صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ما علاقة الرزق والمطر بالتراحم..؟

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم،مالك يوم الدين،أحمده جل شأنه وأشكره شملنا برحمته فجعلنا من عباده المؤمنين،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الملك الحق المبين وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعلى من سار على نهج الهدى إلى يوم الدين.أما بعد:
فاعلموا معاشر المؤمنين بأن ربكم الكريم جل في علاه ربط الرزق والخيرات و البركات بالتقوى فقال جل جلاله:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(الأعراف:96) أمة الإسلام ما العلاقة بين ارتفاع الأسعار و ما يترتب عليه من ضيق المعيشة وعدم كفاية الرزق وبين رحمة الناس بعضهم بعضاَ؟. وما العلاقة بين قلة القطر من السماء وبين تراحم الناس فيما بينهم؟.تأملوا معي أحبتي في بعض الآيات القرآنية؛فالله جل جلاله سمى الرزق رحمة كما في قوله: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورً} (الإسراء: 100)."قال ابن عباس وقتادة:أي الفقر,خشية أن تذهبوها مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبداً"(ابن كثير). وقال سبحانه:{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} (هود:10) قال الإمام الطبري في تفسيره للآية:"ولئن أذقنا الإنسان منا رخاء وسعة في الرزق والعيش,فبسطنا عليه من الدنيا,وهي الرحمة التي ذكرها تعالى ذكره في هذا الموضع".وقال سبحانه: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا..}(الشورى:48).قال الإمام الطبري في تفسيره للآية:" فإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من عندنا سعة,وتلك هي الرحمة التي ذكرها جلّ ثناؤه,فرح بها:يقول:سرّ بما أعطيناه من الغِنى, ورزقناه من السّعة وكثرة المال"هل رأيتم معي أحبتي كيف سمى الله وعبر عن الرزق بلفظ الرحمة؟.دعونا ننتقل لنتأمل في الآيات التي ذكر الله فيها الغيث والقطر من السماء قال الكريم سبحانه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ.. }(الروم:46).ويقول سبحانه:{فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(الروم:50).معاشر المؤمنين إذا كان الرزق رحمة،والغيث رحمة،فمن يستحق تلك الرحمة؟.اسمع لذلك يخبرك به نبيك صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام البخاري عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :((لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ))(البخاري،التوحيد،ح(6828)).وأخرج أيضاً عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:((...إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)) (البخاري،الجنائز،ح(1204)).فيا أمة ترجو سعة الرزق من الله رحمة بها،وترجوا رفع الغلاء رحمة بها،وترجوا القطر والمطر رحمة بها،تراحموا فيما بينكم..تراحموا فيما بينكم..تراحموا فيما بينكم..فإنما يرحم الله من عباد ه الرحماء؛أخرج الإمام الترمذي في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ..))(الترمذي،البر والصلة،ح(1847)[قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]).فيا من ترجون رحمة من في السماء ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.معاشر الرحماء الرحمة سبب لمغفرة الذنوب العظيمة أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ))(البخاري،بدء الخلق،ح(3074)). الله أكبر رَحِمَةْ كلباً فغفر الله لها زناها فكيف بمن يرحم مؤمناً موحداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.الرحمة معاشر الرحماء يستعان بها على شدائد و بلايا الدنيا واسمعوا معي لهذه القصة التي نشرتها صحيفة يومية محلية،وارجوا أن تعيشوا معي القصة بكل مشاعركم وأحاسيسكم؛امرأة من منطقة حريملاء ببلادنا الغالية أصيبت بمرض السرطان،وأخذ المرض ينتشر في جسدها حتى أضعفها وأوهن قواها فاستقدمت خادمة من شرق أسيا لخدمتها في آخر حياتها وقد أيقنت بقرب النهاية،بيد أنها لاحظت على الخادمة الجديدة تصرفاتٍ غريبة؛ فقد كانت تمضي وقتاً طويلاً بدورة المياه أعزكم الله،وتكرر الأمر منها مرات ومرات مما دعى المرأة لسؤالها عن السبب،لما تتأخرين في دورة المياه؟.فأجابت الخادمة واسمعوا لما أجابت به..قالت لها:أنا أُمٌّ حديثة الولادة لم يمضِ على ولادتي الأربعين يوماً جئت هنا للعمل من أجل أن أصرف على رضيعي وإخوته،والحليب في صدري يؤذيني فاضطر إلى سحبه وسكبه في دورة المياه،فلما سمعت المرأة بقصتها رحمتها وقالت لها:خذي هذه رواتب عامين كاملين،وهذه تذكرة الطائرة وارجعي لابنك وأرضعيه،فسافرت الخادمة من هنا،ولكن ماذا حدث للمرأة..ذهبت لتراجع في أمر مرضها فوجدت أن المرض قد اختفى تماماً وكأنه لم يكن،احتار الأطباء بحثوا يميناً وشمالاً فلم يجدوا للمرض أثراً.الله أكبر صدق سيدي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم إنما يرحم الله من عباده الرحماء،الله أكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن؛فيا أمة الإسلام هل حققنا الرحمة فيما بيننا..؟.اسمعوا لربكم وهو يصف أمتكم بقوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمً}(محمد:29).

الخطبة الثانية:الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن الرحمة ليست هي مجرد الشعور الذي يختلج في القلب؛لكنها شعور يختلج في القلب ويدفع للعمل،وإنا نتساءل في موجة الغلاء العارمة من يرحم الفقراء؟.من يرحم الأرامل؟.من يرحم الأيتام؟.من يرحم المرضى والعجزة؟. من يرحم رب الأسرة الكبيرة الفقير؟.نداء..نداء..نداء أوجهه من هذا المكان المبارك..وفي هذا اليوم المبارك إلى إخواننا من التجار..إلى أصحاب الدور والعقارات..ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء..الراحمون يرحمهم الله..أقول لهم إن الدنيا ليست درهم ودينار فقط فكم من أصحاب المليارات لا ينتفعون بها ولا يستمتعون بها لما بهم من البلايا والأمراض،فادفعوا عن أنفسكم البلاء برحمة أصحاب البلاء.ولا تعني أحبتي الرحمة ضياع الحقوق والتساهل المفرط لا بل هو الحرص على مصلحة من ترحمه وإن كان هو يرى في ذلك شدة عليه،فالأب أحياناً يقسو على ولده وقد يضربه من أجل تأديبه أو من أجل أن يحافظ على الصلاة مع أنه يرحمه،معاشر المؤمنين لنجعل الرحمة شعارنا وثقوا بأن الله سيغير حالنا إلى خير حال،يجب أن نبدأ بالتغيير من أنفسنا فقد وعد ربكم بقوله:{..إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (الرعد:11).


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية