صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ماذا وراء علاج اليهود لأطفال العراق؟!

أيمن الشعبان

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 
استوقفني مليا خبر نُشر في موقع وزارة خارجية الكيان اليهودي المسمى ( موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية )، في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2010 عنوانه " إنقاذ حياة طفل عراقي في إسرائيل" وقلت في نفسي منذ متى أصبح هذا الكيان الهجين مؤسسة إنسانية أو جمعية خيرية، وتاريخهم حافل بسفك الدماء والمجازر البشعة والخيانة والغدر، ونشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة، واعتبار جميع الشعوب كأنهم حمير ما خُلقوا إلا لخدمتهم!!

ومما جاء في الخبر ( ولتعذر تلقي العلاج المناسب في العراق، بادر صندوق "شيفت أحيم" ويعني بالعبرية "الجلسة الأخوية" الدولي الذي يهتم بالأطفال المرضى في كل من العراق وقطاع غزة، بنقله جوا إلى إسرائيل ليخضع فيها لجراحة تهدف إلى إنقاذ حياته).

وجاء أيضا ( وتبتسم والدة بولند، رانجين، هي الأخرى، قائلة: "نحن نحب إسرائيل ولا نخشى العودة إلى بيتنا، ومع أن لنا في العراق أطباء بارعين، إلا أن التكنولوجيا ليست متقدمة مثلها في إسرائيل، وكان بإمكاننا الذهاب إلى إيران وإجراء العملية فيها لقاء آلاف الدولارات، ولكننا أسرة لا تملك مثل هذه المبالغ".).

ويذكر أن إحدى المؤسسات الدولية العاملة في العراق وتسمى بصندوق الأصدقاء هي التي نظمت لبولند رحلته إلى البلاد، ويتواجد العاملون في هذا الصندوق بالعديد من المدن العراقية، وبالتحديد المستشفيات الطبية، ويهدفون إلى معرفة الأمراض الصعبة التي تواجه العراقيين ومن الصعب علاجها، ويتم الاتفاق معهم على السفر إلى إسرائيل للعلاج.[1]

هنا لابد من وقفات، والإجابة على بعض الأسئلة والاستفسارات، لنرى الحقيقة ونضع الحروف على النقاط، مع قراءة لشيء من التاريخ والتأمل ببعض الصفات، التي تنطلق منها الشخصية اليهودية، مع عدم إغفال الواقع المرير للأمتين العربية والإسلامية.

فهل يسعى اليهود لتحسين صفحتهم السوداء بمثل هكذا أعمال إنسانية؟! أم هنالك صفقات دعائية وترويجات إعلامية، لكسب قدر من الشعبية واستعطاف الجماهير العربية؟!! لا سيما الخطة اليهودية لاستسلام العرب والمسلمين بما يسمى " التطبيع " على قدم وساق بمختلف المجالات.

 لماذا هذا الاهتمام منقطع النظير بالعراق ؟! هل هو من قبيل المفارقة أم هنالك إرث تاريخي وجذور يهودية مترسخة في بلاد الرافدين؟! وصولا لحلمهم الكبير " دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل"!! أم هو جزء لمسلسل توسعي طويل الأمد بأذرع مختلفة للسيطرة الفعلية على المنطقة؟!

المتأمل للصفات السيكولوجية في الشخصية اليهودية يجد بأنها، شخصية انطوائية كئيبة عدوانية، وتمتلك برود عاطفي ولامبالاة، وكذلك الحاجة للمديح والإطراء، أضف إلى ذلك الرغبة في الانتقام وسرعة اللجوء للعنف.[2]

ومن أبرز سمات الشخصية اليهودية أنه عدواني لا يعرف الرحمة، منغلق على نفسه، لا يعرف حرارة الانفعال، حاقد على كل من حوله، شاعر بأنه مختلف عنهم.[3]

لذلك لا يمكن أن يكون هذا العمل إنساني من قِبلهم أبدا، لكن لغرض الاستهلاك الإعلامي واستقطاب أكبر شريحة ممكنة من العرب وتطويعهم، وإضعاف الوازع الديني والقومي في نفوسهم من العداء لليهود الغاصبين.

من المحزن أن تقول والدة الطفل أنها تحب إسرائيل، وهذه نتيجة طبيعية وهي إحدى آثار هذه التصرفات، ومن الخداع أيضا والتلبيس المقصود، أن المانع من علاجها في إيران قلة ذات اليد، وكأنه تجسيد لحالة الصراع ( اليهودي- الإسلامي ) وأن اليهود إنسانيتهم أفضل من المسلمين من جهة، وطمس وتدليس من خلال إظهار إيران بأنها القطب الإسلامي المقابل لليهودي بالصراع!! ولا يستبعد وجود نوايا ومقاصد وآثار سيئة لمثل هذه التصريحات.

العراق بالنسبة للكيان اليهودي ليست دولة هامشية، بل هنالك ثأر تاريخي منذ السبي البابلي في عهد نبوخذنصر، بالإضافة لمكانة العراق إقليميا، وضرورة إخراجه من دائرة الصراع معهم، ناهيك عن مكانة العراق ومشاركته في كل حروب فلسطين، وعدم إبرام العراق أي اتفاقية مع الكيان اليهودي لحد الآن.

 يهود العراق يرجع جذورهم الى قبل 2500 سنة، وقرابة 120 ألف يهودي نقلوا من العراق بين عامي ( 1950-1951م) عن طريق قبرص وإيران، كان لهم الدور الفعال في بناء دولة الكيان اليهودي المعاصرة، وهم من سلالة إمارة حيداب في شمال العراق والتي دامت قرابة 100 عام، وكانت عاصمتها أربيل،[4] أضف إلى ذلك أن مدينة بابل كانت مركزا للدراسات التلمودية،[5] كما أن عامة اليهود يفضلون التلمود البابلي على التلمود الأورشليمي.[6]

هنالك ارتباط وثيق وتاريخي متجذر لليهود في العراق، فمنذ العهد البابلي والوجود اليهودي في العراق مستمر ومتواصل حتى احتلت الجالية اليهودية العراقية مكانة مرموقة بين سائر الجاليات اليهودية الأخرى، إذ أصبحت في عصر التلمود مركزاً لليهودية وموجهاً دينياً وروحانياً ليهود الشتات في العالم كله ولعصور متوالية، وذلك عن طريق مراكزها العلمية الشهيرة في نهر دعه وصورا وبومباديتا.[7]
ولعل أول مطبعة عبرية تأسست في العراق كانت عام 1863 على يدي موسى باروخ مزراحي حيث قامت بطباعة أول جريدة عبرية وسميت "هادوفير" أي المتحدث، كما نشرت بعض الكتب. ومع أوائل القرن العشرين أنشئت مطابع أخرى قامت بطباعة العديد من الكتب العبرية، وكانت أشهر دور النشر اليهودية دار "رحمايم" في بغداد، وكان إنتاج هذه الدور يلقى رواجاً بين الطوائف اليهودية في الهند والصين.[8]

أضف إلى ذلك أنه قبل الرحيل الاخير الى دولتهم الجديدة المسماة "اسرائيل " كان لهم تأثير على العراق عند تأسيس الملكية، كان لهم الوزير حسقيل ساسون وزيرا للمالية في اول وزارة عراقية وكان قد شارك في مؤتمر القاهرة (1921) برئاسة ونستون تشرشل، والوزير الثاني اليهودي كان وزيرة التجارة عزرا الياهو.[9]

ومن هذه الرموز والشخصيات، عوفاديا يوسف حاخام اليهود الشرقيين في دولة الكيان اليهودي، والزعيم الروحي لحزب شاس لليهود الأرثوذوكس، وهو من مواليد البصرة عام 1920م.
وكذلك بنيامين بن اليعيزر وزير الحرب الأسبق، ومناحيم دانيال كان عضوا في مجلس الأعيان في العهد الملكي، وتوفي عام 1940م، وابنه عزرا مناحيم عين كذلك عضوا في مجلس الأعيان، وايضا مير بصري كان مشهورا في علوم الاقتصاد.

ويشرف رئيس حزب العمل فؤاد بنيامين بن أليعازر اليهودى من أصل عراقي، ومن مواليد محافظة البصرة العراقية، على إدارة سلسلة شركات لنقل الوفود الدينية اليهودية- الإسرائيلية بعد جمعهم من إسرائيل وأفريقيا وأوروبا، والسفر بهم على متن خطوط جوية عربية، ومن ثم الى المواقع الدينية اليهودية- المسيحية فى العراق.[10]

يحظى يهود العراق بثقل شرق أوسطي – كما يصطلحون عليه – كبير، إذ بعد قيام اسرائيل كان من اهم مطامح اسرائيل جذب الطوائف اليهودية الى اسرائيل وكانت اهم هذه الطوائف في الشرق الاوسط الطائفة اليهودية العراقية والطائفة اليهودية اليمنية.[11]

لمّا كان عدد من اليهود يعتقدون أن العراق موطنهم الموعود، بالإضافة لكامل حقوقهم الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها في أزمان مختلفة، وأضف كذلك مشروع دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، تبقى الأنظار والصِلات وثيقة في العراق، لا سيما وأن المستفيد الأول من الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003 هم اليهود، بمعنى أن الحلم بدأ يتحقق شيئا فشيئا وأصبح الوجود اليهودي في العراق قوي ومؤثر، بل متغلغل بالعديد من مفاصل الدولة والمنشآت المهمة .

كما يتخذ مركز إسرائيل للدراسات الشرق أوسطية "مركز دراسات الصحافة العربية" من مقر السفارة الفرنسية فى "بغداد مقراً له، واستأجر الموساد الطابق السابع فى فندق "الرشيد" الكائن فى بغداد، وفى نفس الفندق المذكور افتتحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عام 2005 مكتباً لها فى بغداد وآخر فى مدينة أربيل الكردية، وأشرف 185 شخصية إسرائيلية، أو يهودية أمريكية من مقر السفارة الأمريكية فى المنطقة الخضراء على عمل الوزارات والمؤسسات العراقية - العسكرية والأمنية والمدنية، وتقوم شركة سوليل بونيه التابعة لمجموعة نيكون فبينوى الإسرائيلية بمساهمات كبيرة في مجال البنى التحتية، وكذلك شركة أرونسون التي تعمل تحت غطاء شركات كويتية وأردنية، عدا عن شركات أخرى مثل كاردان للمياه، اشتروم للبناء، أفريقيا – اسرائيل للطرق السريعة، و"اسرائيل" المتخصصة بتقطير المياه،[12] وغيرها من أساليب السيطرة والتداخل والتغلغل في البلاد.

هنالك مليارات من الدولارات يطالب بها اليهود كتعويضات من الدول العربية وخصوصا العراق، عن خساراتهم وممتلكاتهم التي فقدوها نتيجة هجرتهم إلى دولة الكيان اليهودي، ناهيك عن مكسب كبير واستراتيجية مستقبلية مهمة لاتفاقية سلام مع العراق، وبالتالي تحييده وعزله عن أي دور متوقع له في نصرة الفلسطينيين.


اللجنة الدولية ليهود الدول العربية (ووجاك)، التي تشكلت في 1999 برئاسة "عميرأم إتياس" ذي الأصول المغربية، لم تنشط فاعليتها بشكل عملي لجهة المطالبة إلا بعد سقوط نظام صدام حسين. يقول "مردخاي بن فورات" رئيس مركز تراث يهود بابل في ملحق معاريف 17يناير 2003 (  إن التعويضات عن الأموال المفقودة ستدفع كجزء من اتفاق سلام مستقبلي مع حكومة العراق بالرغم من أنها عملية معقدة ومنوطة بها سلسلة من الاشتراطات والشكوك). وطبقا لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في 15 أغسطس 2003، فإن الحكومة الإسرائيلية شرعت في حملة واسعة لجمع معلومات حول الممتلكات اليهودية المتروكة في العراق.[13]

 أفاد "المركز الإسرائيلي للتصدير"بأن حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والعراق قد يبلغ 100 مليون دولار سنويا .وكان نائب وزير المالية الأمريكي جون تايلور أعطى لدى مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن، ضوءا أخضرا للشركات الإسرائيلية بالتأكيد على أن التشريع في المجال الاقتصادي في العراق (سيسمح للإسرائيليين بتنفيذ مشاريع استثمارية ). وقد أوضحت صحيفة " يديعوت أحرنوت" اليهودية أن شركة "أوسيم"الإسرائيلية الضخمة للمنتجات الغذائية تعتزم تصدير حلوى لبيعها لأطفال العراق.[14]

العراق بالنسبة لليهود نقطة ارتكاز مهمة، وغنيمة كبيرة وثروة هائلة، وعليه تتوجه أنظارهم إليه ويحاولون اختراقه بشتى الطرق والوسائل، وقضية العلاج هذه جزء من هذا التسلل، مما يشير بأنهم يتعاملون مع العراق وكأنه مقاطعة تابعة لهم، وساحة يمتلكونها.

والسؤال الذي يطرح نفسه: أين دور الأمة الإسلامية والعربية جراء ما يحصل لأطفال العراق؟ !! بل وقبل ذلك في فلسطين؟!! والحقيقة المؤلمة والواقع المر للعرب والمسلمين، يقفون موقف المتفرج، ويبدو أن ما حصل بفلسطين يعاد بمسلسل جديد اسمه العراق، وإذا عرفت أن أطفال فلسطين في العراق قد تُركوا يواجهون مصيرهم من التهجير والقتل والاضطهاد، دون أي نجدة من أي دولة عربية أو إسلامية، وقد تشتتوا الآن في أسقاع الأرض يستجدون عطف ولم شمل دول أجنبية، وإذا عرف السبب بطل العجب، ومع الأسف الشديد اليهود يعملون وفق أجندة ومشروع ، إلا أن أمة الإسلام والعرب ليس لديهم لا أجندة ولا مشروع، وفاقد الشيء لا يعطيه ، وكما قيل:

من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام

فاليهود مطامعهم كبيرة، وأنتظارهم صوب العراق شاخصة، وما يقومون به من مشاريع ظاهرا خيري وإنساني، هي بالحقيقة جزء من الآلة الإعلامية والترويج لكسب ود الشعوب العربية ومزيد من التعاطف، والتعاطي مع الملف العراقي بأريحية وكأنه مقاطعة أو جزء من كيانهم، وما المؤسسات الطبية وذات الواجهة الخيرية ومراكز البحوث والدراسات والشركات والاستثمارات والمستشارين والنفوذ منقطع النظير لهم في العراق، إلا مؤشر واضح لذلك.
 
أيمن الشعبان
12/3/2011

--------------------------------
[1] صحيفة العرب القطرية بتاريخ 25-10-2010.
[2] ينظر كتاب " الشخصية اليهودية " ص103.
[3] كتاب الشخصية اليهودية ص117.
[4] ينظر مقال بعنوان " إمارة حيداب اليهودية في شمال العراق، توما شماني.
[5] المصدر السابق.
[6] يهود العراق ماضيهم ومستقبلهم، فيصل عبد الكريم.
[7] يهود العراق والتعايش العربي اليهودي، محمد جلاء إدريس.
[8] المصدر السابق.
[9] ينظر مقال بعنوان " إمارة حيداب اليهودية في شمال العراق، توما شماني.
[10] مركز يافا للدراسات والابحاث، القاهرة.
[11] يهود العراق سابقا وحاليا، حسقيل قوجمان.
[12] المصدر السابق.
[13] يهود العراق جسر المطامع الإسرائيلية، خالد عويس.
[14] المصدر السابق.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أيمن الشعبان
  • من أقوال السلف
  • مقالات
  • ما صح وما لم يصح
  • فلسطينيات
  • تأملات قرآنية
  • المسلم في بلاد الغربة
  • رمضانيات
  • الصفحة الرئيسية