صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التمحيص طريق التمكين

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله ذي العزة والجبروت والكبرياء،تفرد جل جلاله بالدوام والبقاء وكتب على من سواه الفناء،أحمده سبحانه وأشكره جعل طريق النصر مسبوقاً بالتمحيص والابتلاء،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يكشف سواه الضراء ولا يأتي غيره بالسراء،وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وقدوة المؤمنين الأتقياء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما لاح بعد الظلمة ضياء ، وما تحقق للأمة نصر بعد ذل وعناء. ....وبعد:فاتقوا الله عباد الله فالتقوى سبيل النصر والتمكين ودفع الأذى إذا ما خالطها الصبر أخبر بذلك اللطيف الخبير بقوله:}وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ{([1])معاشر من آمن بالله واليوم الآخر لو أن شركة من الشركات أرادت أن تولي شخصاً منصباً قيادياً بها فتقدم لها عدد من الناس وكل يدعي أهليته لهذا المنصب فماذا ستفعل تلك الشركة؟ لا شك أنها ستجري امتحاناً وتمحيصاً للمتقدمين حتى يتبين للجميع أن فلاناً هو الأحق والأجدر بهذا المنصب، هذا فيما يتعلق بمنصب قيادي في شركة فما بالكم بأمة يعدها ربها لقيادة العالم؟ وأدعياء التقوى والعلم والإيمان فيها كثير فلابد لهم من التمحيص والاختبار حتى يتميز الصادق من الكاذب وقد نص الله سبحانه على ذلك في كتابه بقوله جل شأنه : }الم()أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ()وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{ (2).، وقد يقول قائل لماذا الامتحان والتمحيص والله يعلم السرائر والبواطن؟ فنرد عليه بقول رب العالمين:} لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ{ (3) ؛ وهذا التمحيص والابتلاء الذي ينزل بالأمة أيه الأحبة في الله نتيجته أحد أمرين أما نجاحاً وفوزاً وتمكيناً وإما إخفاقاً وذلاً مهيناً ، وفي قمة الامتحان والابتلاء يأتي الفرج والتمكين كما أخبر بذلك رب العالمين بقوله : }أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ{(4) ؛ تعالوا معي أحبتي نأخذ أمثلة لامتحان بعده نصر وتمكين : فهذا موسى عليه السلام ومن آمن معه أشتد أذى فرعون لهم حتى بلغ طغيان فرعون أن قرر قتلهم وإبادتهم ليقضي على دعوة الإيمان ويصفو له الجو وحشر لعملية قتل تلك الفئة القليلة المستضعفة كل قواته وإمكانياته واستمع للعليم الخبير ينبئك عن ذلك بقوله :} فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ()إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ()وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ()وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ{(5) . فماذا كانت النتيجة ؟ استمع لها ممن له القوة جميعاً : }فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ()وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ{(6) . أرأيتم أيها الأحبة في الله بينما كان أهل الكفر الأقوياء يتوعدون أهل الإيمان الضعفاء بالقتل والإبادة تدخلت القدرة الإلهية التي لا يقف لها شئ فقتل أهل الكفر وبقي أهل الإيمان وأبيد أهل الكفر وكان التمكين لأهل الإيمان ، وهذا لوط عليه السلام ابتلي بقومه أهل الفاحشة النكراء وقرروا طرد لوط من بلاده وليس له ذنب إلا الطهارة من رجسهم ونتنهم : }فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ{(7) . وبلغ الابتلاء والتمحيص قمته يوم أن أرادوا فعل تلك الفاحشة القذرة بضيوفه الكرام حتى ضاق الأمر بلوط عليه السلام وقال تلك المقولة التي تعبر عن قمة الحالة التي وصل إليها :} قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ{ (8) . فجاءته البشرى : }قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ{(9) .وهذا رسولنا  صلى الله عليه وسلم  تتفق قريش على قتله فداه نفسي وأبي وأمي والناس أجمعين ويشرعون في تنفيذ الخطة ويحيط الرجال الأقوياء بمنزله استعداداً للفتك به فيخرجه الله من بينهم كما تخرج الشعرة من العجين ، وتكون الهجرة التي عاد بعدها صلوات ربي وسلامه عليه فاتحاً معززاً مكرماً، ويتكرر مشهد الابتلاء والتمحيص فكم عذب أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في مكة وكم لقوا من الأذى ، وكان من مواقف التمحيص الشديدة يوم الأحزاب حيث اجتمعت قوى الكفر لإبادة الإسلام وأهله وبلغ البلاء من أهل الإيمان مبلغه حتى يصفه الله بقوله : }إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ()هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا{(10) .فماذا كانت النتيجة؟ أرسل الله عليهم تلك الريح الباردة التي أقضت مضاجعهم وأجبرتهم على الانسحاب ولم يستطيعوا العودة بعدها لغزو المدينة، ثم كان الفتح والتمكين لأهل الإيمان، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم  أصيبت الأمة الإسلامية بزلزال عنيف وتمحيص عظيم إلا وهو قضية الردة فثبت الله الأمة بالصديق  رضي الله عنه  ثم أعقب تلك المحنة وذلك التمحيص فتح أكبر دولتين في ذاك الزمان الروم وفارس وإخضاعها لشريعة الإسلام ، وحينما تخفق الأمة في الامتحان والتمحيص تشتد المصيبة وتحل العقوبة من الجبار وإليكم مثالاً واحداً لذلك بنوا إسرائيل اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة واستمعوا للقصة يخبركم بها رب العالمين بقوله : }وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ()يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ()قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ{(11) . وتمادوا في عصيانهم أوامر ربهم التي أخبرهم بها نبيهم بقولهم : }قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ{(12) . فماذا كانت النتيجة؟ استمع لها من رب العالمين : }قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ{(13) .أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :}وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{(14) .   

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبينا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن النصر والتمكين لا يكون لأمة غافلة لاهية عن ربها وأن وقت التمحيص والابتلاء هو وقت الرجوع إلى من بيده مقاليد السموات والأرض ، فاحرص أخي أن تكون ممن ينجحون عند التمحيص والابتلاء ولا تكن من الفريق الآخر ، وقوي صلتك بقيوم السموات والأرض تفلح ، ألا وإن من الطرق لذلك الصيام وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن الصادق المصدوق قوله : ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ))(15) .وقد حبب إليكم خير الورى صلى الله عليه وسلم  صيام يوم عاشوراء فقد سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ.

-----------------
([1] ) آل عمران: 120.(2)العنكبوت:1-3.(3)الأنفال:42.(4)البقرة: 214.(5)الشعراء:53-56.(6)الأعراف:136،137.(7)النمل:56.(8)هود:80.(9)هود:81.(10)الأحزاب:9-10(11)المائدة:20-22.(12)المائدة:24.(13)المائدة:26.(14)الروم:47.(15)مسلم،الصيام،ح(1982).
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية