بسم الله الرحمن الرحيم

آثار سلفية في المسألة


وقد رأيت قبل أن أجيب على ما استشكله بعض الإخوة من الأحاديث وكلام بعض الأئمة ، أن أنقل شيئا من كلام السلف ، يبين فهمهم لعلاقة العمل بالإيمان ، وأنه ركن كالقول ، لا ينفع قول بلا عمل ، كما لا ينفع عمل بلا قول .
1- قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والحسن وسعيد بن جبير :
جاء عن هؤلاء قولهم : ( لا ينفع قول إلا بعمل ، ولا عمل إلا بقول ، ولا قول وعمل إلا بنية ، ولا نية إلا بموافقة السنة).
أثرعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود
أخرجهما ابن بطة في الإبانة 2/803 ( 1089 ).
وأثر الحسن أخرجه ابن بطة: 2/803 (1090).
واللالكائي 1/63 (18)
و أثرسعيد بن جبير أخرجه اللالكائي 1/64 (20).
2- زيد بن أسم مولى عمر (ت:36 ه):
قال :( لا بد لهذا الدين من أربع: دخول في دعوة المسلمين ، ولابد من الإيمان وتصديق الله وبالمرسلين أولهم وآخرهم والجنة والنار والعث بعد الموت ، ولابد من أن تعمل عملا صالحا تصدق به إيمانك) .رواه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان أثر رقم 136 وصححه الألباني.
3- الأوزاعي رحمه الله : قال :( لا يستقيم الإيمان إلا بالقول ، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل ، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة .
وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل ، والعمل من الإيمان ، والإيمان من العمل ، وإنما الإيمان اسم يجمع هذه الأديان اسمها ، ويصدقه العمل ،
فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها .
ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين ) . الإبانة لابن بطة 2/807 (1097).
قال شيخ الإسلام بعد نقله : ( وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف أنهم يجعلون العمل مصدقا للقول ) ( 7/296).
4- إسحاق بن راهوية :
قال رحمه الله : ( غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنا لا نكفره، يرجأ أمره إلى الله بعد، إذ هو مقر. فهؤلاء الذين لا شك فيهم. يعني: في أنهم مرجئة.). نقله ابن رجب في فتح الباري 1/25
5- أبو ثور :
قال رحمه الله : ( فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان؛ فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال لهم: {وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرّاكِعِينَ }[البقرة:43]، إلا قرار بذلك أو الإقرار والعمل؟
فإن قالت : إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل؛ فقد كفرت عند أهل العلم من قال إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة!
فإن قالت : أراد منهم الإقرار والعمل!
قيل : فإذا أراد منهم الأمرين جميعا لم زعمتم أنه يكون مؤمنا بأحدهما دون الآخر وقد أرادهما جميعا؟!
أرأيتم لو أن رجلا قال: اعمل جميع ما أمر الله ولا أقر به أيكون مؤمنا؟
فإن قالوا: لا !
قيل لهم : فإن قال: أقر بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئا أيكون مؤمنا؟
فإن قالوا: نعم!
قيل لهم : ما الفرق وقد زعمتم أن الله عز وجل أراد الأمرين جميعا فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمنا إذا ترك الآخر جاز أن يكون بالآخر إذا عمل ولم يقر مؤمنا لا فرق بين ذلك!
فإن احتج فقال: لو أن رجلا أسلم فاقر بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أيكون مؤمنا بهذا الإقرار قبل أن يجيء وقت عمل؟ قيل له: إنما نطلق له الاسم بتصديقه أن العمل عليه بقوله أن يعمله في وقته إذا جاء وليس عليه في هذا الوقت الإقرار بجميع ما يكون به مؤمنا، ولو قال: أقر ولا أعمل؛ لم نطلق له اسم الإيمان. وفيما بينا من هذا ما يكتفي به ونسأل الله التوفيق".
شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/931ـ933، تحت رقم 1950)، ومجموع الفتاوى (7/387)
6- سفيان الثوري قال :
( أهل السنة يقولون : الإيمان قول وعمل مخافة أن يزكوا أنفسهم ، لا يجوز عمل إلا بإيمان ، ولا إيمان إلا بعمل، فإن قال من إمامك في هذا؟ فقل سفيان الثوري). (شرح أصول الاعتقاد 5/1052 (1792).
وقال سفيان أيضا : ( كان الفقهاء يقولون : لا يستقيم قول إلا بعمل ، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة).
أخرجه ابن بطة في الإبانة 1/333 ( 190 ) ، 2/807 (1098).
وقال أيضا : وقد سئل عن الارجاء فقال : ( يقولون الايمان قول ونحن نقول الايمان قول وعمل.
والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرا بقلبه على ترك الفرائض وسموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم ، وليسوا سواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر ، وبيان ذلك في أمر آدم صلوات الله عليه وإبليس وعلماء اليهود.
أما آدم فنهاه الله عز وجل عن أكل الشجرة وحرمها عليه فأكل منها متعمدا ليكون ملكا أو يكون من الخالدين فسمي عاصيا من غير كفر.
وأما إبليس لعنه الله فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمدا فسمي كافرا .
وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي رسول كما يعرفون ابناءهم وأقروا به باللسان ولم يتبعوا شريعته فسماهم الله عزوجل كفارا.
فركوب المحارم مثل ذنب آدم عليه السلام وغيره من الانبياء .
وأما ترك الفرائض جحودا فهو كفر مثل كفر إبليس لعنه الله .
وتركها على معرفة من غير جحود فهو كفر مثل كفر علماء اليهود والله أعلم).
قال الأخ علي بن احمد بن سوف في كتابه : التبيان لعلاقة العمل بمسمى الايمان ص 169:
(قال ابن حجر : سويد بن سعيد بن سهل الهروي الاصل ثم الحدثاني بفتح المهملة والمثلثة يقال له الانباري بنون ثم موحدة ابو محمد : صدوق بنفسه الا انه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول ، من قدامى العاشرة . اه
انظر التقريب ، وكانت رواية مسلم له قبل العمى .
وقال عنه الامام احمد : أرجو ان يكون صدوقا ، وقال : لا بأس به ، وكان احمد ينتقي عليه ولديه صالح وعبد الله يختلفان اليه للسماع منه . انظر تاريخ بغداد 9/228 وذكر الاثر ابن عبد البر . انظر فتح البر للمغراوي 1/447 . وقد حسن الشيخ الالباني لسويد بعض الاحاديث . انظر الصحيحة 5/280 . وروى عنه مسلم في الصحيح : 1/14 ، 53 ، 167 ، فارجو أن يكون الاثر حسن الاسناد والله اعلم ) .
والاثر رواه عبد الله بن احمد في السنة 1/347 ، وذكره ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم وفي شرحه على البخاري 1/25
7- سهل بن عبد الله التستري :
وقد سئل عن الإيمان ما هو ؟ فقال :
( هو قول ونية وعمل وسنة لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر ، وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق ، وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة).
الإبانة 2/814 ( 1116 ) ، ومجموع الفتاوى 7/171
8- الإمام ابن بطة العكبري المتوفى سنة 387 هـ
قال في الإبانة 2/760
( باب بيان الإيمان وفرضه وأنه : تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات لا يكون العبد مؤمنا إلا بهذه الثلاث .
قال الشيخ : اعلموا رحمكم الله أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فرض على القلب المعرفة به والتصديق له ولرسله ولكتبه وبكل ما جاءت به السنة ،
وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولا
وعلى الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفرضه من الأعمال
لا تجزيء واحدة من هذه إلا بصاحبتها .
ولا يكون العبد مؤمنا إلا بأن يجمعها كلها حتى يكون مؤمنا بقلبه ، مقرا بلسانه ، عاملا مجتهدا بجوارحه .
ثم لا يكون أيضا مع ذلك مؤمنا حتى يكون موافقا للسنة في كل ما يقوله ويعمله ، متبعا للكتاب والعلم في جميع أقواله وأعماله.
وبكل ما شرحته لكم نزل به القرآن ومضت به السنة ،
وأجمع عليه علماء الأمة ).
وقال أيضا : 2/ 779
( واعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل لم يثن على المؤمنين ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم والنجاة من العذاب الأليم ولم يخبرهم برضاه عنهم إلا بالعمل الصالح والسعي الرابح .
وقرن القول بالعمل ، والنية بالإخلاص حتى صار اسم الإيمان مشتملا على المعاني الثلاثة
لا ينفصل بعضها عن بعض ، ولا ينفع بعضها دون بعض ، حتى صار الإيمان قولا باللسان ، وعملا بالجوارح ، ومعرفة بالقلب ، خلافا لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم وتلاعبت الشياطين بعقولهم .
وذكر الله عز وجل ذلك كله في كتابه ، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته ).
وقال في 2/795
( قال الشيخ : فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل ،
وأن من صدق بالقول وترك العمل كان مكذبا وخارجا من الإيمان.
وأن الله لا يقبل قولا إلا بعمل
، ولا عملا إلا بقول .).
9- وقال ابن الحنبلي (ت:536 ه ) في ( الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة )2/802
( والدلالة أيضا على أن الإيمان قول وعمل ، قول الله تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فأخبر الله تعالى أن القول لا يرفع إلا بالعمل ، إذ العمل يرفعه ، فدل على أن قولا لا يقترن بالعمل لا يرفع .
وقد قال تعالى ذكره : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " فأخبر أن كل من لا يقترن عمله بقوله بعمله (كذا) فلا حظ له في الجنة .
وقال عز وجل : " وغني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " فأخبر تعالى أنه لا يغفر إلا لمن يجمع له القول والعمل ، فهو لا ينفع أحدهما دون صاحبه.
وقال عز وجل : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " فوصف أن الإيمان قول وعمل ، وأن القول لا ينفع إلا بالعمل ، كما أن العمل لا ينفع إلا بالقول)
وقال 2/808 ( وقد قال تعالى : " وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون " وقال أيضا :" أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون "
فهذه الآيات تدل على أنه لا ينفع أحدهما دون الآخر .
فهذه براءة من قول المرجئة وما يتشعب من مذاهبهم وأقاويلهم) انتهى كلام ابن الحنبلي.

كتبه ... الموحد