صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فوائد ولطائف وطرائف من كتب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

فهد بن عبد الله الجريوي
@FF8008

 

الكتاب الأول : فصول في الثقافة والأدب ، الطبعة الأولى 2007م ، دار المنارة ، جمع وترتيب حفيد المؤلف مجاهد ديرانية .

1
ـ فيما يتعلق بالسرقات الأدبية أعرض واحدة لها صلة بالعلم  والعلماء ، وهي سر لم يُرفع عنه الستار إلى الآن . ذلك أن عندنا كتابين متماثلين تماماً في موضوع جديد ، لم يؤلف فيه قبلهما ولم يؤلف فيه بعدهما إلا القليل ، هما كتاب ) الأحكام السلطانية ( للماوردي ، وكتاب ( الأحكام السلطانية ) للقاضي  أبي يعلى ، والكتابان متشابهان متطابقان لأن أحدهما منسوخ عن الآخر ، فمن هو صاحب الكتاب الأول ؟
الماوردي من أفقه فقهاء الشافعية وكان يلقب بأقضى القضاة ، وأبو يعلى من أفقه فقهاء الحنابلة ، وإذا قيل ( القاضي ) انصرف اللقب إليه . والاختلاف بينهما أن الماوردي حين يسرد الأحكام يسردها على المذهب الشافعي وأبو يعلى على مذهب الإمام أحمد ، وكانا في عصر واحد ، وبلد واحد ، وأظنهما كانا قاضيين في محكمة واحدة  !


فلعل أحد الأساتذة أو الطلاب الذين يُعِدون رسائل الشهادات العالية يدرس هذا الموضوع ويُثبت بالأدلة من منهما المؤلف الأول . أما أنا فأميل إلى أنه الماوردي ، لأن للماوردي كتاباً آخر قريباً في أسلوبه ونهجه وطريقته من هذا الكتاب ، والله أعلم بالصواب . ص24 .


2 ـ من الطرائف التي وجدتها وأنا أنظر في الكتب أن باب  إبراهيم المعروف الآن في الحرم المكي ، وهو بقرب باب الحزورة ، ليس منسوباً إلى سيدنا إبراهيم كما يظن الناس ، بل هو منسوب إلى خياط معمر كبير السن اسمه إبراهيم ، كان يجلس عند هذا الباب فنُسب إليه وخلد اسمه واشتهر . فليست الشهرة مقياساً للعظمة ، بل ربما اشتهر من لا يستحق الشهرة وربما نُسي من كان مستحقاً لخلود الذكر . ص33 .


3 ـ كانت الكعبة تُكسى الديباج الأبيض ، حتى جاء الخليفة العباسي الناصر فكساها الديباج الأسود سنة 5211هـ ، واستمر ذلك إلى الآن . ص34 .


4 ـ في سنة 3522هـ بعث بطرك الأرمن إلى ناصر الدولة ( ابن  حمدان ) برجلين ملتصقين ، وهما توأمان وعمرهما خمس وعشرون سنة ، والالتصاق في الجنب ، ولهما بطنان وسرتان ومعدتان ، ويختلف وقت جوعهما وعطشهما . ثم مات أحدهما وأنتن ، وجمع ناصر الدولة الأطباء ليفصلوا الحي عن الميت ، فلم يستطيعوا فمات الآخر . هذا ما رواه المؤرخون ، فما رأي الأطباء ؟ . ص34 .


5 ـ في سنة 3044هـ أُهدي إلى المقتدر العباسي طائر أسود  يتكلم الفارسية والهندية ، أفصح من الببغاء، وبمناسبة الكلام عن هذا الطائر : وقعت لي واقعة أحلف لكم بالله أني أرويها كما وقعت ، لا أتزيد ولا أبالغ ، هي أني لما كنت في لكنو في الهند سنة 1954م مللت في الفندق ، فاستعرت من مكتبة ندوة العلماء كتباً منها ( تاريخ الخلفاء ) للسيوطي ، وأنا مولع  بهذا الكتاب وقد قرأته مرات كثيرة ، فجعلت أطالع فيه ، فوقفت على هذا الخبر الذي رويته ، وبينما كنت أقرأ هذا الخبر سمعت حوراً بين رجل كبير إنكليزي خشن الصوت وفتاة ، يتخلل ذلك بُغام صغير . وتكرر هذا الحوار بذاته لا تتبدل فيه كلمة من جملة ولا رنة من لهجة ، فعجبت ، وخرجت فلم أجد أحداً ، فدخلت فسمعت الحوار نفسه ، فخرجت فلم أجد أحداً ، ولحظ ذلك نادل الفندق ، وهو هندي ، فضحك ودلني بإصبعه على قفص فيه طائر أسود ( كالذي روى خبره السيوطي ) يشبه الشحرور المعروف في الشام وليس به ، وإذا هو الذي يخرج هذه الأصوات . فكان عجبي من هذه المصادفة بالغاً ! . ص 42 ـ 43 .


6 ـ الخليفة المهتدي في مجلس القضاء  :
عن عبدالله الإسكافي قال : حضرت مجلس المهتدي وقد جلس للمظالم ، فادعي رجل على ابن المهتدي ، فأمر بإحضاره ، فأُحضر . وأقامه إلى جنب الرجل فسأله عما ادعاه عليه ، فأقر به ، فأمره بالخروج له من حقه . فكتب له بذلك كتاباً ، فلما فرغ قال له الرجل : والله يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قال الشاعر :

حكمتموه فقضى بينكم 
أبلج مثل القمر الزاهر 
لا يقبل الرشوة في حكمه
ولا يبالي غبن الخاسر 


فقال له المهتدي : أما أنت أيها الرجل فأحسن الله مقالتك ، وأما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت في المصحف ) : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً ، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها ، وكفى بنا حاسبين ).
قال : فما رأيت باكياً أكثر من ذلك اليوم . ص53 ـ 54 .


7 ـ حُمل إلى الإمام البخاري بضاعة له ، فاجتمع بعض التجار  إليه بالعشية فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم ، فقال لهم : انصرفوا الليلة . فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم ، فردهم وقال : إني نويت البارحة أن أدفع إلى الذين طلبوا أمس بما طلبوا أول مرة .فدفعها إلى الأولين بما طلبوا بربح خمسة آلاف درهم ، وقال : لا أحب أن أنقض نيتي . ص 57 .

8ـ شيخنا عبدالقادر المبارك رحمه الله ، الذي كان راوية العصر وكان من أيسر محفوظاته ) القاموس المحيط ) ، حدثنا مرة  في الفصل أن إخوانه كانوا يعيبون عليه أنه لاشتغال فكره بمسائل اللغة والأدب يسلمون عليه في الطريق فلا يرد السلام ، فعزم يوماً على أن يكون متنبهاً ، فسمع وهو خارج من بيته وطء خطوات جاره على بلاط الزقاق ، فلما اقترب منه قال له بصوته الجهوري العجيب : ( وعليكم السلام ) ، ثم التفت ليراه فإذا هو بغل الطاحون ، أرسله صاحبه إلى البركة ليشرب ! . ص 73 .


9ـ ( القُل ) بضم القاف هو القليل ، ومنه قولهم : ( ما لا يدرك  كله لا يُترك قُله ) ، وأكثر الناس يخطئون في رواية هذا المثل . ص91 .


10ـ من أراد متعة الأدب ، وطلب جيد الشعر ، وأراد الإحاطة  بأخبار الشعراء والمغنين ، للذة الأدبية وتقوية الملكة البيانية ، فلا يجد كتاباً أجمع لهذا كله من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني .وما منا إلا من كان ( الأغاني ) عُدته الأولى في  إقامة اللسان وتجويد البيان ، ولقد قرأته كله ( وهو بضعة وعشرون جزءاً ) ثلاث مرات ، واستفدت منه في الأدب واللغة ما لم أستفد مثله في غيره . ص102


والخلاصة: أن ) الأغاني ( كتاب من أعظم كتب الأدب ، ولكن لا  يجوز الاعتماد على صحة أخباره ولا يجوز أن يُنقل منه التاريخ ، وصاحبه ـ على جلالة قدره في الأدب ـ رقيق الدين سيء السمعة بذيء اللسان ، لا يوثق بروايته ولا بصدقه . فاقرؤوا كتاب ( الأغاني ) للمتعة الأدبية ولتقويم الملكة البيانية ، ولكن لا تصدقوا كل ما يرويه فيه ولا تعتمدوا عليه .ص104 .


11ـ أريد أن أدلكم على شيء فيه لذة كبيرة ، وفيه منفعة  كبيرة ، وتكاليفه قليلة . فهل تحبون أن تعرفوا ما هو ؟ هو المطالعة . ولقد جربت اللذائذ كلها فما وجدت أمتع من الخلوة بكتاب . وإذا كان للناس ميول وكانت لهم رغبات ، فإن الميل إلى المطالعة والرغبة فيها هي أفضلها . ص179 .


12ـ خير ما يُقرأ هو القرآن ، بشرط أن يُفهم ما يُقرأ ، وقراءة  سورة قصيرة مع الفهم والتدبر خير من ختمة بلا فهم ولا تدبر . القرآن أساس البلاغة في القول ، فضلاً عن كونه أساس الهداية للقلب ، وكونه دستور الحياتين وسبب السعادتين . والذين تسمعون عنهم من بلغاء النصارى في هذا القرن ما بلغوا هذه المنزلة إلا بدراسة القرآن ، كالشيخ ناصيف اليازجي وابنه إبراهيم اليازجي ، وفارس الخوري ، هذا وهم نصارى ، ونحن أولى بهذا الكتاب . ص181 .


 -13 من الأدباء من كنت أقرأ له فلا أبتغي بلاغة ولا لسناً ولا  بياناً إلا وجدت عنده فوق ما أبتغي ، فأتخيل شخصه وأتوهمه على أوفى ما يكون عليه المتفوه اللسن ، ثم ألقاه فألقى الرجل الساكت الصموت الذي لا يكاد يتكلم حتى تكون أنت الذي يسأله ويدفعه إلى الكلام ، وإذا تكلم أخفى صوته ولطف حروفه حتى لا يُسمع منه ولا يفهم عنه . ومن الأدباء من ألقاه في مجلس فأجد المحاضر الفياض الذي ينتقل من نكتة إلى نكتة ومن قصة إلى أبيات من الشعر ، فيبتدع لها المناسبات ويلقيها بصوت قوي ، ويتكئ على الحروف ويعظم مخارجها فأُكبره وأعظمه وأسأله أن يكتب مقالة أو ينشئ فصلاً ، فيفر منه فراراً ويسوف ويعتذر ، فإذا أُحرج وكتب جاء بشيء هو أشبه بسفرة المُسَحر ، فيها من كل طعام لقمة ، ولكن الحلو مع الحامض والحار مع البارد ، وكل طعام مع طعام . وقد تتبعت أحوال هؤلاء ، فوجدت أكثرهم على غير علم ولا اختصاص ، ولا يطالع بجد ولا يبحث بإمعان ، ولا تدع له المجالس وقتاً لدرس ولا بحث ، وإنما يحفظ الرجل منهم طائفة من الأخبار الأدبية والنوادر فيحملها معه أياماً يعرضها في كل مجلس ، ويعيدها بعينها حتى ترث وتبلى وتصبح كالثوب الخلق ، فيعمد إلى غيرها فيصنع به مثلما صنع بها ، ولا يدرك الناس الفرق بينه وبين الأديب المبدع الباحث ، فيطلقون على الاثنين اسم ( الأديب ) . فمتى يميز الناس بين الأديب الحق ، وبين أديب المجالس . ص 233.

14ـ سألني سائل عن أسلوب الرافعي . وأسلوبه على أربعة أنواع  :

 )أ ( أسلوبه في كتاباته التي يتفلسف فيها ويكتب فيما يسميه ( فلسفة الحب ) ككتابه ( رسائل الأحزان ) وكتابيه الآخرين : ) أوراق الورد ) و ( السحاب الأحمر ) ، وهو أسلوب معقد  مصطنع ثقيل ، وإن كان مملوءاً بالتشابيه النادرة ، والاستعارات العجيبة ، والصناعة البيانية .


 ) ب ( أسلوبه في تآليفه العلمية ، ككتابه ( تاريخ آداب العرب ) ، ومنه الجزء الخاص بإعجاز القرآن ، وهو أسلوب جزل متين صحيح يشبه أسلوب الجرجاني في ( دلائل الإعجاز .(


 ) ج ( أسلوبه في مقالات ( الرسالة ) التي جمعها في كتاب ) وحي القلم ( ، وهو أسلوب ممتاز ، فيه بيان وبلاغة وفيه غالباً وضوح . وخيره ما كان على صورة قصة ، كقصة ) أمراء للبيع ( و ) قصة زواج ).


( د ) أسلوبه في النقد ، وهو مملوء بالسخرية والتعالي والهمز واللمز ، وإن كان نقده لطه حسين في كتاب ) تحت راية القرآن ( نقداً نظيفاً ، أما نقده للعقاد في كتاب ) على السفود ( فهو هجاء بذيء ، لذلك لم يطبع اسمه عليه .
أما أسلوبه في شعره فسهل واضح حماسي جداً ، فيه مبالغات ولكنها مقبولة ، وهو أنجح شاعر في نظم الأناشيد . أما الذي يُنتقد عليه فهو اعتداده الشديد بنفسه وتعاليه على خصومه ، وتعقيد عباراته وبذاءة ألفاظه أحياناً . لكنه في كتاباته كلها ) إلا ما يسميه فلسفة الحب ) يدافع عن الإسلام والعروبة ويقف لأعدائها بالمرصاد ، وبقي أربعين سنة أو أكثر وهو الممثل الأول للأدب الإسلامي والمدافع عنه رحمه الله . ص2455 ـ 246 .


15ـ أنا لا أقول إن طه حسين ملحد زنديق ، وأرى أنه يؤمن  بالله ، لكنه إيمان بوجوده وأنه الرب ، وهذا لا يكفي ما لم يكن معه إفراده بالعبادة وأداء ما أوجب الله على عباده . وطه حسين من آثاره أنه سن سنة إدخال البنات الجامعات واختلاطهن بالشبان ، وما نرى ونلمس من نتائج هذه السنة .على أن الله لا يسألني يوم القيامة عن طه حسين ولا عن غيره ، بل يسألني عن نفسي : ماذا أقرأ وماذا أنصح الشبان أن يقرؤوا ؟ ويعاقبني إن كتمت الحق عنهم أو غششتهم فصرفتهم عنه . فهل أنصح الشبان بقراءة كتب طه حسين ، وإن دعاه الصاوي يوماً ( عميد الأدب العربي ) فمشت الكلمة في الناس ؟
الجواب : لا ( لا ) بالقول الصريح ، و ( لا ) بالقلم العريض لأن لطه حسين كتباً فيها بلاء كبير ككتابه ( مستقبل الثقافة ) وكتباً فيها تمجيد للوثنيات اليونانية ، وكتباً فيها الكفر الصريح . ولقد كنت في مصر أدرس في دار العلوم سنة 1928م ، ويومئذ صدر كتابه ( الشعر الجاهلي ) الذي يكذب القرآن  صراحة ، والذي ألفت عشرات الكتب في رده وإبطاله ..

من أشهرها كتاب الغمراوي ( النقد التحليلي ) وكتاب السيد الخضر ( نقض كتاب الشعر الجاهلي ) و ( تحت راية القرآن ( للرافعي  ..

واتسعت القضية حتى دخلت الندوة البرلمان . وكتبه تفيض بالتناقض يسوق الرأي ثم يعود فيأتي بضده . وما كان طه يوماً من كتاب الدعوة ، ولا من أنصار الإسلام ولا رضي عنه الإسلاميون أبداً ، حتى كتابه الذي قلت عنه إنه من روائع الأدب ) الأيام ( فيه عبارة أخجل من الله أن أرويها وترتجف  أعصابي خوفاً من هذه الجرأة على الله ، ولا أدري إذا بُدلت هذه العبارة أو عُدلت في الطبعات الجديدة من الكتاب ، وهي قوله : إن الصبي ( يعني نفسه ) أضاع ما كان معه من القرآن كما أضاع نعله ! أستغفر الله ، صحيح أن كتابه ) مرآة الإسلام ( ليس فيها ما يؤخذ عليه ، ولكن النصيحة للمؤمنين والقول  الحق في كتبه : أني لا أرى في قراءتها خيراً للشبان المتدينين ، وأرى الابتعاد عنها لسلامة دينهم وضمان آخرتهم . ص253 ـ 254 .


16ـ كتاب شذرات الذهب أدل القراء الذين لا يعرفونه عليه  لينتفعوا منه ، فهو تاريخ مفيد ، بدأ من السنة الأولى للهجرة وانتهى إلى سنة ألف ، يذكر في كل سنة ما كان فيها من الأحداث ومن مات فيها من الأعلام . ص 302 .

_________________________________

الكتاب الثاني : فصول إسلامية ،الطبعة السادسة 1429هـ ، دار المنارة .

 
1 ـ لقد قصر النساء الملاءة أصبعاً أصبعاً ، حتى خرجن  سافرات بالأكمام اليابانية ، وحتى اختلط في الجامعات الفتيات المسلمات ، بنات الصالحين ، بالشباب الأجانب . فلنرجع إلى الصلاح خطوة خطوة وأصبعاً أصبعاً . ولا تلقوا بالاً لمن يقول إنها ( رجعية ) ، فإن هذا التكشف هو الرجعية لأن الناس ولدوا متكشفين وكانوا كذلك في فجر البشرية ، ثم تحضروا فاستتروا . فالذي يدعو إلى التكشف هو الرجعي ، وكل حمير الدنيا عراة مُباح ( في عرفهن الحماري ) العري والاختلاط ! وإنما يمتاز البشر بالتصون والتستر والعفاف . ص19 .


2 ـ تفسير سورة الفاتحة :

( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
يطلب حمايته أولاً من عدو البشر الألد الذي يتربص به ويزين له الشر ويحبب إليه المعصية ويفضل له هذه الدنيا الزائلة ولذاتها الذاهبة على الآخرة الدائمة ونعيمها المقيم ويسأله أن يعيذه منه حين يقول : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).


( بسم الله الرحمن الرحيم )
ثم يعلن الابتداء باسم ربه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) لا باسم  جلالة الملكة كما يقول الإنكليز ولا باسم الشعب كما نقول نحن ولا باسم صنم ولا وثن ولا باسم رابطة قومية أو حزبية أو رابطة منفعة أو مال بل بما هو أعلى من ذلك كله وأعظم وأسمى . بما تمحى أمامه فروق اللون والجنس واللسان وما تسكت أمامه أصوات الشهوة والسيطرة والجاه والغنى وما يعود البشر أمامه عبيداً سامعين مطيعين متجردين للفضائل والخيرات : بسم الله .

( الفاتحة )
لكل كتاب بشري فاتحة : مقدمة تجمل مقاصده وتوضح مطالبه ، وهذه مقدمة الكتاب الإلهي الباقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي نزله الله وتعهد بحفظه .


( الحمد لله رب العالمين )
الحمد لله على نعمه التي لا تحصى نعمة الحياة ، نعمة الصحة ، نعمة الأمن ، نعمة السمع والبصر ، نعمة الأهل والولد . . . إن الإنسان لا يعرف قيمة النعم إلا عند فقدها ، إن سد أنفك الزكام عرفت قيمة الشم ، وإن أغلق عينك الرمد عرفت قيمة البصر ، وإن دهمك الخوف عرفت قيمة الأمن ، وإن لويت قدمك فلم تقدر أن تمشي عرفت قيمة الرجل . فتصوروا هذه النعم حين تقولون : ( الحمد لله ).


( رب العالمين )
هل تعرفون معنى الرب ؟ ليس معناها الحاكم ولا الملك ولا الإله ، الرب فيه معنى العناية والتربية والحفظ والإنماء .الرب المربي ، والعالمون جمع عالم فعالم الأرض وعالم النجوم وعالم السماء وعالم الجن وعالم الشياطين وعالم الملائكة والعوالم كلها هو حافظها وموجدها ومربيها .فتصوروا هذه المعاني كلها حينما تقرؤون هذه الكلمات الأربع : ( الحمد لله رب العالمين ).


( الرحمن الرحيم )
وصف نفسه بالرحمة وكررها لتكرر رحمته ، ولم يقل الجبار المنتقم ، ولا القوي العزيز ولكن الرحمن الرحيم . أشعرنا رحمته التي وسعت كل شيء . أترون رحمة الأم بوحيدها الذي ترضعه على صدرها ؟ الله أرحم بعباده منها بولدها . إن الأم إذا أساء إليها ولدها أو خالفها أو استعمل مالها في معصيتها هجرته وحجزت المال عنه . والكافر يستعمل لسانه الذي أعطاه الله إياه في الكفر بالله والله يرحمه ويرزقه ويحسن إليه . الفاجر يستعمل ماله الذي أعطاه الله إياه في معصية الله والله يرحمه ويرزقه ويحسن إليه . وإن الله أنزل في الدنيا رحمة واحدة فبها يتراحم الناس وتعطف الأم على ولدها والأخ على أخته والرجل على امرأته وأبقى تسعاً وتسعين ليوم القيامة ، ورحمة الله هذه من أولى النعم التي تستحق الحمد .


 ) مالك يوم الدين (
بعد أن يستشعر العبد رحمة الله يقول ) مالك يوم الدين ( فيستشعر عظمته ، ليعلم أن الله رحيم فلا ييأس من رحمته وأنه جبار فلا يأمن بطشه . ويوم الدين هو يوم القيامة ، يوم يقف الناس جميعاً من قتل في الحرب ومن مات على فراشه ، والذي أكله السبع والذي غرق في البحر والذي احترق وصار جسده فحماً يجمعهم الله جميعاً الأولين والآخرين فيقف الملك بجنب الصعلوك والغني بجنب الفقير وتسقط الفوارق ولا يبقى من فرق إلا بالعمل الصالح ، هنالك ينادي المنادي ) لمن الملك اليوم ) ؟ للسلاطين ؟ للجبارين ؟ للأغنياء ؟ لا ، بل ) لله الواحد القهار ( . ذلك هو رب العالمين ومالك يوم الدين .


( إياك نعبد وإياك نستعين )
أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك ، والعبادة هي كل ما فيه إقرار بالربوبية للمعبود ، فالصلاة عبادة والسجود عبادة والدعاء عبادة والطواف بالقبور بنية التعظيم وقياساً على طواف الكعبة عبادة لغير الله .والاستعانة هنا هي الاستعانة بما هو وراء الأسباب فلا تمنع الاستعانة بالطبيب على وصف الدواء ولا الاستعانة بالمحامي على حسن الدفاع ولا الاستعانة بأرباب الصناعات . بل الاستعانة الممنوعة إلا بالله وحده هي طلب ما وراء الأسباب كمن يطلب من غير الله أن يشفي مريضه بلا علاج أو يرجع فقيده بلا بحث أو يطلق سجينه بلا شفاعة أو يفرج كربه بغير سبب مادي .بعد أن حمدت الله على نعمه وعرفت أنه رب العالمين وأنه أرحم الراحمين وأنه هو مالك يوم الدين ، وبعد أن نزهته عن الشريك ( الشرك الظاهر والشرك الخفي ) وخصصته وحده بالعبادة فإن الله يعلمك كيف تطلب منه ما ينفعك ، وقد أجمل لك الخير كله في كلمة واحدة : الصراط المستقيم .


( اهدنا الصراط المستقيم(
أي دلنا على الطريق الموصل إلى كل خير في الدنيا وفي الآخرة .


( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (
المغضوب عليهم عرفوا الحق ولم يتبعوه ، ومنهم اليهود . والضالون لم يعرفوه ولم يتبعوه ومنهم النصارى . والذين أنعم الله عليهم عرفوه واتبعوه وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون .


 ) آمـــين
أي الله استجب لنا وتقبل دعاءنا . ص 75ـ79 .


3 ـ هل يريد أحد منكم أن يتخرب بيته ؟ ستقولون : وما هذا  السؤال السخيف ؟ لا ، طبعاً .ولكن إذا صدر قانون جاء فيه أن من تخرب بيته بالسيل أو بالرياح أو بأي آفة من الآفات التي لا عمل فيها للإنسان ، تمنحه الدولة بدلاً عنه قصراً ضخماً . ألا تتمنون حينئذ أن يتخرب البيت ؟..

ستقولون الآن : نعم ، لأنكم واثقون من أن الدولة إذا وعدت وعداً بقانون فإنها تفي به . والله عزوجل ، وهو أصدق من الدولة قولاً وأوثق عهداً ، تعهد  للمؤمن بأن يعطيه بكل مصيبة تناله ، صغيرة كانت أو كبيرة ، من الشوكة التي تشك يده إلى موت الولد وذهاب المال ، أجراً ينسى معه المصيبة ويتمنى لو أنها كانت أكبر ليكون الأجر عليها أكبر .
روى البخاري ومسلم في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ) ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى وغم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه . (

أي أنه إذا جاء يوم القيامة ووضع  الميزان ووزنت الحسنات والسيئات ، فقلت حسناته وكثرت سيئاته ، رأى المصائب التي كانت أصابته فصبر عليها ورضي بقضاء الله فيها ، وقد وُضعت مع الحسنات فرجحت السيئات .
 

وروى مسلم : ( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمر المؤمن كله خير له ، إن أصابته سراء ( نعمة ) شكر ( الله عليها ) فكان خيراً له ( أي كانت حسنة من حسناته ) ، وإن أصابته ضراء ( مصيبة ) صبر فكان خيراً له )  .
بل إن المصائب من علامات رضا الله عن العبد لأنها كفارة للخطايا ودفع لعذاب الآخرة .

وروى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال( من يرد الله به خيراً يُصب منه ) .

وروى أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( في الحديث القدسي ) : ( ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ( أي مات من هو عزيز عليه ) ثم احتسبه ( صبر ورضي بالقضاء ) إلا الجنة ).

فيا أيها المصابون المتألمون ،  هذه بشارة من رسول الله لكم ، فاصبروا حسبة لتكون لكم الجنة ، قبل أن تصبروا سلواً ونسياناً . وأي مصيبة لم تُنسَ ؟ وأي كبيرة لم تصغر ؟ وقد قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم  ( الصبر عند الصدمة الأولى) . ص217 ـ 218 .
 

4 ـ يقرأ المسلمون القرآن فيحركون ألسنتهم بلفظ كلماته  وتجويد تلاوته ، ولكن لا يفكرون في وجوب تحريك عقولهم لفهم معانيه ، ويرون أن هذا هو الأصل في القراءة ، كأن القرآن ليس إلا كلاماً معداً للتلحين ولا يُطلب منهم إلا التسابق إلى حسن تلحينه وإدارته على البيات والرصد والعجم وهاتيك الأنغام
وصار البر بالقرآن كل البر ، والعناية به كل العناية ، أن نتقن مخارج حروفه ونفخم مفخمه ونرقق مرققه ونحافظ على حدود مدوده ، ونعرف مواضع إخفاء النون وإظهارها ودغمها وقلبها والغنة بها .القرآن الذي أنزله الله أمراً ونهياً ومنهجاً كاملاً للمسلم في حياته الخاصة وحياته الاجتماعية ، يُكتفي منه بالتغني بألفاظه وتجويد تلاوته  !
فهل ينفع القاضي أن يقرأ القانون مجوداً ثم لا يفهمه ولا يحكم به ؟ وإذا تلقى الضابط برقية القيادة هل ينجيه من المحكمة العسكرية أن يضعها على رأسه ويقبلها ويترنم بها ، ولا يحاول أن يدرك مضمونها . بل لو رأيتم رجلاً قعد يقرأ جريدة حتى أتمها كلها من عنوانها إلى آخر إعلان فيها ، فسألتموه : ما هي أخبارها ؟ فقال : والله ما أدري ، لم أحاول أن أتفهم معناها فماذا تقولون فيه ؟ أما تنكرونه وتنكرون عليه ؟ فكيف لا تنكرون على من يعكف على المصحف حتى يختم الختمة ، وقد خرج منها بمثل ما دخل فيها ، ما فهم من معانيها شيئاً ؟
فمن أين جاءت هذه المصيبة ؟ وأي عدو من أعداء الله استطاع أن يلعب هذه اللعبة فيحرم المسلمين من قرآنهم وهو بين أيديهم ، وفي كل بيت نُسخ منه ، وهو يُتلى دائما ًفي كل مكان ؟ يحرمهم منه وهو في أيديهم وهو ملء أنظارهم وأسماعهم ؟ مسألة عجيبة جداً والله ! . ص228 ـ 230


5 ـ نحن نُقر بهذه المبادئ الغربية التي تقول بفصل الدين عن  العلم ، والدين عن السياسة إنها صحيحة بلا شك بشرط أن تفهم معناها عند من وضعوها . إن الغربيين الذين وضعوا هذه المبادئ يقصدون بالدين ما يحدد صلة الإنسان بالله ، ومن هنا قالوا : ( الدين لله والوطن للجميع ) ، ونحن نقول مقالتهم ونفصل بين الصلاة والصيام وبين السياسة والعلم . ولكن الإسلام ليس ديناً فقط يحدد صلة الإنسان بالله ، بل هو دين وتشريع وقانون دولي وأخلاق ، وهو يحدد صلة الأفراد بعضهم ببعض ، وصلة الأفراد بالدولة ، وصلة الدولة بالدول الأخرى ، ويرسم طريق الأخلاق والسلوك . فالإسلام إذن ليس ديناً فقط لتطبق عليه هذه القواعد ، بل هو نظام كامل للحياة لا يشابهه في هذا دين من الأديان التي يتبعها البشر . ص262 ـ 263 .


_________________________________

 

الكتاب الثالث : من حديث النفس ، الطبعة الثانية 1424هـ ، دار المنارة .

1 ـ إن عمادي هذا القلم ، وإنه لغصن من أغصان الجنة لمن  يستحقها ، وإنه لحطبة مشتعلة من حطب جهنم لمن كان من أهل جهنم ! . ص127 .


2 ـ كان الكتاب الذي نقرؤه في النحو ( قواعد اللغة العربية ) الجزء الرابع من الدروس النحوية لحفني ناصيف وأصحابه ، وهو كتاب يغني المتأدب ، بل الأديب ، عن النظر في كتاب غيره ، وهو أعجوبة في جمعه وترتيبه وإيجاز عبارته واختياره الصحيح من القواعد . ص193 .


3 ـ كيف ثبتت العربية برغم النكبات الثقال التي مرت بها ؟  كيف عجزت الدول التركية والفارسية التي تعاقبت على بلاد العرب من أيام الواثق على أن تقضي عليها ؟ بل كيف استطاعت هي أن تقضي على عجمتهم وتدخلهم تحت لوائها ؟ وما هو السر في قوة العربية وثباتها ؟ إن السر في هذا الحصن المتين الذي حصنها الله به : القرآن يا سادة ، القرآن . ص195 .


4 ـ ما المجد الأدبي ؟
أهو أن يذكرك الناس في كل مكان وأن يتسابقوا إلى قراءة ما تكتب وسماع ما تذيع ، وتتوارد عليك كتب الإعجاب وتقام لك حفلات التكريم ؟ لقد رأيت ذلك كله ، فهل تحبون أن أقول لكم ماذا رأيت فيه ؟ رأيت سراباً . . . سراب خادع ، قبض الريح ! وما أقول هذا مقالة أديب يبتغي الإغراب ويستثير الإعجاب ، لا والله العظيم ( أحلف لكم لتصدقوا ) ما أقول إلا ما أشعر به . ص302 .

 

_________________________________

الكتاب الرابع : هتاف المجد ، الطبعة الخامسة 1426هـ ، دار المنارة .


1 ـ إن الإنكليزي أو الفرنسي ، لا يتأخر عن شكرك إن ناولته  المملحة على المائدة ، ولا يقصر في الاعتذار إليك إن داس على رجلك خطأ في الطريق ، وإن رأى كلباً مريضاً تألم عليه وحمله إلى الطبيب ، وهو أنيق نظيف مهذب اللفظ لا يستهين بذرة من هذه الآداب ، ولكنه لا يجد مانعاً يمنع رئيس وزرائه أن يأمر فيصب النار الحامية على البلد الآمن ، فيقتل الشيوخ والنساء والأطفال ، ويدمر ويخرب ويذبح الأبرياء ، ويفعل مالا تفعله الذئاب ذوات الظفر والناب ، ويدعي أنه هو المتمدن ؟
أهذه هي المدنية ؟ إن كانت هذه المدنية وهؤلاء هم المتمدنين فلعنة الله على المدنية وعلى أهلها . ص136 .


2 ـ إن الجهاد إن لم يبدأ من البيت والمدرسة والجريدة ، فلا  يمكن أن ينتهي إلى الساحة الحمراء ، فإذا أردتم أن تبلغوا نهاية الطريق فامشوا من أوله ، إن شئتم أن تصلوا إلى أعلى السلم فابدؤوا من أسفله ، فإن من يمشي من آخر الطريق يرجع إلى الوراء ، ومن ينزل من رأس السلم يصل إلى الأرض . ص246 .

 

_________________________________

 

الكتاب الخامس : مقالات في كلمات ( الجزء الأول ) الطبعة السادسة 2007م ، دار المنارة .

1 ـ وقع مرة بيني وبين صديق لي ما قد يقع مثله بين  الأصدقاء ، فأعرض عني وأعرضت عنه ، ونأى بجانبه ونأيت بجنبي ، ومشى بيننا أولاد الحلال بالصلح ، فنقلوا مني إليه ومنه إلي ، فحولوا الصديقين ببركة سعيهما إلى عدوين ، وانقطع ما كان بيني وبينه ، وكان بيننا مودة ثلاثين سنة .
وطالت القطيعة وثقلت علي ، ففكرت يوماً في ساعة رحمانية ، وأزمعت أمراً . ذهبت إليه فطرقت بابه ، فلما رأتني زوجه كذبت بصرها ، ولما دخلت تنبئه كذب سمعه ، وخرج إلي مشدوهاً ! فما لبثته حتى حييته بأطيب تحية كنت أحييه أيام الوداد بها ، واضطر فحياني بمثلها ، ودعاني فدخلت ، ولم أدعه في حيرته ، فقلت له ضاحكاً : لقد جئت أصالحك ! وذكرنا ما كان وما صار ، وقال وقلت ، وعاتبني وعاتبته ، ونفضنا بالعتاب الغبار عن مودتنا ، فعادت كما كانت ، وعدنا إليها كما كنا . وأنا أعتقد أن ثلاثة أرباع المختلفين لو صنع أحدهما ما صنعت لذهب الخلاف ، ورجع الائتلاف ، وإن زيارة كريمة قد تمحو عداوة بين أخوين كانت تؤدي بهما إلى المحاكم والسجون . إنها والله خطوة واحدة تصلون بها إلى أنس الحب ، ومتعة الود ، وتسترجعون بها الزوجة المهاجرة ، والصديق المخالف . فلا تترددوا . ص 53 ـ 55 .


2 ـ في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ، قرأته ألف مرة  ، ولكني ما انتبهت له إلا اليوم ، وهو أنه لما أراد الهجرة إلى المدينة ، خلف على بن أبي طالب ، ليرد الودائع التي كانت عنده إلى أصحابها  ! !
الودائع ... ؟ كيف كان رجال قريش يستودعونه أموالهم وتحفهم ، مع ما كان بينه وبينهم ؟ لقد كان بين محمد وبين قريش لون من ألوان العداء ، قل أن يكون له في شدته مثيل ، هو يسفه دينهم ، ويسب آلهتهم ، ويدعوهم إلى ترك ما ألفوه ، وما كان عليه آباؤهم ، وهم يؤذونه في جسده وفي أهله وأصحابه ، شردوهم إلى الحبشة أولاً ، وإلى يثرب ثانياً ، وقاطعوهم مقاطعة شاملة ، وحبسوهم في الشعب ثلاث سنين . . .
فكيف كانوا مع هذا كله يستودعونه أموالهم ؟ وكيف كان يحفظها لهم ؟ هل يمكن أن يستودع حزب الشعب مثلاً أمواله رجلاً من الحزب الوطني ؟ هل يأتمن الحزب الديموقراطي في أميركا مثلاً عضواً في الحزب الجمهوري على وثائقه ؟هل في الدنيا حزبان متنافران متناحران يودع أحدهما الآخر ما يخاف عليه من الضياع ؟ هل في تواريخ الأمم كلها رجل واحد ، كانت له مثل هذه المنقبة ؟ رجل يبقى شريفاً أميناً في سلمه وفي حربه ، وفي بغضه وفي حبه ويكون مع أعداء حزبه ، مثله في شيعته وصحبه ؟ وتكون الأمانة عنده فوق العواطف والمنافع والأغراض ، وتكون الثقة به حقيقة ثابتة ، يؤمن بها القريب والبعيد ، والعدو الصديق ؟ إنها حادثة غريبة جداً ، تدل على أن محمداً كان في أخلاقه الشخصية طبقة وحده في تاريخ الجنس البشري ، وإنه لو لم يكن بالوحي أعظم الأنبياء ، لكان بهذه الأخلاق أعظم العظماء . ص112 ـ 113 .

 


3 ـ رأيت البنت البارحة قد أخذت شيئاً من الفاصولياء وشيئاً  من الرز ، وضعتهما في طبق كبير من النحاس ، ووضعت عليهما قليلاً من الباذنجان ، ورمت في الطبق خيارة وحبات من المشمش .... وذهبت به ، فقلت : لمن هذا يا بنت ؟ قالت للحارس ، أمرتني سته أن أدفعه إليه . قلت : ارجعي يا قليلة الذوق ، هاتي صينية ، وأربعة صحون صغار ، وملعقة وسكيناً وكأس ماء ، وضعي كل جنس من الطعام في صحن نظيف ، فوضعت ذلك كله في الصينية مع الملعقة والسكين والكأس . وقلت : الآن اذهبي به إليه . فذهبت وهي ساخطة تبربر وتقول كلاماً لا يفهم .فقلت : ويحك هل خسرت شيئاً ؟ إن هذا الترتيب أفضل من الطعام ، لأن الطعام صدقة بالمال ، وهذه صدقة بالعاطفة ، وذلك يملأ البطن ، وهذا يملأ القلب ، وذلك يذل الحارس ويشعره أنه شحاد مُنّ عليه ببقايا الطعام ، وهذا يشعره أنه صديق عزيز أو ضيف كريم . وتلك يا أيها القراء الصدقة بالمادة ، وهذه الصدقة بالروح ، وهذه أعظم عند الله ، وأكبر عند الفقير ، لأن الفرنك تعطيه السائل وأنت مبتسم له أندى على قلبه من نصف الليرة تدفعها إليه متنكراً متكبراً عليه ، والكلمة الحلوة تباسط فيها الخادم ، أبرد على كبده من العطية الجزيلة مع النظرة القاسية .
فيا أيها المحسنون ، أعطوا من نفوسكم ، كما تعطون من أموالكم ، وأشعروا الفقراء أنكم إخوانهم ، وأنكم مثلهم ، وانزلوا إلى مكانتهم لتدفعوا إليهم الصدقة يداً بيد ، لا تلقوها عليهم من فوق ، فإن صرة الذهب إن وضعت في يد الفقير أغنته ، وإن ألقيت على رأسه من الطبقة السادسة قتلته ! . ص 296 ـ 297 .

_________________________________

 

الكتاب السادس : مقالات في كلمات الجزء الثاني ، الطبعة الثالثة 2004 ، دار المنارة .

1 ـ من أعظم الكتب التي قرأتها أثراً في النفس وجلباً للسعادة  كتاب ( دع القلق وابدأ الحياة ) الذي ألفه ديل كارنيجي . ص59 .


2 ـ روى الإمام ابن عبدالحكم في سيرة عمر بن عبدالعزيز ، أن  عمر كان يأمر أصحاب البريد أن يحملوا إليه كل كتاب يُدفع إليهم ، فخرج البريد ( الرسمي ) من مصر يوماً ، فدفعت جارية اسمها ( فرتونة السوداء ) مولاة رجل يسمى ( ذا أصبح ) كتاباً تذكر فيه أن جدار منزلها قصير وأنه يقتحم عليها منه فيُسرق دجاجها .
فكتب إليها عمر : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى فرتونة السوداء مولاة ذي أصبح ، بلغني كتابك وما ذكرت من قصر حائطك وأنه يدخل عليك فيه فيسرق دجاجك ، وقد كتبت إلى أيوب بن شرحبيل آمره أن يبني لك ذلك حتى يحصنه مما تخافين إن شاء الله . والسلام .


فيا أيها القراء سألتكم بالله : هل تتصورن أن يكون في الدنيا شخص أهون على الناس وأدنى منزلة فيهم وأقل شأناً من هذه الجارية السوداء ؟ وهل تتصورن أن يكون في الدنيا رجل أسمى مكانة وأكثر شغلاً وأعز وأكرم من عمر الذي كان يحكم وحده ما بين حدود فرنسا وحدود التبت ، لا راد لحكمه ولا ناقض لإبرامه ، وليس فوقه إلا الله ؟ وهل تتصورن أن يكون في الدنيا موضوع أتفه وأسخف من جدار فرتونة ودجاجها ؟ومع ذلك لم تمنع عمر بن عبدالعزيز جلائل الأمور من أن يهتم بشكاة فرتونة ، ويكتب بشأنها إلى والي مصر وقائدها العام أيوب بن شرحبيل ، وأن يجيبها مطمئناً ومخبراً . هذا خبر من آلاف الأخبار التي يطفح بها تاريخنا أسوقه إلى رجلين : رجل يزهد في تاريخنا ويحقره ويولي بوجهه تلقاء الغرب في كل شيء ، يظن أن الخير لا يأتي إلا منه ، والنور لا ينبثق إلا من جهته ، وينسى أن الشرق تشرق منه الشمس ، ومن الغرب تأتي الظلمات . ورجل ولي ولاية ، أو نال وزارة ، فتكبر وتجبر ، وطغى وبغى ، وحسب أنه ساد الدنيا ، فلم يعد يرد على كتاب ولا يحفل بشكاة ولا ينظر إلى أحد ، لعله يتنازل فيرضى أن يكون بمنزلة عمر الذي كانت الدولة السورية كلها ضيعة واحدة في دولته ، ثم لم يمنعه ذلك أن يهتم بحائط فرتونة السوداء ودجاجاتها ، وأن يشغل والي مصر وقائد جندها بشأنها ، وأن يرد بيده على كتابها ! ألا تتنازلون يا سادتي من معاليكم فتكونوا مثل عمر ؟ ! . ص 76 ـ 77  .


3 ـ الناس ربما تركوا الفصيح ، لأن العامة تستعمله ، وجاؤوا  بما لا أصل له في اللغة ، كقولهم : ( دهست السيارة رجلاً ) ، مع أن ( دهس ( لا أصل لها واللفظ الفصيح هو ( دعس ) .

 

ومن الخطأ الشائع قولهم : ( اغرب عني ) بغين وراء ، مع أنها ( اعزب ) بعين وزاي ومنه قوله تعالى : ( لا يعزب عن علمه مثقال ذرة ) .


ومن ذلك قولهم : ( مرأة ) مع أنها ( امرأة ) فإن عُرّفت قيل : ( المرأة . (

 

ومن الأخطاء الشائعة ـ في مصر ـ أنهم يؤنثون الرأس فيقولون : ( هذه رأسي ) و ) رأسه ناشفة ) . ويجري هذا الخطأ على أقلام أكثر الكتاب ، مع أن الرأس مذكر ، والعرب لا يؤنثون الرأس ولا يرئسون الأنثى . ص210 ـ 211.

_________________________________

 

الكتاب السابع : ذكريات الشيخ علي الطنطاوي الجزء الأول ، الطبعة الخامسة 2007 م ، دار المنارة .


وأقول قبل أن أشرع فيها من سمع منكم بجهاد الكلمة والقلم وأحب أن يرى ذلك عياناً فليقرأ ذكريات الشيخ رحمه اللهبأجزائها الثمانية وسيجد بغيته .

1 ـ كُتب عن الشيخ على الطنطاوي تحقيق في مجلة  المسلمون ووضعوا صورته على غلاف المجلة فكتب معلقاً : لماذا وضعتم صورتي على الغلاف ؟ إننا نسمع أن فتاة الغلاف لا تكون إلا من ذوات الصبا والجمال فماذا يصنع القراء بصورة شيخ مثلي ؟ ثم إنكم اخترتم صورة لي كبرتني وجعلتني أبدو أكبر من سني إن الذي يراها يظنها صورة عجوز في السادسة والسبعين ، مع أني في الخامسة والسبعين فقط لا غير ! ! ص 38 .


2 ـ كلمة ( مقهى ) فصيحة ، و ( أقهى ) أي أدام شرب القهوة . ص53 .


3 ـ كلمة فطس من العامي الفصيح . ص91 .


4 ـ الأتراك يقولون للعالم ( المولى ) فلان ، والأكراد يقولون (  الملا ) فلان ، وأصلها المولى . ورأيت في جاوة لما زرتها عالماً اسمه الكيا دحلان ، و( الكيا ) لقب للعالم وليس اسماً ، ومنه عرفت معنى اسم الفقيه الشافعي الكيا الهراسي . ص 105 ـ 106 .


5 ـ أنا مثل خراش في تردده وحيرته لا في خلقه وصورته  لأنه كما تعرفون ( أو كما لا تعرفون ) كلب وأنا بحمد الله بشر ص 185 .
قلت يشير رحمه الله إلى قول القائل :
تكاثرت الظباء على خراش 
فما يريد خراش ما يصيد


6 ـ فأنا اليوم ، وأنا بالأمس ، كما كنت في الصغر أمضي يومي  أكثره في الدار أقرأ ، وربما مر علي يوم أقرأ فيه ثلاثمئة صفحة . ومعدل قراءتي مئة صفحة ، ومن سنة 1340هـ إلى هذه السنة 1402هـ اثنتان وستون سنة ، احسبوا كم يوماً فيها واضربوها بمئة تعرفوا كم صفحة قرأت . ص211 .


7 ـ من ظن أن التصريح باسم زوجته عيب أو حسب أنه مُخل  بالمروءة فإني أخشى عليه الكفر ، لأنه يكون قد نسب العيب والإخلال بالمروءة إلى أكمل البشر وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الصحيح أنه صرح باسم عائشة  وفاطمة و خديجة ، ولم ير في ذلك عيباً . واسم أمي رئيفة بنت الشيخ أبي الفتح الخطيب شقيقة الأستاذ محب الدين الخطيب . أما كيف تزوج بها أبي فأنا أمتنع عن ذكره . لماذا ؟ لأنني لا أدريه ! لا تعجبوا إذا قلت لكم أن الغرباء دُعوا إلى حضور العقد وأنا ولدها لم أدُع إليه . إي والله لم أدُع إليه ، ولم أعلم به إلا بعد إتمامه بزمن طويل ! ! . ص 258 .


_________________________________

 

الكتاب الثامن : ذكريات الشيخ علي الطنطاوي الجزء الثاني ، الطبعة الخامسة 2007م ، دار المنارة .



1 ـ الدعس كلمة فصيحة ، أما الدهس فما لها في العربية أصل . ص69 .


2 ـ إني أكتب اليوم عن أمي ، ولكن كل واحد منكم سيقرأ فيه  الحديث عن أمه هو ، ألم يقل سبنسر : إن الجميع يبكون في المآتم ولكن كلا يبكي على ميته ؟ فمن قعد يقرأ هذه الحلقة وله أم فليتدارك ما بقي من أيامها لئلا يصبح يوماً فلا يجدها ولا يجد ما يعوضه عنها . وإن كانت عجوزاً أو كانت مريضة أو كانت مزعجة بكثرة طلباتها فاذكر أنها إن احتاجت إليك اليوم فلقد كنت يوماً أحوج إليها ، وإن طالبتك أن تقدم لها من مالك فقد قدمت لك من نفسها ومن جسدها ، وأنها حملتك في بطنها فكنت عضواً من أعضائها يتغذى من دمها ، ثم وضعتك كرهاً عنها ، انتزعت منها انتزاع روحها .
أما أبصرت يوماً حاملاً في شهرها التاسع بطنها إلى حلقها لا تستطيع أن تمشي من ثقل حملها ولا تستطيع أن تنام ؟ وإن لم تر بعينك امرأة تلد أفما سمعت صراخها من ألمها ؟ ألم يبلغك ما تقاسي وما تتعذب ؟
لو سبب لك إنسان عشر هذا العذاب لأعرضت عنه ولهجرته هذا إن أنت رفقت به فما انتقمت منه ولا آذيته ولكن الأم تنسى بعد لحظات من خروج الولد ألمها ثم تضمه إلى صدرها فتحس كأن روحها التي كادت تفارقها قد ردت إليها ، وتلقمه ثديها ليمتص حياتها فيقوى بضعفها ويسمن بهزالها أو يمدها الله بقوة من عنده فلا تضعف ولا تهزل ويقوى هو ويسمن . وإن ضقت بطول حياة أمك ، تخفي ذلك في أعماق نفسك وتنكره بلسانك فقد كانت ترى فيك حياتها ، إن تبسمت أحست أن الدنيا تبسم لها والأماني قد واتتها ، وإن بكيت بكى قلبها واسود نهارها ، وإن مرضت هجرت منامها ونسيت طعامها ، ترعاك ساهرة حتى تصبح ، فإن أصبحت ظلت ترعاك حتى تمسي . إنك لو أحببتها بقلبك كله لم توفها إلا واحداً بالمئة مما أولتك هي من حبها .

 

وإن كان لك أب شيخ كبير محتاج إليك ، فاذكر أنه طالما تعب لتستريح أنت وشقي لتسعد ، ما جمع المال إلا لك وما خسر ماضيه إلا ليضمن مستقبلك ، وأنه كان يعود من عمله محطماً مكدوداً فتثب إلى حجره وتقول له : بابا ، وتمد يديك الصغيرتين لتعانقه ، فينسى بك التعب والنصب ، ويرى المسرات كلها قد جمعت له والمتاعب كلها قد نأت عنه . واذكر أنه ما زاد من عمرك يوم حتى نقص من عمريهما مثله ، ولا بلغت شبابك حتى ذهب شبابهما ، ولا نلت هذه القوة حتى نالهما الضعف . أفئن بلغت مبلغ الرجال كان جزاؤهما منك الصدود والنكران ! إن الإنسان يربي كلباً فيفي له ، وحماراً فلا يرفسه ، ويطعم القط فلا يعضه ، بل إن من الناس من يتألف صغار الأسود والنمور وأنواع الوحش فتأنس به وتأوي إليه وتلحس يده ـ. ويفني الوالدان نفسيهما في الولد فينسى فضلهما ويجحد يدهما ؟


يا عجــــبـــا ً ! !
أيكون الكلب والحمار والقط والنمر أوفى من الإنسان ؟ ! وقد تجد في الناس من يظهر لك من حبه أكثر مما تظهر الأم ويظهر الأب ، ولكن منهم من يحبك لمالك أو لجمالك أو لجاهك وصلاح حالك ، فإن ساءت الحال أو ذهب الجمال أو قل المال أعرض عنك ولم يعد يعرفك . أما الذي يحبك لذاتك ويبقى على حبك مهما تبدلت الحال بك فهو أمك وأبوك ، لا تجد مثلهما .فمن كانت له أم أو كان له أب فقد فتح له باب الجنة ، فمن الذي يمر بباب الجنة مفتوحاً فلا يدخلها ؟
إني أكتب اليوم عن موت أمي ، وقد كتبت من قبل عن موت أبي ، وإن كنت أتمنى أن أخسر تسعة أعشار ما أملك من مال اقتنيته وكتب ألفتها ، وشهرة نلتها ومناصب تقلدتها ، وأن تكون بقيت لي أمي وبقي لي أبي . ص94 ـ 96.


3 ـ من عيوبي ، وعلى الكاتب أن يجنب قرّاءه عيوبه ، أني  أؤخر كل عمل إلى آخر وقته ثم أقوم مسرعاً أعدو كالمجنون لقد تركت الحكمة العربية الصحيحة ( لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ) وأخذت الكلمة الحمقاء للكاتب الفاسق أوسكار وايلد (لا تؤخر إلى غد ما تستطيع عمله بعد غد ) لقد أضاع علي التسويف خيراً كثيراً في الدنيا وأسأل الله ضارعاً إليه ألا يضيع خير الآخرة . ص198 .


4 ـ من عيوبنا صفة تكاد تكون فينا معشر العرب جميعاً ،  بقيت من عهد البداوة ، هي الإفراط في الفردية . إن كل واحد منا يشعر أنه جماعة وأنه أمة وحده ، يريد النفع لبلده لكن بشرط أن يجيء على يده ..

فإن جاء على يد غيره نَفِسهُ عليه وتربص به العثرات والسقطات . والواعظ يدعو الناس إلى الله ويرغبهم في التقوى ، فإذا اتقوا عن طريق غيره وجد عليه وربما تنكر له .! 
ونحن جميعاً نكره النقد ولا نصبر عليه ونضيق بالمعارضة ولا نحتملها ، إن أنت نقدت ديوان شعر صرت عدواً للشاعر وإن تكلمت عن كتاب صرت خصماً لمؤلف الكتاب ، لذلك قلّت فينا الأعمال الجماعية ، وإن وجدت فقدت روحها وصارت غالباً مؤسسة فردية الفعل فيها لواحد والاسم للجماعة ، كأن الله خلقنا على مثال الثوم ( في شكله لا في ريحه ) تأخذ رأس الثوم فتقشره فتجد فيه رؤوساً أصغر منه ، فاقشر أحد هذه الرؤوس تلق فيها رؤوساً أخرى صغاراً ، فنحن مثل الثوم كلنا رؤوس ! . ص233 .


5 ـ هل قرأتم كتاب ( الفرج بعد الشدة ) للقاضي التنوخي ؟  لقد قرأته وعمري إحدى عشرة سنة ، ثم قرأته أكثر من ثلاثين مرة وحفظت قصصه كلها من كثرة ما أعدت النظر فيه ، وصححت من حفظي الكثير من أخطاء النسخة المطبوعة منه ، ولو وجدت له نسخة مخطوطة صحيحة لحققته وأعدت نشره لأني صرت من أعرف الناس به فاقرؤوه ـ على كثرة أغلاطه ـ تجدوا فيه ما لا تجدون مثله في كتاب آخر من صور المجتمع العباسي ومصطلحات أهله ، وأحوال الموظفين وأوضاع التجار ، وأقل ما تستفيدون منه أنه يهون على المحزون منكم حزنه حين يرى أن من الناس من أصابه أكثر مما أصابه . ص372 .


6 ـ عرفت شعر شوقي وحافظ والمطران من قديم ، ولست  أدري إلى الآن ما الذي جمع مطران بهما وحشره معهما ، وما هو من طبقتهما ولا من أقرانهما ، وما قرأت له عشرة أبيات متوالية يقال لها ( شعر ) حتى قصيدته المشهورة عن بعلبك ما هي إلا تاريخ منظوم وأفكار تمشي على الأرض ، ليس فيها ما يطير إلى جو الشعر ! . ص392 .

_________________________________

  

الكتاب التاسع : ذكريات علي الطنطاوي ، الجزء الثالث ، الطبعة الخامسة 2007م ، دار المنارة .


1 ـ ما المجد الأدبي ؟..

أهو أن يذكرك الناس في كل مكان وأن  يتسابقوا إلى قراءة ما تكتب وسماع ما تذيع ، وأن تتوارد عليك كتب الإعجاب وتُقام لك حفلات التكريم ؟ لقد رأيت ذلك كله ، فهل تحبون أن أقول لكم ماذا رأيت فيه ؟ سراب ، قبض الريح . أغلق يدك على الريح ثم افتحها لا تلق فيها شيئاً . لا والله ، ما أقول هذا كلام أديب يتخيل ولكن ، وأحلف لكم لتصدقوا : ما أقول إلا الحقيقة التي أشعر بها . ص252 .


2 ـ كنت معجباً أشد الإعجاب بالرافعي ، ولكن تبدل نظري إليه وحكمي عليه ، وخير ما كتب ( تحت راية القرآن ) و ( وحي القلم ) أما ما يسميه فلسفة الحب والجمال في مثل ) رسائل الأحزان  ( و ) السحاب الأحمر ) و ( أوراق الورد (  فأشهد أنه  شيء لا يطاق ، يتعب فيه القارئ مثل تعب الكاتب ثم لا يخرج منه بطائل . وكنت معجباً بالزيات ، ولا أزال معجباً به ، وإن كان يحس القارئ بأنه يتعب بتخير ألفاظه ورصف جُمله . أما زكي مبارك فأحسب أنه صاحب أجمل أسلوب ، تقرؤه بلذة ولا تكاد تجد فيه فائدة !..

ولقد قرأت كتابه ( ليلى المريضة في العراق ) خمس مرات ، وما فهمت ما ليلى هذه ؛ أهي حقيقة أم رمز ؟ وهل يصف واقعاً أو يسرد خيالاً ؟ ماذا يريد أن يقول ، ما عرفت ولا وجدت من عرف . ولكنه على ذلك كلام جميل جميل .

 286 ـ 287 .


3 ـ لقد علمت الطلاب التمييز بين العبقري وبين النابغة : بشار  عبقري ومروان بن أبي حفص نابغة ، ومن قبله كان امرؤ القيس عبقرياً وزهير نابغة ، ومن بعده أبو تمام عبقري والبحتري نابغة ، المتنبي عبقري وأبو فراس نابغة ، شوقي عبقري وحافظ إبراهيم نابغة .

 

العبقري يشق طريقاً جديداً ، والنابغة يسلك الطريق المعروف ولكنه يجيء سابقاً في أول الركب . وقد يكون الطريق الجديد الذي كشفه العبقري وعراً أو ملتوياً ، لذلك كان من صفات العبقري أنه يسبق حتى ما يتعلق أحد بغباره ، وقد يتعثر ويتأخر ، يعلو وينخفض . والنابغة يسير بسرعة واحدة غالباً ، لا يسبق سبقاً بائناً ولا يتخلف تخلفاً شائناً . ولقد طال الخلاف على أبي تمام والبحتري أيهما المقدم ، فكان الحكم العادل ما قاله البحتري نفسه ، قال : جيده خير من جيدي ، ورديئي خير من رديئه . أي أن البحتري لا يسمو سمو أبي تمام ولا يسقط سقوطه .ص 405 ـ 406.

_________________________________

  

الكتاب العاشر : ذكريات على الطنطاوي الجزء الرابع ، الطبعة الخامسة 2007 م ، دار المنارة .


1 ـ من المفارقات بل من المقارفات ، أنه عُلق في أحد  المدارس إعلان بوجوب المحافظة على الصيام ومراعاة حرمة شهر رمضان ومنع المجاهرة بالإفطار ، مع التهديد بالعقاب الشديد . فأخذت أنور العطار ، وأحمد مظهر العظمة وذهبنا إلى وزارة المعارف فسألنا عن غرفة من أمضى ذلك الإعلان ، فدخلنا عليه فرحب بنا وأحسن استقبالنا قبل أن يعرف مقصدنا من زيارتنا ، وقال : تريدون قهوة ولا شاي ؟ 
قلنا : لقد جئنا لنشكر لك أنك قمت بما يرضي الله ، وطلبت المحافظة على الصيام ومراعاة حرمة شهر رمضان . فخجل وأطرق برأسه . ص12 .


2 ـ عبدالرحمن عزام حسبكم أن من كتبه كتاب ( بطل الأبطال  ) وهو أجود مختصر أعرفه في شمائل الرسول عليه الصلاة والسلام .ص 34 .

 


3 ـ فمن قرأ لي شيئاً أو استمع مني شيئاً فمكافأتي منه أن  يدعو لي ، ولدعوة واحدة من مؤمن صادق في ظهر الغيب خير من كل ما حصّلت من مجد أدبي وشهرة ومنزلة وجاه ، ومن لذائذ الدنيا كلها . ص90 .


4 ـ لو أحصيت معدل الساعات التي كنت أطالع فيها لزادت  على عشر في اليوم ، لأنني منذ الصغر شبه معتزل بعيد عن المجتمع . فلو جعلت لكل ساعة عشرين صفحة ، أقرأ من الكتب الدسمة نصفها ومن الكتب السهلة نصفها ، لكان لي في كل يوم مئتا صفحة . أتنازل عن نصفها احتياطاً وهرباً من المبالغة وخوفاً من الكذب ( وإن كنت لم أكذب ولم أقل إلا حقاً ) ، فهذه مئة صفحة في اليوم . فاحسبوا كم صفحة قرأت من يوم تعلمت النظر في الكتب وامتدت يدي إليها . سبعون سنة ، في كل سنة اثنا عشر شهراً ، في كل شهر ثلاثون يوماً ، في كل يوم مئة صفحة . فإن هالكم الرقم فاحسموا منه نصفه ، فكم يبقى ؟ . ص91 .


5 ـ يقال في المثل : ( مكره أخاك لا بطل . ( كذا حفظنا المثل ، والصواب ( أخوك) . ص 147 .

_________________________________

  

الكتاب الحادي عشر : ذكريات علي الطنطاوي الجزء الخامس ، الطعبة الخامسة 2007 م ، دار المنارة .



1 ـ لما أراد مدير الأوقاف العام جميل بك الدهان ( وكان  بمثابة الوزير لأن الأوقاف لم تكن قد صارت وزارة ) لما أراد أن يُصدر مجلة جمع لها أدباء الشام جميعاً وجعل رياسة تحريرها لأستاذنا سليم الجندي ، وكنت أنا محرراً عنده ، وجدته كتب مرة في افتتاحية المجلة كلمة ( مواضيع ) ، مع أنه لما رد على اليازجي في كتابه ( لغة الجرائد ) ..

وألف في ذلك كتاباً سماه ( إصلاح الفاسد من لغة الجرائد كتب فيه فصلاً طويلاً في منع جمع موضوع على مواضيع وبيّن أن الصواب فيها ( موضوعات ) فلما جاء يكتب نسي ذلك . فعلّقت على مقالته بهذه الجملة ( قوله مواضيع خطأ صوابه موضوعات ) ، كما قرر ذلك أستاذنا سليم الجندي في كتابه إصلاح الفاسد . . . فكانت نكتة . ص38 ـ 39 .


2 ـ والذي نشرت إلى الآن وطُبع وهو في أيدي الناس يزيد  على أربعة عشر ألف صفحة منها ما أودعته كتبي التي أصدرتها ومنها ما بقي في مجلات عرفتها وحفظتها ، ومنها ما نسيت أين نُشر ولم أحتفظ بالجريدة ولا المجلة فضاع ، ومنها كتب لا تزال مخطوطة .
ولما جئت أجمع مقالاتي ، أضم النظائر والأشباه أؤلف من كل زمرة كتاباً ، كان من أقرب كتبي إلى الطبع وأبعدها عن التصنع وأكثرها غلياناً كتاب ( هتاف المجد ) . 
ولا تقولوا إن جمع المقالات في كتاب يُفقد الكتاب معناه ويُذهب وحدة موضوعه ، فإن هذا الكلام على صحته لم يأخذ به أحد . هاهم أولاء الكُتّاب الذين سبقونا وكانوا قبلنا ، وقرأنا ما كتبوا واستفدنا منه ، كلهم جمع مقالاته في كتب ؛ من أمثال العقاد والمازني وطه حسين والرافعي والزيات ، الذين كانوا أئمة الأدب وكانوا قادته وكانوا سادته . كل منهم جمع مقالاته في كتب . وإلا فخبروني : ما ذا يصنع بها ؟ يرميها ؟ يمزقها ؟ يحرقها ؟ حتى تضيع فيضيع معها أدب كثير ويُفقد بفقدها نفع كثير . ص41 ـ 42 .


