صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







النجيمي و القواعد!

حامد خلف العُمري

 
عُرف عن الشيخ النجيمي دفاعه عن السنة و نضاله ضد أعداءها , من الليبراليين و أعداء الصحابة و أصحاب البدع , كما عُرف عنه مؤازرته للعلماء و منافحته عن دعاة الحق , عند تعرضهم للحملات الإعلامية المنظمة , و لا يمكن لأحد أن ينكر له تلك المواقف المشكورة و المأجورة بإذن الله .
غير أن كل ذلك لايجعل منه بأي حال من الأحوال معصوم من الخطأ , أو منزه من الوقوع في الاجتهادات الخاطئة , و من تلك الاجتهادات الخاطئة التي أراها و كثيرون غيري , لقاؤه الأسبوع الماضي بناشطات كويتيات و جلوسه بجانبهن في مؤتمر الذكرى المئوية ليوم المرأة العالمي.
و قد برر الشيخ موقفه ذلك بحسب صحيفة المدينة" الخميس, 8 أبريل 2010" بقوله :" أنا أرتكبت أخف الضررين، فأنا هنا غلبت جانب المصلحة على المفسدة؛ لأن المصلحة أعلى خاصة في يوم عالمي كيوم المرأة الذي هو يوم غربي تغريبي، وإلا فهن غير متحجبات فلا يعتبر الجلوس معهن جائز والجلوس هنا من باب الضرورة."
و على فرض صحة نسبة هذا القول للشيخ, أتسائل : أين الضرورة في الجلوس مع من وصفهن الشيخ بغير المتحجبات في يوم غربي تغريبي ؟
ما أعرفه أن الضرورة التي تبيح ارتكاب أخف الضررين هي ما يكون فيها المسلم مجبراً على ارتكاب أمرين كليهما ضار , فيلجأ إلى أخفهما هرباً من الآخر , فهل هناك من فرض على الشيخ الحضور , و ماذا كان الخيار الآخر في حال رفض ذلك؟

قد يقال إن الشيخ _ و من باب تغليب المصلحة _ سعى في تأليف قلوب أولئك النسوة بحضوره و تبادل النكات معهن , كما قال :" نعم تبادلت معهن النكت ولكن مع كبيرات السن اللاتي أعتبرهن في منزلة والدتي وهن يمثلن أكثر من 90 % من الحاضرات.".
فإن كان يصح هذا مسوغاً , فأشهد بالله أنه بوصفهن بكبيرات السن , قد نسف كل جهده في تأليف قلوبهن , حتى و لو كنَّ زواحف لا قواعد!
على أن نظرة إلى تلك الصور , تبين أنه لم يكن بين أولئك اللواتي ظهرن مع الشيخ في تلك الصور من أخبر عنهن بأنهن في منزلة والدته , إلا إن كان يقصد سمر المقرن! , لذلك فقد شنن عليه حملات sms و حملات صحفية متتابعة !
إذاً ما الواجب علينا و قد رأينا أحد اخواننا - نحسبه دون قصد منه- يتعثر ؟
هل نشمت بالرجل و نقول ما قاله الليبراليون عنه " أنه قد غرق في بحر من الرومانسيات والأحلام، وسط كوكبة من الحسناوات اللاتي ظهرن بالصور، الأمر الذي لم يجعله حتى ينتبه لـ"فلاشات" الكاميرا "؟ , أم نقول ما قاله بعض الإسلاميين " نعم يا نجيمي لقد دافعنا بالأمس عن المنجد ، و عن العريفي ، و عن الأحمد ، واليوم ستكون لقمة سائغة في أفواه أهل العلمنة فوالله لن ننافح عنك ولن ندافع عنك وأنت خصيم نفسك " ؟
الحقيقة أن منهج أهل السنة في التعامل مع المجتهد المخطئ منهم , خاصة إذا كان ممن لم يعرف عنه أنه من أصحاب الهوى و الشذوذات , هو أنهم لا يقرونه على خطئه , لكنهم في المقابل يلتمسون العذر له, و يحفظون له سابقته في الدعوة و العلم و الجهاد.
قال الإمام الذهبي :" ولو أنَّ كلَّ من أخطأ في اجتهاده ـ مع صحَّة إيمانه وتوخِّيه لاتباع الحقِّ ـ أهدرناه وبدَّعناه، لقلَّ مَن يسلم من الأئمَّة معنا، رحم الله الجميعَ بمنِّه وكرمه" "سيرأعلام النبلاء (14/376)"
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفوراً لهم ، بل ليس من شرطهم ترك الصغائر . مطلقاً ، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه توبة . " مجموع الفتاوى ، [ج11 ، ص66-67].
وقال ابن القيم رحمه الله : "وكيف يعصم من الخطأ من خلق ظلوماً جهولاً ، ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته" مدارج السالكين ، [ج2 ، ص522].
بل قد روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)
"صححه الألباني في السلسلة , و قال عنه الشيخ بن باز – في مجموع الفتاوى – حديث جيد"
وقد قيل في معنى (ذوي الهيئات) أنهم أهل المروءة والخصال الحميدة من عامة الناس ، الذين دامت طاعتهم واشتهرت عدالتهم ، ولكن زلت في بعض الأحايين أقدامهم ، فوقعوا في ذنب وخطأ.
و عليه فالواجب ألا نقطع الأمل - كما فعل البعض – من الشيخ النجيمي , أو أن نبالغ في التشنيع عليه , فإن ذلك من الخطأ , و من إعانة الشيطان على أخينا .
كذلك فإن من الخطأ وضعه في خانة بعض المنتسبين للعلم الشرعي , الذين حملتهم حظوظ النفس على إباحة الإختلاط , بل و جعله علاجاً ناجعاً لجميع مشكلات الأمة , ابتداءً من مشكلة التخلف الصناعي و التكنلوجي, و انتهاءً بمشكلة انتشار القمل!
و أخيراً , فإن التماس العذر للشيخ لا يعني إقراره , بل نطلب منه و قد تبين له خطأ تقديره و اجتهاده – إذ لم تنجح محاولته في تأليف قلوب أولئك النسوة , بل لا أظن على وجه البسيطة أبغض إليهن منه , كيف و قد وصفهن بالقواعد ! _ أن يعلن تراجعه عن ذلك الخطأ الاجتهادي , و أن يدع عنه القول بأن ما قام به كان اختلاطا عابرا أو عرضي , فكم سيفتح هذا التأويل من أبواب نحن في غنى عنها ، و نحسب أن الشيخ من الرجَّاعين للحق , و ممن يمتلك من الشجاعة الأدبية للتراجع عن الخطأ, متى ما بدا له الصواب.
و لا أنسى أن أوجه رجائي لكل مشايخنا و دعاتنا , بأن يعلموا أنهم مستهدفون , و أن يتنبهوا إلى أن كل زلة منهم محسوبة , ليس عليهم فحسب , بل على جميع أهل السنة , خاصة و نحن نعيش عصر اقتناص أخطاء دعاة و علماء السنة و زلّاتهم.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حامد العُمري
  • المقالات
  • القصائد
  • الصفحة الرئيسية