صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







السائحون

بدر بن نادر المشاري

 
الحمد لله مانح الهبات مجزل العطيات، مهيئ الطيبات، مرسل النفحات.الحمد لله على حسن الكفاية، الحمد لله على جميل الرعاية الحمد لله على عزة الولاية، الحمد لله المدل على الهدى الحاجز من الردى ما حمام شدا وما بدر بدا وما طل غدا.
من هم السائحون وما هي سياحتهم؟ هل هم الذين يجوبون الأرض طولاً وعرضاً ويقضون أوقاتهم هباء وسداً أو أكتشافاً وتطلعاً كلا لو عرفناهم وعرفنا سياحتهم لتمنوا أن يكون سائحون العام كله.
السائحون هم الصائمون والسائحات هن الصائمات وسياحة هذه الأمة الصيام، أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون، يا سائحون بشرى لكم وفضيلة قول الله { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (التوبة ) ، قال بن جرير أما قوله السائحون فإنهم الصائمون وهو قول أبي هريرة وابن عباس وسعيد بن جبير وعبد الرحمن ومجاهد والحسن والضحاك وقالت عائشة سياحة هذه الأمة الصيام وبشرى لكن أيضاً أيتها السائحات ،(( مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً )) قال ابن عباس سائحات صائمات وهو قول قتادة والضحاك فأنعم بالصيام سياحة لهذه الأمة ترفع بها الدرجات وتكفر بها الخطيئات وتكسر بها الشهوات ويستجلب بها الخيرات وتوفر الطاعات ويشكر عالم الخفيات ويبعد بها العبد عن النار والنفحات ويقرع بها أبواب الجنات. وصدق رسول الهدى والغمام المحتمي يوم قال:"أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة، ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء . ينظر الله إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله

مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام *** يا حبيباً زارنا في كل عام
قد لقيناك بحب مفعمِ *** كل حب في سوى المونى حرام
فأغفر اللهم منا ذنبنا *** ثم زدنا من عطايك الجسام

أيها السائحون هنئياً لكم هذه البشرى
في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريحُ من تحت العرش يقال لها المثيرة فتصفق أوراق أشجار الجنان وحلق المصاريع فيسمع لذلك طنين لم يسمعه السامعون أحسن منه فتبرز الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة فينا دين هل من خاطب إلى الله فيزوجه ثم يقلن الحور العين يا رضوان الجنة ما هذه الليلة فيجبهن بالتلين ثم يقول هذه أول ليلة من شهر رمضان فتحت أبواب الجنة على الصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم " رواه البهيقي وغيره ورواه الإمام أحمد 0

بشرى لنا جمعياً وكيف لا يُبشر العاقل بوقت يُغل الشيطان فبلوغ هذا الشهر العظيم يرفعك عند الله جاء في حديث عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:"كان رجلان أسلما مع النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد أحدهما وأمر الآخر سنة قال طلحة بن عبيد الله فأريت الجنة فرأيت فيها المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد فعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذُكر ذلك الرسول فقال"أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة أو كذا وكذا ركعة صلاة السنة بل ستكون في منزلة الصديقين والشهداء بصيام شهر رمضان فعن عمرو بن مره رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله أرأيت إن شهدت إن لا إله إلا الله وإنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فمن أنا قال من الصديقين والشهداء" رواه ابن خزيم وابن حبان.

أيها السائحون والسائحات
اعلموا أن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته فاتق الله في أمانته عندك
نصوم فإن الصوم من علم التقى *** وإن طويل الجوع يوماً سيشبع

أيها السائح ويا أيتها السائحة
اعلموا أنه ليس الصوم صوم عن الجماع والطعام وإنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام وصمت اللسان عن فضول الكلام وغض العين عن النظر إلى الحرام وكف الكف عن أخذ الحطام ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام فكن كما شئت فإنما تجني ما تغرس ولا يدرك ألطاف العطايا الربانية إلا من ربّى للصوم نيه .

أيها السائحون
الصوم يورث السقيا يوم العطش ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: " بعث أبا موسى على سرية في البحر وبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذا هاتف فوقهم يهتف يا أهل السفينة قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه فقال أبو موسى أخبرنا إن كنت مخبراً قال : إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم العطش " وفي رواية " أن من عطش نفسه لله في يوم حار كان حقاً على الله أن يرويه يوم القيامة " حسن قال المنذري رواه البزار باسناد حسن إن شاء الله وحسنه الألباني في صحيح الترغيب [0 1 / 412 ] .
فكان أبو موسى يتوقى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصوم يقول ابن رجب عن بعض السلف قال : " بلغنا أنه يوضع للصوام مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب فيقولون يا رب نحن نحاسب وهم يأكلون فيقال إنهم طالما صاموا وأفطرتم وقاموا ونمتم ويصدق فيهم ما قاله بن الجوزي في مقاماته جاعوا بالنهار وما يفهمون كيف صاموا وشبعوا بالليل فناموا وما قاموا .

أيها السائحون
الصوم في الشتاء غنيمة باردة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة " حسن رواه أحمد في مسنده وغيره وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم ( 3868 ) .
ويقول بن الخطاب الفاروق عمر " الشتاء غنيمة العابدين "
ويقول الحسن " نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه " وقال قتادة: " إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن يقصر النهار فيصومه ويطول الليل فيقومه " ، وكان عبيد بن عمير الليثي إذا جاء الشتاء يقول : " يا أهل القرآن قد طال الليل لصلاتكم وقصر النهار لصومكم "
أيها السائحون إن الشتاء ربيع المؤمن ، يقول ابن رجب : " لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام" ..... لطائف المعارف ص341 .
فهنيئاً لك أيها السائح صيفك وشتاءك إذا كانا كذلك .

قلّب فؤادك في محاسن شرعنا *** تلقى جميع الحسن فيه مصوراً
كم من معان في صيام نبينا *** نفح أرق من النسيم إذا سرى
وأنظر لفرق صيامهم وصيامنا *** نهراً تفجرّ أحمديا كوثراً
فدهشت بين جماله وجلاله *** وغداً لسان الحال عني مخبرا
لو أن كل الحسن أكمل صوره *** ورآه كان مهللاً ومكبراً
 

أيها السائحون
سياحتكم هذه أي صومكم في سبيل ربكم سبيل إلى الجنات، قال رسولكم صلى الله عليه وسلم " من ختم له بصيام يوم دخل الجنة" ... صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6224 .
قال المناوي:" من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب" ... ( فيض القدير 6/123) ورواه أحمد بإسناد لا بأس به. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا حذيفة من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة" والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/412.
فهي خصلة لدخول الجنة عظيمة في الحديث الذي رواه مسلم وابن خزيمة من حديث أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أصبح اليوم منكم صائماً فقال أبو بكر أنا فقال من أطعم منكم اليوم مسكيناً قال أبو بكر أنا فقال من تبع منكم اليوم جنازة فقال أبو بكر أنا قال من عاد منكم اليوم مريضاً قال أبو بكر أنا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة" وجاء في الحديث عند ابن خزيمة عن أبي معانق أو أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام" إسناده حسن لغيره رواه ابن خزيمة في صحيحه وقال الألباني في التعليق على صحيح ابن خزيمة إسناده حسن لغيره....(3/306-307 ).
أخيراً أيها السائحون أتريدون غير الجنة منزلاً وغير الرسول صاحباً وغير الحور أزواجاً وغير نداء الله نداءً{ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَة } قال مجاهد وغيره نزلت في الصائمين .

أقول وباختصار أيها السائح ويا أيتها السائحة
من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله يرجو عنده عوض ذلك في الجنة عوضه الله ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً مما تركه، فكيف بكم وقد تقلصت شفاهكم عطشاً، قال يعقوب بن يوسف الحنفي (بلغنا أن الله تعالى يقول لأوليائه يوم القيامة يا أوليائي طالما نظرت إليكم في الدنيا وقد قصلت شفاهكم عن الأشربة وغارت أعينكم وجفت بطونكم كونوا اليوم في نعيمكم وتعاطوا الكأس فيما بينكم).
وقال الحسن:(تقول الحوراء لولي الله وهو متكئ معها على نهر العسل تعاطيه الكأس: إن الله نظر إليك في يوم صائف بعيد ما بين الطرفين وأنت في ظمأ هاجره من جهد العطش فباهى بك الملائكة وقال: انظروا إلى عبدي ترك زوجته وشهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي رغبة فيما عندي اشهدوا أني قد غفرت له فغفر لك يومئذ وزوجنيك).

فلا تعجبوا أيها السائحون
فقد كان بعض الصالحين يصوم حتى انحنى وانقطع صوته فمات فرآه بعض أصحابه الصالحين في المنام فسأله عن حاله فضحك وأنشد:
قد كسى حلة البهاء وطافت *** بالأباريق حوله الخدام
ثم حلّي وقيل يا قارئاً أرقه *** فلعمرك لقد براك الصيام

إذاً أيها السائحون
من ترك لله في الدنيا طعاماً وشراباً وشهوة مدة يسيرة عوضه الله عنده طعاماً وشراباً لا ينفد وأزواجاً لا يمتن أبداً. ( لطائف المعارف 177-178)

فكثرة الصيام وطول التهجد مهر للحور العين.

كان بعض الصالحين كثير التهجد والصيام فصلى ليلة في المسجد ودعا فغلبته عيناه فرأى في منامه جماعة علم أنهم ليسوا من الآدميين بأيديهم أطباق عليها أرغفة بياض الثلج فوق كل رغيف درر كأمثال الرمان فقالوا كل فقال إني أريد الصوم، قالوا له: يأمرك صاحب هذا البيت أن تأكل قال: فأكلت وجعلت آخذ ذلك الدر لأحتمله فقالوا له: دعه نغرسه لك شجراً ينبت لك خيراً من هذا قال أين قالوا: في دار لا تخرب وثمر لا يتغير وملك لا ينقطع وثياب لا تبلى منها قرة أعين أزواج رضيات مرضيات راضيات لا يغرن فعليك بالانكماش فيما أنت فإنما هي غفوة حتى ترتحل فتنزل الدار فما مكث بعد هذه الرؤيا إلا جمعتين حتى توفي فرآه ليلة وفاته في المنام بعض أصحابه الذين حدثهم برؤياه وهو يقول لا تعجب من شجر غرس لي في يوم حدثتك وقد حمل فقال له ما حمل قال لا تسأل لا يقدر أحد على صفته لم ير مثل الكريم إذا حل به مطيع. ... ( لطائف المعارف ص178 ) .
يا سائحون ألا خاطباً في هذه السياحة إلى الرحمن ألا راغباً فيما أعده الله للسائحين في الجنات ألا طالباً لما أخبر به من النعيم المقيم فطوبى لمن أظمأ نفسه اليوم للري الكامل وطوبى لمن جوع نفسه اليوم للشبع الأكبر وطوبى لمن ترك شهوات حياة عاجلة لموعد غيب لم يره وطوبى للسائحين والسائحات ما أعد لهم في الجنات، ولو يعلم السائحون عن هذه السياحة لتمنى الناس أن يكون رمضان السنة كله كما أخبر بذلك المعصوم عليه الصلاة والسلام0
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } (التوبة آية 120 ) اللهم اهل علينا هذا الشهر بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والعافية المجللة ودفاع الأسقام والعون على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن اللهم سلمنا لرمضان وسلمه لنا وسلمه منا حتى نخرج من رمضان وقد غفرت لنا ورحمتنا وعفوت عنا، اللهم إنا نسألك خير هذا الشهر فتحه ونصره وبره ورزقه ونوره وظهوره ونعوذ بك من شره ومن شر ما بعده.
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بدر المشاري
  • رسائل ومقالات
  • الصفحة الرئيسية