بسم الله الرحمن الرحيم

حافظوا على احترام الخطوط السعودية ومرافقها


لقد تمتعت الخطوط السعودية بسمعة طيبة في العالم، من حيث انتظام رحلاتها وخدمتها و سلامة ركابها، والتزامها ببعض المبادئ والأخلاق التي يفقدها كثير من خطوط البلدان العربية والإسلامية...

من ذلك على سبيل المثال: الحظر الكامل لشرب المسكرات.

ومنها: لباس المضيفات الساتر الذي يندر وجوده في الخطوط العالمية.

ومنها: توفير تسجيلات القرآن الكريم التي يتمتع بها المسافر المحب لكتاب الله.

ومنها: تنبيه الركاب على دخول أوقات الصلوات، وتخصيص مصليات في بعض الطائرات، وتعيين جهة القبلة ...

ومن ذلك إصدار نظام حظر التدخين على رحلاتها الداخلية ثم الخارجية... ثم في مباني مطاراتها، وإن سبقها في ذلك غيرها من الخطوط العالمية...

والمطلوب من الخطوط السعودية المزيد من التقدم المادي والمعنوي، لتحقق به أمرين رئيسين:

الأمر الأول: المنافسة المشروعة لغيرها من شركات الخطوط العالمية التي تضمن لها مزيدا من القوة والتنمية وجذب المسافرين في كل بلد تصل إليه من بلدان العالم...

الأمر الثاني: المحافظة على تطبيق أنظمتها وتطبيقها في الواقع وعدم التساهل في ذلك، لأن النظام الذي لا يتابع بالتطبيق والتنفيذ وبعقاب من يتعمد مخالفته، لا يحترم بل يسخر منه المنفذ والمخالف...

وهذا الأمر هو هدفي من كتابة هذا الموضوع:

لقد قمت بأول رحلة طويلة على طائرة سعودية، من جدة إلى لندن في طريقي إلى رحلة عالمية درت فيها حول الكرة الأرضية، يوم السبت: 19/7/1398هـ ـ 24/6/1978م أي قبل 27 سنة من الآن، وكنت شديد الكراهية لرؤية من يدخن ولو كان بعيد عني، لسببين:

السبب الأول: اعتقادي حرمته بناء على فتاوى العلماء، ومنهم شيخي العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله الذي رافقته طالبا وموظفا، من السنة الثانية لافتتاح الجامعة الإسلامية، إلى أن غادرها إلى وظيفته الجديدة في الرياض: "الرئيس العالم لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد"
وكان رحمه الله يقول: إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم منع آكل الثوم والبصل – وهما مباحان في الأصل - من حضور صلاة الجماعة في المسجد، اتقاء لإيذاء المصلين ومن يحضر المساجد من الملائكة، فإن التدخين أشد إيذاء للناس في المسجد وخارج المسجد، إضافة إلى ما فيه من الأضرار الجسمية...

السبب الثاني: ما سمعته وقرأته من تحذيرات الأطباء وتقارير منظمة الصحة العالمية من أضرار التدخين، التي تكون سببا لوفاة عدد كبير من متعاطي التدخين في العالم كل عام، ومعانات أضعاف مضاعفة منهم من تلك الأمراض بقية أعمارهم، والتي يكفي العاقل منها قراءة فهرس الأمراض والأضرار الناشئة من تناول هذه المادة السامة البغيضة...

في هذه الرحلة الطويلة نسبيا التي استغرقت أكثر من ست ساعات، عاقبني التدخين عقاب العدو لعدوه، فقد كانت الطائرة مَدخَنة في الجو الذي لا يتيح الهرب لمن أراده!

فقد كانت المقاعد التي يمنع فيها التدخين محدودة جدا، حيث يجد أصحاب هذه المقاعد أنفسهم محاطين بالمدخنين من جهتين أو ثلاث جهات، بل إن بعض الركاب يتجرأ على التدخين في مقعد يمنع فيه التدخين..

ويكفي لمعرفة تلك المحنة أنني عندما غادرت الطائرة في مطار هثرو، كنت أشعر برائحة التدخين تتصاعد في نَفَسي، فضلا عن ثيابي...

وكم تمنيت بعد تلك الرحلة أن تَعدِل الخطوط السعودية بين الركاب، فتساوي بين المدخنين وغير المدخنين بتساوي مقاعدهم، ليخف ضرر المرضى على الأصحاء، كما تمنيت أن يطبق المضيفون الذين - كانوا يجاملون المدخنين - النظام فلا يتيحون للمدخنين التدخين في مكان منعه!

ثم تكررت رحلاتي الأشد طولا على الخطوط السعودية، إلى جاكرتا، ومانيلا، وكوالا لمبور، وسنغافورة، ونيويورك، ومن سول عاصمة كوريا إلى جدة، ومن تايوان إلى جدة، وهكذا، وفي كل تلك الرحلات كنت مدخنا ولو لم أتناول التدخين مباشرة...

وكنت كتبت في بعض رحلاتي بعض المقترحات المتعلقة بما ينبغي أن تنفذه الخطوط السعودية لركابها في أسفارهم، وأهم تلك الاقتراحات ما يأتي:

الاقتراح الأول: إيجاد مكان خاص يتناوب فيه المصلون معزولا عن ممرات الركاب والمضيفين، ليؤدوا صلاتهم كاملة الأركان من القيام والركوع والسجود والقعود، في خشوع واطمئنان، ويتاح للمضيفين والركاب الحركة المعتادة في الممرات...

الاقتراح الثاني: تنبيه الركاب بدخول أوقات الصلاة، بأذان مسجل كما حصل في تسجيل القرآن الكريم.

الاقتراح الثالث: إيجاد مؤشر للقبلة حتى يتمكن المصلون من الاتجاه إلى القبلة عند الإمكان.

الاقتراح الرابع: تخصيص مقاعد قليلة في آخر الطائرة لمرضى التدخين، إذا لم يمنع التدخين مطلقا، يقصدها المدخنون بالتناوب، كما هو شأن الركاب في قضاء حاجاتهم في دورات المياه، حتى لا يؤذي المرضى اختيارا الأصحاء اضطرارا.

وتكررت تلك الاقتراحات وأذكر أنني بعثت بها إلى بعض الجرائد السعودية، ولكني لم اعثر على نشرها...

الاقتراح الخامس: إلزام المضيفات بلباس محتشم يليق بالخطوط السعودية، وكان كثير من الركاب يضيقون ذرعا بما يرونه من تبرج يخالف أخلاق الإسلام وآدابه.

وقد جمعتني إحدى الرحلات بمسافر جاورني في الدرجة الأولى له قرابة بطيار سعودي، فاغتنمت الفرصة وذكرت له تلك الاقتراحات، فوعد بنقلها إلى قريبه الذي يقوم برحلات طويلة وهو شاب ملتزم يكره التدخين كراهة شديدة...

وأكاد أجزم أن كثيرا من المسافرين على الخطوط السعودية، قد تقدموا للخطوط السعودية بمثل هذه الاقتراحات أو بعضها، مما جعل السعودية تخطو خطوات متدرجة لتنفيذ غالب تلك الاقتراحات، إضافة سَبْق كثير من الخطوط العالمية في منع التدخين على رحلاتها الداخلية والخارجية...

وقد سر المسافرين إيجادُ مصليات مستقلة في بعض الطائرات الجديدة، وتوفير آلة القبلة التي تضئ في أوقات الصلاة، وإشعار المسافرين بدخول أوقات الصلوات... واللباس المحتشم للمضيفات... ومنع التدخين في الرحلات الداخلية ثم الخارجية... كما سرهم أن يسمعوا الأذان في قاعات المطارات السعودية ومصليات تقام فيها صلوات الجماعة في جميع الأوقات،ولم يكن ذلك موجودا في السابق.

هذه الأمور كلها كان كثير من المسافرين يرغبون في تنفيذها...

ختامه مسك يفسده التدخين!

ولقد أحسنت الخطوط السعودية صنعا، عندما أضافت إلى إصدار حظر التدخين مباني المطارات السعودية، وهو معمول به منذ زمن طويل في مباني مطارات بلدان كثيرة في الغرب وفي الشرق، وهو من الأنظمة الواجب تنفيذها على الحكومات، لما فيها من حفظ النفوس التي هي من ضرورات الحياة التي اتفقت على وجوب حفظها جميع الشرائع والقوانين الدولية...

ولكن إصدار الأنظمة على الورق لا يكفي، فكم من الأنظمة النافعة تصدرها الدول والمؤسسات، ويُحتَفى بها شعبيا ورسميا، ثم تُقبَر في ملفاتها ويخالفها كثير ممن يجب عليهم متابعة تنفيذها، فيكونون بذلك قدوة سيئة لجماهير الناس!

وهذا مع الأسف الشديد ما نراه في مباني مطاراتنا، حيث يقف المدخنون الفوضويون تحت رمز "ممنوع التدخين" متحدين للرمز ولمن وضعه...

والأشد أسفا أن يُرى بعض رجال الأمن وبعض موظفي الخطوط بزيهما الرسمي، وهم يدخنون تحت ذلك الرمز.

ولقد اقتربت ذات يوم في بهو انتظار المسافرين من رجلين من هاتين الفئتين، [رجل أمن وموظف خطوط] وهما يتحدثان ويدخنان قرب ذلك الرمز، فقلت لهما بهدوء: أليس التدخين ممنوعا في مباني المطارات؟ وأشرت لهما إلى الرمز، فاستحى موظف الخطوط ورمى سجارته في علبة القمامة، ونظر إلي رجل الأمن نظرة استعلاء واستكبار والتقم سجارته لاويا عنقه نافخا سمه في الهواء... فلم أزد على أن قلت له: الذنب ليس ذنبك، وإنما هو ذنب المسئولين عن متابعة تنفيذ النظام المدفون في ملفاته!

وإني بهذه المناسبة أوجه نداء يتردد في صدور كثير من الحريصين على سمعة بلادنا الحبيبة بلاد الحرمين وقبلة المسلمين، وهو أن الناس مضطرون للبقاء في الأماكن العامة والمواصلات العامة والإدارات العامة، لأن قضاء حاجاتهم لا يتم إلا بارتياد تلك المرافق والبقاء فيها فترات طويلة أو قصيرة، وبأعداد كثيرة، وليس لأحد منهم سلطة يمنع بها عن نفسه الضرر الذي يجب منعه على الجهات الرسمية.

ونحن نعلم أن الجهات الرسمية لو علمت أنه يوجد مريض من مرضى الإيدز في مبنى مطار أو في حي من أحياء أي مدينة أو قرية أو في إدارة من الإدارات، لشنت حملة شديدة بتكوين فرق صحية وأمنية لمتابعة المريض وعزله عن الجمهور.

ولو عَلِمَتْ بحرامي يريد سرقة أموال الناس في أي مكان، أو بمجرم يحمل سلاحا ليعتدي على خصم له، لرأيتَ حملات التفتيش تنتشر في كل مكان يظن وجود الخطر فيه، وسمعتَ أبواق سيارات النجدة تصم الآذان، لأن إرادة تطبيق النظام هنا جادة، والجد هو الذي يحمي النظام ويحقق تطبيقه، والتدخين لا يقل خطرا عن الأمراض المعدية والعدوان على الناس وأموالهم.

ولا بأس أن أضرب مثالا قريب العهد جدا، وهو ربط السائق حزام المقعد في سيارته، فكم من المقالات نشرت في الصحف؟ وكم من النصائح أذيعت في الراديو والتلفاز؟ ومع ذلك بقيت أحزمة المقاعد كما وضعها صانعها في مكانها، لم يحركها السائقون إلا النادر ممن يحرصون على النظام لتحقيق مصالحهم.

وعندما اتجهت الجهات الرسمية إلى تطبيق النظام وتابعت المخالفين ونفذت على المخالفين العقوبات، أصبح العجوز البدوي يربط حزامه كالمثقف...

لهذا يجب على المسئولين عن تطبيق نظام التدخين المتابعة المستمرة لحظره، ومعاقبة المخالفين، الذين يسخرون من الأنظمة النافعة.

ولقد رأيت بعض المسافرين غير السعوديين ينظرون إلى المدخنين، ويتهامسون في مباني مطاراتنا، ساخرين من الرموز التي يخالفها أهلها...

وما كتبت هذا المقال إلا حرصا مني على محافظة خطوطنا على احترامها وسمعتها الطيبة بتطبيق نظام حظر التدخين، وكذلك صيانة مرافقها التي تحتاج إلى مقال خاص أيضا...

وأقترح لتطبيق نظام حظر التدخين في مباني المطارات الإكثار من اللوحات التي يكتب فيها رمز ممنوع التدخين، بحيث لا ينظر المسافر إلي جهة إلا وجدها أمامه، ثم القيام بحملة في وسائل الإعلام تحذر من التدخين في تلك المباني، وإصدار بيان يوضح فيه العقوبات لمن يخالف، وينبغي أن تكون العقوبة رادعة.

وإتباع ذلك بمراقبين ينتشرون في مباني المطارات لمدة لا تقل عن شهرين يمنعون المدخنين ويحذرونهم من تكرار ذلك... يلي ذلك تنفيذ العقوبات..

وينبغي أن يعمم ذلك في جميع الإدارات الحكومية والمستشفيات وغيرها من الشركات كالنقل البري والبحري وسيارات الأجرة في المدن والطرق الطويلة.

فهل سنرى نورا لتنفيذ هذا النظام الجدير بالإشادة؟ نرجو ذلك.
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