , بل أنها و في غضون سنوات قليلة أصبحت أكبر قناة إخبارية عربية من ناحية الإنتشار( أكثر من 45 مليون مشاهد) وكانت سبباً قوياً في إنطلاق قنوات فضائية آخرى بهدف منافستها ( 1), ليس هذا وحسب , بل تعدى ذلك إلى حضورها القوي في المشهد الدولي من خلال تغطياتها المتميزة للكثير من القضايا الدولية الساخنة , وهذا ما جعلها مثار سخط بعض القوى الدولية , بل أدى حضورها العالمي الفعال إلى اعتراف بعض دوائر الاهتمام الغربية بدورها, وهذا ما عبر عنه الرئيس الفرنسي مؤخراً في سياق تبريره إصدار قرار جمع الإعلام الفرنسي المسموع و المرئي ضمن مجموعة تسمى ( فرانس موند ) _ بقوله : ليس هناك سوى الجزيرة القطرية و CNN الأمريكية , و ما لم نتحرك فستبقى النتيجة كما هي .(2)

و في الجملة فإن اهتمام هذه القناة بالشأن السعودي يكاد يكون مقصوراً على القضايا السياسية الخارجية , دون القضايا الاجتماعية أو الثقافية , و مع ذلك فيمكننا القول إن موقف هذه القناة عند تناولها للشأن السعودي لم يكن مهنيا بقدر ما كان مسيساً في كثير من الأحيان, و هذا ما يفسر الموقف السلبي للقناة من السلطة و محاولة تصيد الأخطاء و إتاحة الفرصة لمعارضين للدولة لطرح أفكارهم , وخير شاهد على ذلك ما نلاحظه الآن من خفوت لتلك النبرة الانتقادية الحادة تجاه المملكة , نتيجة للتحسن الحادث في العلاقات بين الجارتين الشقيقتين , و في المقابل فقد كان هناك تجاهل كبير للدور الإيجابي و الكبير الذي تلعبه المملكة على المستوى الإقليمي و الدولي , وهذا بلا شك يشكل سقطة إعلامية .

قناة العربية :

تعد قناة العربية من القنوات الإخبارية الحديثة , ومع ذلك فقد استطاعت أن تحتل مكانة مرموقة في سماء الإعلام العربي و الدولي , فبحلول نهاية عام 2006 أعلنت مؤسسة Emmy Award الدولية أسماء قنوات التلفزة المرشحة لجائزتها و قد كانت العربية إحدى القنوات التي تتنافس مع قنوات عريقة وعتيقة في خبرتها الإعلامية مثل Sky News و BBC News (3) , إلا أن من الملاحظ أن هذه القناة قد استفادت من تجربة قناة الجزيرة , ما ذهب بالبعض إلى القول بأن هذه القناة إنما جاءت لمحاولة سحب البساط من قناة الجزيرة و منافستها .
غير أن هذه القناة لا تحظى بنفس القدر من الشعبية لدى المشاهد العربي مقارنة بما تحظى بها نظيرتها , و يعود السبب في ذلك إلى اختلاف سياسة هذه القناة تجاه بعض القضايا الإستراتيجية الهامة , ما حدا ببعض الدارسين لسياستها إلى اعتبارها أكثر ولاءً للمصالح الأمريكية والإسرائيلية من قناة الحرة الأمريكية ذاتها ، وأكثر تطرفا وعدوانية تجاه المصالح العربية من القناة نفسها . (4 ).

و يرى البعض كذلك بأنه : (لا يختلف اثنان على وضوح توجه "العربية" في معظم تغطياتها الإخبارية، وبرامجها الحوارية، وأفلامها الوثائقية، وإعلاناتها التجارية، وحتى في موقعها الإلكتروني، الذي تحول إلى منبر لمنظري الليبرالية الجديدة، بل وأصبح أكثر انحطاطا من الصحافة الصفراء، التي تسعى وراء الربح عبر الفضائح وأخبار الجنس، إذ لا يخفى على كل مدقق، ما ترمي إليه مقالات وأخبار الموقع من نشر لسياسة وثقافة معينة، أهم ملامحها كسر الجليد عن الشذوذ والجنس، وإشاعة "القانون المدني"، بما فيه زواج غير المسلمين من النساء المسلمات، وترويج ثقافة الإحباط وجلد الذات والذوبان في الغرب. ) (5)

بل وصل الأمر إلى أن يقال : ( إن مجموعة mbc، بما فيها قناة العربية، ليست مجرد إمبراطورية إعلامية أنشأها مستثمر سعودي في العشرينيات من عمره، وهي ليست مجرد شركة تجارية تسعى إلى الربح من خلال الإعلانات في سوق خليجية ناضجة، بل هي تنظيم إعلامي جبار، يدير أموالا طائلة يتم جنيها من شبكة علاقات سياسية معروفة ) (6)

و لعل من أقوى الأسباب التي ساعدت في تشكل هذه النظرة عند كثير من المشاهدين هو موقف هذه القناة من القضية الفلسطينية تحديداً , وهذا ما جعل بعضهم يكتب معلقاً على ذلك : (عندما استعر العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة الأسبوع الماضي، وانتشرت صور جثث الأطفال والنساء في شاشات التليفزيون في كل مكان بالعالم، اضطر الجميع إلى إدانة العدوان ووصفه العرب والمسلمون في كل مكان، شعوبا وحكاما، بأنه "العدوان"، فقط جهتان في العالم كله لم تدينا العدوان، ولم تصفه أساسا بأنه عدوان: الخارجية الأمريكية وقناة عبد الرحمن الراشد "العربية". ) (7)

و بالنظر إلى ما نحن بصدد دراسته و هو سياسة القناة تجاه ما يتعلق بالشأن المحلي , فإننا نجد أن لهذه القناة سياسة مغايرة تماماً لنظيرتها ( الجزيرة ) , فالشأن السعودي الداخلي يعد من الأجندة الرئيسية للقناة , فقد سعت هذه القناة إلى استهداف المشاهد السعودي خاصة , و محاولة جذبه عن طريق تلمس أبرز اهتماماته , سواءً الاقتصادية أو الاجتماعية و الثقافية بل و الرياضية, بيد أن المتأمل يتضح له جلياً أن سياسة القناة تجاه الشأن السعودي تنطلق من سياستها الكبرى و القائمة على دعم الفكر الليبرالي في المنطقة , و لاشك أن هذا يتطلب انحيازا كاملا إلى التيار الليبرالي السعودي ( و الذي يهدف بحسب بعض أفراده إلى تدمير المؤسسة الدينية ) (8) , وكذلك يتطلب تبني مواقفه و استراتيجياته و التي من أبرزها الحرص على نشر الفكر التحرري و محاربة ما يخالفه مع تجنب الاصطدام بالسلطة , و هذا يفسر موقف القناة من السلطة و الذي يصل أحيانا إلى حد التزلف .
و بالنظر إلى ما سبق فإننا يمكننا القول إن هذه القناة تفتقد إلى المصداقية و المهنية عند تناولها للشأن السعودي , كونها تنطلق في ذلك من سياسة موجهة تحمل مشروعاً محدداً , يشاركها فيه بعض القنوات الأخرى التي حذت حذو هذه القناة من محاولة الاقتراب من المشهد و المشاهد السعودي ضمن خطة ترمي إلى نشر الفكر الليبرالي ومحاربة الفكر المحافظ , و يمكننا في هذا الصدد ذكر قناة Lbc كمثال .

و بمحاولة للمقارنة بين مدى الخطر الناتج من موقف القناتين على المشاهد السعودي , فإننا يمكننا القول بأن موقف قناة العربية و من هي على شاكلتها من القنوات يعد هو الأخطر و بلا شك! , إذ أن ما ذكر من موقف قناة الجزيرة السلبي و المسيس لم يكن ليفوت على المشاهد السعودي , كذلك فقد كان الموقف الرسمي حازماً , فقد تم إجراءات عقابية في حق القناة كحرمانها من تغطية بعض المناسبات و الفعاليات داخل المملكة , بينما الحال مختلف مع قناة العربية فليس هناك أية بوادر تنبه لهذا الخطر , فضلاً عن أن يكون هنالك خطوات عملية للحد منه!

إن ما يحملنا على الجزم بخطورة دور هذه القناة هو علمنا بأن الليبرالية تقوم على أسس ثابتة لا يمكن تغييرها , فالحرية المطلقة التي تعارض جميع القيم الأخلاقية و الدينية , و نظام الحكم الديمقراطي الذي يعارض كل نظام حكم آخر (9), كلها أسس ثابتة في هذه الفلسفة , لذا فإن الليبرالية لا تصلح أن تكون خياراً استراتيجيا لأي دولة إسلامية , فضلاً عن أن تكون هذه الدولة مهبطاً للوحي و قائمة على تحكيم الشريعة و محتضنة للحرمين الشريفين و اللذين يتشرف بالانتساب لخدمتهما أعلى رجل فيها .
لذا فإن أي قناة تتبنى فكراً يخالف ما قامت عليه بلادنا من ثوابت فإنها في الحقيقة خطراً ينبغي التنبه له و عدم الانخداع به , بل ينبغي محاربته و بشكل أكبر من ذلك الذي واجهنا به قنوات أخرى !!
أخيراً : فإن قصر الحديث على الشأن السعودي لا يعني عدم خطورة طرح مثل هذه القنوات على بقية الشعوب العربية , لكن ما دعاني لذلك هو تركيز هذه القنوات على المشاهد السعودي أكثر من غيره , و لا أدل من ربط أغلب برامجها بالتوقيت السعودي ,
كذلك ( و للأسف ) فإن أغلب الأموال التي تدير مثل تلك المؤسسات الإعلامية إنما هي أموال سعودية , ما يلزم معه بذل الجهد في النصح و التحذير من إهدار هذه الأموال فيما يعود علينا بالتخريب , وهذا ما يشير إليه بعض إخواننا العرب بقولهم : ( وبالدرجة الأولى، هو واجب الشعب السعودي الذي عرفناه أكثر الشعوب العربية التزاما بقضايا الإسلام والمسلمين، والذي لا ينبغي أن يبقى مكتوف الأيدي أمام توظيف أموال بلده في تدمير ثقافته ودينه وأخلاقه ) . ( 10 )


---------------------------------------
1. ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
2. صحيفة الشرق القطرية 21 مارس 2008
3. ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
4. دراسة نشرها الباحث السعودي الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود بالرياض تحت عنوان "عبد الرحمن الراشد والخطاب المتصهين" وصدرت ضمن مواد العدد الجديد من مجلة "المنار الجديد" الفصلية.
5. مقال : قناة العربية تصرح بميولها المارونية
6. نفس المصدر
7. المجموعة الأمريكية في الإعلام الخليجي!
8. http://www.lebraly.com/inf/articles.php?action=show&id=103
9. انظر تعريف الليبرالية - الموسوعة السياسية 5/566
10. قناة العربية تصرح بميولها المارونية

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حامد العُمري
  • المقالات
  • القصائد
  • الصفحة الرئيسية