صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أحداث التحرير الأخيرة: ولكن الله رمى

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

أحداث التحرير الأخيرة: ولكن الله رمى


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه، وبعد:ـ
أحاول في هذه المقالة رسم مشهد للأحداث الأخيرة في مصر، والتي عرفت بأحداث جمعة 18/11، وما بعدها، كما تبدو لي، والله أسأل عوناً وقبولاً.

المشهد قبل جمعة 18/11/2011

"المجلس العسكري" يحاول السيطرة على الثورة المصرية، والخط الرئيسي الذي يسير فيه، هو المحافظة على حالة من التوتر الفكري والأمني تنفيراً للناس من الثورة المصرية.
يتكئ على أن غالبية الناس (الجماهير) لا تشارك في الحدث إلا مؤقتاً، ولا تصبر طويلاً فما أن لا يجد هؤلاء ثمرةً لثورتهم فإنهم سيلعنون الثورة ويتمنون أن لو عاد الاستبداد!!.
ويتكئ على أن الجماهير تؤتى من أذنها، ويمكن لمن يحسن الحديث إليها أن يأخذها حيث شاء وإن كان عكس ما تشاء. وهذا مشاهد في عامة الثورات التي قامت قبل ذلك في مصر وغير مصر. فالصراع حقيقة ليس مع الجماهير وإنما مع النخبة المعارضة، والجماهير وسيلة صراع، أو ساحة صراع. وهي في الصراع تبحث عن طعامها وشرابها وأمنها.
في هذا السياق جاء الانفلات الأمني الجزئي المتواجد في البلد، وهو انفلات يبدو مقصوداً والسيطرة عليه سهلة ميسورة وبأقل تكلفة، وقد بدا هذا في الانتخابات، فالسيطرة على الانتخابات أصعب بكثير من السيطرة على عددٍ محدد من قُطَّاع الطرق يتواجدون في أماكن معينة بأسلحة بيضاء أو نارية خفيفة.
وفي هذا السياق جاء فتح الباب للتوجهات الإسلامية للمشاركة في الأحزاب والحياة السياسية عموماً، وجاء العمل على تعدد "القوى الثورية الشبابية"، وجاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ثم تحركات "يحى الجمل"، ثم وثيقة "علي السلمي"، أو ما عرف بالمبادئ فوق الدستورية. والمحصلة صناعة فوضى سياسية وفوضى أمنية جزئية، لمحاولة إيجاد واقع جديد يقضي على الثورة، ويسلم الحكم للعسكر أو يضمن لهم وضع جيد في البلد بعد المرحلة الانتقالية.
وفي هذا السياق جاء التحرش بالانتخابات البرلمانية بعددٍ من الأمور؛ منها:تفعيل "وثيقة علي السلمي" كوسيلة لتفجير الوسط السياسي، ومنها التلميح بأن حدوثَ قتلٍ كافٍ لإلغاء الانتخابات، وقد كان القتل في الانتخابات أمر عادي، ويحدث في كل مرة، ومنها مدّ الانتخابات على ظهر تسعين يوماً فهي مدة طويلة جداً، يستطيع فيها الهدَّامون أن يجدوا حيلة للتحرش بالانتخابات. وبدأ الحديث بالفعل على لسان رئيس الوزراء (عصام شرف) عن احتمالية تأجيل الانتخابات. بل وبدأت بعض القوى السياسية "العلمانية" تطالب بتأجيل الانتخابات.
وكان آخر ظهور للعسكر في المشهد قبل جمعة 18/11/2011 أنهم قد أقاموا ولن يرحلوا. وأن الثورة فشلت، وأن الثورة لم تحصد سوى شخص مبارك، ومعه غير قليل من الشوك الذي يجعل كل من يفكر في ثورة ثانية لا يقدم عليها.
وفي المشهد العلمانيون مستيقنون من أن الانتخابات البرلمانية ستأتيهم بالإسلاميين، ويسلكون عدداً من الطرق لإقصاء الإسلاميين عن الحياة السياسية. من هذه المسالك الدخول في تحالفات ضمنية مع " المجلس العسكري" يحصل فيها العسكر على سلطات أوسع (وهو مفاد وثيقة السلمي)، ومنها محاولة فرض المبادئ فوق الدستورية لحبس الإسلاميين ضمن الأطر العلمانية، وعدم تمكينهم من الانقلاب على الديمقراطية. ومنها استعداء العسكر على الإسلاميين، ومحاولة تفريغ مجلس الشعب من صلاحياته الحقيقية، فليس للأغلبية فيه تشكيل الحكومة أو حلِّها، أو الانفراد بكتابة الدستور.
وبين العلمانيين فريق ثائر لا يرضى بالموجود، ويحاول الانقلاب عليه من ميدان التحرير، وقد صدمت حين جالست هؤلاء، فيبدو جيداً أنهم مدربون، ولهم ممارسة، وإمكانياتهم المادية والإعلامية عالية، ويبدو جيداً أنهم وسيلة ضغط على الموجود أو وسيلة تجديد للموجود، فالعلمانية تجدد نفسها بهؤلاء، أو موجة جديدة من العلمانية تبحث عن موطئ قدم. رد الله كيدهم.
الإسلاميون في المشهد بعددٍ من الصور، الإخوان في سياق مستقل يبحثون عن "أغلبية" في مجلس الشعب. والإخوان فريق مستقل نجح أفراده في إنكار الذات لصالح الجماعة، وليس لصالح الدين في الجملة، فالحالة الإخوانية تعمل من أجل التمكين للإخوان. ويتحركون في الاتجاه الذي به يتم تحصيل مصالحة الجماعة، مع قدرة عالية جداً على المرواغة. وفريق من السلفيين يحاول محاكاة الإخوان، ويحاول هذا الفريق السيطرة على الداخل السلفي، والأيام توضح أن هذا الفريق أصبح يعبر عن شخصٍ واحد لا عن كتلة دعوية كما كنا نفهم، وقد كثر حوله مخالفوه، والرؤى السياسية التي تخرج من عند هؤلاء لا تعبر عن أن هؤلاء يحملون همَّ أمة بأكملها بل حالة من الحزبية الجديدة، وحالة من محاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب لصالح حزبهم أو دعوتهم أو بالأحرى الشخص الذي يقودهم. بل وأَمَرُّ من هذا أنهم يحاولون الانتشار الداخلي بتقديم تنازلات عامة تقلل من حجم التواجد الإسلامي السلفي في الساحة المصرية، وكنا نسمع ممن ينقل أحاديثهم الخاصة أنهم لن يدعموا مرشحاً إسلاميا، وأنهم قد دخلوا في صفقة ضمنية مع "المجلس العسكري" يحصلون بموجبها على مزيدٍ من الامتيازات مقابل أن يمكنوا لأحد العلمانيين في الحكم. وأنهم يفدون على "الحكام" ويتحدثون لهم، ثم ظهر هذا علناً وتحدثوا به، وحجتهم أن هذه ليست مرحلة الإسلاميين، وآتي على مزيد بيان إن شاء الله.
وفي المشهد الفقهاء، وثمة ملحظ أساسي على "جماعة العلماء"، وهو أنهم في كل مرة خلف الحدث.. في كل مرة يتم استدعاؤهم للمشهد. وفي كل مرة يفتون على معلومات تأتيهم من هذا أو ذلك. ولا يقدمون رؤية للخروج من الأزمة، فضلا عن مبادرة عملية، فحالهم كحال من يُستفتى في مسائل جزئية، تلقى عليه المسألة فيفتي فيها. والوضع في مصر يحتاج لساسة وليس لعلماء فقه الفروع، يحتاج الأمر لمكر الساسة ودهائهم، وليس لمن ينزل على "مناط" صادق أو مكذوب أو شبه مكذوب، فقط ليقول: حلال أم حرام؟! ثم يرحل.
وفي المشهد الإسلامي الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل يجاهر بأن العسكر لا يريدون تسليم السلطة، ولا يريدون القضاء على النظام السابق بل ترقيعه. وفي خطوة نوعية أبانت عن أن الرجل يرى بوضوح ومن مكانٍ مرتفع، وأن الرجل شجاع يحمل هم أمة بأسرها، طالب الشيخ حازم الشعب بالنزول للميدان مرة ثانية بمطلب واحد، وهو موعدٍ محدد لتسليم السلطة. والشيخ بهذا فقيه سياسي، قد أفسد الله به على المفسدين مكرهم. ورمى الله بالشيخ هؤلاء فأحبط به كيدهم.
وفي المشهد شباب السلفية، انتشر الحديث بينهم بأننا دخلنا مرحلة جديدة لم يعد يصلح لها ما قد كان، ويتحدثون عن "استبداد الشيوخ"، وعن أن المستبد يطبع أتباعه بطبائع الاستبداد.
وفي المشهد الجماهير المصرية فاعل حقيقي في الأحداث. وما يغض الكل الطرف عنه أن الجماهير في مصر تجتاحها موجة من الإلحاد، والعري،وسوء الخلق، وقد تبدى هذا الأمر بوضوح في "ميدان التحرير" في الأحداث الأخيرة، فقد انتشر في أرجاء الميدان غير قليل من المظاهر غير الأخلاقية. نعم ينتشر التدين بين الناس، ولكن العري وسوء الخلق يتمدد بقوة، ومن يعترض فعليه أن يرقب حال "قرية" من القرى ويقارن بين حال الناس فيها قبل عشرين عاماً وحالهم اليوم.

يوم الجمعة 25/11/ وبعدها: ولكن الله رمى

كانت الجمعة للإسلاميين. بعضهم حضر فقط من أجل "وثيقة السلمي"، وبعضهم حضر من أجل "المطلب الواحد" الذي نادى به الشيخ حازم أبو اسماعيل، وهو رحيل العسكر وتسليم البلد لحكومة مدنية، والكل انصرف ليلاً. وتبقت ثلة قليلة ادعت أنها من مصابي الثورة، اعتصمت بالميدان.
الأمن المركزي يحضر بعددٍ كثيف ويسيطر على الميدان، ثم ينسحب مرة واحدة ظهراً، ويأتي عصراً لضرب الناس، ويحدث حالة من الاستنفار للنزول للميدان. ثم يأتي الجيش بقوات ترتدي ثياب "الشرطة العسكرية" ويقتحم "ميدان التحرير" ويقوم بمذبحة. ثم ينسحب بعد ساعتين من الميدان.
رصاص وقنابل الداخلية، وهجوم العسكر، ووقوع ضحايا بالعشرات بل بالمئات ـ كما تقول بعض الإحصائيات ـ لم يخف أحداً، بل جرأ الناس على الإقدام، كأنهم يستنفرون لا أنهم يُخوَّفون.
وهذا ملفت للنظر، فقد كنا نحسب أن الشعب قد نام واستراح، وظن العسكر مثل الذي نظن. ولكن تبين أن مستوى الوعي عالٍ جداً، ومستوى الحماسة مرتفع جداً، وأن الجماهير قريبة، ولا زالت على استعدادٍ للتضحية.
في أقل من أربعة وعشرين ساعة سقطت الحكومة، وذهبت معها "وثيقة السلمي" واضطر كبير العسكر للخروج للتلفاز وتقديم تنازلات. والتعهد بالانصراف عن سدة الحكم.
رماهم الله بهؤلاء الضعفاء وأحبط كيدهم.

الإسلاميون بعد الجمعة

كان موقف "الإخوان المسلمون" واضح وحازم من البداية، وهو أنهم لن ينزلوا "لميدان التحرير"، ولم تتضح أبعاد هذا الأمر إلى الآن. والظاهر أنهم تأخروا عن النزول رغبة في إتمام عملية الانتخابات، والذي أفهمه من سياق الأحداث أن هناك من سرب لهم أن العسكر يتحرشون بالتوجه الإسلامي وإن نزلوا فستكون مقتلة فيهم. أو أن لئيماً مكر بهم ليحبسهم وينزل السلفيون فيأكل بعضنا ويؤجل البعض الآخر لوقت لاحق!!
أما السلفيون فقد كان أمرهم عجباً. امتلأ الميدان بأصحاب اللحية والنقاب، وخاصة من الشباب، وكان ذلك من أول ساعة. وقد ظهر كثرة التجمعات السلفية المتواجدة في الميدان في بيان "الإسلاميون الأحرار" الذي صدر من الميدان في آخر الأسبوع. وبقي "الرسميون" من السلفيين ـ "الهيئة الشرعية"و"أنصار سنة"،و"الدعوة السلفية"و"الجمعية الشرعية" ـ حائرون .. يفكرون .. يتدارسون .. في النزول يكون أو لا يكون ؟!..

وكنتُ أرقبهم ويشغلني سؤال واحد: كيف يفكرون؟!
الواضح أنهم يتعرضون لتغذية خاطئة بالمعلومات، أمارة ذلك في أحداث يوم "الأحد"، فقد ثبت من حديث بعض شيوخنا الكرام أن معلومات من أولياء الأمن تسربت إليهم بالنزول لتكوين دروع بشرية بين "الثوار" والناس، ونزل بالفعل بعضهم وأصابتهم ضربات العسكر في "الثغر"!!
وحين تفكر في حال "الرسميين من السلفيين"، وتحاول تحليل موقفهم في ضوء ما يُعرف عنهم من حرصٍ على الخير، ومحاولة إيجاد تفسير واضح لتصرفاتهم، تجد أن القوم يسيطر عليهم أن المرحلة ليست للإسلاميين، وأن الكل يرفضنا، وأنه لن يكون في غدٍ القريب "إلا ما تشاء أمريكا"، وأن "فقه المرحلة" يوجب علينا أن ننظر في المتاح ونستغله. أما سياسة الضغط، وسياسة التوسع ومعالجة الواقع بالمتاح فغائبة. ولذا تجدهم يتحدثون بأننا لا نصلح لرئاسة الجمهورية، وأن الترشح للرئاسة أو تأييد مرشح إسلامي صريح للرئاسة أمر لم يحن وقته، وأن علينا أن نكون خلف الركب كي لا نستعدي الجميع.
وقصور هذا الرأي في ظني في الغفلة عن أن الميزان دائماً ثلاثي والذي ينفذ هو الوسط. فإن أردت أن تنال مطلباً فاجعله وسطاً بين أشد منه وأيسر منه.وحركة التغيير دائماً تأتي من تيار الوسط، ويكاد يقتصر دور الطرح "المتطرف" في الصراع الفكري على إعطاء شرعية للطرح الوسط. ثم يتحرك الميزان بعد ذلك، برفع سقف الطلبات.
فهؤلاء طيبون، يحسبون أن عليهم أن لا يتحدثوا بغير ما يمكن أن يعطى لهم. وهم طيبون يحسنون الظن بمن يصارعون، يحسبون أنها أخوة، وأن القوم مشفقون على الوطن، ويقفون حيث يريد الشعب. وهو صراع ضارٍ تقف فيه أمريكا بوجه المنافق الذي يبحث عن مصلحته ولا يكلح من الكذب وتغيير المواقف، ويقف فيه العلمانيون فرقاً كثيرة تدور أعينهم على خيرات البلاد والتسلط على العباد، ويقف فيه المجلس العسكري مستقلاً، وكلهم لا يريدوننا.
وغير قليل من مواقفهم يمكن تفسيره بطبيعة الشخصية التي تسود بين "الفقهاء"، فهم فقهاء فروع، وليسوا ساسة محنكين، يستدعون للمشهد حين تثور ثائرة، ثم ينصرفون للحديث عن المناسبات وتعليم الناس العبادات وجميل العادات ، وهو خير لا أقلل منه، بيد أنهم ليسوا من صناع الحدث، بل ممن يربكون الناس بفتاويهم بعد الحدث، وخير لهم أن ينزلوا للناس يعلمونهم الخير، وأن يصطفوا في السياسة خلف الشيخ حازم أبو اسماعيل فهو بحق فقيه سياسي، ورجل المرحلة.
وقبل أن ينتهي مشهد التحرير، انشق الميدان عن "الإسلاميون الأحرار"، وليس لهم وصف مستقل غير أنهم الذين نزلوا الميدان، حاولوا إثبات حالة، حين رأوا كثرة عددهم، وانعدام الغطاء الإعلامي لهم. ويبرز بين هؤلاء "الجبهة السلفية"و "حزب الفضيلة" و" جماعة أهل السنة"و" إئتلاف دعم المسلمين الأحرار".

العلمانيون بعد الجمعة

بين العلمانيين فريق ثوري، عامته من الشباب، وهو ذات الفريق الذي حاول أن يحرك المشهد من خلال التواجد حول الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل. قفز هذا الفريق للمشهد واستغل إعلان "الإخوان المسلمين" و"الدعوة السلفية" عدم المشاركة، وسيطر على المشهد الإعلامي، مدعياً أنه وحده في الميدان!!
في اجتماع "القوى الثورية" حضر هؤلاء، واتضح من فعاليات الاجتماع، أنهم مفعلين من جهات تملك الضغط على "العسكري"، وأنهم الأقرب للطرف الخارجي.
وظني أن "الآخر" يحاول تجديد دم العلمانية بمن لا يعرفهم الناس. وربما يحدث تجديد في المؤسسة العسكرية، عن طريق انقلاب مفتعل، يأتي ب"ثوار أحرار" يتحدثون باسم الشعب، ومصلحة الشعب.. وخيرات الشعب... الخ، وأن "الآخر" يقود انقلاباً في الناحية المدنية بالتمكين لمن يحسب الناس أنهم شباب ثوريون يحملون هم المواطن والوطن.!!
أي أن العلمانية تجدد نفسها الآن باسم "الثورة"، فما يحدث يراد له أن لا يكون تجديداً في الحالة المصرية، وإنما وجه جديد لذات القبيح الذي يقاتلنا.
وحين كنت في اجتماع "القوى الثورية"، وأنا أنظر لهؤلاء وهم يحاولون جولة أخرى بالتلبيس على الناس، كان هناك سؤال يتردد بخاطري بصوت عال: أين نقف؟؟، وهل ننسحب؟؟!!
العسكر ممكنون وأولوا قوة وبأس شديد، والجيش قبيح يتجمل، وقد سيطروا على "الداخلية" وبها مجرمون عتاة، وأصبح بين عسكر الجيش وعسكر الداخلية حالة من التفاهم على الشعب، وتحتهم غير قليل من الكوادر التي تمرست على الفساد، بمعنى أن وجود "المجلس العسكري" في سدة الحكم يعني تماماً بقاء النظام القديم، وهو يحاول بالفعل العودة بالناس إلى الوضع القديم، وكادت الأمور أن تستقر له قبل صيحة حازم أبو إسماعيل.
ومن ناحية أخرى يبدو جيداً أن أمريكا لا تريد العسكر، وتريد استبدال الساحة "بثوار أحرار"، تُسكتُ بهم الشعب، وتعيد بهم الكرة من جديد. فقد بدا لكل ذي عينين أن أيام المجلس العسكري في المشهد السياسي معدودة. فأين نقف؟!
أمع "المجلس العسكري" وهذا حاله؟!، وفوق ذلك فإن "المجلس العسكري" يبغض الحالة الإسلامية، وصفُّه علماني، فليس بين العسكر إسلامي أو من به شبهة انتصار للدين، وقد تشدد بعد الثورة في إجراءات التجنيد مخافة أن ينفذ لصفه أحد من "الإسلاميين". وقد بدت البغضاء من أفعال العسكر وأقوالهم.
وأهل الميدان هؤلاء الشباب العلماني، نوع من اللؤم جديد. عميق في خبثه، وإن نفذ فسينطلي على الناس حيناً من الدهر. بيد أنهم لن يأتوا إلا بعد ذهاب العسكر وتفتيت الداخلية. فهل نقف معهم، وهم عدو؟!، وقد يأتون بعسكرٍ جديد من شباب المدرسة العلمانية العسكرية؟!!
إن أول ما ينقدح في الذهن قبل الإجابة على السؤال: هو أن الثابت عند هؤلاء وهؤلاء هو إقصاء الإسلاميين. وأنها معركة بينهم ثم يستدير الغالب منهم إلينا. فأين نقف؟؟
هذه الرؤية تلقي بظلالٍ من الهموم على الحالة الإسلامية، وأنها بعد أيام ستدور رحى الحرب علينا، فأين نقف؟!
لا يحتاج الأمر إلى موقف واحد ثابت نلتزم به من اليوم ولاحقاً، بل إن المشهد يتغير بسرعة، وأعداؤنا يغيرون مواقفهم بين يوم وليلة، وينطلقون من "قراءة الواقع"، يتعاملون بواقعية شديدة مع ما يفرضه واقع الناس عليهم. ويسلكون أكثر من طريق، بل كل طريق متاح وممكن وصولاً لأهدافهم.
كان الأقرب في الميدان أن نقف مع "شباب العلمانية" لتقليم أظافر الداخلية والعسكر، وتأجيل عودة الاستبداد مرة ثانية، بمعنى أن نبقى في هذه الفوضى الفكرية قليلاً حتى نرتب صفوفنا.
والخطة العامة التي ينبغي علينا أن نسلكها هي أن نتوافق فيما بيننا، ونستقل ولو شعورياً، ونوجد ميثاق عمل نجتمع عليه. وإن كنت أرى أن هذا صعباً إلا أنه متاح ولو جزئياً. وننزل للناس، نتحدث إليهم، ونبذل لهم المعروف، لنسير بهم إلى قوى الشر والظلام، فنحرق بنور الحق ونضيء.

إلى أين تسير الأمور؟!

دائماً توجد "حركة هدم" و "حركة بناء" في حياة الناس، وأهل السياسة يقولون بأن القوى العالمية كما أنها تؤثر في القوى الإقليمية فإنها أيضاً تتأثر بها، ويبدو بوضوح أن العلمانية دخلت في مرحلة هدم، وأن الله يرميهم. وأن الله رؤوف بعباده، وما حدث في أحداث التحرير الأخيرة شاهد على هذا الأمر. فقد اختار الله لنا أفضل الخيارات: أحبط كيد "العسكر" في المكر بنا، وجرِّنا إلى ميدان التحرير لسحلنا والوقوف على جثثنا، وردهم بعامة الناس، وأحبط كيد "صبيان العلمانية" الجدد فلم يمكن لهم، وجرت الانتخابات على صورة لم نكن نحلم بها، وحقن الله دماءنا. وربنا "البر الرحيم" نسأله سبحانه وتعالى أن يمكن لعباده، وأن لا يعود علينا بالسجن والتعذيب، واقتحام البيوت في هدأة الليل.وإهانة الأهل في زيارة المظلومين.
يدوي في أذني من سماء مصر .. بل من سماء الأمة الإسلامية كلها.. صوت ينادي {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }القصص5 . أسمعه .. والله أكاد أسمعه.
رمونا، ويد الله مع الضعفاء.. اللهم بفضلك وكرمك ومنتك لا يرجعون إلينا بما كنا فيه. أنت الحليم، أنت الكريم، تقدر ولا يقدرون، وتحلم إن نجهل، لا تضرك معصية ولا تنفعك طاعة. نظلم أنفسنا .. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين. اللهم قد أحلوا حرامك، وحرموا حلالك، وعذبوا أولياءك، ونصروا أعداءك.. اللهم سفكوا الدم الحرام، وهتكوا العرض الحرام، اللهم فنصرك نصرك. بفضلك وكرمك ومنتك.

محمد جلال القصاص
ليلة الأربعاء، 7/ 12/2011

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية