صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مقتطفات من برنامج الكلمة الطيبة حلقة (( إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم )) مع الشيخ صالح المغامسي

الشيخ صالح بن عواد المغامسي

 
(( نود منكم فضيلة الشيخ أن تسبحوا بنا في بحر من الإيمان وفي بحر من العلاقة مع الله سبحانه وتعالى والحب للمصطفى صلى الله عليه وسلم فتفضلوا بارك الله فيكم . ))

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . و بعد .
فإن الإنسان إذا أدرك يقيناً أنه عبد لربه تبارك وتعالى . عبد وابن عبد وابن أمة . انتصب لما أمره الله جلّ وعلا به , وأذعن لما بلغه الله جل وعلا إياه على ألسنة رسله . وأن مما أفاءه الله علينا معشر المسلمين معشر هذه الأمة أن جعلنا الله جل وعلا حظاً لهذا النبي عليه الصلاة والسلام من الأمم كما جعله عليه الصلاة والسلام حظنا من النبيين . وهو عليه الصلاة والسلام بشارة أخيه عيسى عليه السلام ودعوة أبيه إبراهيم عليه السلام من قبل ورؤيا أمه التي رأت في منامها لما وضعته أن نوراً خرج منها أضاءت له بصرى من أرض الشام صلوات الله وسلامه عليه . والحديث عنه ليس كالحديث عن كل أحد من الخلق وإن كان صلى الله عليه وسلم من جملة الخلق ( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) فلا يتعدى به ما وضعه الله جل وعلا فيه من المقام الرفيع ومن المنزلة الجليلة له صلوات الله وسلامه عليه , إلا أن من رحمة الله جل وعلا بنا أن جعلنا من أمته نسأل الله الثبات على ذلك حتى الممات وأن يحشرنا الله جل وعلا يوم القيامة في زمرته .
نسمع كثيراً المؤذن يقول " أشهد أن محمد رسول الله " فتتعلق قلوبنا وتهفو أفئدتنا إلى ذلك المعنى الجميل الذي ينطوي تحت هذه الشهادة المباركة وإن أعظم ما يفيء إلينا وهذا يشترك فيه المؤمنون أجمعون وهو قضية أن الإنسان يتمنى لو قدر له لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن هذا أمر قد مضى قدراً بقدر الله جل وعلا ورحمته ونحن دائماً وأبداً مؤمنون بقضاء الله جل وعلا وقدره , فإن كان فاتنا شرف الصحبة فقد بقي لنا شرف الإتباع .

أقول إن قول المؤذن "أشهد أن محمد رسول الله " يضع المؤمن أمام تاريخ مجيد وشخصية فريدة وعبد وأي عبد , أثنى الله عليه في الملأ الأعلى بل جعله الله جل وعلا أمنة لأهل الأرض من العذاب , قال الله جل وعلا عن طغاة الأرض يومئذ وهم كفار قريش قال عنهم أو قال لهم : (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ (( الأنفال ( 33 ) .
مع أن تعذيب الأمم السابقة سنة ماضية لم تتغير إلا بعد مبعثه صلوات الله وسلامه عليه .
كما أنه عليه الصلاة والسلام عرج به ربه بواسطة جبريل إلى الملأ الأعلى والمحل الأسنى , وتجاوز مقاماً يسمع فيه صرير الأقلام , كل ذلك من احتفاء الله وإظهار كرامة هذا النبي عند ربه . ولقد قال الله تعالى على لسان نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام مثنياً على مقامه عند ربه عندما قال لأبيه (( قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً )) مريم ( 47 ) , فكيف الاحتفاء بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن كان خليل الله إبراهيم لا يبعد كثيراً عن منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم .
الذي دفعنا إلى هذا القول كله إن هذه الواقعة التي وقعت سنتحدث عنها تفصيلاً بعد تجاوز مسألة إيمانية أقول قد يشتاق كل مؤمن لو نال شرف الصحبة .

على هذا أستأذنكم في وصفه أو نقل ما وصفه به أصحابه الذين كان لهم شرف رؤية هذا النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم وجملة ما قالوه :
أنه كان صلى الله عليه وسلم سبط الشعر بمعنى أن شعره لم يكن مسترسلا ولم يكن ناعماً , أقنى الأنف أجلى الجبهة , في جبينه أو في جبهته عرق يدره الغضب , إذا غضب في ذات الله امتلئ هذا العرق دماً , كان أذج الحواجب في غير قرن , أشم الأنف , طويل أشفار العينين , ضليع الفم أي كبير الفم , مهذب الأسنان , كث اللحية , الشيب فيه ندرة صلوات الله وسلامه عليه وأكثر شيبه في صدغيه الأيمن والأيسر وأكثر شيبه أسفل شفته السفلى في عنفقته , عريض المنكبين , كأن عنقه إبريق فضه , من وهدة نحره إلى أسفل سرته شعر ممتد ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره , كان ينعت بقوله دقيق المسربة ( أي لا يوجد في بطنه وصدره شعر سوى من وهدة نحره إلى سرته خط دقيق من الشعر ) , إذا أشار , أشار بيده كلها , وإذا تعجب من شيء قلب كفيه و قال ( سبحان الله ) . وعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح ( أنه كان إذا تعجب من شيء عض على شفتيه ) صلوات الله وسلامه عليه , من رآه من بعيد هابه . ومن رآه من قريب أحبه , يقول علي رضي الله عنه " لم أر قبله ولا بعده أفضل منه " . ونحن على ما قال علي رضي الله عنه من المصدقين المؤمنين .
فما حملت من ناقة فوق رحلها . . . . أبر و أوفى ذمة من محمد
صلى الله عليه وسلم , ضخم الكراديس أي عظام المفاصل , إذا مشى يمشي يتكفأ تكفؤاً كأنه يتكئ على أمشاط قدميه , عاش صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون عاماً ( 63 ) , أربعون منها قبل أن ينبئ , ثم نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر , وتوفي على رأس ثلاث وستون سنة من عمره الشريف الطاهر صلوات الله وسلامه عليه .
عاش منها ثلاثة عشر عاماً نبياً ورسولاً في مكة , يدعو إلى الله ويجاهد في الله حق جهاده . وضع على ظهره عليه الصلاة والسلام وهو ساجد سلا الجزور وهو يوم ذاك وقد كان من قبل وما زال أفضل الخلق عند الله جل وعلا ومع ذلك بقي ساجداً حتى علمت فاطمة رضي الله عنها وحملته عن ظهره صلى الله عليه وسلم . وهو عند الله في المنزلة العالية والدرجة الرفيعة والمقام الجليل صلوات الله وسلامه عليه . أنزل الله عليه القرآن منجماً في ثلاثة وعشرين عاماً . لم يخاطبه الله جل وعلا بالقرآن كله باسمه الصريح . ليس في القرآن يا محمد إنما في القرآن (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ )) , (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ )) . كل ذلك من دلائل مقامه وجلال شرفه وعلو منزلته عند ربه تبارك وتعالى .

عرج به إلى سدرة المنتهى ثم عاد صلوات الله وسلامه عليه في نفس الليلة ثم بعد ثلاث سنين أو أكثر أو أقل هاجر إلى المدينة فمكن الله له هناك , وأقام دولة الإسلام , مكث في المدينة عشر سنين , جاهد في الله حق جهاده , شج رأسه يوم أحد , وسال الدم على وجهه , وكسرت رباعيته وهو يقول وينظر إلى قريش ) : كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وهو يدعوهم إلى الله ) صلوات الله وسلامه عليه .
في العام العاشر أذن في الناس أنه عليه الصلاة والسلام عازم على الحج . فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته . فأنزل الله عليه في يوم عرفة : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً )) المائدة ( 3 ) . فعلم أن الأجل قاربه , فأخذ يودع الناس ويقول : ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) . ثم رجع إلى المدينة بعد أن أكمل نسكه و أتم حجه . وفي أوائل شهر ربيع الأول من ذلك العام أصيب صلى الله عليه وسلم بصداع ودخل على عائشة رضي الله عنها وهي تقول : ( ورأساه ) قال : ( بل أنا ورأساه ) ثم أخذ يشكو المرض حتى حانت ساعة الوفاة في يوم الاثنين من ذلك الشهر . دخل عليه أسامة بن زيد رضي الله عنه يسأله أن يدعو له فرفع يديه يدعو دون أن يظهر صوتاً وهو سيد الفصحاء وإمام البلغاء , ثم دخل عليه عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه في الساعات الأخيرة وفي يد عبدالرحمن سواك فأخذ صلوات الله وسلامه عليه يحدق النظر في السواك كأنه يريده ففهمت عائشة رضي الله عنها مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت السواك وقضمته وطيبته وأعطته نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستاك في الساعات الأخيرة قبل أن تغيب روحه إلى ربه تبارك وتعالى ثم جاءه الملك يخيره فسمعته عائشة رضي الله عنها وهو يقول : (( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً )) النساء ( 69 ) , ( بل الرفيق الأعلى قالها ثلاثا ) , ففاضت روحه إلى الملأ الأعلى في أعلى عليين في المحل الأسنى والملكوت الأعلى صلوات الله وسلامه عليه .

هذا على وجه الإجمال أيها الأخ المبارك والأخت المباركة سيرة نبيكم عليه الصلاة والسلام . نبذة عن نفسه مما علق قلوبنا بحبه بعد حب الله تبارك وتعالى . فنحن نحبه وأن الله أختاره واصطفاه واجتباه والله جل وعلا يقول : (( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) القصص ( 68 ) .
وهو عليه الصلاة والسلام رسول رب العالمين ونبي الأميين وأفضل أهل الأرض وأفضل أهل السماء صلوات الله وسلامه عليه .

قال شوقي ونعم ما قال :

ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا * يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً * يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي * جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ * لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ


إلى أن قال :

يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً * حَديثُكَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
اللهُ قَسَّمَ بَينَ الناسِ رِزقَهُمُ * وَأَنتَ خُيِّرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ
إِن قُلتَ في الأَمرِ(لا)أَو قُلتَ فيهِ(نَعَم) * فَخيرَةُ اللهِ في«لا»مِنكَ أَو«نَعَمِ»
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتًا فَقامَ لَهُ * وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الزَّمَمِ
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ * وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ * يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ * وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِمْ * كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
صَلّى وَراءَكَ مِنهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ * وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللهِ يَأتَمِمِ
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِمْ * عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ * لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ * وَقُدرَةُ اللهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها * عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ


هذا على وجه الأجمال نبي الرب الكبير المتعال , نبينا صلوات الله وسلامه عليه .
و أكرر أسأل الله أن يثبتنا في الدنيا على دينه وسنته و أن يحشرنا يوم القيامة في زمرته .

((عندما جهلنا وجهل كثير من المسلمين هذه المعاني التي تطرقتم لها كان ذلك سبباً في عدم القيام بحقنا تجاه رسولنا صلى الله عليه وسلم وبالتالي كان ما كان من هذا الاستهزاء الذي حصل من أولئك القوم . هنا وقد ألمحتم في بداية حديثكم إلى أننا نود تحرير هذه المسألة ( مسألة الاستهزاء ) تحريراً علميا ))

استهزاء أهل الرذيلة بأهل الفضيلة سنة ماضية قال الله تعالى عن أول رسله نوح : (( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ )) القمر ( 9 ) , وقال تعالى في آية أشمل (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ )) الفرقان ( 31 ) , فهذه سنة الله , ماضية لله تبارك وتعالى في خلقه . ونبينا صلى الله عليه وسلم في الذروة من أهل الفضل . وما وقع أخيراً من الصحافة الدنماركية من سخرية واستهزاء لنبينا صلى الله عليه وسلم إنما هم في الحقيقة إنما ينبئون عما في قلوبهم .

ولكن تحرير المسألة علمياً :

الأصل في هذه المسألة أن هذا الأمر ينطلق من أصلين :

الأصل الأول : فردي وهذا يختلف الناس فيه وهو قضية الحقد على النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا الحقد قد يوجد في يهودي يوجد في نصراني يوجد في من لا دين له وقد لا يوجد . قد تكون هذه العداوة فردية شخصية , ولذلك نقل حتى بعض اليهود الدنمارك أنكروا على الصحيفة . والله تعالى يقول (( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ )) آل عمران ( 75 ) , فالإنصاف قد يوجد عند غير المسلمين .

الأصل الثاني : وهي محل الكلام هنا وهي قضية القتل وسفك الدماء الذي يحصل أحياناً ونسبته إلى الإسلام أو بتعبير أصح عدم فقههم الغربيين بمفهوم الجهاد والقتال في الإسلام . وهذه القضية قديمة جداً حتى بعض الكتاب كتوماس أور ليد أو غيره ممن حرروا في هذه الخطابات كانوا يقارنون بين ما في القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه من أوامر بالقتال و ما بين ما في الإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام , ويقولون أنظروا إلى الفارق ما بين من يدعوا إلى سفك الدماء وبين من يأمر الناس بالرحمة يقصدون عيسى عليه السلام . وهذا أصل القضية قديماً لكنها أخذت حيزاً أكبر في عصرنا .
تحرير المسألة ــ الأصل الثاني ــ أن يقال : إن الله عز وجل بعث نبيه بأمرين :
بعثه بالسيف والعدل .
من سنن الله التي لا تتبدل أنه ليس كل أحد يمكن أن يأتي بلين القول ولا يجادل في هذا عاقل , فحتى هؤلاء الذين يسخرون من نبينا صلى الله عليه وسلم ويتهمونه بأنه جاء بأمر القتال لا يمكن أن يقبلوا أن يقال عنهم أنه حتى لو أتى شخص ليداهم منازلهم الخاصة , أن كل متجرئ عليهم أن يردوه بلين القول . لا بد أن يردوه بشيء من القوة , فالقوة في الدين في شرع الله في الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إنما لحفظ المسألة الكبرى وهي مسألة التوحيد التي بعث الله بها نبيه رحمة للعالمين , فرحمة الله بخلقه ببعثه الأنبياء أن الأنبياء جاءوا بتوحيد الله . وهذا أعظم رحمة لهم لأن ضد ذلك أن يشرك بالله وهذا أعظم الظلم وأعظم طرائق الخسران والوبال .هذه قضية السيف . فالسيف في الإسلام ليس منفكاً عن العدل .

واترك رعمسيس إن الملك مظهره * في نهضة العدل لا في نهضة الهرم

فالقضية في الإسلام العدل . العدل بمعنى أن هذا السيف يرفع على من وقف في سبيل تبليغ الدعوة إلى لله بضوابطه الشرعية المفصلة فقهيا في مضانها على أيدي فقهاء الإسلام الوارثين . العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين . لكن لا يمكن الحديث عن السيف دون الحديث عن العدل أو الحديث عن العدل دون أن يحمى بالسيف . لا تقوم حضارة صحيحة منصفة قوية قائمة إلا أن تقوم على حق , ثم هذه الحضارة تحمى بأمرين :
تحمى بالعدل وتحمى بالسيف . وإلا حتى النصارى هم على فضل ما قالوه وزعموه أن عيسى عليه السلام جاء بالحق والعدل وهذا حق , ولكن قولهم أن عيسى صلب ليس بحق . لكن مع ذلك نقول لهم على فرض هذه الجدلية كما قال إبراهيم عليه السلام :
(( قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ )) الأنعام ( 78 ) , وهو يعلم أنها ليست برب وليست بشيء , نقول على فرض هذه الجدلية فإن عيسى هذا الذي تتبنونه قتل قتلاً ولو وجد من ينصره لما قتل .

والشر إن تلقه بالخير ضقت به * ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم

يترتب على هذه القضية في تحرير المسألة علمياً أنه لابد أن نفرق عند الحكم على أحد عن حالته الخاصة وحالته العامة , وهذا أصل في الحكم على الملوك والسلاطين وذوي القدرات والجاهة . لا يمكن الحكم على الشخص في حالته العامة كالحكم عليه في حالته الخاصة .
و تحرير المسألة سآتي بمثال قريب جداً قبل أن أنتقل للنبي صلى الله عليه وسلم :
لو فرضنا أن أحد الناس ابن له صدمته سيارة فجاء أهل الصادم أهل من يقود السيارة بعد أن مات الغلام شفعاء ووجهاء وجيران إلى هذا الرجل يقولون له تنازل عن الدية فإن من صدم ابنك لم يكن يتعمد ثم إنه فقير أو غير ذي مال كثير . هنا الرجل يتكلم عن حاله الخاصة يقول تنازلت عفوت هذا مقبول محمود مثني عليه في الكتاب والسنة وفي أعراف الناس . لكن لو قدر نفس الرجل صدم أخوه وقد ترك أخوه ذرية هذه الذرية إن كانت دون الخامسة عشر تسمى في حكم الشرع والاصطلاح أيتام فلهم حق , هنا الرجل نفسه لو جاءه هؤلاء وطلبوا منه أن يتنازل ينبغي شرعاً وليس له خيار أن لا يتنازل لماذا ؟ لأنه لو تنازل أضاع حقوق اليتامى فليس له أن يتنازل عن دية أخيه إنما يطالب بها وبقوة حتى يحفظ لليتامى حقهم . فالكلام بالشيء العام غير الكلام بالشيء الخاص . فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرحم الشاة ويقول لأصحابه : ( والشاة إن رحمتها يرحمك الله ) . فهو صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا في ذات الله وهو الذي تذهب به الأمة من أهل المدينة إلى حيث شاءت صلوات الله وسلامه عليه , لكن عندما تريد أن تؤسس دولة و تقيم عقيدة وترمي إلى نشرها في الأرض ينبغي أن تنظر إلى المصالح والمفاسد وتنظر أين المصلحة العليا لهذا الدين الذي جئت به . فتعفو عندما يكون العفو له مردود إيجابي ولا تعفو حينما لا يكون للعفو مردود إيجابياً . وهذا عين شرعه الذي طبقه صلى الله عليه وسلم وهذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه لقضية السيف الموازي للعدل الحافظان كلاهما لقضية العدل .
فهؤلاء الدنماركيين أو غيرهم ممن يقرأ قضية الجهاد في سبيل الله قراءة خاطئة ويتهم النبي صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا مما لا نستسيغ أن نقوله حتى على سبيل ضرب المثال , كل ذلك لأن الأمر لديهم ملتبس أو لعدم أنهم لم يحرروا علمياً النظرة الحقيقية له صلى الله عليه وسلم . لأن أي شيء إنما يترك إذا كانت هناك مفسدة أكبر منه ولا توجد مفسدة أعظم من الشرك بالله جل وعلا .
وصلى الله عليه وسلم ما رفع السيف على قريش إلا عندما حالت قريش بينه وبين أن يبلغ دعوة الله ومنعته حتى يقيم دينه في المدينة . حاربته في المدينة رفع السيف عليهم وإلا جاء في الإسلام الجزية كما هو معلوم . هذا تحرير المسألة علمياً .

فهؤلاء وأشباههم أو من آمن بفكرهم من صحفيين أو غير الصحفيين غير محرر لديهم تحريراً علمياً مسألة السيف في دين الرب تبارك وتعالى . فرمي الإسلام بقضية السيف ورميت حتى هذه البلاد بقضية أن شعارها السيف لكن كما قلت النظرة الإجمالية تحرير المسألة علمياً كما ذكرت .

(( فضيلة الشيخ ذكرتم هذه المسألة وهذه الإشكالية وحررتموها حقيقة . لا زال هناك عدد من المشكلات العالقة وأيضاً القضايا الغير الواضحة لدى هؤلاء الغربيين لا نقول عموماً . هل أنت مع من يقول بأن لابد أن نفتح مع هؤلاء قنوات للحوار وقنوات للتواصل . ونعقد مناظرات وندوات نظهر لهم من خلالها رحابة هذا الدين وجماله ويسره وعظمة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ))

هذا حق مقيد , من استهزاء بنبينا صلى الله عليه وسلم أو رفع السيف على هذه الأمة فيرد عليه بالطريقة نفسها . أما من بقي محايداً فهذا هو الذي يستقطب بأن يبين له السيرة العطرة والأيام النظرة وسماحة نبينا صلى الله عليه وسلم وسماحة الإسلام ولكن كما قلت والبيت لشوقي :
والشر وإن تلقه بالخير ضقت به * ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم
المقصود من هذا هؤلاء الذي وقع منهم السخرية والاستهزاء لا كرامة لهم , وإنما ينبغي أن نجلب بخيلنا ورجلنا في سبيل نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم . وليس هذا مجال تبيين المسألة الحق , لكن القوم المحايدين للغرب الذين هم خوطبوا بهذا الإعلام المنكر هؤلاء يجب أن يحرر الخطاب لهم وأن تبين الصورة الحقيقية . ولا أريد أن أقول أن نلمع سيرته فهو صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى مثل هذا منا أبداً , نحن علينا فقط أن ننقل الصورة الحقيقية له صلى الله عليه وسلم . فإذا نقلنا الصورة الحقيقية له صلى الله عليه وسلم فإن المتلقي لن يخرج أن يكون أحد الأمرين :
إما أن يكون منصفاً فلا يمكن أن يأبى بعد ذلك ألا أن يؤمن بهذا .
وإن كان غير منصف فإن من ارتضاه الله أن يكون أهلاً لجهنم لا ينبغي أن نتأسف ونتحسر عليه .
ومن يقدم الإسلام يجب أن يقدمه بصورته الشرعية قال الله جل وعلا على لسان جمله من أنبيائه : (( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ )) الأعراف ( 93 ) , وهم قومه وهم أهله , في صالح أو لوط أو في غيره عليهم السلام هؤلاء أقوامهم لكنه قال :(( فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ )).
ونحن لسنا أرحم بالخلق من ربهم . فمن رضي الله أن يكون من أهل جهنم فنحن نقول نقدم الصورة الحقيقية المثلى للإسلام .
لكن ينبغي على من يقدم الصورة الحقيقية للإسلام أومن يتحدث باسم الإسلام أن يعرف أين موقعه من الإسلام , بمعنى لا يكون في تقدم أو تأخر على بعضنا البعض . فإن الله جل وعلا جعلنا مواهب , مشارب , مراتب , منازل , في أمور من اختصاص ولي الأمر , في أمور من اختصاص عسكر المسلمين , في أمور من اختصاص العلماء , في أمور من اختصاص العامة , فثمة أمور يشترك فيها الناس جميعاً . لكن عندما يكون الاستياء على الأدوار ومحاولة لا سمح الله جعل هذه الحادثة كسبب للوصول للأشياء هذا لا ينبغي . لكن كل إنسان له موقعه العام .
ثمة مؤسسات إسلامية مواقع إسلامية في الانترنت معروفة محترمة معتبرة , يشرف عليها علماء ربانيون هذه طريقة خطابها لا تكون كخطاب رجل عام , والذي يخاطب الناس في منبر الجمعة غداً كما دعا الشيخ عائض وغيره من الفضلاء ينبغي أن يعرف قبل أن يخاطب الناس أنه يخاطب مسلمين فلا يحملهم خطيئة غيرهم فلا يجلدهم جلد ذات كأنهم هم الذين شتموا النبي صلى الله عليه وسلم . لا .
وإنما يجعل من هذه الحادثة سبيلاً إلى إيقاظ محبة النبي صلى الله عليه وسلم في القلوب , وبالتالي العمل بسنته صلوات الله وسلامه عليه . هذا أمر مهم جداً .
أما الذين في المؤسسات الإسلامية في المواقع الإسلامية في الانترنت أو في المراكز الإسلامية في الغرب هؤلاء يطالبون بنمط خطاب غير المطالب به من كان يعيش بين المسلمين , وهؤلاء لهم مطلب سياسي معتبر . الذي ينبغي أن يفقهوا فيه المسألة جيداً أن يحرروا خطابهم بما يتناسب مع حالهم ووضعهم ونوعية من يخاطبون إن كان سلطة , إن كان عامة , إن كان مستهزئاً . نحن نتفق على وجوب نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أظن مؤمناً يخالف في هذا . لكن كذلك ونحن متفقون على هذا يجب أن نتفق على أن الأدوار تختلف والمهام تتباين ولا أقول تتفاوت .

كلمة أخيرة :

أستثمر ما قاله الإخوة الفضلاء المشايخ في قضية أن يكون شأننا دائماً العمل بسنته وهديه صلوات الله وسلامه عليه . كان ثابت البناني رحمه الله إذا لقي أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل يده ويقول " إنها يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم " , ويقول جابر بن سمرة رضي الله عنه : ( إذا خرجت في ليلة أضحيان " الليلة التي فيها القمر مكتمل " فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء فجعلت أنظر إلى القمر وأنضر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهو عندي أبهى من القمر ) والقصص في هذا كثير . وهذه دلائل من محبة أولئك الأخيار لنبيهم صلى الله عليه وسلم .

خاتمة الوصايا :

أن الله تعالى قال :(( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ () التوبة ( 100 ) , فلا نحن من السابقين الأولين من المهاجرين . ولا نحن من السابقين الأولين من الأنصار . فما بقي أيها الأخ والأخت الكريمة إلا طريق واحد قاله الله تعالى : (( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ )) فإن أعظم ما يمكن أن نستثمر فيه ما بقي من أعمارنا أن نكون متبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم . ونعمل بشرعه ونحبه صلى الله عليه وسلم أعظم الحب في قلوبنا . ونقتفي أثره . ونتبع سنته وفق منهج تطبيقي حقيقي نريد به وجه الله والدار الآخرة . نفعل الفعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ونترك ما يترك لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركه . دخل عليه الصلاة والسلام ذات مرة المسجد ورأى ازدحاماً من النساء فقال : ( لو تركنا هذا الباب للنساء ) فسمعه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وهو يومئذ قد بلغ العشرين من عمره , فعُمر رضي الله عنه إلى الثمانين من عمره " ستين عاماً " في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل من ذلك الباب قط إجلالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو تركنا هذا الباب للنساء ) .
فالقضية استثمار هذه الواقعة في أن نزداد حباً للنبي صلى الله عليه وسلم قلبياً ونعمل بسنة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليه .


المصدر : برنامج الكلمة الطيبة . قناة المجد العلمية .
يوم الخميس 3 / 1 / 1427هـ
عنوان الحلقة : إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 صالح المغامسي
  • تأملات قرآنية
  • السيرة النبوية
  • مجمع البحرين
  • آيات وعظات
  • مشاركات إعلامية
  • خطب
  • رمضانيات
  • فوائد ودرر
  • صوتيات
  • الصفحة الرئيسية