صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التكافل في العهد النبوي

أحمد بن مانع بن حماد الجهني
@abo_abdalmlk

 
بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } { يا أيها الذين آمنوا اتقو الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما }.
موضوع التكافل في عهد الصحابة مرتبط ارتباطا وثيقا بالرسول صلى الله عليه وسلم , والمواقف والروايات في هذا الموضوع ستكون مرتبطة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم بشكل كبير . عملي في البحث قمت بتعريف معنى التكافل في لغة العرب ثم مهدت للموضوع ثم أجملت وسائل هذا التكافل في هذا المجتمع الأفضل على مر العصور السابقة واللاحقة , ثم سقت الروايات والمواقف الصحيحة الثابتة التي تصب في موضوع التكافل في مجتمع الصحابة. والله اسأل أن يغفر لي الزلل ويرحمني .

التكافل في لغة العرب :
مأخوذ من كفَّلَ وكَفَلَ والكافِلُ: الذي يَكْفُلُ إنساناً يَعُوله ويُنْفِقُ عليه. وفي الحديث: «الرَّبيبُ كافلٌ» ، وهو زَوْجُ أُمِّ اليتيم. وقوله عزّ اسمه: {وكفلها زكريا}، أي: هو كَفَل مَرْيَمَ ليُنْفِقَ عليها، حيثُ ساهموا على نفقتها حين مات أبواها فبَقِيَتْ بلا كافل . ومن قرأ بالتَّثقيل فمعناه: كَفَّلها الله زكريّا. قال ابن الأَنباري فـي قولهم قد (تكفَّلت) بالشيء: معناه قد أَلزمته نفسي وأَزْلت عنه الضَّيْعَة والذهابَ.

تمهيد :
التكافل : كفالة متبادلة بين أكثر من طرف . أما معناه فيشير إلى تعاون متبادل داخل المجتمع المسلم .
وقد جاءت أدلة شرعية كثيرة تؤصل لهذا التكافل وتدل على أهميته كقوله تعالى : (إنما المؤمنون إخوة ) وقوله تعالى : (وتعاونوا على البر والتقوى ) وقوله تعالى : ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )
وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ، ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج اللَّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره اللَّه يوم القيامة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وقوله صىلى الله عليه وسلم : ( ان المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )
فإذا تم تطبيق هذا التكافل ينتج عنه تماسك المجتمع , وينمو الشعور بالانتماء لذلك المجتمع ويحس الأفراد بالاطمئنان على مستقبلهم ومستقبل أولادهم ونحصل على توزيع أفضل للدخل والثروة داخل المجتمع .

وسائل التكافل في مجتمع الصحابة :
إن هذه الوسائل تحتاج إلى دافع إيمانيا بالدرجة الأولى ولهذا تجد ان الصحابة هم أكثر القرون تمسكا بهذه الوسائل لأن إيمانهم مستمد من إيمان النبي صلى الله عليه وسلم . والعكس صحيح ترى في هذه الأزمان الغابرة قلة الإيمان وبالتالي قلة المتمسكين بفريضة الزكاة رغم وجوبها ومن باب أولى قلة المتصدقين والله المستعان .
ومن هذه الوسائل بإجمال : الزكاة , صدقات التطوع , القرض الحسن , النفقات الواجبة للأولاد والزوجة الأقارب , الكفارات , ضمان الدولة أو بيت المال لحد الكفاية , الأضحية , العارية .

الروايات والمواقف الواردة في مجتمع الصحابة رضي الله عنهم :
عن عائشة أيضاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: جاءتني مسكينة بحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: (إن اللَّه قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وعن أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: قلت يا رَسُول اللَّهِ هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني فقال: (نعم لك أجر ما أنفقت عليهم) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: يا رَسُول اللَّهِ إن اللَّه تعالى أنزل عليك: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند اللَّه تعالى، فضعها يا رَسُول اللَّهِ حيث أراك اللَّه. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (بخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقال أبو طلحة: أفعل يا رَسُول اللَّهِ. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (مال رابح) روي في الصحيحين (رابح) و (رايح) بالباء الموحدة وبالياء المثناة، أي: رايح عليك نفعه.
ذكر الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في حاشيته اللطيفة على كتاب رياض الصالحين : (بيرحاء) اسم نخل واسم بئر كانت فيه (مستقبلة المسجد ) بحيث اذا قمت هناك تستقبل المسجد النبوي وكانت البئر في جهة شمال المسجد , وقد دخلت الآن في المسجد النبوي في التوسعة الجديدة . قريبا من الباب الرئيس من الشمال .
وعن أبي ذر قال: إن خليلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أوصاني (إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف).صحيح مسلم كتاب البر والصلة .
وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ) ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين! والله لأرمين بها بين أكتافكم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. روي (خشبه) بالإضافة والجمع. وروي: (خشبة) بالتنوين على الإفراد.
وقوله: ما لي أراكم عنها معرضين: نعني عن هذه السنة.
وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فاستفتيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي قال: نعم صلي أمك مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وقولها (راغبة) أي طامعة فيما عندي تسألني شيئاً. قيل: كانت أمها من النسب. وقيل: من الرضاعة. والصحيح الأول.
وعن زينب الثقفية امرأة عبد اللَّه بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعنها قالت قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن) قالت: فرجعت إلى عبد اللَّه بن مسعود فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم. فقال عبد اللَّه: بل ائتيه أنت. فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حاجتي حاجتها، وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبره من نحن. فدخل بلال على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فسأله فقال له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (من هما ) قال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أي الزيانب هي ) قال: امرأة عبد اللَّه. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قائمة المراجع :
صحيح البخاري
صحيح مسلم
تاج العروس - للزبيدي رحمه الله
العين – الخليل الفراهيدي رحمه الله
رياض الصالحين – الإمام أبي زكريا النووي رحمه الله
النظام الاقتصادي في الإسلام – مجموعة من أساتذة جامعة الملك سعود .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أحمد مانع الجهني
  • بحوث علمية
  • مقالات
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية