صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تثبيت القول بحجة سنة الخلفاء الراشدين

عبدالله بن فهد الخليفي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :

فهذا بحث مختصر في مسألة
) حجية قول الخلفاء الراشدين ( ، وسرد الأدلة على حجية قولهم ومعلومٌ أننا نقصد ما لم يخالف حديثاً صحيحاً :

أولاً
: حديث " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين "

عن العرباض بن
سارية قال " ثم وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ "
روي هذا الحديث من طرق من أشهرها
ما أخرجه ابن ماجه في سننه (42) وابن أبي عاصم في السنة (26) و(55) و(1038) والمروزي في السنة (رقم27) والبزار في مسنده (ق/219) وتمام الرازي في فوائده (355) وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/27-28) و(40/179-180) من طرق عن الوليد بن مسلم، والطبراني في المعجم الكبير (18/رقم622) والأوسط (رقم66) ومسند الشاميين (1/رقم786) -وعنه أبونعيم في مستخرجه على مسلم (1/37) وابن عساكر في تاريخ دمشق (64/374-375) والمزي فيتهذيب الكمال (31/539)- من طريق إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زبر، والحاكم فيالمستدرك (1/97) من طريق عمرو بن أبي سلمة التنيسي وتمام الرازي في الفوائد (225)من طريق مروان بن محمد الطاطري وعلقه ابن عساكر في تاريخه (64/375) على زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي خمستهم عن عبد الله بن العلاء بن زبر حدثني يحيى بن أبي المطاعقال: سمعت العرباض بن سارية، فذكره مرفوعا _ التخريج مستفاد من أحد الإخوة _
وقد أثبت البخاري سماع يحيى بن أبي مطاع من العرباض بن سارية في التاريخ الكبير (8/ 306) وهذا منه بمثابة تصحيح للحديث
وكذا أثبت سماعه منه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/345) و وأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم (1/36(

ونفى سماعه منه دحيم كما في تاريخ أبي زرعة
(1/605)
والباحث هنا مترددٌ بين إعمال إحدى قاعدتين

الأولى
: قاعدة المثبت مقدم على النافي وعليها يقدم كلام البخاري والفسوي .
الثانية : أهل بلد الراوي أعلم به وعليها يقدم قول دحيم فهو شامي ويحيى شامي
وللحديث طريقٌ آخر عليه المعول عند وهو طريق عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض وحديثه عند أحمد
(17142)
والترمذي ( 2816) وابن ماجة (43 ) وغيرهم

وقد أعله بعضهم بجهالة عبد الرحمن بن عمرو السلمي وليس الأمر كذلك فقد قال
فيه الذهبي في الميزان :" صدوق "

ووجه ذلك أنه روى عنه جمعٌ من الثقات وذكره ابن حبان في الثقات ذاكراً جمعاً
من تلاميذه ،
وصحح له جمعٌ من أهل العلم :
1-  الترمذي في سننه ( 2816)
2-  البزار كما نقل فيما نقله ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص473
3-  أبو نعيم الأصبهاني في مستخرجه كما نقله ابن رجب في جامع بيان العلوم والحكم (2/109)
4-  ابن حبان في صحيحه
5-  أبو العباس الدغولي كما نقل الهروي في ذم الكلام
6-  أبو إسماعيل الأنصاري كما في كتابه ذم الكلام وقد نقل التصحيح عن الدغولي
7-  ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله حيث أقر البزار
8-  الضياء المقدسي في المختارة
8-  الحاكم النيسابوري في المستدرك( 41)

وكثرة الرواة عن الراوي تقوي حسن الظن به


قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل
(2/36) باب رواية الثقة عن غير المطعون به أنها تقويه وعن المطعون به أنها لا تقويه
ثم نقل عن أبي حاتم وأبي زرعة في رفد
هذا المعنى

وقال ابن رشيد كما في فتح المغيث
(2/51) (( " نعم كثرة روايةالثقات عن الشخص تقوي حسن الظن به "
قلت
: وخصوصاً إذا لم يؤثر عنه مناكيروإذا كان من كبار التابعين وهذا هو حال عبدالرحمن
فقد قال أبو زرعة
 " (1/606) : العرباض قديم الموت روى عنه الأكابر عبدالرحمن وجبير بن نفير"
قلت
: أتراه يقدم مجهولاً على ثقة ويصفه بأنه من الأكابر !!
وكذا ذكره في هذه الطبقة الإمام مسلم في الطبقات ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ
وقد صحح له كل من سبق
ذكرهم ، وقد احتج أحمد بهذا الحديث

قال أبو داود في مسائله
(ص369) ط مكتبة ابن تيمية : " سمعت أحمد غير مرة يسأل يقال : لما كان من فعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي سنة ؟ قال : نعم وقال مرةً _ يعني أحمد _ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" انتهى النقل

قلت
: احتج الإمام أحمد هنا بحديثنا ولا يظن بأن الإمام أحمد يحتج بحديثٍ ضعيف في تقرير أصل من أصول التشريع _ وإنما وقع ذلك منه في الأحاديث الفردية _ وفي هذا الحديث زيادة على أمر الله عز وجل في الأخذ بالكتاب والسنة وفي مثل هذا المقام لا يكفي الضعيف  وعبد الرحمن بن عمرو السلمي ثبت أنه كان صديقاً للعرباض بن سارية

يدل على هذا على هذا ما خرّجه ابن أبي عاصم في
الآحاد قال:
حدثنا عمرو بن عثمان نا بقية ،حدثني محمد بن زياد ، حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي قال : حلف على عطائي وعطاء عيالي وذلك أني دعيت على اسم غيري فأجب ودعي على اسمي فلم يجب عليه أحد . قال : فلم أترك أحدا أعلم أنه يثقل على الأمير إلا حملته عليه قال : وعلينا عبد الله بن قرط رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : » فلقيني العرباض بن سارية السلمي يقول لي : ما فعلت ؟ قلت : لا شيء . قال لي : تعال فذهبت معه إلى المطهرة . فقال : توضأ . فتوضأت وتوضأ معي ودخلنا المسجد فقال : ماكنت سائله ابن قرط فسل الله تعالى ؛ فإنه هو الذي يعطي ويمنع . ثم قال : اركع ركعتين ثم ادعوا فأعينك . قال : فركعنا ركعتين ودعونا فما برحنا حتى أتانا رسوله يقول : أين ابن عمرو ؟ قال : فصعدت إليه فقال : حدثني بما صنعت فأخبرته الخبر . فقال : هلا سألتم الله تعالى الجنة ؟ ثم قال لقد عرضت علي حاجتكما كأني أنظر إليها، فرد علي عطائي وعطاء عيالي
قلت
: وهذا الخبر الصحيح مخرجٌ في الزهد لأبي داود أيضاً ، وللحديث طرق أخرى تكلم عليها باستيعاب الإمام الألباني في الصحيحة والنصيحة .

ثانياً
: حديث :" اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر " رواه أحمد في مسنده البزار في مسنده ( 2827 ) ابن سعد في الطبقات (2/334) والطبراني في الشاميين (913) والأوسط (3816) والحاكم ( 4425 ) من طريق عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة
وله طريق أخرى بسطها الألباني في الصحيحة
(1233)

وقال العقيلي
: " يروى عن حذيفة بأسانيد جياد تثبت " ( انظر التلخيص الحبير (4/190) )

ثالثاً
: قول عمر :" لو فعلتها لكانت سنة "
قال الإمام مالك في الموطأ 114عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب :أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب فيهم عمرو بن العاص وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق قريبا من بعض المياه فاحتلم عمر وقد كاد أن يصبح فلم يجد مع الركب ماء فركب حتى جاء الماء فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر فقال له عمرو بن العاص أصبحت ومعنا ثياب فدع ثوبك يغسل فقال عمر بن الخطاب واعجبا لك يا عمرو بن العاص لئن كنت تجد ثيابا أفكل الناس يجد ثيابا والله لو فعلتها لكانت سنة بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر قال مالك في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام ولا يدري متى كان ولا يذكر شيئا رأى في منامه قال ليغتسل من أحدث نوم نامه فإن كان صلي بعد ذلك النوم فليعد ما كان صلى بعد ذلك النوم من أجل أن الرجل ربما احتلم ولا يرى شيئا ويرى ولا يحتلم فإذا وجد في ثوبه ماء فعليه الغسل وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى لآخر نوم نامه ولم يعد ما كان قبله

قلت
: إسناده صحيح ، والخبر عند عبد الرزاق في المصنف (1446 ) ، وهذا فعلٌ لعمر في العبادات يدفع تأويل من أول سنة ( الخلفاء ) بسياستهم كما أن هذا التأويل تخصيص بغير مخصص وهو محض تحكم وكلمة عمر تعضد الأحاديث السابقة .

