صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ابني أمريكا في مصر

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

ابني أمريكا في مصر


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومَن أحبه واتبع هديه، وبعد:ـ
لدراسة الظواهر الاجتماعية - ومنها الظواهر السياسية – أربعة أهدافٍ رئيسية: توصيف الظاهرة، وتفسيرها (تحليها أو توضيح العوامل التي ساهمت في تكوينها)، والتنبؤ بمستقبلها، وأخيراً يستفاد من دراسة الظواهر الاجتماعية في إيجاد معرفة صحيحة يتم بموجبها التعامل مع الواقع.
وأحد أهم الظواهر السياسية في المشهد المصري هو "المجلس العسكري"، أو وجود العسكر في سدة الحكم.
ظاهرة وصول العسكر لسدة الحكم في الأقطار الرئيسية للوطن العربي، جاءت متزامنةً مع دورة تاريخية، كان بدايتها نهاية الحرب العالمية الثانية. وملخص هذه الدورة، هو ظهور قيادة جديدة للعالم (روسيا وأمريكا)، وإعادة بناء النظام الدولي في هيئة "دول" – قوميات- صغيرة تقاسم القطبان فيها النفوذ. ودائماً ما يكون العامل الأساسي في اختيار الصيغة السياسية للمناطق المستضعفة هو الفاعل الدولي الأقوى.
ربما كان حضور العسكر للحكم في منتصف القرن الماضي عشوائياً، أو أنه خيار عرض نفسه، واستحسنه "المخالف"، وحين تناسب آداء العسكر مع أهداف "المخالف" دعمه وثبَّت أركانه، ثم راح يعمل على تطويره.

أهم ما يُرصد في ظاهرة العسكر هو أنه تم تطوير الظاهرة لتخرج عن إطار الدفاع عن "الوطن"، واثبات الذات، ومحاولة التجمع في تكتلات إقليمية أكبر (وهو هدف الشعوب يومها)، إلى التبعية المطلقة "للمخالف"، وأن يكون جهدها في استرضاء "المخالف"، حتى تحولت الظاهرة من شخصيات عسكرية منتفخة وكأنها "مقاتلة" وذات أهداف "قومية" أو "وطنية"، أو حتى شخصية، إلى شخصيات أمنية ترتدي زيَّاً مدنيا، وبأسها على قومها، وتفخر بمحبة "المخالف".!! وبذلك ساد من فصيل العسكر المسيطر على الحكم الجزء الأمني المتجه للداخل، وتم إقصاء من يُعنى - ولو شكلاً -بالتصدي للمخالف، ثم تم القضاء عليه بعد ذلك، وتحول هو الآخر إلى الداخل بشكلٍ ما، وخرج من "عقيدته" عداوة "المخالف".
ولك أن تتبع عناصر الظاهرة لتعرف هذا الانحدار (التطور الأمني): عبد الناصر (أهداف شخصية وقومية عربية)، السادات ( انحصر للداخل المصري فقط)، مبارك (استرضاء المخالف)..
ولهذا كان الجزء الأمني من فصيل العسكر هو المتصدر في المشهد السياسي، فقد كان مبارك يعتمد على عسكر الأمن... الشرطة والمخابرات وأمن الدولة، وتم إقصاء عسكر الجيش وإبعادهم عن المشهد السياسي فلم يكن لهم أي دورٍ في الحياة السياسية. بل ويسيطر على المؤسسة العسكرية وبعد هزيمة الداخلية من الشعب في ثورة يناير 2011 حضر هؤلاء فجأة للمشهد.
حافظ "المجلس العسكري" بعد حضوره على المؤسسة العسكرية، بعد إجراء بعض التعديلات على الجزء الأمني، كان ملخصها: السيطرة على الداخلية، ووضعها في وضع التابع له، وذلك عن طريق فصل بضعة مئات من الرتب العسكرية الرفيعة في الداخلية.

"ابني" أمريكا في مصر (العسكري وشباب الثورة)

بتتبع جذور الثورة المصرية، نجد أنها جاءت في سياق استبدال عملاء الغرب من العسكر بجيل من الشباب "الثوري"، وإعطاء الشعوب شيئاً من الحرية، قطعاً للطريق على الإسلاميين... خاف الغرب أن ينفجر المشهد في مصر ـ والأمة الإسلامية ـ ويخرج منه الإسلاميون سادة؛ فأعد هؤلاء معارضين للنظام مدنيين، من جيل الشباب، وبدأت الإرهاصات بحركة "كفاية"، ثم "6إبريل"، ثم ظهور الدكتور البرادعي فجأة كسياسي "وطني"، على غير عادته فما كان له في السياسة ولا في الاهتمام بوطنه مصر، وتبنى قضية واحدة وهي "دعم الشباب"- هذا هو الثابت في أطروحات الدكتور البرادعي - .
وبهذا أصبح في الساحة المصرية فريقان لا يجتمعان، ممن لا يعادون الغرب، فريق العسكر (مبارك ثم المجلس العسكري)، وفريق "شباب الثورة"، كلاهما لا يريد الآخر . وبدا أن العسكر يريد أن ينقض على هؤلاء وينتهي منهم، وخاصة حين ظهر تنظيم موازي "لشباب الثورة" في صفوف الجيش (ضباط 8 إبريل)، وأحسبه حاول أن ينقض عليهم في أحداث "مجلس الوزراء"ولكنه لم يستطع!!، وفي ظني أن هناك من أخذ على يديه، فراح يزاحمهم باستدعاء الإسلاميين، وبتجاهلهم، ومحاولة تقسيمهم... الخ.
وعداوة "العسكري" للشق المدني الشبابي أفاد الله به التوجه الإسلامي بعد ذلك، فلو اتحد هؤلاء لما قامت لنا قائمة بجوارهم. وأنتهى الأمر "بأبناء" أمريكا إلى اقتتال داخلي حتى اضطر صغارهم لمحالفة الإسلاميين حرباً على إخوانهم.

آلية العسكر في إدارة المرحلة:

الناس ثلاثة أجزاء: قلة منهم تسيطر على الحكم، وقلة تعارضهم، وكثرة بين هؤلاء وهؤلاء، وحال الثورة تنحاز الكتلة الكبيرة "المحايدة" لصالح المعارضة، ولكي يتم التغيير كلية، لابد من القضاء على القلة الحاكمة، بتفكيكها إلى أجزاء لا يمكن تماسكها بعد ذلك، أو إخراجها من المشهد بأي صورة.
وهذا ما لم يحدث في الثورة المصرية، فما قضينا على الحكام، ولا على النخبة الفكرية الداعمة لهم، وإنما فقط أزيح رئيس الدولة وقلة ممن يعرفهم العامة على أنهم من رؤوس النظام، وتقوقعت البقية الباقية من النظام وامتصت الثورة وحاولت أن تعود من جديد بل ومن قريب.
الثابت في الحراك العسكري في الفترة التي تولى فيها الحكم هو إيجاد حالة من التوتر في المشهد السياسي وفي أرض الواقع، رغبة في إيجاد هدف وهمي للمواطن المصري العادي (الممثل للكتلة الكبيرة)، وهو الاستقرار مقابل أي خيار يعرض عليه. وتنفيذاً لهذه السياسة حرص العسكر على تعكير الساحة السياسية (الفكرية)(النخبوية)، من وقت لآخر، مرة بـ "يحي الجمل"، ومرة بوثيقة السلمي، .... ، وحرصوا على إيجاد حالة من عدم الاستقرار في الشارع، عن طريق التفريط النسبي في المرور، وحوادث البلطجة، والغاز، وأخيراً البنزين والسولار؛ ومن خلال جهاز المخابرات يشيعون بين الناس أن السبب في هذا كله هو الثورة، وقد تأثر بقولهم الفلاحين والعامة، وهم عامة من صوَّت ضد مرشح الثورة.
نجح العسكر في رسم الهدف الوهمي فقد استقر في حس المواطن العادي أن المشكلة أمنية، وأن سببها الثورة، والإسلاميون، وخسر الإسلاميون إعلامياً في هذه الفترة غير قليل من تواجدهم في الشارع المصري.
في كل هذا كان العسكري يخرج نفسه من الصراع، وكأنه ليس طرفاً، ولم يواجه إلى اليوم صراحة، اللهم في "معركة العباسية"، وبدعوى أنه معتدى عليه. !!

الخطأ الاستراتيجي للعسكري.

ظن العسكر أنه أذكى من الكل، وأن الناس سيصدقون أنه بريء، وليس طرفاً فيما حل بهم، وبالتالي سيقدمون على ما يقدمه لهم، وسيطر على العسكر حالة من البخل بل والشح، فلم ينفق على العامة ولو خداعاً كما فعل عبد الناصر(فقد وزع على الفلاحين الأرض بملكية منقوصة وطالبهم بحصة يسلمونها للدولة تستوعب المحصول فيما يعرف بـالتموين)، لينصرفوا عن الثورة أو ليصطفوا خلفه كما فعلوا مع عبد الناصر؛ كان عليه أن يقسم عليهم أموال الإقطاعيين الاقتصاديين، ويركبهم للقضاء على خصومه، ثم ينزع ما قد أعطاهم بعد ذلك، ولكن الله لم يوفقه لهذا الدرس التاريخي السهل، وسيطر عليه حالة من "الغباء" و"البخل"، فقط راح يضيق عليهم ويقلقهم، كي يرضوا بأي شيء مقابل "الاستقرار"، ولذلك لم يستجب لخياره إلا بقايا النظام السابق وعامة العامة من الفلاحين، وأنصاف المتعلمين والمنتفعين، واستقر الأمر على أن "العسكري" أصبح وحيداً في المشهد السياسي "يقاتل" الجميع، ولا يريد شريكاً معه، ولا يريد أن يعطي الناس نقيراً من حقهم. فقط الهدف الوهمي (الاستقرار).