3 ـ الشيخ البشير الإبراهيمي هو عالم طلق اللسان ناصع البيان  ، يتدفق الكلام من فيه تدفقاً بلا لحن ولا زلل . وقد كنا يوماً معاً في سيارة واحدة من القدس إلى دمشق ، وكنت إلى جنب السائق حيث تعودت أن أركب دائماً . وكنا نتحدث ، فتعبت رقبتي من الالتفات إليه لأنني لم أكن أتلو بيتاً من الشعر إلا قال : إنه لفلان الشاعر من قصيدة كذا ، وسرد علي القصيدة كلها أو جلها .
فقلت : كيف حفظت هذا كله ؟ قال : وأخبرك بأعجب منه ، فهل تحب أن تسمع ؟ قلت : نعم . فراح يقرأ علي مقالات لي كاملة مما نُشر في ( الرسالة ) أو مقاطع كثيرة منها ، ما كنت أنا نفسي أحفظها . قلت : يا سيدي ، الشعر فهمت لماذا تحفظه ، فلماذا حفظت مقالاتي وما هي من روائع القول ولا من نماذج الأدب ؟ قال : ما تعمدت حفظها ، ولكني لا أقرأ شيئاً أحبه وأطرب له إلا علق بنفسي فحفظته
فأظهرت ( صادقاً ) العجب منه والإعجاب به ، وأضمرت في نفسي حقيقة استحييت أن أجهر بها ، هي أنه مرّ علي دهر كنت أنا فيه كما قال . وأنا لا أزال أحفظ مقاطع كثيرة مما كتب المنفلوطي والرافعي والزيات والبشري وكرد علي وأمثالهم من أئمة البيان ، مع صعوبة حفظ النثر وتفلته من الأذهان . أما ما أحفظ من الشعر فكثير كثير ، وإن لم يبق منه إلا القليل ، على أن هذا القليل الذي بقي في ذهني كثير والحمد لله . ص52 .

_________________________________

  

الكتاب الثاني عشر : ذكريات علي الطنطاوي ، الجزء السادس ، الطبعة الخامسة 2007م ، دار المنارة .

1 ـ لما جئت مكة أدرّس في كلية التربية سنة 1384 هـ جاء  ذكر مسألة فقهية ذكرتُ فيها الحكم في مذهب الإمام أحمد ، فقام أحد الطلاب يرد علي بأدب بأن المذهب ليس على هذا وأن المسألة ليست كما ذكرت . فأطلت لساني عليه وقلت له : لقد درست اثنتي عشرة سنة حتى وصلت الجامعة وأنت لا تعرف الحكم في المذهب الذي يمشي عليه أكثر الناس في هذه البلاد . . وكلاماً من أمثال هذا ، ما كان لي حق فيه وما كان بيدي مسوغ له ، وهو ساكت لا يجيب .
فلما رجعت إلى الدار فتحت كتب الفقه الحنبلي ، فإذا المسألة كما قال الطالب لا كما قلت أنا . أفتدرون ماذا صنعت ؟ جئت في الغد فقلت للطالب : أنا أعتذر إليك ، لقد كنت أنا المخطئ وأنت المصيب ، وأعتذر إليك مرة أخرى لأنك كنت مهذباً ولأنني لم أكن في التهذيب على ما يُطلب من العلماء فسامحني . هل تظنون أن هذا الموقف نقص احترام الطلاب لي أو تقديرهم إياي ؟ لا ؛ بل أؤكد لكم أنهم زادوني تقديراً وأنهم استفادوا منه درساً لعله أكبر من الدروس التي تستفاد من الكتب . ص289 ـ 290 .


2 ـ قال المتنبي  :
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم 
هذا الذي قاله كذب ، لأن من شيم النفوس العدل لا الظلم ، والخير لا الشر ، والإيمان لا الكفر ؛ هذه هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها ...

ورب بيت قاله الشاعر أفسد به أخلاق أمة ؛ هذا أبو فراس ، أما أفسد الناس حين قال : ( إذا بت ظمآناً فلا نزل القطر ) ؟ أليست هذه هي الأثرة ، أو ما يسمونه الأنانية ؟ أين هذا من قول المعري :


فلا نزلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا


أو لم يفسد أو فراس بقوله( لنا الصدر دون العالمين أو القبر ) ؟ إما أن يأخذ الطالب في الامتحان مئة على مئة أو الصفر ؟  إما أن ينجح بدرجة ممتاز أو أن يختار الرسوب ؟ ! أليس بين الصدر والقبر منزلة يمكن أن نأوي إليها وأن نقبل عليها ؟ والذي قال : ( وداوني بالتي كانت هي الداء ) ، هل كان صادقاً ؟ ومتى كان الداء دواءً ؟ لقد كذب الفاسق أبو نواس فما يكون الداء دواء أبداً . ص308 ـ 309 .


3 ـ كانت في دارنا لوحة مكتوبة بخط فارسي جميل لها إطار  ثمين ، فيها حكمة حفظتها وأنا صغير ولا أزال دائماً أراها أمامي ، هي : ( أحسِن إلى من شئت تكن أميره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ) . ص 400 .

_________________________________

  

الكتاب الثالث عشر : ذكريات علي الطنطاوي ، الجزء السابع ، الطبعة الخامسة 2007م ، دار المنارة .



1 ـ لو أن رجلاً مات عن بنت وولد وترك ثلاثين ألفاً فأخذت  هي عشرة وأخذ هو عشرين ، كان في بادئ الأمر مجال لسؤال سائل : لماذا أُعطيت هي أقل مما أخذ هو ؟..
ولكن الأمور تأخذ جملة ليُحكم لها أو عليها ولا تُفرق أجزاء ، ولا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ؛ فهو أخذ عشرين ثم تزوج فدفع منها مهراً ، وأخذت هي عشرة ثم تزوجت فأخذت مهراً فوقها ، ثم أخذ ينفق هو على بيته وزوجته وهي يُنفق عليها زوجها ، فيتوفر ما معها وينقص ما معه هو ، فلا تمر مدة حتى تنقلب الحال فتصير هي ذات العشرين ويبقى له هو العشرة أو لا يبقى له شيء . ص223 ـ 224 .

2 ـ أنا أحب الغزالي من يوم أهدى إليّ شيخنا الشيخ عيد  السفرجلاني رسالته ( بداية الهداية ( على أنني من حبي للغزالي أحمد الله على أنه ما مات حتى عرف أن المنقذ من الضلال الدليلان الظاهران على جانبي الطريق والنيران الهاديان إلى الغاية المقصودة ، اللذان لا يضل من استضاء بضوئهما ومشى على هديهما ، وهما : الكتاب والسنة . رحمه الله فلقد كان عظيماً ، وكتابه الإحياء عظيم ، ولكن فيه أيضاً من أخطاء الصوفية وأخطارها الشيء العظيم . ص2844 ـ 285 .


3 ـ قال رحمه الله واصفاً سيارة ركب فيها : وكنا قد ذهبنا في  سيارة صغيرة قديمة أدركت عهد ما بين الحربين ، فهي عجوز أكل عليها الدهر حتى شبع ، وشرب بعد الأكل الشاي ! . ص345 .


4 ـ صحبتي للحيوانات قديمة ، إذ كان من أوائل ما وقعت عليه يدي في مكتبة أبي كتاب ( حياة الحيوان الكبرى ) للدميري . وهو كتاب عجيب ؛ فيه فقه ، بل إنه يعد أقرب مرجع في معرفة ما يؤكل وما لا يؤكل من الحيوان ، وكتاب لغة ، فهو يضبط الأسماء ، وكتاب أدب ، فهو يسرد الأخبار ، وكتاب طبيعة فهو يشير إلى خصائص الحيوانات ، وكتاب تاريخ فهو يلخص فيه مراحل طويلة من تاريخنا ، وهو على ذلك كله مملوء بالخرافات والأوهام والأباطيل وما يدخل العقل وما لا يدخله وما يُفسده ويعطله . ثم لما كبرت قرأت كتاب ( الحيوان ) للجاحظ فوجدت فيه تلك الألوان كلها ،  ولكن الذي فيه أعلى وأغلى ، وحسبك أنه من تصنيف الجاحظ . ص349

_________________________________

  

الكتاب الرابع عشر : ذكريات علي الطنطاوي الجزء الثامن ( الأخير ) . الطبعة الخامسة 2007 م دار المنارة .



1 ـ أكثر ما يفيد ناشئة الأدب وينير لهم طريق الكتابة هو  أحمد أمين ، لأنه يأخذ من الحياة مشهداً يشهده أو قصة يسمعها أو خبراً يقرؤه فيبني مقالته عليه ، و ( فيض الخاطر ) في رأيي أنفع كتاب يتعلم فيه المبتدئ الإنشاء . ص219 .


2 ـ خبّرني بشارة الخوري الشاعر الذي لقب نفسه ( لنصرانيته ) بالأخطل الصغير ، خبرني أنه جاوز العشرين ولم يقرأ شيئاً لأبي تمام ولا للبحتري ولا لابن الرومي . ص 324 .


3 ـ لقد حاقت بالعربية نكبات واعترضت طريقها عقبات ونزلت  بها من نوازل الدهر المعضلات ، ولكن ما مر بها يوم هو أشد عليها وأنكى أثراً فيها من هذا الأدب المزور الذي سميتموه ( أدب الحداثة ) . إنه ليس انتقالاً من مذهب في الشعر إلى مذهب ولا من أسلوب إلى أسلوب ، ولكنه لون من ألوان الكيد للإسلام بدأ به أعداؤه لما عجزوا عن مس القرآن لأن الله الذي أنزله هو الذي تعهد بحفظه ، فداروا علينا دورة و جاءونا من ورائنا . وكذلك يفعل الشيطان ، يأتي الناس من بين أيديهم وعن أيمانهم ومن وراء ظهورهم . فعمدوا إلى إضعاف الإسلام بإضعاف العربية ؛ إنها بدعة لم يسبق لها من قبل نظير ، إنها ردة عن البلاغة كالردة عن الإسلام التي كانت عقب انتقال الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى ، ولكنها ردة ( كما يقول أخونا الأستاذ أبو الحسن الندوي ) : ردة ولا أبا بكر لها . ص376 .


4 ـ من الشعراء المعاصرين شاعر عندي ديوانه في مكتبتي في  الشام اسمه رستم ( ونسيت بقية الاسم ) ديوانه كله من النمط الذي يمكن أن تسميه العامي الفصيح .

 

وفي أول الديوان بيتان عالقان في ذهني هما :


قالوا : متى يطلع ديوانكم ؟ 
فوقعوا في غلطة مفظعة 
صوابه : ينزل إذ أنه 
في الطابق الأعلى من المطبعة

ص 397 .

_________________________________

 

 

الكتاب الخامس عشر : فصول اجتماعية ، الطبعة السابعة 2008 ، دار المنارة .


1 ـ سبحان مقسم الأرزاق  :
حدثني الشيخ صادق المجيدي ، سفير الأفغان سابقاً في مصر ، أنه كُلف مرة بمهمة سياسية عاجلة في روسيا . وخاف أن يمر ببلد لا تؤكل ذبيحة أهله شرعاً ، وكان عنده دجاجتان فأمر بذبحهما ، واتخذت له زوجته سُفرة ( السُفرة زاد المسافر ) منهما حملها معه . فلما وصل إلى طاشقند دعاه شيخ مسلم ، فكره أن يأخذ الدجاجتين معه إلى دار الشيخ ، ورأى في طريقه امرأة مسلمة فقيرة معها أولادها ورأى الجوع بادياً عليهم وعليها ، فدفع إليها الدجاجتين . فلم تمض ساعة حتى جاءته برقية أن ارجع فقد صُرف النظر عن المهمة . فكانت هذه الرحلة لأمر واحد ، هو أن الدجاجتين كانتا في داره ولكنهما ليست له ولا لأهله ؛ إنهما لهذه المرأة وأولادهما ، فطبختهما زوجته وحملها بنفسه أربعة آلاف كيل ليوصلهما إليها.!   ص 100 ـ 101 .
عدد صفحات الكتاب ثلاثمئة صفحة ، الثلث الثاني منه مقالاته قيمة ، ولولا طولها لأوردت شيئاً منها .

_________________________________

  

الكتاب السادس عشر : في سبيل الإصلاح ، الطبعة السادسة 1427هـ ، دار المنارة. 



1 ـ مما نكاد نراه كل يوم من الحوادث وما يكاد يعرف له كل  قارئ شبيهاً ومثيلاً ، حين يأتيك الرجل من أصدقائك أو جيرانك متذللاً متواضعاً ، مظهراً للتقى والأمانة ، يسألك أن تقرضه مالاً قد تكون أنت في حاجة إليه في يومك أو غدك ويذكرك الكرم والثواب ؛ وربما استعان عليك بمن لا يُرد طلبه عندك فتعطيه ما يريد ، تضعه في كفه خالياً به ، تستحي أن يشهد عليه شاهداً ، أو تأخذ به كتاباً ، مع أن الله أمر بكتابة الدين إلى الأجل المسمى أمر ندب واستحباب ، لا أمر إيجاب وافتراض ، فيأخذه منك ويذهب شاكراً فضلك ، مثنياً عليك ثناءً يخجلك ويضايقك ؛ ثم لا تراه بعد ذلك ولا تبصر له وجهاً فتفتش عنه لتسأله رد المال وقد انقضت مدة الدين ، وتجددت حاجتك إليه ، فيروغ منك ، وينأى عنك . . فتطرق بابه ، فيقال لك : هو غائب عن الدار ، فتعود إليه في الصباح فيقال : هو نائم ، فترجع بعد ساعة فيقال : خرج . . فتبتغي له الوسائل وتتشفع إليه بالأصدقاء فيلقاك شامخ الأنف مصعراً خده ، ويقول : ( يا أخي ، أزعجتنا بهذا الدين ، ما هذا الإلحاح الغريب ؟ أتخاف أن آكله . . ! ) وينتهرك وأنت تداريه ، ثم إن كان ( رجلاً طيباً ) دفع إليك الدين ، ولكن قرشاً بعد قرش ، وورقة بعد ورقة فتريق في استفياء دينك ماء وجهك ، وتنفق فيه الثمين من وقتك ، ثم لا تنتفع منه بشيء . وإن لم يكن صاحب ذمة أكل الدين كله ، وصرخ فيك حيثما لقيك : ( ما لك عندي شيء ، اشتك في المحاكم ! ) ، وهو يعلم أنه لا سند في يدك ، ولا بينة لك عليه ، وهبك أخذت منه كتاباً بدينك ، أفتصبر على طول المحاكمة ومتابعتها وتأجيلها وتسويفها ، إن ضياع المال أهون من إقامة الدعوى به .

ومثل هؤلاء المقترضين ( الأفاضل ( مستعيرو الكتب ، أولئك الذين تركوا في قلبي غصصاً حلفت بعدها بموثقات الأيمان أني لا أعير أحداً كتاباً ، ولم أنج مع ذلك منهم ، ولم يرد لي إلى الآن كتاب ( كشف الظنون ) الذي نسيت من استعاره مني منذ إحدى عشرة سنة . ولهؤلاء المستعيرين نوادر شهدت منها العجب ، منها أن أستاذاً محترماً في قومه جاءني مرة يلتمس إعارته جزءاً من تفسير الخازن من خزانة كتبي ، ليراجع فيه مسألة ويرده إلي عاجلاً ، ففعلت ..

وانتظرت أربع . . أربع سنوات والله ، ثم ذكرته به ؛ فغضب وقال : ( لإيش العجلة يا أستاذ لم أراجع المسألة بعد . . ! ( .

والذي يذكر منهم صاحب الكتاب ويتنازل فيرده إليه ، يرده مخلوع الجلد ممزق الأوصال . وأنكى منه المستعير المحقق المدقق الذي يرى في الكتاب موطنا ًيحتاج إلى تعليق ، فيكتب التعليقة التي يفتح الله بها عليه ، على هامش كتابك بالحبر الصيني الذي لا يمحى ولا يكشط ، ويذيلها باسمه الكريم ! ! 

وربما كان هذا المدين المماطل ، وذلك الذي يأكل الدين وينكره ، والذي يستعير الكتاب ويمسكه ، ربما كانوا عند العامة من أقطاب الوقت وأولياء الله الكبار ؛ ذلك لأن الناس جهلوا حقيقة التقى وبدلوا معناه ، فكان التقي في صدر الإسلام هو الذي يتقي المحارم والمظالم ما ظهر منها وما بطن ، ولا يدخل جوفه ولا جيبه إلا طيباً حلالاً ، ويفر من مواطن الشبهات ، ولا يطلب المال إلا لإمساك الرمق ونيل القوام ، والعيش عيش القناعة والرضا ، ولا يأخذه إلا من حله . ولم يكن الرجل ليشهد للرجل بالتقوى إلا إن صحبه في سفر ، أو عامله في مال ؛ فصار التقي اليوم من يكبّر عمامته ، ويطول لحيته ، ويوسع كمه ، ولا تفارق تده سبحته ، ولا يقف لسانه عن ذكر ؛ ومن يتوقر ويطيل المكث في المساجد . وهذا كله حسن لا اعتراض عليه ، غير أن حسنه ينقلب قبحاً أبشع القبح إذا اتخذه صاحبه أحبولة يصطاد بها الدنيا .

فكيف السبيل إلى إفهام هؤلاء الناس ما هي حقيقة التقى كيلا يعظموا اللص ويجعلوه ولياً مباركاً ، ولا يغتروا بالصلاح المجاني الذي لا يكلف صاحبه مالاً ، بل يجمع به المال ؟  . ! ص142 ـ 146 بتصرف يسير .

  

2 ـ قد تقولون : كيف نصنع ليسود السلام ويشمله الهدوء ؟

أنا أقول لكم ؛ مقالة مجرب حكيم ، فاستفيدوا إن شئتم من حكمتي وتجربتي . هذه ( أقراص ) سهلة البلع ، عظيمة النفع ، فيها شفاؤكم من هذا الداء  :

 

أولهاأن الزواج يبدأ بالحب والعاطفة ، والحب أوله حلاوة  وآخره مرارة ، فهو يعمي البصر ، ويصم الأذن ويغطي العيوب ، فإذا زال الغطاء ، ولا بد يوماً أن يزول الغطاء ، وبدا المحجوب من العيوب ، وظهر المستور من الأمور وافتقد الزوجان لذة الحب فلم يجداها ، انتهى شهر العسل ، وبدأت سنوات العلقم ، فتجرعا العمر كله مرّها ، وقاسياً ضرها . والدواء ألا يرقب الزوجان المحبة والعشق ، فالحب عمره كعمر الورد ، لا يعيش إلا أمداً قصيراً ، ومن طلبه بعد عشر سنين من الزواج كان كمن يطلب من وسط القبر من العظام والرمم الغادة الحسناء والفاتنة الهيفاء . لا ، ولكن مودة وإخلاص وحب كحب الأصدقاء والإخوان .

وثانيها : أن الرجل يغتفر لصديقه ما لا يغتفر لزوجته ، ويحمل  منه ما لا يحمل منها ، ويتسامح معه فيما لا يتسامح فيه معها ، وما ذلك إلا لأنه يصدق هذه الخرافة التي تقول : إن الرجل والمرأة كليهما مخلوق واحد ، فهو يريد منها أن تفكر برأسه ، وهي تريد منه أن يحس بقلبها ، مع أن الناس كخطوط مستطيلة وفيها اعوجاج يسير ، فإذا كانت متباعدة بدت للعين متوازية متوافقة تضيع من البعد هذه الفوارق الصغيرة بينها ، فإذا تدانت وتقاربت ، بانت الفجوات ، فأنت تصحب الصديق عشرين سنة ، فلا ترى بينك وبينه اختلافاً ثم ترافقه أسبوعاً في سفر ، تنام معه وتأكل وتشرب فترى في هذا الأسبوع ما لم تره في السنين العشرين ، فتشنئوه وتبغضه وقد كنت تحبه وتؤثره .
والله لم يخلق اثنين بطباع واحدة ، لا الصديقين ولا الزوجين ، فليكن الزوجان متباعدين قليلاً ، حتى لا يظهر الاختلاف بينهما وليكن بينهما شيء من الكلفة والرسميات . . كما يكون في عهد الخطبة وأوائل الزواج ، ولتكتم عنه بعض ما في نفسها ، فإنه ما تكاشف اثنان إلا اختلفا . وما زالت الكلفة إلا زالت معها الألفة ، لأن المرء يتظرف ليظرف ، ويتلطف ليلطف ، ويساير الناس ليحبه الناس ، فإن لم يفعل ثقل عليهم ، وأنا أعرف رجالاً من أهل النكتة والظرف ، يحرص الناس عليهم في مجالسهم لخفة أرواحهم ، وحلاوة أحاديثهم إذا دخلوا بيوتهم كانوا أجهم الناس وجهاً ، وأيبسهم لساناً ، وأثقلهم نفساً وما ذاك إلا لإسقاط الكلفة ، وإذهاب المجاملة .

ثالثها : أن الرجل يمشي في الطريق فلا يرى إلا نساء في  أحسن حالاتهن قد طلين وجوههن ، وجملن ثيابهن ، ثم يدخل داره ، فيرى زوجه على شر هيئة ، وأقبح صورة : مصفرة الوجه ، قذرة الثوب ، منغمسة في أوضار المطبخ أو غارقة في غبار الكنس ، فيظن أن نساء الطريق من طينة غير طينتها ..

وأن عندهن ما ليس عندها ، فيميل إليهن وينصرف عنها ، والدواء أن تكون المرأة عاقلة ، فلا تجعله يراها إلا في الهيئة التي تخرج فيها من بيتها ، وتستقبل عليها ضيفها ، ولا تدعه يبصرها نائمة ولا يراها بغير زينة ، ولا يطلع عليها في مباذلها وأعمالها .

رابعهاأنه لا بد لكل شركة أو جماعة من رئيس ، فإذا كان  في المركب رئيسان غرق المركب ، ولو كان في السماء والأرض إلهان فسدت السماء والأرض فلا بد من ترئيس أحد الزوجين ، والرجوع عند الاختلاف إلى رأيه ، واعتراف الثاني برياسته وعلى الرئيس بعد أن يكون حاكماً بعدل ورفق ، وعلى المرؤوس أن يكون طيعاً بفهم واحترام .

وخامسها : أنه لا بد لدوام المودة من اغتنام الفرصة لإظهار  العاطفة المكنونة بحديث حلو ، أو مفاجأة منه : هدية ولو صغرت ، وطرفة ولو قلت ، واهتمام منها بصحته وراحة نفسه ومطعمه وملبسه وكتبه ، وأن يصبر كل منهما على غضب الآخر وتعبه .


يا سادة : إن مشكلات البيت هينة سخيفة ، ولكنها إن استفحلت نغصت العيش وسودت وجه الدنيا ، ولم ينفع معها ملك ولا مال . ص 293 ـ 296 .

_________________________________

  

الكتاب السابع عشر : نور وهداية ، الطبعة الأولى 2007م ، دار المنارة .


1 ـ  الباب الذي لا يغلق في وجه سائل  :

ماذا يصنع الإنسان في ساعة الخطر ؟ إن كل إنسان ـ مؤمنا ًكان أو كافرـ يعود في ساعة الخطر إلى الله ، لأن الإيمان مستقر في كل نفس حتى في نفوس الكفار ..

ولذلك قيل له كافر ، والكافر في لغة العرب ( الساتر ) ، ذلك أنه يستر إيمانه ويغطيه ، بل يظن هو نفسه أن الإيمان قد فُقد من نفسه ، فإذا هزته الأحداث ألقت عنه غطاءه فظهر .

 

لما قدمت المملكة سنة 1382 هـ أقمت سنة في الرياض ( ثم جئت مكة فلبثت فيها إلى الآن ) ، وكان معنا فيها رجل من الشام لا أسميه ، كان مقيماً في الرياض هو وأمه ، فعرض له عمل اقتضى سفره إلى لبنان . وكرهت أمه هذا السفر لئلا تبقى وحدها فلما حلّ موعده حمل ثقله ( أي حقائبه وأشياءه ) إلى المطار ، فسلمه إلى الشركة وذهب إلى بيته على أن يأتي الفجر ليسافر . ورجا أمه أن توقظه قبيل الفجر ، فلم توقظه حتى بقي لموعد قيام الطيارة ثلاثة أرباع الساعة ، فقام مسرعاً وأخذ سيارة وحث السائق على أن يبلغ به المطار ويضاعف له الأجر ، وجعل يدعو الله أن يلحق بالطيارة قبل أن تطير . ولما وصل وجد أنه لا يزال بينه وبين الموعد ربع ساعة ، فدخل المقصف وقعد على الكرسي فنام ، ونودي من المكبر على ركاب الطائرة أن يذهبوا إليها فلم يسمع هذا النداء ، وما صحا حتى كانت الطيارة قد علت في الجو ! وكنت معه ، فجعل يعجب كيف دعا الله بهذا الإخلاص دعاء المضطر ولم يستجب له . وجعلت أهون الأمر عليه وأقول له : إن الله لا يرد دعوة داع مخلص مضطر أبداً ، ولكن الإنسان يدعو بالشر دعاءه بالخير ، والله أعلم بمصلحته منه .

وأهمه الغضب والحزن عن إدراك ما أقوله . أفتدرون ماذا كانت خاتمة هذه القصة ؟ لعل منكم من يذكر طيّارة شركة الشرق الأوسط التي سقطت تلك السنة وهلك من كان فيها . هذه هي الطيارة التي حزن على أنها فاتته  !

إن الإنسان قد يطلب من الله ما يضره ، ولكن الله أرحم به من نفسه . وإذا كان الأب يأخذ ولده الصغير إلى السوق فيرى اللعبة فيقول : أريدها ، فيشتريها له ، ويبصر الفاكهة الجملية فيوصله إليها ، ويطلب الشكلاطة فيشتري له ما يطلبه منها ، فإذا مر على الصيدلية ورأى الدواء الملفوف بالورقة الحمراء فأعجبه لونه فطلبه ، هل يشتريه له وهو يعلم أنه يضره ؟ إذا كان الأب وهو أعرف بمصلحة ولده لا يعطيه كل ما يطلب لأنه قد يطلب ما لا يفيده ، فالله أرحم بالعباد من آبائهم ومن أمهاتهم .

وقد وقع لي مرة أن دعانا كبير أسرتنا ، الدكتور طاهر الطنطاوي الذي توفي من زمن بعيد رحمة الله عليه ، إلى جمع في بيته يضم أفراد الأسرة جميعاً ، وأعد لهم مائدة وضع فيها كل ما يلذ ويطيب وهيأ لهم كل ما يسرهم ويرضيهم . وذهبت إلى الاجتماع وكنت منشرح الصدر ، فما لبثت فيه إلا نصف ساعة حتى ضاق صدري وأحسست كأن دافعاً يدفعني إلى الخروج وأنني إن بقيت اختنقت .

واستأذنت بالانصراف فعجبوا مني ، وكنت أعجب من نفسي ولا أعرف سبباً لهذا الذي حل بي . وفسد الاجتماع وضاع ما كانوا يتوقعونه من المسرة والانبساط وألقوا اللوم عليّ ، وأنا أعذرهم ولا أدري لما فعلت سبباً . وكانت داره في سفح جبل قاسيون في منطقة اسمها حي العفيف ، وخرجت ، ومرّ بي الترام وكان فارغاً ، وهممت بأن أصعد إليه ، ثم أحسست كأن يداً قوية تصدني عنه وتمنعني من ركوبه ، فمشيت على رجلي ولا أعرف إلى أين أنا ذاهب .

وثقوا أني أصف لكم ما وقع كأنه وقع بالأمس ، وقد مرّ عليه الآن أكثر من ثلاثين سنة . ما مشيت إلا قليلاً ، وكان الطريق مقفراً والليل ساكناً ، فوجدت امرأة تحمل ولداً وتسحب بيدها ولداً ، وهي تنشج وتبكي وتدعو دعاءً خافتاً لم أتبينه . فاقتربت منها وسألتها : ما لك يا أختي ؟ فنفرت مني وحسبتني أبتغي السوء بها . ونظرت إليّ ، فلما رأت أنني كهل وأنه لا يبدو عليّ ما تخشاه نفضت لي صدرها وشرحت لي أمرها ، وإذا قصتها أنها من حلب وأن زوجها يعمل موظفاً في دمشق ، وأنه طردها من بيته وهي لا تعرف أين تذهب ، وما لها إلا خال لا تستطيع الوصول إلى مكانه .

فقلت لها : أنا أوصلك إلى بيت خالك ، واذهبي من الغد إلى المحكمة فارفعي شكواك إلى القاضي . فازداد بكاؤها وقالت : وكيف لي بالوصول إلى القاضي وأنا امرأة مسكينة ، والقاضي لا يستقبل مثلي ولا يستمع إليه ؟

وكنت أنا يومئذ قاضي دمشق ، فقلت لها : لقد استجاب الله دعاءك يا امرأة لأنك مظلومة ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ، وأنا القاضي ، وقد استخرجني الله من بين أهلي وجاء بي إليك لأقضي إن شاء الله حاجتك ، وهذه بطاقتي تذهبين بها غداً إلى المحكمة فتلقينني

 

ولما جئت مكة كنت أقعد مع طائفة من الإخوان كل يوم في موضع المكبّرية قرب سدة المؤذنين ، وكان يقعد معنا كهل كبير السن فلسطيني صالح لا يكاد يفارق المسجد ، جاء محرما ًمع بنت له وبنت أخيه . وكنت أستمع إلى حديثه وأحبه لأنه كان صافي القلب صادق اللهجة صالحاً فانقطع عنا أياماً طويلة ، وسألت عنه فلم أجد من يعرف مكانه أو يعرف اسم بنته أو بنت أخيه ، ثم جاءنا يمشي على رجليه بعد خمسة عشر يوماً ، فقلت له : أهلاً يا أبا فلان ، أين كنت وما هذه الغيبة التي غبتها عنّا ؟
فقال : اسمعوا أحدثكم حديثي ، وثقوا أنني إن شاء الله لا أقول غير الحق . لقد أصابني ألم في رجلي لم أعد أستطيع معه أن أجلس عليها ،فضلاً عن أن أقوم واقفاً أو أن أخطو ماشياً . وبقيت على ذلك هذه الأيام كلها ، والبنتان تخدمانني وتعتنيان بي حتى أحسست منهما بعض الضيق والملل ، فتوجهت إلى الله وصرخت صرخة سُمعت من أقصى الدار : يا الله ! يا رب ، لا اعتراض على قضائك ، ولكن لماذا لا تشفيني ؟ ( يقولها بلهجته العامية المخلصة ) ألم أدعك ؟ ألم تقل يا رب ادعوني أستجب لكم ؟ فها أنا ذا دعوتك فلماذا لم تستجب لي ؟
وقال كلاماً طويلاً لا يخرج عن هذه المعاني . قال : وسمعتني البنتان ـ وكان ذلك وسط الليل ـ فقامتا من فراشيهما ، وأقبلتا عليّ تتعجبان مني تقولان : مع من تتكلم ؟ وكنت غائباً عن نفسي متوجهاً إلى الله بكل قلبي ومشاعري ، فنبهني كلامهما وأرجعني إلى نفسي وإلى ما حولي ، وأحسست كأنني صحوت من حلم ، أو كأنني كنت أحلّق في الجو بلا جناح وأنني هبطت إلى الأرض ، وسكتّ وصرفتهما إلى منامهما . وكانت رجلي متصلبة لا أستطيع تحريكها ، وإذا بها تتحرك ، وإذا بالآلام التي كنت أجدها قد زالت كلها . وجربت أن أقعد فقعدت كالذي ليس به مرض ، ثم حاولت أن أقوم فقمت ليس بي شيء . وكنا بضعة عشر رجلاً نستمع منه هذا الحديث ، فما شك واحدٌ منا في صدق كلمة مما جاء فيه . وعندي من أمثال هذه الأخبار الكثير ، وفي كتاب ( الفرج بعد الشدة ) للقاضي التنوخي ، بل إن في كتاب ( دع القلق وابدأ الحياة ) كثيراً من أمثالها
فمن استنفد الأسباب وغُلّقت في وجهه الأبواب فليمدد يديه وليقل : ( يا الله ) ، يجد الله سميعاً مجيباً كريماً رحيماً ، وما خاب قط امرؤ قال : ( يا الله !( 83 – 88.  

 

2 ـ قرأت السيرة من ألفها إلى يائها فلم أجد أحداً من المسلمين دعا الرسول أو لجأ إليه إذا حاق به الخطب الذي لا يقدر البشر على دفعه ، وإنما كانوا يلجؤون إلى الله ويدعونه ، لا يقولون مقالة البوصيري :


يا أكرم الرسل ، ما لي من ألوذ به 
سواك عند حـــلول الحادث العمم 

ولا قول الآخر يخاطب عبد الله ورسوله بهذا الخطاب الذي لا يخاطب به مؤمن إلا الله وحده :
يا أكرم الرسل على ربه . . . 


عجل بإذهاب الذي أشتكي 
فإن تأخرت فمن أســـــأل 

 

لا يدري من يسأل إذا تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذهاب  الذي يشتكي وهو يقرأ كل يوم سبع عشرة مرة ( على أقل تقدير ) : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ! .


ولم أجد صحابياً لجأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته  يستشيره في أمر أو يراه في منام فيبني على رؤياه حكماً ويأخذ منها علما ًولقد اختلفوا على الخلافة والنبي صلى الله عليه وسلم مسجى في بيته لم يدفن فما فكروا أن يلجؤوا إليه وأن يستشيروه . وهل يستشار الميت ؟.


ولقد قرأت السيرة كلها وأجهدت نفسي لأجد شيئاً من الأشياء أو مكاناً من الأمكنة قدسه المسلمون وتبركوا به ، فلم أجد إلا ما كان من تقبيل الحجر الأسود أو استلامه ، وقول عمر : ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله قلبك ما قبلتك ) .

وأجد في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وهو يعاني آلام مرض الموت ينهى عن  اتخاذ القبور مساجد ، فأعجب من حال المسلمين اليوم إذ لا أرى مسجداً كبيراً إلا بُني على قبر أو كان فيه قبر
 


هذا قليل من كثير عرضته مثالاً لما في السيرة من عبرة تنفعنا في نهضتنا ودرس يفيدنا في حاضرنا ، فكرت قبل عرضه وترددت ، ثم آثرت إرضاء الحق ومصلحة الأمة ، ففتحت هذا الباب لندخل إلى هذه السيرة العظيمة ، فلا نخرج منها إلا بالحياة والعز والمجد والمزايا التي تعيد للأمة الإسلامية مكانتها في الدنيا . ص109 ـ 112 .


3 ـ من أقوى الوسائل اليوم إلى الرزق العلم ، فإن فاتك قطاره صغيراً فلا تترد عن اللحاق به كبيراً ، فإن العلماء الذين أعرفهم أنا درسوا على كبر فبلغوا في العلم أعلى الذرى كثير كثير ، وربما كتبت يوماً عنهم . منهم من أساتذتنا الشاعر الفحل البزم الذي لم يعرفه ولم يطلع على ديوانه هنا إلا القليل من الأدباء ، وكنا نعده أحد شعراء دمشق الأربعة الكبار وهم خير الدين الزركلي وشفيق جبري ، وخليل مردم بك ، والبزم . بلغ العشرين وهو بعيد عن العلم والأدب . بل لقد خبّرني الشاعر بشارة الخوري ( الأخطل الصغير ) بلسانه أنه قارب الثلاثين ولم يقرأ شيئاً لأبي تمام ولا للبحتري ولا لتلك الطبقة من الشعراء الكبار الذين كانوا يعرفون عند الأولين بالشعراء الشاميين ، وإنما كان عاكفاً على شعراء عصر الانحطاط .

وأنا أعرف مما قرأت في الكتب ومما رأيت في الحياة حوادث وحوادث كلها واقع ، فيها لمن أراد أن يعتبر عبرة بالغة . لما كنت أدرّس في ثانويات العراق سنة 1937 من خمسين سنة كاملة ، كان عندنا طالب رضي الخلق متفتح الذهن مستقيم السيرة ، أخذ الشهادة الثانوية فدخل الكلية الحربية وتخرج فيها ضابطاً ، وترقى في السلك العسكري حتى بلغ رتبة العقيد ، فتبدلت الأحوال في بغداد واضطر إلى التخلي عن رتبته وترك سلكه العسكري ، فدخل كلية الحقوق وتخرج فيها وصار محامياً ، فاضطر إلى ترك العراق والهجرة منها إلى النمسا ، فتعلم اللغة الألمانية ودخل كلية الطب وتخرج فيها بعد سبع سنين طبيباً ، وجاء مكة حاجاً من بضع سنين وزارني وسمعت قصته . ص134 ـ 136.

 

4 ـ كنت في زيارة صديق لي ، شيخ من المشايخ الصالحين المربين ، وكان في المجلس اثنان من رفاق ولده من الشباب الأحداث المتأنقين .

فأذن المغرب فاستعددنا للصلاة ، ولكن أحد الشابين لم يتحرك ، فقال له الشيخ : ألا تصلي ؟ قال : لست متوضئاً . قال : هذا الماء . قال : شكراً ، لا أريد الوضوء . قال الشيخ : الأمر سهل ما فيه مشقة . قال : لا ، شكراً .

فتركناهما وصلينا . فلما قُضيت الصلاة فكّر الشيخ فرأى أنه يأثم إن تركهما ، فقال لهما : يا أولادي ، يقولون إن المغرب غريب ، أي أن وقته قصير ، وإذا أردتما الصلاة في داركما لم تلحقاها . قال الشاب الثاني : أقول لك الصحيح ؟ نحن لا نصلي . قال : ولماذا لا تصليان ؟ فقال ( بلهجة نابية وجفاء ظاهر : ( هذه أمور شخصية لا دخل لأحد فيها ، ويكفي أني لا أضرّ أحداً ولا أسرق مال أحد .

قال الشيخ : هذه أمور شخصية في نظرك ونظر من أخذوا برأي الأجانب ، أما في نظر الإسلام فلا ؛ إن من الواجب على كل مسلم أن ينصح أخاه وأن يرشده ، وأن يأمره بالمعروف وأن ينهاه عن المنكر . قال الشاب : وهل الدين بالصلاة ؟

فقلت أنا : نعم ، بالصلاة ؛ لا الإسلام فقط بل الأديان كلها . ليس في الدنيا دين ، سواء في ذلك الدين الصحيح الذي هو الإسلام والأديان الباطلة ، إلا وعماده الصلاة . وإلا ففيم يكون الدين ؟ هل يكون بالرقص والتمثيل والقفز على الحبل ؟ إن الشيخ يدعوك إلى فرض فرضه الله عليك لم يفرضه عليك هو . قال : أنا لا أنكر أن الصلاة فرض ، وأنا أحب أن أصلي ، ولكني عندما أرى بعض المصلين أنفر من الصلاة . عندنا في المدرسة شاب يصلي دائماً ويقرأ الأوراد ، وهو دجال محتال بعيد عن الأمانة مجانب للاستقامة .

قلت لهذا تركت الصلاة ؟ قال : نعم . قلت : لماذا تأكل إذن ؟ قال : لماذا لا آكل ؟ ! قلت : لأن بين من يأكلون من هو لص خبيث ساقط محتال . قال : ما لي وله ؟ الأكل ضروري لحياة الجسد . قلت : والصلاة ضرورية لحياة الروح ، فما لك ولهذا الذي قلت إنه دجال ؟ 


فسكت . قلت : وشيء آخر ، هل تعتقد أن رفيقك الدجال المحتال يصلي ؟ قال : نعم . قلت : لا يا بني ، إنه ما صلى . ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ؛

هذا قول الله ، وقد شرحه رسوله صلى الله عليه وسلم فبيّن أن من لم تنهه صلاته عن  الفحشاء والمنكر ، وكان قد فعلها رياءً وتظاهراً ، لم يزدد من الله إلا بعداً . انظر إلى كاتب الأمير الذي يدخل عليه كل ساعة مرة ، هل يخرج من عنده فيتكلم عليه أو يشتغل بما لا يرضيه ويخالف عن أمره ؟ وكيف ، وهو يعلم أنه سيدخل عليه بعد ساعة وسيسأله عمّا فعله ؟ 

فكيف يأتي الفحشاء والمنكر من يدخل الحضرة الإلهية ويقوم بين يدي الله خمس مرات كل يوم ؟ لذلك شبه الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصلوات الخمس بنهر على باب المسلم  يغتسل فيه خمس مرات في اليوم . هل يكون وسِخَ الجلد قذر الجسد من يغتسل خمس مرات في اليوم ؟ لا ، إن صاحبك ما صلى ، ولو قام وقعد وركع وسجد وتلا وذكر ، وأدى الشروط الظاهرة والأركان والواجبات والسنن . هذا كله جسد الصلاة ، فإن لم يكن معه الإخلاص وحضور القلب كانت صلاته جسداً بلا روح . ص157 ـ 159 .


5 ـ نحن لا نعرف قيمة صلاة الجماعة . إن هذه الجماعة مثل المجالس المحلية التي تعمل على كل ما فيه خير للحارة ، تقر التكافل الاجتماعي فتعين المحتاج وتساعد الفقير وتداوي المريض ، وإن احتاجت الحارة إلى إصلاح طريق راجعت الجماعة الحكومة لإصلاحه ، وإن ضاقت المدرسة سعت لتوسعيها ، وإن كان فيها مفسدة أو منكر عملت على إزالته . والمجالس المحلية تجتمع خمس مرات كل يوم .

هذه المجالس المحلية للحارات . وهناك مجلس محلي للحي كله يجتمع مرة في الأسبوع ، وهو صلاة الجمعة ، ومجلس للمدينة كلها يجتمع مرتين في السنة ، وهو صلاة العيد ، ومجلس إسلامي عام ، وهو المؤتمر الذي ليس له نظير في الدنيا ولم يعرف البشر قبله ولا معه مثله ، وهو الحج . إن الصلاة هي أساس صرح الحضارة الإسلامية ، وهي الدافع لهذه الفتوحات ، هي الركيزة لهذا المجد الذي نطح النجم ودان الدهر . إن المسلمين سادوا الدنيا وكانوا هم ملوكها وكانوا أساتذتها ، وكانوا هم حملة منار الحضارة فيها ، لما كانوا يصلّون حقيقة وكانت صلاتهم جسداً وروحاً ، لم تكن كصلاة كثير منا : جسداً بلا روح . فهل نعود إلى مثل تلك الصلاة ليعود لنا مثل ذلك المجد . ص 161 ـ 162.

 

6 ـ هاكم تاريخ الأمس القريب ، أفنسيتم تاريخ الأمس القريب ؟ بماذا وقف عبدالكريم الخطابي في وجه فرنسا وإسبانيا معاً ، يواجه جيشين فيهما مئة وخمسون ألفاً ؟ بماذا قابل حسن الخرّاط في الشام ، وهو خفير ليلي عامي ، جيش فرنسا لمّا كانت فرنسا أقوى دولة برية في العالم في أعقاب الحرب الأولى ، حتى احتل دمشق ثلاثة أيام ؟بماذا ناضل الثائرون في فلسطين سنة ستة وثلاثين ؟ بماذا حارب مجاهدو الجزائر حتى نالوا الاستقلال ؟
أما حاربوا بالقرآن الذي تعلّموه في كتاتيب جمعية العلماء التي افتتحها الشيخ ابن باديس ؟ فلماذا ـ يا إخوان ـ نلقي هذا السلاح ؟ لماذا ندع الإسلام فلا نرفع رايته ولا نضرب بسيفه ؟ لقد فتح أجدادنا بالإسلام الأرض ، وفتح اليهود قلب بلادنا وقبلتنا الأولى لما تركنا الإسلام . فهل اعتبرنا أم نحن نحتاج إلى درس آخر ؟ لقد مشيتم أولاً على الطريق فوصلتم ، فلماذا تنحرفون عمداً عن الطريق الموصل ؟ لماذا تتعمدون الضلال في المتاهات وتسلكون المهالك ، والطريق أمامكم ؟ يا قرائي ويا إخوتي ، هذا هو الطريق ! . ص191 ـ 192 .


7 ـ قد داخلت الرجال واستكشفت الطوايا واستطلعت الأفكار ، أفكار الأحياء من الناس والأموات من المؤلفين ، فوجدت أن الناس جميعاً ، المؤمن منهم والكافر ، والناشئ في صوامع العبادة والمتربي في مخادع الفسوق ، إذا ألمّت بهم ملمّة ضاقوا بها ذرعاً ولم يجدوا لها دفعاً لم يعوذوا منها بشيء من هذه الكائنات ، وإنما يعوذون بقوة وراء هذه الكائنات : قوة عظيمة لا يرونها ولكنهم يشعرون بوجودها بأرواحهم وقلوبهم وكل عصب من أعصابهم .

كلهم ينادي في هذه الحال : ( يا رب ) وإن لم يكن يدري ما الرب ! فأدركت بالحدس أن التصديق بوجود الرب المعبود عقيدة فطرية في نفس كل بشر ، ولكن الأمن والصحة والمطامع والشهوات قد تلقي ستاراً عليها يخفيها ويغطيها . وهذا هو ( الكفر ) ، وهو في اللغة ( الستر ) ، ومعنى الكافر الساتر .
ونظر العقل في هذه الدنيا فرأى بأن فيها من يعيش ظالماً ويموت ظالماً ، وأن فيها من يعيش مظلوماً ويموت مظلوماً . والرب العادل لا يقر الظلم ولا يدع صاحبه بغير عقاب ولا يترك من يقع عليه من غير إنصاف ، فأيقن العقل أنه لا بد من حياة أخرى ينصف فيها المظلوم ويعاقب فيها الظالم ، ويكافاً فيها المحسن ويجازى فيها المسيء . وأن الرواية لا تنتهي بانتهاء الدنيا .

 

ولو أنه عرض فلم في الرائي ( التلفزيون ) فقُطع من وسطه وقيل : انتهى ، لما صدق أحد من المشاهدين أنه انتهى ولنادوا :ماذا جرى للبطل ؟ وأين تتمة القصة ؟ ذلك لأنهم ينتظرون من المؤلف أن يتم القصة ويسدد حساب أبطالها . هذا والمؤلف بشر ، فكيف يصدق عاقل أن قصة الحياة تنتهي بالموت ؟ كيف ولم يُسدّد ـ بعد ـ الحساب ولا اكتملت الرواية ؟ فرأيت أني وصلت ـ بعد هذا ـ بالحدس النفسي ، ثم بالفكر العقلي ، إلى الإيمان بالله واليوم الآخر . ص195 ـ 197 .


8 ـ هل الحق دائماً مع الكثرة ؟ لو قرر أطباء المستشفى الثلاثة  وجوب إجراء العملية الجراحية للمريض ، واجتمع الخدم والممرضون والبوابون والفرّاشون ، وكانوا ثلاثين ، وطالبوا بترك العملية وإهمالها ، هل نتّبع رأي الثلاثين من الخدم والممرضين والبوابين والفراشين أم نتبع رأي الأطباء الثلاثة ؟ ولو قرر ربان الطيارة الهبوط بها لأن الوقود أوشك أن ينفذ منها ، وطالب الركاب الثمانون باستمرار الطيران ، هل نأخذ برأي الثمانين لأنهم هم الأكثرية أم برأي الربان الواحد .؟
يا إخواننا ، الرجال تعرف بالحق والحق لا يعرف بالرجال ، ورأي الواحد إن كان معه الدليل الساطع أولى من رأي الألف إن لم يكن معه دليل . لو بلغ أتباع المبطلين مئة مليون ، بل ألف مليون ، وبقي على الأرض محق واحد ، لكان هذا الواحد أهدى سبيلاً من ألف المليون . ص234 .


هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده من هذا الكتاب اللطيف ، وليس فيما لم ينتقى فائدة ، بل جلّ الكتاب نافع مبارك ، وإنما القصد اختيار شيء من الفوائد وإلا كتب الشيخ حقها جمعياً المطالعة من أولها إلى آخرها ، لكني أحب دائماً الاقتضاب حتى تقرأ المقالة .

_________________________________

  

الكتاب الثامن عشر : تعريف عام بدين الإسلام ، الطبعة الخامسة 1422هـ ، دار المنارة .


1 ـ إن الاعتقاد بوجود الله من الأمور البديهية التي تُدرك بـ (  الحدس ) النفسي قبل أن تقبل بالدليل العقلي ، فهي لا تحتاج إلى دليل ، وإن كانت الأدلة على صحتها ماثلة في كل شيء ، ولست أعرض هذه الأدلة فهي أكثر من أن تستقصى ، والعالم الدمشقي الشيخ جمال الدين القاسمي ذكر منها الكثير الكثير في كتابه ( دلائل التوحيد ) ، مع أنه أُلِّف من أكثر من نصف قرن ، ومع أنه قد جدّت اليوم أدلة أظهرها العلم الحديث ، الذي لم يكن معروفاً قبل خمسين سنة ، ومن نظر في كتاب : ( الله يتجلى في عصر العلم ) ، وقد كتبه ثلاثون من علماء الطبيعة والفلك ، ممن انتهت إليهم الرياسة في هذه العلوم ، ومثله كتاب : ( العلم يدعو للإيمان ) ـ الذي ألفه كريسي موريسون ـ ، يجد أن العالِم الحقيقي لا يكون إلاّ مؤمناً ، والعامي لا يكون إلا مؤمناً ، وأن الإلحاد والكفر إنما يبدوان من أنصاف العلماء ، وأرباع العلماء ، ممن تعلم قليلاً من العلم ، فخسر بذلك الفطرة المؤمنة ، ولم يصل إلى العلم الذي يدعو إلى الإيمان ، فوقع في الكفر ! . وأنا أرجو أن تقرؤوا هذين الكتابين وأمثالهما . . وأمثالهما كثير . ص68 ـ 69 .


2 ـ وكبرنا بعد ، وسألنا : ما الطبيعة ؟ إن كلمة الطبيعة في  اللغة على وزن فعيلة وهي بمعنى مفعولة ، فإن كانت مطبوعة فمن طبعها ؟
قالوا : الطبيعة هي المصادفة . . قانون الاحتمالات . قلنا : هل تعرفون ما مثال هذا الكلام ؟
مَثَلُه : اثنان ضاعا في الصحراء ، فمرا على قصر كبير ، عامر ، به الجدران المزخرفة المنقوشة ، والسجاد الثمين ، والساعات والثريات . قال الأول : إن رجلاً بنى هذا القصر وفرشه . فرد عليه الثاني ، وقال : أنت رجعي متأخر ، هذا كله من عمل الطبيعة ! قال : كيف كان بعمل الطبيعة ؟ قال : كان هنا حجارة ؛ فجاءها السيل والريح والعوامل الجوية فتراكمت ، وبمرور القرون بالمصادفة ، صارت جداراً ! قال : والسجاد ؟ قال : أغنام تطايرت أصوافها ، وامتزجت ، وجاءتها معادن ملونة ، فانصبغت وتداخلت فصارت سجاداً ! قال : والساعات ؟ قال : حديد تآكل بتأثير العوامل الجوية ، وتقطع دوائر وتداخل ، وبمرور القرون صار على هذه الصورة ! ! .
 

ألا تقولون إنّ هذا مجنون ؟ هل المصادفات هي التي جعلت الخلية من خلايا الكبد التي لا تُرى إلا بالمجهر تقوم بأعمال كيمائية تحتاج إلى آلآت تملأ بهواً كبيراً ، ثم لا تستطيع أن تقوم إلا بجزء منها ؟ ! هذه الخلية تحوّل السكر الزائد في الدم إلى مولد سكر العنب ( كليكوجين ( ، لنستعلمه عند الحاجة بعد إعادته إلى ( كليكوز ) ، وتفرز الصفراء ، وتعد ( الكوليسترول ( في الدم ، وتصنع الكريات الحمر ، ولها بعد أعمال أخرى. !

وهل المصادفات جعلت في اللسان تسعة الآف عقدة صغيرة كلها تصلح للتذوق ، وفي كل أذن مئة ألف خلية للسمع ، وفي كل عين مئة وثلاثين مليون خلية كلها تصلح لاستقبال الضوء ؟ والأرض بما فيها من العجائب والأسرار ، والهواء الذي يحيط بها ، وما يحمله من أحياء لا تُرى ولا تُدرك ، والأشكال العجيبة لذرة الثلج التي تسقط ، من خَلَقَها بهذه الدقة ، وأودع فيها هذا الجمال الذي لم نره إلا من عهد قريب ؟
 

والشمس التي تبعد عنا بأكثر من مئة وأربعين مليون كيل ( كيلومتر ) , إذا قدّرنا بعدها بالزمن الضوئي , وسرعة الضوء ثلاثمائة ألف كيل في الثانية الواحدة , يبلغ بعدها عنا ثماني دقائق
فماذا يكون بُعْد النجوم التي يصل ضوءها إلينا في مليون سنة ضوئية ؟ السنة الضوئية تعدل آلاف مليار كيلومتر . فكم كيلومتراً في مليون سنة ؟ 
وهذه الكواكب , ومنها كواكب المجرة , التي لا يعرف علم الفلك عنها أكثر من أنها بقعة مضيئة , فيها من الكواكب مالا يعلمه إلا الله , هذه الكواكب على ضخامتها التي يعجز العقل عن تصورها , تسير بسرعة هائلة , سرعة تتخطى حدود الأرقام , فكيف لا يقع فيما بينها اصطدام ؟!
قرأت لأحد علماء الفلك , أن احتمال اصطدامها كاحتمال اصطدام ست نحلات لو أطلقت في الفضاء المحيط بالأرض .إن سعة فضاء الأرض بالنسبة لست نحلات , كذلك الفضاء بالنسبة لهذه الكواكب التي لا تعد ولا تحصى

( كتبت هذا الجزء كما قلت في المقدمة وما تحت يدي ولا قريبا مني كتاب أرجع إليه . فكنت أكتب ما خطر على بالي , وأمدتني به ذاكرتي مما قرأت وسمعت من العلماء , وأنا من سبعين سنة إلى الآن أقرأ كل يوم أكثر من عشر ساعات , فكانت هذه الأمثلة , ومن أراد أمثلة أدق وأحق وجدها في كتاب صدر قريبا اسمه ( الطب محراب الإيمان ) جيد جداً ) . ص76 ـ 78 .
 


3ـ الله وضع في هذا الكون دواء لكل داء , ولكن لم يضع الدواء في مكان بادٍ للعين , ولم يجعله جاهزا معدا للاستعمال , بل جعله -تعالت حكمته- مخبوءاً في أوضاع عجيبة , وفي أماكن لا يُظنُّ أنه موجود فيها , فـ( البنسلين ) الشافي , وضعه ربنا في العفن الأخضر , الذي يبدو أنه سم مميت , كما وضع أجمل العطور ذات الروائح العبقة , وأبدع الأصبغة ذوات الألوان الزاهية , في أقبح مادة ريحاً وأبشعها شكلاً ، المادة السوداء القبيحة التي اسمها القطران , ومنها تستخرج العطور والألوان !.

ولم توضع وضعاً قريباً ، بل إن العنصر المؤثر , المطلوب , جعله ربنا ممزوجا بمواد أخرى , متداخلا معها ، يحتاج استخلاصه منها إلى عمليات وتجارب وجهود . ومن قرأ كتاب ( التلميذة الخالدة ) (1) ،

 علم كيف احتاج استخراج ( غرام  الراديوم ) إلى تصفية ركام هائل كالتل الصغير , من مواد مختلفة , وإجراء العمليات المتعاقبة عليها , التي استمر إجراؤها سنين. ص85ــ 86 .

 (1) قصة مدام كوري وزوجها . وأرجو أن يقرأ الطلاب هذا الكتاب , ليروا كيف يكون الصبر على تحصيل العلم . وفي سير علمائنا الأولين مئات الأمثلة على مثل هذا الصبر , وعلى الإخلاص للعلم والجد فيه.

 

4ـ تصور : أنك كلما أمرت ولدك بأمر لم ينفذه , حتى تبين له  مقصدك منه , وحكمتك فيه , ولو كان الموقف ضيقا لا يتسع للبيان , ولو كان في الأمر سر لا يجوز معه الإعلان ! ألا تعد هذا الولد عاصياً لك ؟ أولا تنتظر منه أن يطيعك على أي حال , لأنه ولدك ولأنك أبوه ؟ ولو أن ضابطا تلقى أمر القيادة فأبى أن ينفذه حتى تشرح له خطتها التي أوحت به , وغايتها من إصداره , ألا يستحق العقاب ؟ 
إن حق الله على العبد لا يقاس بحق الوالد على الولد , ولا بحق القائد على الجند , ومن حقه تعالى علينا أن نطيع في المنشط والمكره , والموافق لنا والمخالف لرغبتنا , لا أن نتمحّل الأدلة , ونتعسف النظر , لنجد قولا في الفقه يرضي أهواءنا , ولا أن نجعل من الحضارة الأجنبية وأعرافها التي أخذنا بها حجةً على الشرع , فنؤوِّل ما لا يؤوَّل من النصوص , ونتنكب الطريق المستقيم في البحث ..  

لنقول : إن ديننا لا ينافي هذه الأعراف ثم إذا تبدلت أعراف المجتمع , أو تحول مورد هذه الحضارة الأجنبية من الغرب إلى الشرق , بدلنا بحثنا , وجئنا بتأويل جديد !! لا , بل الاحتكام إلى الشرع ، والعمل بحكمه , والرضا به , والاطمئنان إليه , هذا هو شأن المؤمنين المصدقين حقاً بصحة هذا الدين . ص120 ـ 121 .


 -5 كنت سنة (1931) أُدِّرس في مدرسة ابتدائية في الشام ,  وكنت في فورة الشباب وعنفوانه , وفي رأسي خواطر , وفي نفسي غرور , وعلى لساني بيان واندفاع , فعرضت لي شكوك في مسألة القدر ، كنت أسأل عنها العلماء , فلا أجد عندهم الجواب الشافي لها , فيدفعني الغرور إلى جدالهم وإزعاجهم . حتى جاء يوم كنت فيه في المدرسة , وكنت أؤدب تلميذا بالضرب ، ( وكان الضرب من وسائل التأديب في تلك الأيام ) , ففجر الولد وتوقح , وجعل يصرخ ويقول : ( هذا ظلم ..أنت ظالم ..) !!


ثقوا يا أيها القراء , أني لما سمعت ذلك سقطت العصا من يدي , ونسيت الولد والمدرسة , ورأيت كأني كنت في ظلمة فأضيء مصباح منير , فقلت لنفسي : إن التلميذ يرى ضربي إياه ظلماً , وأنا أراه عدلاً . والعمل واحد , وإذا ذهب يشكو إلى أهله قالوا له : لا , ما هذا ظلم , هذا عدل , إنه يضربك لمصلحتك . فإذا كان التلميذ لا يحق له أن يطبق مقاييسه الناقصة على عدالة المعلم , فكيف أطبق أنا مقاييسي البشرية للعدالة على الله ؟!


ألا يمكن أن يكون الفعل الذي أراه ظلماً هو عين العدل ؟ الولد المريض يرى الإبرة التي يدخلها الطبيب تحت جلده ظلما , وهي في رأي أبيه عدل كل العدل , لأن الولد نظر إلى ألمها , والأب أبصر أثرها في شفاء الولد


إن القاضي لا يستطيع أن يحكم في دعوى حتى يطلع على مراحلها كلها , ووقائعها جميعاً , ونحن إنما نطلع غالبا على طرف من الواقع , ونصدر أحكاما خاطئة , بعد دراسات ناقصة . لو تهت أنت ورفيقك في الصحراء , فمرت سيارة فخمة , دعاكما صاحبها ، وأركبكما فيها , فأخرج صديقك سكينة فمزق جلد المقعد , ألا ترى عمله ظلماً ؟ إنه ظلم بلا شك ..

ولكن إذا علمت أن أمامك عصابة من قطاع الطريق كلما رأوا سيارة سليمة أخذوها , وإن كانت ممزقة المقعد تركوها , ألا يتحول هذا الفعل في نظرك من ظلم إلى عدل ؟ 
بل إن صاحب السيارة لو عرف هذه الحقيقة , لمزق جلد مقعدها بنفسه لأنه يفضل أن تبقى السيارة له , ومقعدها ممزق , عن أن تذهب كلها وهي سليمة , أليس هذا صحيحاً ؟ 
هذه هي قصة الخضر وموسى , لما ركبا في السفينة وخرقها , ضربها الله مثلا نفهم منه ألا نسرع إلى إصدار الأحكام قبل الإحاطة بالوقائع . ص166 ـ 168.

 

 -6 من العصاة من يحتج لعصيانه بالقدر . تقول للزاني : لِمَ  زنيت ؟ فيقول : لأنه قُدِّر عليَّ ! وهي حجة واهية مردودة من وجهين :


أ. لأن الحساب والعقاب يكون على العمل ، وعلى الدوافع إليه  والبواعث عليه . وهذا الزاني لم يطَّلع على اللوح المحفوظ ويَرَ أن الزنا مكتوب عليه ــ كما يزعم ــ ويذهب ليزني تنفيذاً لحكم القدر ، وإنما تبع الشهوة ، وطلب اللذة العاجلة ، واستجاب لنداء الشيطان . وقد احتج المشركون بمثل هذه الحجة فقالوا : ( لو شاء الله ما أشركنا ) ، فرد الله عليهم بقوله : ( قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ) . أي : من أين عرفتم قبل أن تشركوا أن الشرك مقدر عليكم ؟ وهل جربتم الإيمان فوجدتم أن ممتنع عليكم؟


ب. أن لو كان هذا المحتج بالقدر صادقاً لرضي بكل ما يقدره  الله عليه ، من فقر ومرض وجوع ، وفَقْد حبيب ، وذهاب مال ، والمشاهد أنه لا يرضى بذلك ، وهو مقدَّر عليه ، ولا يسكن إليه ، بل هو يعمل لجمع المال ، ودفع المرض ، وإذهاب الجوع ، ويألم لفقد الحبيب ، وذهاب المال ، فلماذا سخَّر قواه كلها ، واستعمل عواطفه لجلب لذة الدنيا ، ودرء الألم فيها ، ولم يسخِّر عقله لقمع الشهوة ، ومنع النفس من الحرام الذي ترغب فيه ، وهو يعلم ما في عقبه من العذاب .ص171ـ173.

 


 -7وطريق السلامة في عقيدة القدر وفي سائر العقائد ، أن  نعود فيها إلى المنبع الأصلي : القرآن ، وأن نتبع فيها ما كان عليه السلف من الصحابة والتابعين ، وأن ندع هذه البحوث العقيمة التي أثارتها الدراسة الناقصة للفلسفة اليونانية البدائية السطحية . ص176.


-8  ملك الموت ، لم أجد على كثرة ما بحثت نصاً من كتاب أو سنة ثابتة أن اسمه عزرائيل . ص189.


-9  الجن يروننا ولا نراهم ، وليس في هذا عجب ، فمن كان  بيده المنظار رأي الشخص البعيد وذلك الشخص لا يراه ، ونحن في الدنيا وفقنا إلى صنع آلات ، كالرائي ( التلفزيون ) والهاتف المرئي ، نرى منها المتحدث ، وهو لا يرانا .


10- محمد  صلى الله عليه وسلم  هو وحده الذي جمع العظمة من  أطرافها ، وما من أحد من هؤلاء إلا كانت له نواح يحرص على سترها وكتمان أمرها ، ويخشى أن يطّلع الناس على خبرها . نواح تتصل بشهوته ، أو ترتبط بأسرته ، أو تدل على ضعفه وشذوذه ، ومحمد هو وحده الذي كشف حياته للناس جميعاً ، فكانت كتاباً مفتوحاً ، ليس فيه صفحة مطبقة ، ولا سطر مطموس ، يقرأ فيه من شاء ما شاء . فأروني عظيماً آخر ، جزء أن يغامر فيقول للناس : هاكم سيرتي كلها ، وأفعالي جمعياً ، فاطلعوا عليها ، وارووها للصديق والعدو ، وليجد من شاء مطعناً عليها . 215ـ 216.


11- كان عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن ، وأنتم تسمعون  هذه الكلمة ولا تفكرون في معناها ، ومعناها يا سادة : أن كل فعل من أفعاله ، وكل خلق من خلائقه ، آيات تتلى ، ومحاضرة تلقى ، وحلقة درس ومجلس وعظ ، لأنها كلها تنطق بما يأمر به القرآن . ص218.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فهد الجريوي
  • مع القرآن
  • مع السنة
  • العلم والعلماء
  • انتقاءات متنوعة
  • الصفحة الرئيسية