صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ملامح التلفيق الظاهرة في دعوى نسبة الترفُّض إلى العترة الطاهرة

محمد بن حسن المبارك


يدَّعي سدنة المذهب الشيعي أنهم ورِثوا مذهب الرفض عن أهل البيت النبوي رضي الله عنهم، ويُشيعون ذلك عنهم، كما هو مقتضى المذهب الرافضي، وخلاصة روايات الرافضة في كتبهم المشهورة، ولكن في الحقيقة فإنَّ تلك الدعوى الواهية تصطدم بعِدة عقبات تاريخية كبرى، وتتجاوز بل تُغضي عن كثيرٍ من التناقضات التاريخية الصارخة التي تًُناقِض تلك المزاعم.
فهناك عدة إثباتات جوهريَّّة تدل على أن دين الشيعة دين ملفق مختلق مزوَّر، لفَّقَه أعداء الإسلام من المجوس الفُرس الحاقدين على الإسلام وأهله، لا سيما الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، وبالأخص الفاروق الذي قوَّض دولة الفرس المجوس، ثمَّ نسَبوا ذلك المذهب المهلهَل إلى أهل بيت النبوة ترويجاً لباطلهم وعصبيةً لدينهم المجوسي وسعياً في إعادة دولتهم الفارسية المجوسية.
وقد وجدوا أعواناً لهم من اليهود الحاقدين على الإسلام وأهله لا سيما مِمَّن أخرجهم الفاروق رضي الله عنه من جزيرة العرب.
فمِمَّن تلبَّس بدعوتهم من اليهود عبد الله بن سبأ اليهودي، وميمون بن ديصان وابنه عبيد الله وذريتهما -من بعدُ- من العُبيديين الباطنيين.
وهذا معنى قول علماء الإسلام من السلف الصالح عن مذهب أهل الرفض أنَّه نبتةٌ نصرانية في أرض مجوسية بأيدِ يهودية.

مقدمة في تاريخ أهل البيت:
وفي هذا البحث المختصر سندلِّل للقارئ عبر استقراء الثوابت الراسخة -والمتفق عليها بين المؤرخين سنة وشيعة- من تاريخ أهل البيت النبوي الطاهر رحمهم الله على كون أهل البيت النبوي بعامَّة كانوا -وما زلوا- على مذهب أهل السُّنة والجماعة.
فقد اتفق المؤرخون قاطبةً من السنة والشيعة على أنَّ أهل البيت النبوي كانوا يعيشون في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام بين ظهراني أهل السنة، وقد كان الخلفاء يريدونهم على الخروج من المدينة النبوية وهم يأبَونَ ذلك.
نعم خرج موسى الكاظم من بعدُ إلى العراق بناءً على طلب الخليفة العباسي هارون الرشيد، فكان في ضيافة العباسيين، وتوفي في بغداد عام (183) هجرية، فقبرُه هنالك، وتُسمَّى –الآن- المنطقة التي دُفِن بها رحمه الله بالكاظمية نسبةً إلى قبره.
كما استدعى المأمون عليَّاً الرضا رحمه الله ليجعَلَه ولياً للعهد من بعدِه، فخرج الرضا إلى خراسان، فتوفِّي بها رحمه الله عام (203) هجرية، وقبره في مدينة مشهد.
أمَّا أول من خرجَ من المدينة من أهل البيت المعدودين في الأئمة -من قِبَل الاثني عشرية- فهو: علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، وهو لم ينتقل للكوفة بل انتقل إلى سامرَّاء إجابةً لرغبة الخليفة العباسي المتوكل رحمه الله، وتوفي علي الهادي هنالك عام (254) هجرية. رحمه الله عن ابنين هما الحسن المعروف بالعسكري؛ لأنه سكن سامراء وهي بلاد عسكر المتوكل، وجعفر الذي تنعته الرافضة بالكذاب لأنه نفى وجود ابنٍ للحسن ففضحهم، فلذلك فإقامة أولئك الأئمة خارج المدينة كانت مُدَّة يسيرة جِداًّ، وعلى غير مُرادِهم رحمهم الله.

التلفيق التاريخي عند الشيعة:
ومن هنا تنبُع عِدة تساؤلات منطقية حول مذهب العترة الطاهرة، بل أدِلَّة واضحةٌ لكلِّ ذي لُب ممَّا لا يستطيع الشيعة المعاصرون ولا السابقون لها رداًّ ولا تحويلاً:

فمن تلك الأدِلَّة الدالَّة على التلفيق التاريخي لدعوى انتساب أهل البيت لمذهب الرفض تمثيلاً لا حصراً:
1- أنَّ علياً رضي الله عنه كان داخلاً في طاعة الخلفاء الراشدين من قبله وموالياً لهم، والشيعة تزعمُ ضِدَّ ذلك، ولو كان مخالفاً لهم في المعتقد -كما تزعم الشيعة- ومجانباً لهم لخرج من المدينة التي لم تُبايِعه إلى غيرها من بلاد المسلمين لا سيما البلدان التي افتتحت حديثاً كالعراق وفارس مثلاً، فإنَّ أهل تلك الأقاليم كانوا قد دخلوا في الإسلام حديثاً، وطُلبتهم الحق، ولو علموا أنَّ علياًّ مُنع الحقَّ لنصروه، ولكن ما حدث أنَّ علياً رضي الله عنه لم يخرج من المدينة إلاَّ بعد أن بُويِع بالخلافة لا العكس ممَّا يوهِن مزاعم الرافضة.

2- لم يخرج أحدٌ من ذرية الإمام علي من الأئمة الأحد عشر رحمهم الله على الخلافة العادلة، إلاَّ ما كان من أمر الحسين رضي الله عنه واستشهاده في وقعة كربلاء، ومع ذلك فخروجه كان بسبب مظالم يزيد، وقتله للصحابة في وقعة الحرَّة بالمدينة المنورة لا طلباً من الحسين رضي الله عنه الخلافة لنفسه، وإن كان أحقَّ الناس بها في ذلك الوقت.
ولذلك فعندما ناظر زيدٌ بن علي أخاه محمداً الباقر في مسألة اشتراط الخروج في وقوع الإمامة وكان زيدٌ يشترطها، استدلَّ محمد عليه بأنَّه على أصله ذلك لا يكون أبوهما علياً بن الحسين إماماً لأنَّه لم يخرج ولم يأمر بالخروج.

3- كيف يقيم أهل البيت النبوي -فيما بعد- بين أهل السنة إذا كانوا رافضة كما يدَّعي الشيعة، وكيفَ يدَعون الإقامة في المدن والأقاليم التي كان تعجُّ بِمَّن يدَّعي محبَّتهم ونُصرتهم من أهل الرفض وغُلاة الشيعة مثل الكوفة أو خراسان، لا سيما وأن إقامتهم بالمدينة كانت تحت أنظار الخلافة العباسية، بعكسِ ما إذا انتشروا في الآفاق.

4- لم يكُن أحدٌ ممَّن خرج من أهل البيت على الخلافة على مذهب الرفض، بل كان خروجهم سياسياً لا مذهبياً، ومن أقام منهم دولة كانت دولته بعيدةً عن الرفض.
فمِمَّن كان على مذهب أهل السنة والجماعة ممَّن قامت له دولةٌ من أهل البيت:
أ- إدريس بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب منشِئ دولة الأدارسة بالمغرب، بل إن إدريس بن الحسن هو سبب انتشار مذهب مالك في المغرب، وذلك لأن الإمام مالك ما كان يرى صِحَّة خلافة أبي جعفر المنصور الذي كان قد بايع من قبل لمحمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكية أخي إدريس، فبالتالي يرى انشغال ذمة أبي جعفر ببيعةٍ شرعية لمحمد بن الحسن، وقد أوذي الإمام في ذلك ولم يرجع عن قوله.
وكانت تلك البيعة قد انعقدت سراً لمحمد، وممن بايعه إخوته ووالده عبد الله بن الحسن، وأبو جعفر المنصور وأخوه أبو العباس وجعفر الصادق الذي تصنفه الشيعة إماماً سادساً، وغيرهم من أعلام أهل البيت النبوي.
ب- أشراف مكة الحسينيون الذين حكموا مكة في العصور المتأخرة.
ج- وكذلك الأشراف الحسَنيون الذين حكموا المدينة.

5- وكذلك من كان على مذهب الزيدية من أهل البيت، فهؤلاء وإن كانوا على المذهب الزيدي فإنهم لم يتلبَّسوا بالرفض، وإنما اقتصر تشيعهم على تفضيل علي رضي الله عنه على الشيخين، واشتراطهم تولية الفاضل على المفضول، مع تولِّيهم لجميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممَّا يُعرف تاريخيا باسم التشيع السياسي لا المذهبي.

فمِمَّن قامت له دولةٌ منهم "ممَّن كان على المذهب الزيدي"، ولم يتلبَّسوا بشيءٍ من الرفض:
أ- محمد بن يوسف الأخيضر، وهو محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الجون بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب مؤسس دولة الأخيضريين باليمامة، ثم ذريته من بعده، ومحمد هذا هو الذي قدم اليمامة من الحجاز فأقام الدولة الأخيضرية سنة (252 هـ) (866 م).
ب- وكذلك الحسين بن القاسم الرسي. منشئ الدولة العلوية في صعدة وصنعاء باليمن عام (280 هـ)، ووالده هو القاسم الرسي هو صاحب رسالة "الرد على الرافضة " وهي مطبوعة مشهورة، ومثل هذه الرسالة كان ينبغي أن يكون لأهل السنة بها مزيد عناية، لأنها تجلو الغمة وتُنير البصيرة في الوسط الشيعي الزيدي.
ج- الناصر للحق الحسن الملقَّب بـ"الأطروش" لقِلَّة سمعه، صاحب دولة العلويين بالديلم، وكان السبب في إسلام سكان الجيل والديلم، وقد امتد نفوذه إلى طبرستان ففتح (آمل) ودخل (جالوس) سنة (301هـ) واستقر له الحكم إلى وفاته عام (304هـ) أيام المقتدر العباسي (295-320هـ)، وقد خلَّف تراثاً علمياً كبيراً ليس فيه شيءٌ على مذهب أهل الرفض، ومنه كتاب "البساط" حققه مؤخراً الأستاذ عبد الكريم جدبان، وتمت طباعته الأولى عام 1997م- دار التراث بصعدة.

6- مع أن كثيراً من أهل البيت النبوي رحمهم الله معدودون في عداد علماء أهل السنة والجماعة، ومنهم غالب الأئمة الأحد عشر "لأن الثاني عشر مختلق مزعوم"، كالحسنين وزين العابدين والباقر والصادق والكاظم وغيرهم من أئمة أهل البيت.
بل إن الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد الله بن ابن يزيد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطّلبي الشافعي، الذي هو إمام أحد المذاهب الأربعة عند أهل السنة رحمه الله يمتُّ بصلة وثيقة للبيت النبوي فهو مطَّلِبي مُناِفي قرشي، وآل المطَّلب من أهل البيت، فلذلك فمذهب الجمهور أنهم لا يحل لهم أخذ الزكاة.

الرافضة والتلفيق الحديثي:
المتأمِّل لكتب الشيعة ومصادرهم المُعبرة يُلاحظ عدَّة أمور تُقلِّل بل تنسف الثقة بجميع تلك الكتب والمرويات، فمن ذلك:

1- لم يكن للشيعة كتاب في أحوال الرجال حتى ألف الكشي في المائة الرابعة كتابا لهم في ذلك، وهو كتاب غاية في الاختصار، وقد أورد فيه أخبارا متعارضة في الجرح والتعديل، كما أن المتتبع لأخبار رجالهم يجد أنه كثيرا يوقع غلط واشتباه في أسماء الرجال أو آبائهم أو كناهم أو ألقابهم.

2- أنه ليس للشيعة معايير ولا مقاييس في نقد الحديث والأثر والأخبار، وتهافت أخبار الشيعة لا يحتاج إلى إثبات وتوثيق، بل ليس لوسائل الإسناد إليها من طريق، مِمَّا يدلُّ على استشراء الوضع عندهم واستساغة التلفيق.
ومن أراد التأكُّد فليراجع كتاب "كسر الصنم " لآية الله البرقعي رحمه الله والذي اهتدى إلى مذهب أهل السنة، إذ أبان فيه رحمه الله تهافت روايات الكافي للكليني -الذي هو أصح كتبهم- فغيره من الكتب من باب أولى.

3- كان التأليف في أصول الحديث وعلومه معدوما عندهم حتى ظهر زين الدين العاملي الملقب عندهم بالشهيد الثاني (المتوفى سنة 965هـ)، يقول شيخهم الحائري: (ومن المعلومات التي لا يشك فيها أحد أنه لم يصنف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني)( [1]).
بل حتى تقسيم الشيعة للأحاديث إلى صحيح وضعيف كان في القرن السابع، يقول الحر العاملي:
(أن هذا الاصطلاح مستحدث، في زمان العلامة، أو شيخه، أحمد بن طاوس، كما هو معلوم، وهم معترفون به)( [2]).

فما هو سبب التأليف فيها يا تُرى:
من الملاحظ، أن هذا العلم ظهر عند الشيعة موافقا لحملة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التشنيع على الشيعة في كونهم ليست لديهم كتب في أحوال الرجال، ويظهر هذا جلياًّ في قول العاملي "إمام الجرح والتعديل عند القوم" :
(والذي لم يعلم ذلك منه، يعلم أنه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نقل الحديث منه، والفائدة في ذكره مجرد التبرك باتصال سلسلة المخاطبة اللسانيّة، ودفع تعيير العامة الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة، بل منقولة من أصول قدمائهم)( [3]).
فهاهنا يبين الحر العاملي الذي هو المفروض أن يكون علامة في الجرح والتعديل) أن وضع السند فقط لدفع اتهامات أهل السنة والجماعة، إنما أصل تصحيحهم هو ناقل الحديث الثقة، ولا يلزم ثقة المنقول عنهم! .
إذاً فعلم الحديث عندهم ما هو إلا تقليدٌ لأهل السنة، ودفعٌ لتشنيعهم، يقول شيخهم الحائري:
(ومن المعلومات التي لا يشك فيها أحد أنه لم يصنف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني وإنما هو من علوم العامة)، ويعني بالعامة –بالطبع- أهل السنة( [4]).
ويقول الحر العاملي أيضاً: (إن طريقة المتقدمين مباينة لطريقة العامة، والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة، واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع، وكما يفهم من كلام الشيخ حسن، وغيره).

4- بل وحتى علم الجرح والتعديل المستحدث فيه تناقضات واختلافات في حدوده وضوابطه وشرائطه، حتى قال شيخهم الفيض الكاشاني: (في الجرح والتعديل وشرائطهما اختلافات وتناقضات واشتباهات لا تكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كمالا يخفى على الخبير بها)( [5]).
فهذا هو اعتراف شيخهم ومقدَّمهم في الجرح والتعديل، لكن هذه لعلَّها تهون عند التي تليها وهو قول الحر العاملي معرِّفاً الحديث الصحيح:
(بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها، عند التحقيق، لأن الصحيح –عندهم-: «ما رواه العدل، الإماميّ، الضابط، في جميع الطبقات». ولم ينصوا على عدالة أحد من الرواة، إلا نادراً، وإنما نصوا على التوثيق، وهو لا يستلزم العدالة، قطعا بل بينهما عموم من وجه، كما صرح به الشهيد الثاني، وغيره. ودعوى بعض المتأخرين: أن "الثقة" بمعنى «العدل، الضابط» ممنوعة، وهو مطالب بدليلها. وكيف؟ وهم مصرحون بخلافها، حيث يوثقون من يعتقدون فسقه، وكفره، وفساد مذهبه؟)( [6]).

5- ومع ذلك فالرواة كلهم -لا جُلُّهم- لا تُعلم أحوالهم، فهم كلهم مجروحون، فيكفي أنه لم يسلم من الجرح عندهم لا جابراً الجعفي ولا الحارث الأعور ولا المغيرة بن سعيد ولا زرارة بن أعين، ولا غيرهم من مشاهير رواتهم، بل يروون عن أئمتهم لعنهم والتبرؤ منهم، وقد لخص شيخ الطائفة الطوسي أحوال رجالهم باعتراف مهم يقول فيه:
(إن كثيرا من مصنفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة، ومع هذا إن كتبهم معتمدة)( [7]).
ويقول الحر العاملي عن منهج علماء الشيعة في التوثيق: (يوثقون من يعتقدون فسقه، وكفره، وفساد مذهبه؟)( [8]).
ويقول أيضاً: (ومثله يأتي في رواية الثقات؛ الأجلاء -كأصحاب الإجماع، ونحوهم- عن الضعفاء، والكذابين، والمجاهيل، حيث يعلمون حالهم، ويروون عنهم، ويعملون بحديثهم، ويشهدون بصحته)( [9]).
فيا سبحان الله! عن أيِّ عقل تأصَّلت تلك القواعد، وتفتَّقت هاتيك الأوابد، فسبحان من قسَّم العقول وحرم منها الرافضة؟؟

6- كما يلاحِظ أن مجاميعهم الكبيرة كبحار الأنوار والوسائل ومستدرك الوسائل وغيرها، فهذه تزعم أنها جمعت بين السبعين إلى الثمانين كتابا لم يرها أحدٌ من قبلهم، ولم ينقل عنها ناقل، بل يأتي المجلسي فيزعم من قرون استيعابه لكتب القوم وأحاديثهم، ثم يأتي بعده من يستدرك عليه كتباً جديدة، وأحاديث جديدة لم تكن معروفة على مدى ألف عام! " فيالله العجب"؟

7- ولو سلمت مروياتهم من الكذب والتحريف -وأنَّى لها ذلك وهذا حال رُراتها- فإن احتمال التقية عليها وارد، ولذلك فمن أراد تصحيح حديث عندهم حمَلَ الجرحَ على التقية من الإمام أو خاصته -ممن يزعمون-. وما أدراه ما الذي خرج مخرج التقية مما كان من واجب النصيحة؟
وهذا ديدن أهل الرفض، فهم يتركون كتاب الله الذي تكفل الله عز وجل بحفظه ويدَّعون فيه التحريف، ومع ذلك فمصادرهم التي يتولَّونها إمَّا:
- إحالة إلى غائب كالجفر الذي يزعمون، أو رقاع المهدي الذي يفترون، أو قرآن فاطمة الذي ينتظرون.
- وإمَّا أخبار كذبة ٍ يستحيل روايتهم عن إمام أو غيره، ولو سلمت ما كانوا مأمونين عليها، ولو اؤتمنوا عليها ما كان إلى توثيقها سبيل لعلل كثيرة، منها:
أ- الانقطاع.
ب- والإرسال.
ج- وجهالة حال الراوي في كثير من الأحيان، وربَّما جهالة العين.
ومع ذلك فليس عندهم شيء اسمه تخريج، أو جمع طرق وأسانيد، بل يأتي أحدهم بمتن بإسناد من القرن الخامس مثلا، ويأتي غيره قبله أو بعده من قرن آخر بنفس الإسناد لمتن آخر، ويروي من هو في القرن الثالث مثلاً عمَّن هو في القرن الخامس.
وقد تجد اثنين من أصحاب كتبهم المعتمدة يُكثران الرواية من طريق شيخ، هذا يروي عنه ألف حديث أو أكثر، وذاك يروي نفس العدد أو أكثر عن نفس الشيخ، ثم لا يشتركان ولا في حديث واحد!

8- ثمَّ بعد ذلك اختلاف رواياتهم وأقوالهم، وظهور التناقض والاختلاف في كتبهم حتى في الأمور العقدية، حتى اشتكى من ذلك علماؤهم، كنتيجة طبيعية لعدم التفريق بين الصحيح والضعيف، واختلاط الحابل بالنابل في دين الإثني عشرية.
وقد أكثر الشكاية من ذلك شيخهم محمد بن الحسن الطوسي كثيراً، وذلك لما آلت إليه كتبهم وأحاديث من التضاد والاختلاف والمنافاة والتباين، يقول الطوسي:
(لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه)( [10]).

ويقول أيضاً الفيض الكاشاني صاحب الوافي:
(تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين قولاً أو أزيد؛ بل لو شئت أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا عليها أو في بعض متعلقاتها)( [11]).
ويقول الكشي:
اشتكى الفيض بن المختار إلى أبي عبد الله قال: [[ جعلني الله فداك، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ فقال: وأي الاختلاف؟ فقال: إني لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم.. فقال: أبو عبد الله أجل هو ما ذكرت أن الناس أولعوا بالكذب علينا، وإن أحدث أحدهم بالحديث، فلا يخرج من عندي، حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وحبنا ما عند الله، وإنما يطلبون الدنيا، وكل يحب أن يدعى رأساً ]]( [12]).

9- وكذلك اختلاف نُسخ كتبهم اختلافاً شديداً، مما يُسقِط الاحتجاج بها، فهذا كتاب الكافي ـ على منزلته عندهم ـ، اختلف في عدد أجزائه اختلافاً شديداً:
فمن قائلٍ أنها خمسون جزءاً.
ومن مُدَّعٍ أنها ثلاثون جزءاً فقط.
فشيخ الطائفة الطوسي المتوفى سنة (360هـ) يقول:
(كتاب الكافي مشتمل على ثلاثين كتاباً أخبرنا بجميع رواياته الشيخ..) انتهى كلامه " الفهرست" (ص 161).
بينما يقول شيخ الشيعة الثقة حسين بن حيدر الكركي العاملي المتوفى سنة (1076هـ):
(إن كتاب الكافي خمسون كتاباً بالأسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالأئمة)( [13]).
مع أن كل كتاب يضم عشرات الأبواب، وكل باب يشمل مجموعة من الأحاديث.
أمَّا تهذيب تهذيب الأحكام للطوسي فقد زيد فيه سبعة آلاف وتسعمائة وخمسون رواية.
فهذا أغابزرك الطهراني في كتابه الذريعة (4/504) ومحسن العاملي في أعيان الشيعة يقول عن عدد أحاديث التهذيب: أنها بلغت أحاديثه (13950).
بينما صرح الطوسي نفسه صاحب الكتاب عن عدد أحاديث الكتاب في كتابه الآخر "عدة الأصول": أن أحاديث التهذيب وأخباره تزيد على (5000)، ومعنى ذلك أنها لاتصل إلى (6000) في أقصى الأحوال.
فمن أين أتت تلك الـ (7950) رواية..؟؟؟
هذا مع أنك لا تجد أحداً منهم يروي من طريق كتاب مسند يتقدمه، فالكافي مثلا لا تكاد تجد واحداً خرَّج من طريقه على مدى ستة قرون بعده، بل ولا يعزو إليه.
ولذلك فالذي يظهر أنَّ كتب الحديث المسندة عندهم بما في ذلك كتاب الكافي للكليني منحولة مصطنعة، اختُرعت ورُكِّبَ جلها -إن لم يكن كلها- بعد القرن الثامن الهجري، وجل كتب رجالهم كذلك.
بل الذي يظهر أن القوم أيام الصفويين كانوا يرجعون لكتب التراجم، فإذا رأوا رجلا رُمي بتشيع وأُلِّف له كتاب نسجوا من عندهم له كتاباً بنفس الاسم، وألصقوه به.
ومن رأى الكتب المزعومة المسندة التي خرجت لهم علم بيقين أنها مزورة على يد من لا يُتقن الحديث، فتجد ما لم يُعرف عبر الدهر يُروى بأسانيد مشرقة بأئمة السنة!، وطالِع كتاب "مائة منقبة" لابن شاذان، أو "شواهد التنزيل" المنسوب للحسكاني، وترى مصداق ذلك.
فالقوم لا يوجد لديهم شيء اسمه نسخ مخطوطة معتمدة قديمة عند غيرهم، بل القوم معروفون بطبخ المخطوطات من قديم، وذكر عبد الرحمن بدوي سوقا كاملة رآها لذلك في طهران في مذكراته.

10- بل إنَّ غالب كتب القوم وعلى رأسها "الكافي" لم تظهر قبل الدولة الصفوية، بل ولا حتى النقل عنها، ولذلك فإن ابن المطهر الحلي لم ينقل شيئاً عن الكافي في كتابه "منهاج الكرامة في إثبات الإمامة"، ولم يكُنْ معروفاً لديه، وهذا من أعجب العجب!

11- بل حتى شيخ الإسلام ابن تيمية في ردِّه على ابن المطهر المعروف بـ"منهاج السنة " لم يذكر الكافي ولا كثير من أصول الشيعة المعتمدة عندهم الآن! وكذلك الذهبي في مختصره.

12- كما يلاحظ أنَّ رواة الشيعة عن أهل البيت -وعلى الأخصِّ الرواة عن جعفر الصادق- كلهم كوفيون وجعفر الصادق رحمه الله وسائر أئمة أهل البيت من قبله مدنيون! ولذلك فليس لجعفر ولآبائه -عدا السبطين رضي الله عنهما- أضرحة عند الشيعة لأنهم ماتوا رحمهم الله في المدينة بين أهل السنة.
ولذلك فقد نصَّ شيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن تيمية قدس الله روحه أن الرفض لم يُعرف في المدينة قبل القرن السادس.
والشيعة يعلمون ذلك جيداً، ولذلك تجد في روايات الكليني وغيره عن رواتهم: (كتب إليَّ أبو عبد الله -أي: جعفر- بكذا، وكتبت إليه بكذا).
فالسؤال الذي يطرح نفسه متى رأى أولئك الرواة جعفراً رحمه الله، وغيره من الأئمة، وكيف؟
ولو جاز ذلك منطقياً، فكيف استطاعوا تجاوز عقبة العباسيين ورواية كل تلك الآثار، إذ معلوم ٌ أن العباسيين كانوا يراقبون العلويين ليل نهار، لا سيما بعد خروج محمد بن عبد الله بن الحسن المثنَّى بن الحسن السبط المعروف بالنفس الزكية، وبالله المستعان، وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

------------------------
( [1]) مقتبس الأثر: (ج 3/73).
( [2]) وسائل الشيعة (ج/30 ص:262).
( [3]) وسائل الشيعة (ج/30، ص:258).
( [4]) مقتبس الأثر: (ج3/73).
( [5]) الوافي (ج1/11-12).
( [6]) وسائل الشيعة (ج30 ص:260).
( [7]) الفهرست للطوسي: (ص:24-25).
( [8]) وسائل الشيعة (ج30 ص:260).
( [9]) وسائل الشيعة (ج30 ص:206).
( [10]) تهذيب الأحكام: (1/2-3).
( [11]) الوافي، المقدمة (ص:9).
( [12]) رجال الكشي: (ص:135-136)، وكذلك بحار الأنوار: (2).
( [13]) روضات الجنات (6/114).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد آل مبارك
  • مقالات
  • تحقيقات ومؤلفات
  • فرق ومذاهب
  • تراجم
  • أدبيات
  • الصفحة الرئيسية