ماذا بيد العسكر الآن بعد عام ونصف من الحكم؟

= اصطفت النخبة ضده، إلا حفنة قليلة في بعض القنوات الفضائية، ومن السهل جداً أن تغير ولاءاتها،فقد عرفت بنفاقها. ورضيت النخبة بقيادة إسلامية رجاء التخلص من "الحكم العسكري"، وهذا من مكر الله بالمخالف، الذي زرع العسكري والمدني "شباب الثورة"، فقد اقتتل جناحيه، والمستفيد هم الإسلاميون. "وربك على كل شيء قدير".
= يقظة الجماهير وسرعة حضورها للمشهد، وانكسار حاجز الخوف من الأجهزة الأمنية؛ وهذا واضح من الحشود الموجودة الآن في التحرير، وقبل ذلك في أحداث العباسية، وقبلها أحداث محمد محمود التي كادت تأتي على العسكري .
= تطور صف الثورة، وذلك بظهور رموز ثورية ذات شعبية عالية، مثل الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، ومثل كيان الإخوان المسلمين،وأبي الفتوح، وآخرين.
=خروج الداخلية من المشهد السياسي كفاعل رئيسي، بعد نزع أكثر من 600 رتبة عسكرية "كبيرة" منهم بيد "العسكري"، وهم ساسة الداخلية و"كبار" منفذيهم. وتتعرض لهزيمة نفسية منذ أكثر من عام، وقد ترسخ في حسهم أن لم تعد الدولة دولتهم. وهذا يكفي لأن لا يكون أداء هذا العنصر (الداخلية) في التفاعل كما قد كان في عهد "المخلوع".
= لا يستطيع الجيش تكرار ما حصل في العباسية على مساحة واسعة، أو في أكثر من موقع. ذلك أنه في "موقعة العباسية" ضرب بالقوات الخاصة، وهي مدربة على الاشتباك مع البشر، ولا يملك من هذه القوات العدد الكثير الذي يستطيع به مواجهة الناس، واتساع المساحة يشتتهم، وعقيدتهم ليست قتال الناس، وإن طال الصدام أو تكرر كثيراً _ لا قدر الله _ فإن أسئلة تثار في ذهن هؤلاء عن أهداف الثوار وعن مبررات الجيش لن تجد لها إجابة شافية، وهم خفاف الحركة ككلاب الحراسة، ومن الممكن جداً أن ينقلبوا على المجلس العسكري ويهينه الله بأيديهم..
= الخروج من صف الجيش بدأ مبكراً. ووحدة تكوين القوات المسلحة"الأفراد" من الشعب وليست من الجيش. وأبناء الجيش "الصف ضابط" ممن يبغضهم كل من يعرفهم، فلا ولاءات تجعل صف القوات المسلحة يصمد لقتال الشعب طويلاً. ولذا فإن تكرار سيناريو ليبيا وسوريا بعيد فيما أحسب. بل إن الأمر أشد من هذا إذا نظرنا لنوعية القيادة العسكرية "المجلس العسكري"، فليس بينهم قيادة كاريزمية يتجمع الناس حولها، ولا تسود حالة من المودة والمحبة بين القيادة العسكرية والأفراد فيما أعلم ـ وقد كنت يوماً أحد أفراد القوات المسلحة، وفي "وحدة" قريبة جداً من القيادة المركزية ـ . فإن ركبوا رأسهم أكلوا بعضهم..

ـ "من يحكم الآباء لا يحكم الأبناء"
حقيقة لا يريد أن يفهمها "المجلس العسكري". ولا النماذج التي تريد محكاة النسخ القديمة الفاشلة كحمدين صباحي. فلكل زمانٍ رجاله.

والمحصلة من كل المشاهد المعروضة على المسرح المصري هي أن الله يمكر بهم، وأن القوم مخذولون، وأنهم كلما خططوا أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا،وأن خطة أمريكا في مصر فشلت، بل كانت سبباً في حضور الخيار الإسلامي، "فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا". وكأني بهذه الظلوم يعتصر قلبها ألما على ابنيها، وهما يقتتلان.. وهما يتراجعان.. ولا تستطيع فعل الكثير لهما خوفاً على بنتها (إسرائيل).

والمحصلة أن الناس قد توحدت كلمتهم وأصبحت لهم قيادة حقيقية واصطفوا خلف الإسلاميين، وأن الأمة في مصر وخارجها تتوحد. وأحسب أن حدوث تغير إيجابي في مصر وسوريا وليبيا لن يكون من آثاره فقط القضاء على دولة اليهود بل وطرد الغرب من بلاد المسلمين، وإن الدورة الجديدة التي تراد للعالم اليوم، ويخطط لها "الفاعلون الدوليون" الجدد لن تكون كما يشاءون، بل سيكتب التاريخ- بحول ربي وقوته- أبناء الأمة الإسلامية، وتتحد صفوفونا لمنازلة أوروبا وخلفها بقايا أمريكا في القريب العاجل، وهذه قصة أخرى .

قال الله تعالى:"{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}"

محمد جلال القصاص
5 شعبان 1434ه


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية