اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/aiman/383.htm?print_it=1

أيها المُغَرِّدون رفقاً بالأقصى!

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن مما يُدمي القلبَ كمدا، ويعتصرُ الفؤادَ ألماً، ويُحزنُ النفسَ ويصيبُها بالأسى والأسف؛ ما يثار وينشر ويتداول بين الحين والآخر في مواقع التواصل، من اللعن والسباب والشتائم والانتقاص والتخوين والاتهام، بين أبناء الدين والمصير والانتماء الواحد، والقبلة والملة والأمة واللغة الواحدة.

باتت تلك المواقع أداةً لبث الفرقة وإثارة الفتنة ونشر الضغينة والأحقاد بين الشعوب فضلا عن الأفراد، في مرحلة حرجة عصيبة تمر بها الأمة مع تزايد التحديات، أحوج ما نكون فيها إلى تأليف القلوب ووحدة الصف، وتغليب لغة التعقل والحكمة والتثبت والتأني، وعدم الاستعجال والانجرار خلف الآراء الشاذة والأقوال الفاسدة والمواقف الدخيلة.

تزداد حجم الفاجعة والكارثة إذا علمنا أن هذا التراشق وتلك المهاترات، تمس – بوجه أو بآخر – مقدس من مقدساتنا ومسجد مبارك معظم من مساجد المسلمين، إنه المسجد الأقصى المبارك مسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السموات العلى، وأول قبلة وثاني مسجد وضع في الأرض، وثالث أهم مسجد تشد إليه الرحال.

المتتبع والمتأمل لتصريحات وتغريدات ومنشورات بعض الناشطين في مواقع التواصل، من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، يجد بأنها تصب في عدة اتجاهات:

الأول: إظهار المغتصب الصهيوني لأرضنا ومقدساتنا، والمنتهك لجميع الحرمات؛ بالمظهر الحسن المتسامح المحب للسلام الراغب في الاستقرار، صاحب التجربة الديمقراطية! الفريدة في المنطقة بل في العالم!

الثاني: التشكيك بالمقدسات وتهوين مكانتها الدينية والتاريخية، وإضعاف محبتها في النفوس، من خلال إثارة بعض الشبهات أو أطروحات شاذة وآراء مستهجنة توصل لهذه النتيجة!

الثالث: كيل التهم والأكاذيب التي روج لها الاحتلال قديما، ضد الفلسطينيين وشيطنتهم، وإظهارهم بمظهر الإرهابي المتسول المتسبب بعدم استقرار المنطقة، والمعرقل لإحلال السلام!

الرابع: بالمقابل ثمة أصوات نشاز من بعض الفلسطينيين؛ وظيفتها اللعن والشتائم والتخوين والتنقص، من شعوب وحكومات ينتسب إليها المدافعين عن الصهاينة والمشككين بالحق الفلسطيني.

الخامس: وجود طرف ثالث ظاهر أو خفي مباشر أو غير مباشر خطير جدا ؛ سياسي أو إعلامي أو حزبي له أجندات خاصة، مهمته التصيد والتركيز على مواقف وتصريحات ومنشورات، لأغراض انتفاعية انتهازية خدمة لمصالهم الضيقة!


ساعدت العولمة الإعلامية وسرعة نقل المعلومة؛ في إذكاء نار الفتنة والقطيعة والفرقة والضغينة، بين الشعوب المسلمة والعربية، مع توسع رقعة المهاترات والمناكفات والمماحكات، في ظل غياب الوعي الشرعي وضعف وازع الانتماء للأمة الواحدة، وعدم تغليب المصلحة العامة على الخاصة، وتكريس العنصرية على أساس القومية أو الجنسية أو العشيرة وغيرها.

كل ذلك أدى لتنامي هذه المواقف الفردية الشاذة، لتصبح شبه ظاهرة قد تأكل الأخضر واليابس، وتزيد من حجم الفجوة والهوة بين أبناء الأمة، حتى أَقحَمَت في خضمها بعض العقلاء والشخصيات ذات المواقف المتزنة والله المستعان.

المتابع للمواقع الصهيونية الناطقة باللغة العربية، يجدها تعيش أسعد لحظاتها ونشوتها، مسرورة فرحة متفرجة بهذا الإنجاز المجاني، بل أصبحت تتحدث عن القيم وتدافع عن الأعراف والأخلاق، وتدلي برأيها مساهمة بشكل كبير في هذا الواقع المزري المؤسف!

في خضم تلك الأوضاع المأساوية لا يوجد رابح إلا الكيان الغاصب والداعمين له ولمشروعه الإحلالي التوسعي التهويدي، ولا خاسر إلا المسلم الحر صاحب المبدأ والانتماء لدينه وأمته، وبالتالي إضعاف وتهوين مكانة الأقصى، وتقزيم القضية والفتُّ في عضدها وتراجعها وانكسارها.

أيها المغردون جميعا:
رفقا بالأقصى، أربعوا على أنفسكم، ولا تكونوا عونا للشيطان وأعداء الدين على إخوانكم ومقدساتكم، وأوصيكم وأذكركم بالتالي:

1-
حاسبوا على حروفكم وكلماتكم وعباراتكم وتغريداتكم وتصريحاتكم، فإنها شهادة لكم عند الله (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ )، وستحصى عليكم وتحاسبون عليها (وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )، فكونوا مفتاحا للخير مغلاقا للشر.

2-
ضرورة التثبت والتأني وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام وبناء المواقف، لمجرد خبر أو شائعة أو احتمال أو شبهة، فإذن الله سبحانه وتعالى ذم المبادرة والمسارعة لنشر المعلومة دون تروي، قال سبحانه في معرض ذكر صفات المنافقين ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ).

3-
إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالقول السديد الحسن اللين، وبالقول المعروف الكريم الميسور، قال تعالى: ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا )، وسقال سبحانه: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )، وما يجري خلاف ذلك.

4-
طريقة التراشق وإلقاء التهم والشتائم والتخوين؛ من تحريش الشيطان بين المسلمين، ومن وسائل أعوانه من شياطين الإنس من أعداء الله والدين، من الغاصبين لأرضنا ومن يدور في فلكهم.

5-
أسلوب الشتائم والانتقاص من الآخرين ورد الإساءة بإساءة أعظم من علامات الفشل، ومن صفات أصحاب الحجج الضعيفة، وردود الأفعال المفسدة، قال تعالى: ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ).

6-
إن نهج وسلوك طريقة التعميم، وبناء الأحكام على الشعوب والدول والحكومات، من خلال مواقف فردية شاذة، أو تصريحات غير مسؤولة، أو تصرفات استفزازية مأجورة؛ طريقة معوجة بعيدة عن العدل والإنصاف والموضوعية، فالأحكام تبنى على الغالب الأعم لا على الشاذ النادر.

7-
إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالعدل مع مَن نُبغِض، من أهل الباطل والإجرام والضلال والانحراف، قال سبحانه: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )، فمن باب أولى مع أبناء الدين والملة الواحدة!

8-
من القواعد المهمة في مواطن الضعف؛ عدم تكثير الأعداء والمناوئين، لما يترتب على ذلك من زيادة التكالب والأعباء وتحميل النفس ما لا تطيق، في وقت أحوج ما نكون فيه إلى معين ومناصر، أو على أقل تقدير سياسة التحييد!

9-
أهمية النظر في مآل وعاقبة كل تصريح أو تغريدة أو منشور، وما المصلحة المترتبة عليه للأمة والدين عموما وقضية الأقصى خصوصا! فإن كانت العبارة حقا ولكن يترتب عليها مفسدة ظاهرة وشرا كبيرا، فالسلامة في السكوت، ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ).

10-
إن التنازع والفرقة والتباغض والتدابر؛ من أعظم أسباب الهزيمة والفشل والانكسار، قال تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ).

11-
على العلماء والدعاة والعقلاء والحكماء والإعلاميين والسياسيين والنشطاء؛ تحمل المسؤولية والتعاون على البر والتقوى، والعمل على وحدة الكلمة وتقريب الوجهات والبناء على المشتركات لا الخلافات، ورأب الصدع وتأليف القلوب ورص الصفوف، واستمرار التوجيه والنصح والبيان، والتعامل مع الأحداث والمستجدات بحكمة وروية وتعقل، وتغليب المصلحة العامة الكبرى على الخاصة الفردية.

أيها المغردون:
رفقاً بالأقصى! فلا تكونوا عونا للصهاينة والمناوئين عليه وعلى أهله الذين يدافعون عنه.

أيها المغردون:
رفقاً بالأقصى! فإن ما يجري من تبادل الاتهامات وترويج الشائعات ونقل الافتراءات؛ لا ينكأ عدواً ولا يُحرر أرضاً ولا يحافظ على مقدس.

أيها المغردون:
رفقاً بالأقصى! سواءً علمتم أم لم تعلموا، شعرتم أم لم تشعروا، قصدتم أم لم تقصدوا؛ فإنكم تقدموا خدمات مجانية للصهاينة الغاصبين وأعداء الأمة من المتربصين، فهم أكثر المستفيدين!

أيها المغردون:
رفقاً بالأقصى! فإنه بنا أو بغيرنا سيبقى شامخا مرفوعا عاليا عزيزا، لكن الخزي والعار على تلك الأبواق المأجورة والأصوات الموتورة والمواقف المأزومة، فإن التاريخ لن يرحم المتخاذلين ولو بالكلمة، ولن يعلي شأن المرجفين ولو بالعبارة.

أيها المغردون:
رفقاً بالأقصى! فالدنيا مواقف، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)، فلا تترك انطباعا سيئا وموقفا سلبيا تجاه إخوانك في الدين عموما والمسجد الأقصى السليب خصوصا، فإنك – بالاستقراء- لن تنال ثناء حسنا أو ذكرا جميلا أو رفعة في حياتك وبعد مماتك، حتى يكون لك بصمة شؤون أمتك العظيمة، ومن أهمها وأظهرها وأعظمها قضية الأرض المباركة فلسطين.

24 ذو الحجة 1440هـ
25/8/2019م
 

أيمن الشعبان