بسم الله الرحمن الرحيم

مع القافلة المباركة يا شيخ المجاهدين!


للمخلوقات في هذه الحياة الأرضية الدنيا غايات، ولها للوصول إلى غاياتها وسائل:

فهناك مخلوقات لم يمنحها الله تعالى عقلا يكلفها على أساسه أوامره ونواهيه، بل منحها غرائز تهتدي بها إلى تعاطي ما تستمر به حياتها المحدودة بدون اختيار منها، من أكل وشرب وتناسل وحركة وسكون...

وهناك مخلوقات منحها الله تعالى عقلا وكلفها على أساسه أوامره ونواهيه، أي عبادته سبحانه، وجعلها فيما كلفها إياه محتارة في طاعته معصيته، ولو شاء أن يجعلها تطيعه اضطرارا كما جعل الجمادات والحيوانات غير ذات العقل كذلك لفعل، لأنه على كل شيء قدير...

ولإظهار كمال قدرته جعل أهل العقول مضطرين في بعض جوانبهم ليس لهم فيها اختيار، فهو تعالى يخلقهم كما يشاء، في أي مكان شاء، وبأي صفات شاء ، فيخلق هذا طويلا، ويخلق ذلك قصيرا، ويجعل لون هذا أبيض ولون ذلك أسود، ويمرض هذا ويعافي هذا ويطيل عمر هذا ويقصر عمر الآخر، ويجعلهم جميعا يتنفسون ويجوعون ويعطشون بدون احتيار منهم، بل يجعل أجزاء أجسامهم تؤدي وظائفها دون أن يكون لهم في ذلك اختيار...

فهم كالحيوانات في اضطرارهم في ذلك كله... بخلاف الطاعة في الأمر والنهي، فقد منحهم حرية الاختيار لينال كل منهم جزاءه على ما فعل اختيارا لا إكراها.

قال تعالى:﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس(99)]

﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة (256)]

﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف (29)]

وليس معنى هذا أن الله تعالى أذن للناس إذنا شرعيا في أن يختاروا الهدى أو الضلال، لأنه كلفهم شرعا اختيار طاعته وترك معصيته، وإنما قرر تعالى الواقع، وهو أن الإيمان لا يكون إلا عن اختيار ممن كُلِّفَه، وأنه لو أراد أحد إكراه أحد على الإيمان لم يستطع ذلك، لأن المكره قد يعلن إيمانه بلسانه، وهو في الواقع منطو على الكفر، ونتيجة ذلك هو النفاق لا الإسلام، ولذا ذكر المفسرون أن الأمر في قوله تعالى: ﴿فمن شاء فليؤمن﴾ في معنى التهديد.

فال المفسر الكلبي رحمه الله: "﴿فمن شاء فليؤمن﴾ لفظه أمر وتخيير، ومعناه أن الحق قد ظهر، فليختر كل إنسان لنفسه إما الحق الذي ينجيه أو الباطل الذي يهلكه، ففي ضمن ذلك تهديد" [الكلبي التسهيل لعلوم التنزيل (2/187)]

وأهل العقول في هذا التكليف قسمان:

القسم الأول: اختار طاعة الله تعالى والاهتداء بهداه، وقادة هذا القسم هم أنبياء الله ورسله، وصفوة أتباعهم الذين آمنوا بما جاؤوا به من عند ربهم، فعلموه فقها، وطبقوه في أنفسهم عملا، ونقلوه إلى الناس دعوة وتعليما، ودفعوا عنه وعن أهله عدوان طغاة المعتدين إعدادا وجهادا.

وهذا القسم هم صراط الله المستقيم، ركب القافلة المباركة الذين أنعم الله تعالى عليهم من عباده، وقال فيه:
﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقا﴾ [النساءً (69)]

هؤلاء هم الذين قوي إيمانهم حتى بلغ اليقين، فترتب عليه القيام بحق الله وحق عباده، فكانوا حقا هم عباد الله المتقين، واشتد صبرهم حتى بلغ المصابرة، فنالوا بذلك فضل الإمامة وهداية العالَمِين، كما قال تعالى عنهم في كتابه المبين:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء (73)]
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة (24)]

ونحسب – ولا نزكي على الله أحدا - أن مربي المجاهدين في الأرض المباركة أرض الشام وفلسطين، وقدوة هذه الأمة في الصبر والمصابرة واليقين، وقاهر اليهود وأعوانهم من الصليبيين والمنافقين، الشيخ المقعد جسدا، المقارع عقلا وفقها ورأيا وجهادا، الشيخ أحمد ياسين، من هذه القافلة المباركة والركب الميمون...

ولقد رأينا شيئا يسيرا من حب هذه الأمة لهذا المجاهد العظيم، مما نقلته لنا وسائل الإعلام بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، رأينا جماهير هذه الأمة وقد خرج رجالها ونساؤها، شيوخها وأطفالها، مظهرة حبها الشديد لقائد جهاد ها، وهي تهنئه وتهنئ أسرته والعالم الإسلامي كله باصطفاء الله له شهيدا، بعد أن أدى صلاة الفجر في المسجد ولهج بذكر الله من آياته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإنا لنأمل أن يكون هو وأبناؤه المجاهدون، ممن قال الله تعالى فيهم:
﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب (23)]

وإننا لنتفاءل بحب هذه الأمة لهذا المجاهد العظيم، أن يكون ناشئا عن حب الله تعالى له، ووضع حبه في قلوب عباده.

فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله إذا أحب عبدا، دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحبه.
قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه. فيحبه أهل السماء.قال ثم يوضع له القبول في الأرض.
وإذا أبغض عبدا، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه.قال فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض)
[صحيح مسلم برقم (2637)]

وإن الله تعالى ليعمي أبصار أعدائه من اليهود والصليبيين والمنافقين، فيسفكون دماء قادة أوليائه المجاهدين، ظنا منهم أن في قتلهم إضعافا لمعنويات رجال الجهاد، ولم يعلموا أن كل قطرة دم تحي في كل مسلم ومسلمة روح الجهاد والتضحية، فيتضاعف عدد المجاهدين أكثر من مضاعفة صدقة المتصدقين المخلصين، الذين قال تعالى في شأنهم:

﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة(261)]

بل إن دماء المجاهدين لتنبت بإذن الله مجاهدين يخرجون لتوهم من أرحام أمهاتهم، ولهذا سمعنا بالأمس القريب عددا من نساء مؤمنات سمين أطفالهن المولودين "أحمد ياسين" وقلن أمام الملأ في الفضائيات: لم يمت أحمد ياسين، فأولادنا كلهم أحمد ياسين.

ولعل قاتل من أحبه الله وحببه، إلى عباده وجعل له القبول في الأرض، لعل هذا القاتل لا ينام إلا في رعب من الكوابيس المزعجة، إذ يريه الله تعالى الشيخ المجاهد أخمد ياسين، وقد جاءه محاطا بأبنائه الشهداء الذين سبقوه ومن سيلحق بهم من إخوانهم، يطلقون عليه وعلى شلته المعتدين وابلا من صواريخ القسام، ويخربون بأحزمتهم المتفجرة قصورهم الشاهقة وجدرانهم الممتدة، تصديقا لقول الله تعالى:

﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ [الإسراء(7)]

فيصحو من كوابيسه على إعلان دوي انفجارات أبناء الشهيد أحمد ياسين، في تل أبيب وحيفا ويافا والقدس الغربية، وقد سالت بها أنهار من دماء جنوده بجوار قصوره وجدرانه التي لا يقاتل قومه إلا من ورائها، كما قال تعالى عنهم:
﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر(14)]

وإنا لننتظر من الله تعالى أن يوفقنا لتغيير ما بأنفسنا إلى ما يحبه ويرضاه، ليغير ما بنا من ذلة وهوان على الناس، إلى عزه ونصره لنا الذي وعدنا به على عدونا:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد (7)]

أما القسم الثاني ممن منحهم الله عقولا وكلفهم طاعته اختيارا، فهم الذين استحبوا العمى على الهدى، فاتبعوا الشيطان وأهواءهم، وعصوا الله ورسله، وعاثوا في الأرض فسادا...

ولهذا جعلهم الله تعالى أشد ضلالا من الحيوان، مثل هؤلاء اليهود المعتدين ومن شايعهم من الصليبيين والمنافقين، فقال تعالى عنهم:

﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ﴾ [الفرقان]

ولهذا يحشر من اتبعوا أهواءهم وعبدوا غير الله يوم القيامة مع أمثالهم ومعبوديهم ويؤمر بهم جميعا إلى النار، كما قال تعالى:
﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)﴾ [الصافات]

وقال تعالى: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾ [مريم (86)]

تذكير وإنذار
لقد ذكرنا وأنذرنا قومنا بأخطار وجود هذا السرطان القاتل في قلب الأمة الإسلامية، هذه الشرذمة اليهودية التي اجتمعت من آفاق الأرض، لتغتصب الأرض وتفسد فيها، وتقتل أهلها وتخرب بيوتهم وتخرجهم منها، وتسيطر على أقدس بقعة وجدت على ظهر الأرض، وهي أرض الرسالات التي ختم الله رسله فيها برسالة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

يظاهرهم علينا قادة الصليبية المعاصرة، وعلى رأسهم تلاميذ الصهيونية في الإدارة الأمريكية...

لقد أنذرنا وذكرنا قومنا، وبخاصة زعماء الشعوب الإسلامية، وبالأخص زعماء الدول العربية، أن هذا السرطان اليهودي هو أصل الشرور ومنبع الإجرام، وسوف لا يأمن المسلمون في كل أقطار الدنيا ما بقي هذا السرطان بدون استئصال.

وإن استئصاله لا يكون بصلح ولا هدنة، وإن كانا جائزين شرعا عند الحاجة، ولا معاهدات، فلا عهود مرعية ولا مواثيق محترمة عند اليهود، لا مع الله ولا مع أنبيائه ولا مع أي أمة من عباده.

وفي كتاب الله وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي تاريخ اليهود في كل عصر ومصر برهان على خداعهم ونقضهم للعهود والمواثيق...

وهذا من أهم الأسباب التي جعلت دول الغرب في أوربا وأمريكا وغيرهما، يجمعون أمرهم على تشجيع اليهود على ترك البلدان الغربية التي ما حلوا في بلد منها إلا أفسدوا فيها، ودمروا اقتصادها، وفرقوا بين أهلها، وساعدوهم توطينهم في الأرض المباركة، ليكونوا قاعدة للإفساد في المنطقة، والسيطرة عليها...

أقول: لقد ذكرنا وأنذرنا قومنا وحذرناهم من خطر هذا السرطان، وأن استئصاله من أوجب الواجبات على هذه الأمة.

وإن من حق قائد جهاد هذه الأمة الشيخ أحمد ياسين أن نكرر التذكير والإنذار كما كان يكرره رحمه الله، وينادي زعماء الشعوب الإسلامية وبخاصة زعماء الدول العربية، بأن يؤيدوا جهاد الشعب الفلسطيني الذي ظل ما يقارب مئة عام يقف أمام المعتدين اليهود ومن يظاهرهم من دول الكفر، مع الفارق الكبير بينه وبين عدوه في القوة المادية...

وآخر نداء له إلى زعماء الدول العربية ما كتبه قبل وفاته، ونشرته وسائل الإعلام بعد وفاته... وهو يخشى أن يستجيب هؤلاء الزعماء لرغبة اليهود والأمريكان باعتبار الجهاد الفلسطيني إرهابا يجب أن يحاربوه كما يحاربوه اليهود والأمريكان...

فهل من مُدَّكِر؟!
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