صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







واستدار الزمان (التاريخ الهجري)

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد 

بدر بن نادر المشاري

 
إهداء...
إلى المعتزين بتاريخ أمتهم المجيد..
إلى من يبتغون درب أسلافهم الرشيد..
إلى من أُعجبوا بثقافة الغرب فأرَّخوا بتاريخهم..
إلى أمة الإسلام أهدي هذه الكلمات..
وأقول تنبّهي..

{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}

محمد رسولنا صلى الله عليه وسلم لاينطق عن الهوى؛بل هو نبي معصوم كل كلمة منه دين،وكل جملة منه سنة؛ فالجد منهجه، والحق مقصده، والإصلاح أمنيته، هو الذي أوتي جوامع الكلم، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم فتأمل قبسًا من قبسات النبوة { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ } (13-14) [الطارق: 13، 14]
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"
رواه البخاري.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ؛ ؛ ؛
إذن لمحمد صلى الله عليه وسلم
ففي شهر ربيع الأول من العام الثالث عشر من البعثة وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرًا من مكة البلد الأول للوحي وأحب البلاد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، خرج من مكة مهاجرًا بإذن ربه بعد أن أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يبلّغ رسالة ربه ويدعو إليه على بصيرة فلم يجد من أكثر قريش وأكابرهم سوى الرفض لدعوته والإعراض عنها والإيذاء الشديد له صلى الله عليه وسلم ومن آمن به حتى آل الأمر بهم إلى التخطيط و المكر والخداع لقتله صلى الله عليه وسلم حيث أجمع كبراؤهم في دار الندوة وتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة وأنه لابد أن يلحق بهم ويجد النصرة والعون من الأنصار الذين بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم وحينئذ تكون له الدولة على قريش فقال عدو الله أبو جهل: الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًّا جلدًا ثم يعطى كل واحد سيفًا صارمًا ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف (أي: عشيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم أن يحاربوا قومهم جميعًا فيرضون بالدية فنعطيهم إياها مكرًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن ويمكرون ويمكر الله بهم كما قال تعالى:{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }   [لأنفال: 30]
فأعلم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بما أراد المشركون وأذن له بالهجرة.
ومن ذلك الحين كلما استدار الزمان و استقبل المسلمون عامًا إسلاميًّا هجريًّا جديدًا تذكروا أجلَّ مناسبة عظيمة في الإسلام وهي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة الذي بها كوّن دولة إسلامية في بلد إسلامي مستقل يحكمه المسلمون.

الهجرة هجرتان
هذه قصة الهجرة وهذا الزمان استدار و يستدير، والهجرة هجرتان: الأولى هجرة قلبية إلى الله بعبادته وحده لا شريك له وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم باتباعه وفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه كما قال : صلى الله عليه وسلم "وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ" رواه البخاري، وهذه الهجرة ملازمة للمسلم طوال حياته لا يتركها أبدًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" عَنْ أَبِي هِنْدٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ وَقَدْ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ فَتَذَاكَرْنَا الْهِجْرَةَ وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ انْقَطَعَتْ، وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ لَمْ تَنْقَطِعْ فَاسْتَنْبَهَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ فِيهِ فَأَخْبَرْنَاهُ وَكَانَ قَلِيلَ الرَّدِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" رواه أحمد.
والهجرة الثانية هجرة بدنية وهي تتضمن الهجرة القلبية و هي الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، و تجب عند الحاجة إليها إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه في بلاد الكفر { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } [ النساء: 100] .

إذًا يا كل مسلم:
هاجِر من المعتقدات الباطلة والشرك بالله ، إلى تصحيح ذلك بالتوحيد الخالص الذي لاتشوبه شائبة.
هاجِر من ظلمة العصيان إلى نور الطاعة والإيمان.
هاجِر من كثرة الإقبال على اللذات والشهوات، إلى الخوف من مقام الرب ونهي النفس عن الهوى.
هاجِر من الجهل والقسوة، إلى العلم ونور البصيرة والرحمة.
هاجِر من الفوضوية والشتات في الأوقات، إلى التنظيم والترتيب والحرص على سائر اللحظات في طاعة رب الأرض والسموات.
هاجِر من إفلات الجوارح والأعضاء لتفعل ماتشاء، إلى ضبطها وحفظها عن الحرام وتحصينها بما أمر به الله.{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء:36]
"باختصار"
هاجِر عن كل مانهى الله عنه ويبغضه، إلى كل ما أمر الله به ويرضاه.

فرقت بين الحق والباطل
من المعلوم أنه في بداية الإسلام لم يكن التاريخ السنوي معمولاً به حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب في السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته أي سنة ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة، ومناسبته أن الصحابي الجليل أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم فيقال إن بعضهم قال: أرِّخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملك، أرِّخوا بولاية من بعده. فكره الصحابة ذلك فقال بعضهم: أرَّخوا بتاريخ الروم فكرهوا ذلك. فقال بعضهم: أرِّخوا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون: من مبعثه، وقال آخرون: من مهاجره فقال عمر رضي الله عنه : الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرِّخوا بها فأرِّخوا من الهجرة واتفقوا على ذلك.

نبدأ بالمحرم
تشاور عمر رضي الله عنه مع الصحابة رضي الله عنهم من أي شهر يكون ابتداء السنة فقال بعضهم: من شهر رمضان؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وقال بعضهم: من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرًا، واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم؛ لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام دينهم والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمة على الهجرة؛ فبدأ بالسنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم الحرام { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ }  [ التوبة: 36] .

أمة متبوعة
استعمر ت النصارى بعض البلاد وأرغمت أهلها أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري فأرَّخوا بالتاريخ الميلادي، وبعد أن أزال الله عنهم هذا الكابوس المستعمر وظلمه وتجبره لم يعد هناك عذر بالبقاء على التاريخ الميلادي الذي لا يمت إلى ديننا بصلة.
والأمة الإسلامية يجب أن تجعل لنفسها وجودًا وكيانًا مستقليْن مستمديْن من روح الدين الإسلامي، وأن تكون متميزة عن غيرها؛ في كل ما ينبغي أن تتميز به من الأخلاق والآداب والمعاملات وغيرها لتبقى أمة بارزة مرموقة لا تابعة لغيرها هاوية في تقليد من سواها تقليدًا أعمى لا يجرُّ إليها نفعًا ولا يدفع عنها ضررًا، وإنما يظهر بمظهر الضعف والتبعية وينسيها ما كان عليه أسلافها، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
{ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا } [ النساء: 139]

شهور العام
من نعم الله وتيسيره أن جعل الحساب الشرعي العربي مبنيًّا على شهور هلالية لها علامة حسية يفهمها الخاص والعام، وهي رؤية الهلال في المغرب بعد غروب الشمس، فمتى رُئي الهلال فقد دخل الشهر المستقبل وانتهى الشهر الماضي، وبذلك نعرف أن ابتداء التوقيت اليومي من غروب الشمس لا من زوالها؛ لأن أول الشهر يدخل بغروب الشمس وأول الشهر هو أول الوقت وهذه الشهور الهلالية هي مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص كما قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } [البقرة: 189]

الشهور الوهمية
إن غير الشهور الهلالية هي شهور وهمية بنيت على غير المشروع والمعقول والمحسوس من الأشهر الإفرنجية المختلفة حتى أصبح بعضها ثمانية وعشرين يومًا، وبعضها واحدًا وثلاثين والبعض بين ذلك، ولا يعلم لهذا الاختلاف سبب حقيقي معقول؛ فهي شهور وهميــة اصطلاحيــة غير منضبطة كره أهل العلم قديمًا وحديثًا - وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم- التأريخ بما عند أولئك العجم والروم والقبط.
وقد سئل الإمام أحمد- رحمه الله- : إن للفرس أيامًا وشهورًا يسمونها بأسماء لا تعرف، فكره ذلك أشد الكراهة، ويُروى عن مجاهد أنه كان يكره أن يقال: أذار ماه وغير أحمد ومجاهد كثير من العلماء.
بل طلب أكثر من مرة من المؤرخين بها إعادة النظر في الشهور الإفرنجية وتغييرها وقوبلت بالرفض والمعارضة من قبل الأحبار والرهبان ونحن أحق منهم بالتمسك بتاريخنا الإسلامي الهجري.

لا تهنئة ولا عيد
لن نرضى أبدًا بتغيير هذا التاريخ الإسلامي الهجري على أن لا نجعل فيه ما لم يكن من ديننا وشرعنا بشيء فنحن أمة متعبدة لا نشرّع شيئاً من العبادات والمواسم الدينية إلا ما كان ثابتًا بأمر ربنا أو بفعل وقول وإقرار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو عمله الخلفاء الراشدون والصحابة المهديون، فإن الخلق إنما أمروا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، فمن تعبَّد الله بما لم يشرعه الله ولا رسوله؛ فعمله مردود عليه؛ لقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، ومن ذلك التهنئة والاحتفال وإقامة الأعياد لدخول عام أو انقضائه، فهذه الأعمال ليست من السنة في شيء { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [سورة الحشر : 7] .
فكل عمل ليس له أصل في الشرع ولم يقم عليه دليل من السنة؛ فهو ابتداع المضلين، وهو من السبل المتفرقة التي تتفرق بمن اتبعها عن سبيل الله { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام: 153].

الواجب علينا
يجب علينا أن نعلم أنه ليست الغبطة بكثرة الشهور والسنين وإنما الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة مولاه، فكثرة السنين خير لمن أمضاها في طاعة الله، وشر على من أمضاها في معصية الله، وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله؛ فعلينا أن نستقبل أيامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربنا ومحاسبة أنفسنا وإصلاح ما فسد من أعمالنا ومراقبة من ولَّانا الله تعالى عليه من الأهل والزوجات والأولاد بنين وبنات وأقارب ومن له حق علينا، وأن نتذكر أن لله في تعاقب الشهور والأعوام وتوالي الليالي والأيام حكمة بالغة فإن الله جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ومراحل للآجال يعمرها الناس بما يعملون من خير وشر حتى ينتهوا إلى آخر أجلهم قال الله تعالى : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ، هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون، إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } [يونس: 4 -6]
ومن رحمته بعباده أن جعل لهم ليلاً ونهارًا وجعل لكل منهما آيتين: آية النهار وهي الشمس، وآية الليل وهي القمر،جعل الليل ليسكنوا فيه، والنهار مبصرًا؛ ليبتغوا فيه فضلاً من الله ويطلبوا فيه معايشهم، وجعل كل نهار يتجدد بمنزلة الحياة الجديدة يستجد فيه العبد قوته ويستقبل عمله، ولذلك سمَّى الله النوم بالليل وفاة، واليقظة بالنهار بعثًا فقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأنعام:60] ، ومن حكمته ورحمته أن جعل الشمس والقمر حسبانًا ففي الشمس معرفة الفصول وفي القمر حسبان الشهور ، حتى جعل السنة اثنا عشر شهرًا من يوم خلق السموات والأرض وهذا عدد أشهر العام الإسلامي الهجري. منها أربعة حرم.

الأشهر الحرم
وهي أربعة؛ لقوله تعالى: { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ }  [التوبة:36]، ثلاثة منها متوالية وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم والرابع فيها مفرد وهو رجب بين جمادى وشعبان، والسنة فيها اثنا عشر شهرًا، ويستدير الزمان بها، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ" رواه البخاري.

أشهر الحج
هي المعلومات كما قال الله تعالى:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } [البقرة: 197]، وهي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.

أيام وأحكام

أيام فاضلة

يوم عاشوراء:
هو اليوم العاشر من الشهر المحرم، ويُسَنُّ صيامه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ،"عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ يَبْتَغِي فَضْلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ لِيَوْمِ عَاشُورَاءَ أَوْ رَمَضَانَ قَالَ رَوْحٌ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ " [رواه أحمد] ولمخالفة اليهود واتباعًا للسنة صُم يومًا قبله وهو اليوم التاسع، أو يومًا بعده وهو اليوم الحادي عشر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ. صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا "[رواه أحمد].

العشر الأولى من شهر ذي الحجة:
والتي أقسم الله بها في القرآن بقوله: { وَالْفَجْرِ ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر: 1،2] ويُسَنُّ فيها الإكثار من الأعمال الصالحة؛ بل العمل الصالح فيها أحب إلى الله من غيرها قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " [رواه أحمد]. فليكن لك حظ من الذكر والتهليل والتسبيح وسائر الصالحات، ويكفي أن فيها أعظم يوم طلعت عليه الشمس ألا وهو يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة ،ويُسَنُّ لغير الحاج صيامه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَرَأَيْتَ صِيَامَ عَرَفَةَ؟ قَالَ: أَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ صَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: أَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ" [رواه أحمد].
وللحاج الابتهال والتضرع والدعاء وخير ما قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير .

شهر رمضان:
هو أفضل شهور العام كلها لماله من المزايا والفضل، و يكفي أن فيه ليالي العشر المباركة. عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ " [رواه مسلم]. وفيها أعظم ليلة وهي ليلة القدر ، التي هي أعظم ليلة في العام كله تكون في العشر الأخيرة من رمضان أخفاها الله لحكمة أرادها وحتى يجتهد العباد في قيامها، هي ليلة واحدة خير من ألف شهر، قال تعالى:{ إنا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [القدر: 1ـ5].

هذه أعيادنا
ليس للمسلمين عيد سوى عيدين: عيد الأضحى وعيد الفطر، فعيد الفطر هو اليوم الأول من شوال، وعيد الأضحى هو اليوم العاشر من ذي الحجة، ويحرم على المسلم صيامهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا صَوْمَ يَوْمَ عِيدٍ [رواه أحمد]. ويُسَن لك فيها الأكل والشرب والذكر وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" [سنن النسائي].

صيام ست من شوال
وهي ستة أيام من شهر شوال، ويُسَنُّ فيها الصيام باتباع رمضان لمن أتمه ويجوز الصيام في أوله وفي أوسطه وفي آخره متتابعة أو متفرقة بعد القضاء لمن كان عليه قضاء من رمضان ويصبح صائمها بعد رمضان كأنما صام الدهر كله، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ " [رواه مسلم].

يوم الجمعة
هو يوم يتكرر كل أسبوع مرة فيه من الخصائص والفضائل الشيء الكثير، ومنها أن فيه ساعة إجابة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا" [رواه البخاري]، وهو خير يوم طلعت عليه الشمس وأشرق عليه النهار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ" [رواه مسلم].
وفضائل هذا اليوم كثيرة ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أكثر من مائة وثلاثٍ وثلاثين ميزة وفضلاً لهذا اليوم العظيم؛ فحري بالمسلم الإكثار من الأعمال الصالحة فيه.

الأيام البيض
هي أيام ثلاثة: اليوم الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، ويُسَنُّ صيامها نافلة وتطوعًا، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ الْقَيْسِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ لَيَالِي الْبِيضِ ثَلاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ، وَقَالَ: هِيَ كَصَوْمِ الدَّهْرِ" [رواه أحمد].

أيام التشريق
أيام منًى وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر والتي قال الله عنها: وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ  [البقرة: 203] أخرج الإمام مسلم في صحيحة من حديث كبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل " وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في أيام منًى مناديًا ينادي لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ".

يومان تعرض فيهما الأعمال
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ قَالَ فَقِيلَ لَهُ قَالَ: فَقَالَ إِنَّ الأَعْمَالَ تُعْرَضُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، أَوْ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إِلا الْمُتَهَاجِرَيْنِ فَيَقُولُ أَخِّرْهُمَا" [رواه أحمد].

نفس في الشتاء ونفس في الصيف
يمر في كل عام فصل الشتاء وفصل الصيف، وفيهما آيتان عظيمتان شدة البرد و شدة الحر ، من تأملهما تذكر زمهرير جهنم وحرها يوم استأذنت النار ربها فأذن لها بنفسين: عن أبي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ" [رواه البخاري].
 

بدع وضلالات

إن الله يداول الأيام بين الناس ليعلم الذين آمنوا من غيرهم ممن ظلموا أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا وصدق الله يوم قال:{ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [آل عمران: 140]، وممن ظلموا أنفسهم الذين وقعوا وأوقعوا في البدع والمخالفات في أيام وشهور ومواسم هي من عند أنفسهم، فعَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"الْفَجْرَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" [رواه أحمد]، ومن تلك البدع:

المولد النبوي:
ففي الليلة الثانية عشر من شهر ربيع الأول يجتمع المبتدعة في المساجد والبيوت بقصد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصلوات محدثة ويقرؤون مدائح للنبي صلى الله عليه وسلم تخرج إلى حدِّ الغلو بحجة عيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا العمل بدعي لا أصل له في الإسلام، والسبب لأنهم فعلوه من عند أنفسهم ولم يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله أحد صحابته ولا الخلفاء الراشدون ولا المسلمون في القرون الثلاثة المفضلة ولا التابعون لهم بإحسان ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، والصواب أن محبته وتعظيمه تكون في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته ظاهرًا وباطنًا، ونشر ما بعث به ومن أجله والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان.

يوم عاشوراء:
وقد جعله (الرافضة): يوم مأتم وحزن حيث إن الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ قتل فيه فخالفوا السنة في هذا اليوم وأحدثوا البدعة وفعل المحرمات من الندب والنياحة وضرب أجسامهم إظهارًا للجزع على قتل الحسين رضي الله عنه ويجعلون ذلك يتكرر في كل عام، ولا شك أن قتل الحسين مصيبة نزلت بالمسلمين ولكن المصائب لا تقابل بالجزع والبدع والنياحة واللطم فهذه من أمور الجاهلية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
وإنما تقابل المصائب بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره ولا يجعل لها ذكرى تتكرر كل عام وقد قتل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمنه عدد كثير من خيار الصحابة فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة إلا الصبر والاحتساب.
و كذلك (النواصب) المتعصبون جعلوا يوم عاشوراء موسم فرح على الحسين وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الجهَّال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد ، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء ؛ كالاكتحال، والاختضاب ، وتوسيع النفقات على العيال ، ونحو ذلك مما يُفعل في الأعياد والمواسم ، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح .
وكلا الفريقين أحدث في الدين ماليس منه.

شهر صفر:
لقد كان يعتقد أهل الجاهلية في هذا الشهر أنه شهر شؤم يمتنعون فيه من مزاولة الأعمال المباحة التي كانوا يزاولونها في غيره فأبطل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ " [رواه البخاري]، وهذا تشاؤم وتطير وهو نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن الأمراض تُعْدِي بطبعها من غير اعتقاد بتقدير الله لذلك، وقوله ولا هامة (الهامة : البومة) ومعناه نفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية فيها بأنها إذا وقعت على بيت أحدهم يتشاءم، ويقول نعت إلي نفسي أو أحدًا من أهل داري فيعتقد أنه سيموت هو أو بعض أهله تشاؤمًا بهذا الطائر .
وكان أهل الجاهلية يتشاءمون بشهر صفر ويقولون: إنه شهر شؤم فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وبيَّن أنه لا تأثير له إنما هو كسائر الأوقات والأيام، ومن الناس إلى اليوم من يتشاءم بصفر أو ببعض أيامه، كيوم الأربعاء أو يوم السبت فلا يتزوج في هذه الأيام ظنًّا منه أن المتزوج لا يوفَّق، وهذا اعتقاد وظن باطل.

شهر رجب:
وفيه إحياء ذكرى الإسراء والمعراج بالاحتفالات وأنواع العبادات فتخصص ليلة السابع والعشرين فيه بالذكر والعبادة والأدعية ظنَّا منهم أن هذه هي ليلة الإسراء وهذه بدعة لا أصل لها، والإسراء والمعراج حق لكن لم يقم دليل على تحديد ليله ولا على شهره وحتى لو حددت وعرفت فمن الذي أذن لهؤلاء القوم إحياءها { آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ } [يونس: 59].
قال شيخ الإسلام ــــ رحمه الله ـــ: "وقد أحدث الناس في هذا الشهر عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله من ذلك تعظيم أول خميس منه وليلة أول جمعة منه فإن تعظيم هذا اليوم وتلك الليلة من رجب إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة، والحديث المروي في ذلك كذب باتفاق العلماء ولا يجوز تعظيم هذا اليوم؛ لأنه مثل غيره من الأيام"
وقال الحافظ بن رجب: "فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به".
نعم شهر رجب من الأشهر الحرم، لكن لا ينبغي لأحد أن يشرِّع فيه ولا في غيره إلا ما شرِّعه الله والذي ثبت لنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ قَالَ:" اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ وَكَانَ يَقُولُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ غَرَّاءُ وَيَوْمُهَا أَزْهَرُ".
قَالَ النَّبِيَّ : صلى الله عليه وسلم "مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلَّا رُفِعَ مِثْلُهَا مِنْ السُّنَّةِ فَتَمَسُّكٌ بِسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ إِحْدَاثِ بِدْعَةٍ" [رواه أحمد].

شهر شعبان:
في كل عام من ليلة النصف من شعبان يرِّوج بعض الجهّال ومن يغتر بهم من العوام احتفالات بهذه الليلة ويخصونها بأنواع من الذكر والصلاة؛ لأنهم يزعمون أنها تقدّر فيها الآجال والأرزاق وما يجري في العام ويظنون أنها هي المعنية بقوله تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4] ويخصون اليوم الخامس عشر من شهر شعبان بالصيام ويستدلون بحديث روي في هذا، وهذا كله من البدع المحدثة؛ لأنه لم يثبت تخصيص ليلة النصف من شعبان بذكر ولا قيام ولا تخصيص ليومها بصيام، وما لم يثبت فيه دليل فهو بدعة في الدين ومخالف لعمل المسلمين المتمسكين بالسنة التاركين للبدعة قال بعض العلماء المحققين في هذه الليلة ومنهم أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع، وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال:(ما أدركنا أحدًا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان ولا يرون لها فضلاً على سواها).
وقال ابن رجب في كتابه لطائف المعارف: "وأنكر ذلك أي تخصيص ليلة النصف من شعبان أكثر علماء الحجاز منهم عطاء، وابن أبي مليكه، ونقله عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا: ذلك كله بدعة وقال أيضًا: قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه"
وقال الحافظ العراقي: "حديث صلاة ليلة النصف من شعبان باطل" وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات.
وأما صيام يوم النصف من شعبان فلم يثبت بخصوصه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الوارد فيها ضعيف كما قال ابن رجب وغيره، والضعيف لا تقوم به الحجة، وأما زعمهم أنها الليلة التي تقدر فيها أعمال السنة (أي ليلة القدر) وأنها المعنية بقوله تعالى:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم } [الدخان: 3-4]، فهو زعم باطل
قال ابن كثير ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة فإن نص القرآن أنها في رمضان ثم قال عن الحديث المروي في ليلة النصف من شعبان وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" وقال هو حديث مرسل مثله لا يعارض النصوص؛ لذا على المسلم أن لايحدث في دين الله ماليس فيه وندعو الله كما دعا رسولنا صلى الله عليه وسلم :"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ".

شهر شوال:
لقد كان أهل الجاهلية في هذا الشهر لا يتزوجون فيه وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد فتزوج عائشة رضي الله عنها في شوال، وتزوج أم سلمة رضي الله عنها في شوال.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي" [رواه مسلم].
قال ابن كثير رحمه الله:"وفي دخوله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها في شوال ردّ لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين وهذا ليس بشيء".

خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ
قرأت وعرفت وقامت عليك الحجة ففرقت بين الحق والباطل فأعلم أن الحق أبلج والشر لجلج، وخذ الكتاب بقوة لأننا نريد قوة في الحق لا ضعفًا فيه؛ لأن الضعيف مسحوق مخذول يؤتى الإسلام من قبله، والقوي الأمين التقي قوي العزيمة والصرامة في الحق هو المؤمن الحق { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ } [القصص: 26]
و الضعيف يغلبه الوهم وينتصر عليه الظن ولا يدرك المجد.

لا يدرك المجــــد إلا سيــــــد فطن *** لما يشق على السادات فعّالُ
ولا خامل جهلت كفاه مابذلت *** ولا جبان بغير السيف سأّلُ
لولا المشقة ساد النـــــاس كلهم *** الجود يفقرُ والإقدام قتّالُ

وقفة
إذا زارك يوم جديد فقل له: مرحبًا بضيف كريم ثم أحسن ضيافته بفريضة تقضى، وسنة تؤدى، وقرآن يتلى، وتوبة تتجدد، ولا تكدره بالذنوب فإنه لن يعود.
وتذكر قول صاحب القول المحمود في الحديث المسنود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ " [رواه أحمد].
 

لفته

قطعت شهور العمر لهوًا وغفلـــــــة *** ولم تحترم فيمـا أتيت المحـــــــــــرّما
فلا رجبًا وافيت فيه بحقـــــــــــه *** ولا صمت شهر الصوم صومًا متمما
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضى كنت قوامًا ولا كنـــــت محرما
فهل لك أن تمحو الذنوب بِعَبْـــــرة *** وتبكي عليها حســــــــــرة وتنــــــــدماً
وتستقبل العام الجديد بتوبــــــــــة  *** لعلك أن تمحو بهـــــــا ما تقدما

اللهم اجعل عامنا هذا وما بعده أعوام أمن وطمأنينة ـ ـ أعوام علم نافع وعمل صالح ـ ـ أعوامًا تسبغ بها علينا نعمك وترزقنا شكرها ـ ـ أعوامًا تصلح بها أحوالنا وتيسر به أمورنا وتجنبنا فيها الفتن ما ظهر منها وما بطن".

((فتاوى))

العمل بالتاريخ الميلادي

السؤال:
هل العمل بالتاريخ الميلادي فيه تشبه بالنصارى، أم الأولى العمل بالتاريخ الهجري ؟
الجواب:
لقد اقتصر المسلمون على تأريخهم الذي اتفقوا عليه من عهد عمر بن الخطاب الذي وضع لهم هذا التأريخ الهجري، حيث اختار مبدأه من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم- وعمل عليه المسلمون في كتبهم وسيرهم مع معرفتهم بتأريخ من قبلهم، ولم يزالوا كذلك حتى استولى النصارى على كثير من بلاد الإسلام، واستعمروهم واضطروهم إلى تعلم التأريخ الميلادي ، وأنسوهم التأريخ الهجري إلا ما شاء الله، فنقول: إن في العمل بالتأريخ الهجري تذكرًا لوقائع الإسلام وأحوال المسلمين في سابق الدهر، ثم هو أوضح وأبين حيث يعتمد على الأهلة التي ترى عيانًا ويحصل بمشاهدتها معرفة دخول السنة وخروجها، دون إعواز إلى حساب وكتابة، فننصح المسلمين أن يقتصروا على تأريخهم الذي كان عليه سلفهم، وأن يعرضوا عن تأريخ النصارى الذي لا يتحقق صحته، إنما هو مبني على نقل أهل الكتاب وهم غير متيقنين، حيث لم يثبتوا ذلك بالنقل الصحيح. ومتى احتيج إلى معرفة السنة الشمسية، فإن هناك التأريخ الشمسي الهجري وهو يعتمد الحساب، ويسير على سير البروج الاثني عشر التي ذكرها الله تعالى مجملاً كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا  وعرفها الحُسَّاب وعلماء الفلك بالمشاهدة، ففي معرفتها ما يكفي عن الاحتياج إلى تأريخ النصارى، والله أعلم.

من فتاوى فضيلة الشيخ:عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين
 

يعتبر تشبهًا بهم

السؤال :
هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يعتبر من موالاة الكفار ؟.
الجواب:
الحمد لله لا يعتبر موالاة ، لكن يعتبر تشبهًا بهم .
والصحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجوداً في عصرهم ، ولم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجري .
وضعوا التاريخ الهجري ولم يستعملوا التاريخ الميلادي مع أنه كان موجودًا في عهدهم ، هذا دليل على أن المسلمين يجب أن يستقلوا عن عادات الكفار وتقاليد الكفار، لاسيما وأن التاريخ الميلادي رمز على دينهم، لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السنة ، وهذه بدعة ابتدعها النصارى ، فنحن لا نشاركهم ولا نشجعهم على هذا الشيء . وإذا أرّخنا بتاريخهم فمعناه أننا نتشبه بهم .
وعندنا والحمد لله التاريخ الهجري الذي وضعه لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد بحضرة المهاجرين والأنصار ، هذا يغنينا . انتهى

فضيلة الشيخ: صالح الفوزان في كتاب المنتقى 1/257 .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بدر المشاري
  • رسائل ومقالات
  • الصفحة الرئيسية