رابعاً : تسمية علي بن أبي طالب فعل عمر :" سنة "
قال الإمام مسلم (1707) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعلي بن حجر. قالوا: حدثنا إسماعيل (وهو ابن علية) عن ابن أبي عروبة، عن عبدالله الداناج. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (واللفظ له). أخبرنا يحيى بن حماد. حدثنا عبدالعزيز بن المختار. حدثنا عبدالله بن فيروز مولى ابن عامر الداناج. حدثنا حضين بن المنذر، أبو ساسان. قال :
شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد، قد صلى الصبح ركعتين. ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان: أحدهما حمران؛ أنه شرب الخمر. وشهد آخر؛ أن رآه يتقيأ. فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا علي! قم فاجلده. فقال علي: قم، يا حسن! فاجلده. فقال الحسن: ول حارها من تولى قارها (فكأنه وجد عليه). فقال: يا عبدالله بن جعفر! قم فاجلده. فجلده. وعلي يعد. حتى بلغ أربعين. فقال: أمسك. ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين. وجلد أبو بكر أربعين. وعمر ثمانين. وكل سنة. وهذا أحب إلي.
قلت : وتأمل ذكر علي لأبي بكر مقروناً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن فعل الصديق معتبراً لما كان لذكره معنى بعد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خامساً : إفتاء ابن عباس بفعل عمر

قال ابن جرير في تهذيب الآثار 977 - حدثنا ابن بشار ، وابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن موسى بن سلمة الهذلي ، قال : سألت ابن عباس عن صوم الأيام البيض ، فقال : « كان عمر يصومهن »
قلت
: إسناده صحيح ، وهنا يفتي ابن عباس بفعل عمر مع كونه كان يكره الصيام الراتب

سادساً
: تصريح عمر بأنه يقتدي بأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم
قال البخاري في صحيحه 1517 - حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب: حدثنا خالد بن الحارث: حدثنا واصل الأحدب، عن أبي وائل قال: جئت إلى شيبة. وحدثنا قبيصة: حدثنا سفيان، عن واصل، عن أبي وائل قال:
جلست مع شيبة على كرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر رضي الله عنه، فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته. قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، قال: هما المرآن أقتدي بهما.

سابعاً
: ذكر جمع من الصحابة للراشدين مع النبي صلى الله عليه وسلم في مقام الإحتجاج ولو لم يكن فعلهما معتبراً لكان ذكرهما لا وجه له .
قال الإمام مسلم صحيحه : وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك؛ أنه حدثه قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان. فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين. لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحم. في أول قراءة، ولا في آخرها.
(399)
حدثنا محمد بن مهران. حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي. أخبرني إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة؛ أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك
قال الترمذي في سننه 244 - حَدَّثَنَا أَحَمْدُ بنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَعيدُ الجُوَيْريُّ عن قَيْسِ بن عَبَايَةَ عن ابنِ عَبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ قَالَ:
"
سَمِعَني أَبي وَأَنَا في الصَّلاَةِ أَقُولُ "بَسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ" فَقَالَ لي: أَيْ بُنيَّ مُحْدَثٌ إِيَّاكَ وَالحَدَثَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ أَحَداً مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبغَضَ إِلَيهِ الحَدَثُ في الإِسْلاَمِ، يَعْنِي مِنْهُ، وَقَالَ: وَقَدْ صَلَّيتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ أَبي بَكْرِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً مِنْهُمْ يَقُولُها، فَلاَ تَقُلْهَا، إِذَا أَنتَ صَلَّيتَ فَقُلُ {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين}".
وقال أيضاً (400)- : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أَخْبَرَنا يَزيدُ بنُ هَارُونَ عَن أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قُلتُ لأَبِي: يَا أَبَتِ إِنَّكَ قَدْ صَلَّيتَ خَلْفَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَليِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ هَاهُنَا بِالكُوفَةِ، نَحْواً مِنْ خَمْسِ سِنينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ؟ قَالَ: أَيْ بُني محْدَثُ

قلت
: لو لم يكن في فعلهم حجة لم يذكرهم هذا التابعي لوالده ؟!

ثامناً
: حياء عمر من مخالفة أبي بكر
قال الإمام أحمد في فضائل الصحابة 123 - حدثنا عبد الله قال حدثني هارون بن سفيان نا معاوية يعني بن عمرو حدثنا زائدة عن مغيرة قال سمعت الشعبي يقول قال عمر : إني لأستحي من ربي أن أخالف أبا بكر

قلت
: إسناده قوي عند من يمشي مراسيل الشعبي ، ولهذا الخلاف جاء ذكره هنا مناسباً

اعتراضات الجويني في
التلخيص
على من قال بحجية قول الخلفاء الراشدين والجواب عليها
أقدم من وقفت عليه ممن شغب على القول بحجية قول الخلفاء الراشدين الجويني
صاحب التلخيص وقلده من جاء بعده واعتراضاته لا تخرج عن ضربين

الضرب الأول
: احتجاجه بأخبار ساقطة لا تصلح لمعارضة الأخبار الثابتة مثل احتجاجه بحديث :" أنا مدينة العلم وعلي بابها " ، واحتجاجه بحديث :" أصحابي كالنجوم " وغيرها
الضرب الثاني
: افتراضه المعارضة بين ما لا يتعارض فافتراضه المعارضة بين حديث :" أعلمكم بالحلال والحرام معاذ " وأحاديث الباب

والجواب على هذا من وجوه
أولها
: منع المقدمة بالقول أننا لو قلنا بأن حديث معاذ فيه زيادة على الأحاديث الواردة ولا تعارض بين الزائد والمزيد عليه
ثانيها
: القول بأن الحلال والحرام إن عني به الفقه فهو باب من أبواب الدين فيكون هذا الخبر خاصاً والأخبار الواردة في الباب عامة تشمل جميع أبواب الدين ولا تعارض
ثالثها
: القول بأن ( الأعلم ) ليس مأموراً باتباعه لاحتمال الخطأ عليه ففرقٌ بين قولنا :" اقتد بفلان " وقولنا :" فلان أعلم أهل البلد "
رابعها : أن يكون المقصود بأعلمهم بالحلال والحرام أعلمهم بالحلال والحرام المأخوذ من النص لا الإجتهاد فاجتهاد الراشدين أوفق من اجتهاد غيرهم لشهادة الوحي لهم

وبهذه الطريقة يجاب على بقية اعتراضاته
وللبحث بقية أذكر فيها مذاهب العلماء في الإحتجاج بسنة الخلفاء الراشدين
والآن مع مذاهب الأئمة الأربعة في الإحتجاج بسنة الخلفاء الراشدين

1-
 الإمام أبو حنيفة
قال
رحمه الله - : ( إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته ، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات ، فإذا لم أجد فيكتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم ، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب … فلي أن أجتهد كما اجتهدوا ) رواه الصيمري في كتاب أخبار أبي حنيفة(10) _ هذا مستفاد من بحث لأحد الإخوة _

قلت
: تأمل تصريحه بالأخذ بأقوال الصحابة ، وأولى الصحابة بالإتباع الخلفاء الراشدين ، ولا شك أن التخير بين أقوال الصحابة

ومن
الفروع الفقهية التي أخذ بها الإمام بأقوال الراشدين مسألة عورة الأمة فاعتمد القول المروي عن عمر في عورة الأمة ، ولا يخفى أن قول عمر ، فيه تخصيص لعموم الكتاب ولسنا هنا بصدد تقويم هذا التفريع من جهة الصحة أو الضعف وإنما أريد بيان مذهب الإمام في مسألتنا

ومثلها مسألة سجود المرء على ظهر أخيه إذا لم يجد مكاناً يسجد عليه

قال
الكاساني في بدائع الصنائع (1/484) :" ولو سجد على حشيش أو قطن إن تسفل جبينه فيه حتى وجد حجم الأرض أجزأه وإلا فلا وكذا إذا صلى على طنفسة محشوة جاز إذا كان متلبدا وكذا إذا صلى على الثلج إذا كان موضع سجوده متلبدا يجوز وإلا فلا ولو زحمه الناس فلم يجد موضعا للسجود فسجد على ظهر رجل أجزأه لقول عمر : اسجد على ظهر أخيك فإنه مسجد لك وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إن سجد على ظهر شريكه في الصلاة يجوز وإلا فلا لأن الجواز للضرورة وذلك عند المشاركة في الصلاة "

2-
 الإمام مالك
و
أما الإمام مالك رحمه الله فتصرّفه في الموطّأ يدل على أنه يرى أن قول الصحابي حجة فكثيراً ما يحتج بفتاويهم . قال الشاطبي رحمهالله في الموافقات (4/80) : "و لما بالغ مالك في هذا المعنى – أي اتخاذ الصحابة قدوة وسيرتهم قبلةبالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم و استن بسنتهم جعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك ، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون ءاثاره و يقتدون بأفعاله، ببركة اتباعه لمن أثنى الله و رسوله عليهم و جعلهم قدوة"
وأولى الصحابة بالإتباع الخلفاء
الأربعة
مما
احتج به مالك في الموطأ من أفعال الشيخين
قال يحيى بن يحيى في روايته للموطأ
:" 178 - وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال : "قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } إذا افتتح الصلاة "
179 -
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال :"كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب عند دار أبي جهم بالبلاط "

3-
 الإمام الشافعي
و
أما الإمام الشافعي رحمه الله- فمنصوص في أشهر كتبه الأم هو أن قول الصحابي حجة . فقد قال في كتابه ( الأم ) (7/280) :" ما كان الكتاب و السنة موجودين فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا بإتباعهما . فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أو واحد منهما و واحد منهم ثم كان قول الأئمة أبي بكر أو عمر أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا "
قلت
: فانظر كيف صرح الإمام بحجية أقوال الصحابة عنده ، وكيف صرح بأن تقليد الخلفاء الراشدين المهديين هو مذهبه ، ثم يأتي من يزعم أن مذهبه عدم حجية قول الصحابي !! ، وقوله هذا يغني عن غيره في تحرير مذهب الإمام

4-
 الإمام أحمد
قال
أبو داود في مسائله(ص369) ط مكتبة ابن تيمية : " سمعت أحمد غير مرة يسأل يقال:لما كان من فعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي سنة ؟ قال : نعم وقال مرةً _ يعني أحمد _ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"

قلت
: هذه أقوال الأئمة الأربعة فدعك ممن يقعقع بما ينقله عن جمهور الأصوليين
وقول الصحابي إذا عضده القياس فلا إشكال في قوته ، وإن لم يعضده قياس
فالقولل فيه أنه مما لا يتصور أن يفتي الصحابي المجتهد بخلاف القياس
بدون توقيف
ففي الحالين للقول قوته


و
لا خلاف بين الناس في أن قول الصحابي إذا خالفه نص فإنه لا يكون حجة _ وقد نبهت على هذا في الأصل _
ولا خلاف بينهم في أن الصحابي إذا خالفه من هو مثله لا يكون قوله حجة بنفسه غير أن من المرجحات كون أحد المتخالفين من الراشدين
أما تقديم قول الصحابي على القياس فهو قول أهل التحقيق
فهذا إمام أهل الرأي أبو حنيفة يقدم الحديث الضعيف على القياس فما بالك بقول الصحابي
وقال ابن حزم في كتابه إحكام الإحكام : " قال أبو حنيفة : الخبر الضعيف عنرسول الله صلّى الله عليه وسلم أولي من القياس ، ولا يحلّ القياس مع وجوده " (
وجاء في مسائل إسحاق بن هانئ (165): «قلت لأبي عبد الله (أحمد بن حنبل): "حديثٌ مرسلٌ عن رسول الله برجالٍ ثبتٍ أحبُّ إليك، أو حديثٌ عن الصحابة أو عن التابعين متصلٌ برجال ثبت؟". قال أبو عبد الله: "عن الصحابة أعجب إلي».
وكلام الأئمة السابق _ في المقال الأصل _ واضح في تقديم رأي الصحابي على القياس فإنهم يذكرونه بعد الكتاب والسنة ثم يذكرون الإجتهاد وهو القياس
ثم إن هذا أضبط للأمة فالقياس مما تختلف فيه الأنظار كثيراً فقد زعم جماعة من الفقهاء أن رد المصراة على خلاف القياس ، بل زعم بعضهم أن عقد النكاح على خلاف القياس وخالفهم غيرهم
بل زعم الإمام الشافعي أن إباحة بيع العينة على القياس ، ثم إن القول بحجية قول الراشدين ثابتٌ بدليل أثري ، والقياس دليل نظري والدليل الأثري مقدم على النظري
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (4/121) :" وقد صرح الشافعي في الجديد من رواية الربيع عنه بأن قول الصحابة حجة يجب المصير إليه فقال المحدثات من الامور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أوسنة أوإجماعا أوأثرا فهذه البدعة الضلالة والربيع إنما أخذ عنه بمصر وقد جعل مخالفة الأثر الذي ليس بكتاب ولا سنة ولا إجماع ضلالة وهذا فوق كونه حجة وقال البيهقي في كتاب مدخل السنن له باب ذكر أقاويل الصحابة إذا تفرقوا قال الشافعي أقاويل الصحابة إذا تفرقوا فيها نصير إلى ما وافق الكتاب والسنة أوالإجماع إذا كان أصح في القياس وإذا قال الواحد منهم القول لا يحفظ عن غيره منهم فيه له موافقة ولا خلاف صرت إلى اتباع قوله إذا لم أجد كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا شيئا في معناه يحكم له بحكمه أووجد معه قياس قال البيهقي وقال في كتاب اختلافه مع مالك ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على من سمعه مقطوع إلا بإتيانه فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل الصحابة أوواحد منهم ثم كان قول الائمة ابي بكر وعمر وعثمان اذا صرنا الى التقليد احب الينا وذلك اذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على اقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فنتبع القول الذي معه الدلالة لان قول الامام مشهور بانه يلزم الناس ومن لزم قوله الناس كان اشهر ممن يفتي الرجل أوالنفر وقد يأخذ بفتياه ويدعها واكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا يعتني العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الامام وقد وجدنا الأئمة ينتدبون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما ارادوا ان يقولوا فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر ولا يستنكفون عن ان يرجعوا لتقواهم الله وفضلهم فإذا لم يوجد عن الائمة فأصحاب رسول الله ص - في الدين في موضع الامانة اخذنا بقولهم وكان اتباعهم اولى بنا من اتباع من بعدهم
قال الشافعي رضي الله عنه والعلم طبقات الاولى الكتاب والسنة
الثانية الاجماع فيما ليس كتابا ولا سنة الثالثة ان يقول صحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة الرابعة اختلاف الصحابة الخامسة القياس هذا كله كلامه في الجديد "
وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (13/129) :" قال الشافعي رحمه الله : « وإنما منعنا من قود العبد من الحر ما لا اختلاف بيننا فيه » والسبب الذي قلناه له مع الاتباع أن الحر كامل الأمر في أحكام الإسلام ، والعبد ناقص في أحكام الإسلام ، وبسط الكلام في شرحه ، ثم ناقضهم لمنعهم القصاص بينهما في الجراح
ولعله أراد بالاتباع ما روينا ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن أبا بكر ، وعمر كانا لا يقتلان الحر يقتل العبد"
قلت : فانظر كيف جعل البيهقي _ وهو العليم بمذهب الشافعي _ معنى الإتباع عند الشافعي تقليد الشيخين

هنا
فائدتان
الأولى : قال ابن أبي شيبة (4/85) حدثنا أبو بكر قال نا يحيى بن سعيد عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن الربيع اختلعت من زوجها فأتى عمها عثمان فقال : تعتد بحيضة ، وكان ابن عمر يقول : تعتد ثلاث حيض حتى قال هذا عثمان فكان يفتي به ويقول : خيرنا وأعلمنا
قلت : فيه رجوع ابن عمر إلى قول عثمان وتعليله لذلك بخيريته والسند إليه صحيح
الثانية : قال الشافعي في الأم (3/71) :" : وإذا باع الرجل العبد أو شيئا من الحيوان بالبراءة من العيوب فالذي نذهب إليه - والله أعلم - قضاء عثمان بن عفان أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه ولم يسمه البائع ونقصه عليه، وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا وإن فيه معنى من المعاني يفارق فيه الحيوان ما سواه، وذلك أن ما لانت فيه الحياة فكان يعترى بالصحة والسقم وتحول طبائعه قلما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر، فإذا خفى على البائع أتراه يبرئه منه؟ وإذا لم يخف عليه فقد وقع اسم العيوب على ما نقصه يقل ويكثر ويصغر ويكبر وتقع التسمية على ذلك فلا يبرئه منه إلا إذا نقصه عليه، وإن صح في القياس لولا التقليد "
قلت : فانظر كيف صرح بتقليد عثمان مع مخالفة قوله للقياس عنده ، علماً بأن الأم من كتب الشافعي الجديدة كما صرح بذلك عدد من أصحابه منهم الزركشي في البحر المحيط

 

هذا وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالله الخليفي
  • مقالات
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية