بسم الله الرحمن الرحيم

طريق وعرة، ونتائج خطرة
25/4/1425هـ ـ 13/6/2004م


سبق نشر موضوع بعنوان: "خداع الأعداء و مواقف الأذكياء!"
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/97.htm
ويبدو مما خطط له المعتدون من اليهود والصليبيين من قادة الصهاينة الأمريكان، أنهم قد نفذوا مرحلة من مراحل خداعهم، وهي تنصيب حكومة معينة من قبل المحتل واقعا، مع اتخاذ الأمم المتحدة واجهة ومُحَلِّلاً، ولهذا صرح قادة العدو المحتل مرارا ولا زالوا يصرحون، أن مندوب الأمم المتحدة هو الذي رتب تكوين "الحكومة الانتقالية" بعد مشاورات مع الشعب العراقي، في شماله ووسطه وجنوبه.

وقد أنطق الله هذا المندوب بالصدق على استحياء، حينما حاصرته وسائل الإعلام، فصرح بأن الحاكم الفعلي الأمريكي للعراق، هو الذي يحل ويربط وأن أوامره هي التي تنفذ في حقيقة الأمر، ووصفه بالدكتاتور!

ومعلوم أن لأمريكا عملاء قدامى من جميع بلدان العالم ومنها العراق، هؤلاء العملاء يظهرون بمظهر المعارضين لأنظمة الحكم الظالمة في بلدانهم، ويصرحون في وسائل الإعلام بأن سبب معارضتهم، مقاومة الظلم والاستبداد والمطالبة بحق الشعوب المظلومة، من العدل والمساواة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي لعمر الله مطالب مشروعة تنشدها شعوب الأرض كلها، وبخاصة الشعوب الإسلامية ومنها العربية.
ويرفع رايتها رجال صادقون أحرار، ويدفعون ثمنها بأموالهم وأنفسهم وجاههم، مع نزاهتهم من تلطيخ سمعتهم بالعمالة لليهود وأعوانهم من الصليبيين الصهاينة، ويجب على الحكام أن يبادروا بتطبيقها من عند أنفسهم، لأنها من أسس وظيفة الحاكم التي لا يجوز أن يفرط فيها، فضلا عن أن يعاشر رعيته بأضدادها...
ولكن هذه الحقوق ـ مع خطرها ـ أصبحت لا فتة يرفعها كثير من الحكام مدعين أنهم أهلها، ويلوح بسيفها البتار دعاتها من زعماء الغرب من اليهود وأعوانهم الصليبيين، متذرعين بها لعدوانهم على الشعوب الإسلامية التي يتلكأ بعض حكامها في تنفيذ أوامرهم الظالمة، بغزوها والسيطرة عليها ونهب خيراتها.
ويختفي وراء تلك اللافتة خدم الاستخبارات الغربية وبخاصة [CIA] وفروعها، ليعيشوا من في ظلها، وكثير ممن يمنحون حق اللجوء السياسي في البلدان الغربية ومنها أمريكا من هذا الصنف، ويُعدون إعدادا خاصا في الدوائر السياسية والاستخبارية الأمريكية وحليفاتها، ويهيئون لهم من الإمكانات المادية والمعنوية، ما يظهرهم بمظهر الوطنيين الأبطال الذين يسعون لتخليص شعوبهم وتحريرها من طواغيت حكامها المستبدين، الذين ينالون من الأمريكان أنفسهم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لفترة معينة يحققون بهم فيها ما يطمعون في تحقيقه من أهداف.
ومن أمثلة ذلك دعمهم للنظام العراقي في حرب الخليج الأولى، لتدمير قوة البلدين المتحاربين: العراق وإيران، ثم إشعار هذا النظام بأن الفرصة متاحة أمامه لتحقيق طموحه بالسيطرة على بعض دول الجوار وثرواتها، وكان ذلك طُعما له أُعد سلفا ليقوم بحرب الخليج الثانية، التي تم فيها احتلال دولة الكويت.
وهدف الأمريكان من ذلك إحداث الرعب في قلوب حكام المنطقة وشعوبها، من هذا المارد الذي لا يمكن أن يقف أمامه لحمايتهم وإنقاذهم منه إلا القوات الأمريكية!
هذا مع العلم أن أمريكا كانت قد أعدت قواتها قبل حرب الخليج الأولى بفترة طويلة، للقضاء على الجيش العراقي القوي وأسلحته والعلماء المتخصصين في برامجه وصناعته، وغزو المنطقة والسيطرة علي منابع البترول، وتمكين اليهود من الهيمنة على أرض فلسطين والدول العربية.
ومما يدل على ذلك تدريب الفرقة الثانية والثمانين قبل الحربين الأولى والثانية بفترة طويلة، في صحراء نيفادا، استعدادا للحرب في الصحراء العربية، وقد كان لهذه الفرقة شأنها في حرب الخليج الثانية والثالثة، وقد صدرت دراسات عن هذا الإعداد والتدريب، ومنها دراسة خاصة بهذه الفرقة...
وقد صرح زعماء أمريكا أن منطقة الخليج تعتبر من المناطق الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، مثل أوربا الغربية واليابان والمكسيك.

والمناطق الحيوية هي التي يحرصون على بقائها تحت سيطرتهم، كبقاء أهم الولايات الأمريكية الخطيرة جزءًا من أمريكا.
وقد صرح الرئيس الأمريكي "نيكسون" في كتابه: "الفرصة السانحة" الذي ألفه قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، بهذه المناطق الحيوية لأمريكا، ولم يزل زعماء أمريكا ولا يزالون يصرحون بخطر منطقة الخليج، وأنها من الخطوط الحمراء المحرم التفريط فيها...
وقصد "نيكسون" بـ"الفرصة السانحة" تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم، وسيطرتها الكاملة عليه وترتيبه ترتيبا جديدا، يجعله خاضعا خضوعا كاملا لهيمنتها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
ولم يكن الدعم المحدود الذي قدمته أمريكا للمجاهدين الأفغان ومن انضم إليهم من شباب الشعوب الإسلامية، إلا لحماية منطقة الخليج من اقتراب الاتحاد السوفييتي منها، وبقائها تحت السيطرة الأمريكية، بدليل ما قامت به أمريكا بعد طرد الاتحاد السوفييتي من أفغانستان ضد المجاهدين الأفغان، من بث نار العداوة والفرقة بينهم، بصفة مباشرة أو عن طريق العملاء، ثم إحلال الإسلام "العدو الأخضر" محل الشيوعية "العدو الأحمر" في الحرب الشرسة التي لم تماثلها الحرب ضد الشيوعية...
واتخذت أمريكا كل وسيلة لإعلان الحرب على هذا العدو القديم الجديد، وبانت حربها السافرة عليه وعلى أهله من إندونيسيا في الشرق، إلى نيجيريا في الغرب، وأهم أهداف هذه الحرب السيطرة على المنطقة العربية، وأساسها وأخطرها تمكين اليهود من السيطرة الكاملة على الأرض المباركة، وطرد الفلسطينيين منها، وإخضاع الدول العربية للدولة اليهودية...
وكان لهذه الحرب الأمريكية الظالمة أثرها في تأجيج مشاعر المسلمين وإيغار صدورهم، مما جعل بعض الجماعات تتخذ مواقف منفردة في أخذ الثأر من الدولة الظالمة، باسم الجهاد الذي يظهر أن اليهود والصليبيين اخترقوا القائمين به، ويسروا لهم السبل التي تمكنوا بها من تنفيذ ما قاموا به في نيويورك، إن صح أنهم هم الذين قاموا بذلك.
وما إخال المخططين لذلك الهجوم ونحوه والمسهلين لتنفيذه إلا اليهود، وفي كتاب "استئصال الإرهاب" لليهودي "نتنياهو" ما يغلب على ظني أنه كاف لدعم هذه الدعوى، ومن شك في ذلك فليقرأ الكتاب...

استقلال العراق وحريته.

فهل إعلان المحتلين الأمريكان واليهود، إعطاء الحكومة العراقية المؤقتة السيادة على بلادها، وأن قواتها المعتدية سوف لا تبقى إلا بطلب من تلك الحكومة صحيح؟
إن تصريحات القادة الحربيين الأمريكان، وعلى رأسهم زعيمهم الصهيوني في البيت الأبيض، تدل دلالة واضحة، بأن قواتهم ستبقى في العراق حتى تحقق أهدافها التي من أجلها أهلكت الحرث والنسل في العراق.
وأهداف أمريكا واليهود في المنطقة، أهداف دائمة وخطيرة وصعبة التحقيق في فترة قصيرة، كما مضت الإشارة إلى بعضها.
وبقاء جيشها في العراق حتى تحقق تلك الأهداف أمر لا يشك فيه إلا من يجهل تلك الأهداف ويجهل الخداع الأمريكي اليهودي، ولكن أمريكا تريد لهذا البقاء أن يكون مصبوغا بصبغة تظهره مشروعا.
وهو أن تُعين حكومةً عراقية تتفق معها على أن تطلب هذه الحكومة المعينة بقاء هذه القوات، بحجة أنها غير قادرة على حفظ الأمن الداخلي والخارجي، مع العلم أن الجيش العراقي العريق برجال أمنه ورجال دفاعه، جاهز للقيام بمهماته إذا أعيد للعمل.
وجيش العراق ورجال أمنه، هم الأمناء على بلادهم وليس الجيش المعتدي المحتل، وإذا كان يوجد في الجيش العراقي من تلطخت أياديه بدماء الشعب في عهد النظام السابق، فهم قلة لا يجوز تعميم حكمهم على مئات الآلاف من أبناء العراق...
إن القادة الأمريكان يريدون تدريب عدد قليل من الشرطة والجيش في العراق تحت إشرافهم، ليحققوا بهم أهدافهم من حيث يشعر المتدربون أولا يشعرون.

ومن أهم تلك الأهداف ما يأتي:
الهدف الأول: إعادة انتشار القوات الأمريكية، واختفاؤها من الشوارع والميادين في العراق، وتمركزها في قواعد معينة تهمها أكثر من غيرها، ومنها منابع البترول وأنابيب تدفقه، والمناطق الرسمية الحيوية :الإستراتيجية" مثل قصور الحكم التي سمتها "سفارة" مع تشديد الحماية في تلك القواعد...
الهدف الثاني: نشر الشرطة العراقية التي ستُحدد القواتُ الأمريكية عَدَدها وعُدتها وما تحمله وما لا تحمله من سلاح، لتضمن عدم قدرة هذه الشرطة على القيام بمهماتها استقلالا عن تلك القوات، لتبقى ـ في حقيقة الأمر ـ مرتبطة بالقوات المحتلة غير مستغنية عنها، وإن بدت في ظاهر الأمر تابعة لوزارتها، لتثبت بذلك أن الوقت لم يَحِن بعدُ لخروج هذه القوات من العراق، لأنه يترتب على خروجها حدوث فوضى وعد استقرار.
الهدف الثالث: إنشاء جيش هزيل تختار غالبَ قياداتِه وأفرادَه الولايات المتحدةُ في الواقع، وتحدد كذلك ما يملكه من السلاح، بحيث تضمن بذلك عدم قدرة هذا الجيش على حماية حدود العراق ومعابره مع الدول المجاورة، حتى يستمر معه التسلل غير النظامي، سواء في تهريب الممنوعات من الخارج إلى الداخل أم العكس، أو في دخول الفئات المناوئة للحكومة العراقية أو القوات الأمريكية، وهذه حجة أخرى يلزم منها بقاء هذه القوات...
الهدف الرابع: جعل الشرطة العراقية والجيش العراقي هدفا للهجوم الذي تقوم به الفئات المعارضة باسم المقاومة أو غيرها، بحيث يحصل الصدام والقتال بين الجيش والشرطة وبين هذه الفئات، مع نجاة القوات الأمريكية المنحازة إلى قواعدها من الهجمات والتفجيرات التي نالتها في السابق، ولا تتحرك من قواعدها إلا لنجدة القوات العراقية التي يظهر عجزها عن تثبيت الأمن بمفردها، وهذا كما مضى من أهم عوامل بقاء هذه القوات الأمريكية في العراق...

فهل سينال العراق استقلاله وحريته في وقت قريب؟
فهل سينال العراق استقلاله وحريته، مع وجود دواعي بقاء القوات المحتلة التي سيتغير اسمها، ويبقى معناها؟
فالاسم الجديد هو قوات الأمم المتحدة، بقيادة القوات الأمريكية، والمعنى هو المعنى الأول: وهو القوات الأمريكية المحتلة، والتسميات المخادعة سهلة، فقد سموا أم الخبائث "المشروبات الروحية" وسموا استعباد الشعوب: "التحرير" كما هو الشأن في العراق اليوم...
أسباب أخرى تجعل طريق الاستقلال والحرية طويلة وعرة
ثم إن هناك أسبابا أخرى كثيرة، تحول بين الشعب العراقي واستقلاله وحريته:
السبب الأول: استمرار الهجمات على الحكومة العراقية وأعضائها، سواء كانت هذه الحكومة مؤقتة كما هو الحال، أو دائمة بالترتيب الأمريكي اليهودي الجديد الذي ستتبعه انتخابات مصنوعة في الغالب صناعة أمريكية يهودية ماكرة، لأن المهاجمين لا يرضون بحكومات مصنوعة على عين الأجنبي المحتل، مهما سمى نفسه...
السبب الثاني: الصراعات الطائفية التي يحاول زعماؤها إخفاءها، وهي صراعات متأصلة قديما وحديثا، وأظهرها الصراع الشيعي السني الذي يحاول زعماء كل من الطائفتين اليوم إخفاءه وإظهار الوئام والتعاون والمصالحة، ونحن نتمنى أن تكون هذه المحاولة صحيحة، ولكن التجارب تدل على خلاف ذلك، وفي معاملة الثورة الخمينية لأهل السنة في إيران، وفي استيلاء الشيعة على بعض مساجد السنة في جنوب العراق بعد الاحتلال الأمريكي، ما يشير إلى خطر الصراع...
السبب الثالث: الخلاف بين طوائف الشيعة أنفسهم، وهو ما نراه اليوم بين الصدر وأنصاره الذين أُهملوا في مجلس الحكم، وبين حزب الحكيم وأنصاره الذين كان لهم الحظ الأوفر فيه، وقد وجهت التهمة إلى الصدر باغتيال الزعيم الشيعي "الخوئي" ولكل أنصاره و جيشه وأسلحته ...
السبب الرابع: اختلاف أعراق السكان، من عرب وإيرانيين وأكراد وتركمان، بعض هذا الاختلاف ظاهر واضح اليوم، كما هو الحال بين الأكراد والعرب، وبعضه فيه خفاء كالعرب والإيرانيين.
فكثير من الشيعة هم إيرانيون وبعضهم لا يحملون الجنسية العراقية إلى الآن، وكل من الطرفين يعرف أصل الطرف الأخر، وعندما يبدأ اقتسام الغنائم الوظيفية والاقتصادية والسياسية، ستبرز النعرات العرقية التي تحاول لغة الدبلوماسية اليوم سترها...
السبب الخامس: الصراعات الحزبية، سواء كانت الأحزاب القائمة الآن، أو التي ستنشأ تحت مظلة الديمقراطية التي يَعِد الأمريكيون بها العراقيين، ومن المتوقع أن تعم الفوضى الشعب العراقي بكثرة هذه الأحزاب...
السبب السادس: التنافس القبلي العشائري، سواء كان هذا التنافس بين عشيرة وعشيرة، أو بين زعماء عشيرة واحدة، فالمعروف عن العرب كما قال ابن خلدون، أنهم لا ينصاع بعضهم لبعض إلا بصبغة دينية، تجمعهم وتبعدهم عن التفرق والأنانية...
ونحن نتمنى من تلك الطوائف والعرقيات والأحزاب والعشائر، أن تراعي مصالح الشعب العراقي العليا التي يفقدها بالاحتلال الأمريكي، فيجتمعوا على تحقيقها، ويراعوا المفاسد التي تصيب هذا الشعب بسبب الاحتلال، فيجتمعوا على دفعها ورفعها.
وعليهم أن يذكروا أنهم جميعا موجودون على أرض العراق، ولكل منهم الحق في العيش على هذه الأرض، مهما كانت أديانهم وعقائدهم، ولا يمكن لفريق منهم أن يزيل وجود فريق آخر ليبقى مستبدا في هذا البلد، فليتعايشوا وليتعاونوا على استئصال سرطان الاحتلال من أرضهم، فهل ستتحقق تمنياتنا؟ نرجو.
السبب السابع: تصادم المصالح الإقليمية، وبخاصة مصالح دول الجوار التي لها تاريخ طويل، قبل المشكلة العراقية، فلكل دولة مصالحها التي ستسعى جاهدة لتحقيق أكبر قدر منها، ضد مصالح الدول الأخرى، وقد تحصل تحالفات بين بعضها ضد بعضها الأخرى، ولكل منها من يؤيد مصالحها من الفئات العراقية السابق ذكرها.
ومعلوم ما تحدثه صراعات الدول الإقليمية على مصالحها في أي دولة مجاورة تَمَّ عَقْرُها، فهم يتصارعون عليها كما تتصارع الحيوانات الضارية على الفريسة، وفي الصراعات الإقليمية على الدولة الأفغانية التي استمرت أكثر من ربع قرن ولا زالت مستمرة إلى الآن عبرة لمن اعتبر.
السبب الثامن: الصراعات الدولية، وبخاصة الصراع الأمريكي الأوربي الروسي، فلكل دولة أو مجموعة دول متحالفة مصالحُ في العراق، وإذا كانت صراعاتها لا تصل إلى درجة الاقتتال، فإن لكل منها أساليبها ووسائلها الخاصة، دبلوماسية وسياسية واقتصادية واستخباراتية، وللشركات المتعددة الجنسيات في كل دولة طريقتها في الصراع، وستتجاوب بعض فئات الشعب العراقي مع هذه الدولة، وبعضها مع تلك...
السبب التاسع: الذهب الأسود الذي يكثر في مناطق من العراق ويقل في مناطق أخرى، وهذا السبب قد يكون أخطر من غيره، لأن كثيرا من الحروب التي حصلت بين دول المنطقة، كان سببها التنافس على قطعة من الأرض فيها مخزون من هذا الذهب، وليس لمجرد أميال فارغة من الصحاري، وإن كان الطمع في التوسع من أسباب تلك الحروب...
السبب العاشر: تداعي المغامرين من الشباب المقاتل من العالم كله، وبخاصة أولئك الذين لم يعودوا يجدون ملجأ في أي بلد من البلدان بسبب الحملة العالمية التي تقودها أمريكا عليهم، باسم محاربة الإرهاب، وقد شملت هذه الحملة من لا ناقة له في هذه التهمة ولا جمل.
والدليل على ذلك خروج كثير من المعتقلين في غوانتنامو بعد زمن غير قصير، وهم يحملون شهادة براءة من زبانية التعذيب الأمريكان، وقد رأوا أهوالا من الفتنة والتعذيب والإهانات فيهم وفي زملائهم الذين لا زال الأمريكان الظلمة يعاملونهم معاملة أصحاب الأخدود...
وقد شاهد العالم بعضا مما حصل للمعتقلين العراقيين في سجن "أبي غريب" وهم في بلدهم، فكيف أحوال مَن عزلتهم القوات المعتدية الظالمة في "غوانتنامو" وقد وقف بعض الأمريكان الذين أبت فطرهم ذلك الظلم، ضد تلك المعاملات السيئة الصادرة من دعاة التحرير والديمقراطية وحقوق الإنسان!
يضاف إلى ذلك الإهانات الأمريكية للمسلمين في عقر دارها، عند تمثال الحرية، حيث تعتقل الأبرياء وتزج بهم في السجون، وتبقيهم مدة طويلة بدون محاكمة، ثم إذا حوكموا ظهرت براءتهم...
ولا حاجة إلى تكرار ما قامت به أمريكا، من حرمان اليتامى والأرامل والفقراء في العالم كله، بغلق المؤسسات الخيرية التي كانوا ينالون منها رزقهم...
ولا حاجة لتكرار ما فعلته أمريكا ولا زالت تفعله ضد الشعب الفلسطيني الأعزل...
كل هذه الأمور جعلت الشباب المسلم الذي ظلمته أمريكا وظلمت أقرباءه وبلده وهدمت مساجده ومستشفياته، وقتلت شعوبه، يحاول أن يجد منفذا إلى العراق ليشفي غيظه، وهذا من الأسباب التي ستحول بين الشعب العراقي واستقلاله وحريته، لأن هذا الشباب مستعد للموت، والأمريكان سيحتجون بوجود المقاومة التي تسميها بـ"الإرهاب" الذي لا يمكن أن تخرج قواتها من العراق، مادام هذا الإرهاب موجودا فيه...
السبب العاشر: الإفساد الذي سيقوم به اليهود الحاقدون في الشعب العراقي، عن طريق الموساد وعملائهم من داخل البلاد وخارجها، وما إخال اليهود إلا وراء كثير من التفجيرات التي أصبحت تحصد أبناء العراق حصدا، ولا ينال القوات الأمريكية المحتلة منها إلا القليل، ومن القرائن التي يمكن أن يستدل بها على ذلك، عدم الكشف عن غالب المنفذين لتلك الهجمات، مع سيطرة القوات الأمريكية المحتلة ووجود جواسيسها من داخل البلاد وخارجها، هذا مع العلم أن الجيش الأمريكي لا يمكن أن يخلو من ضباط وجنود يهود، وقد يكون بعضهم من كبار قادة الجيش...

فهل ينتظر أن ينال العراق استقلاله مع وجود تلك الأهداف وهذه الأسباب أو بعضها؟ أقول: كلا.
بل أقول ما هو أعظم من ذلك: لو لم توجد هذه الأسباب التي ستتخذها أمريكا ذريعة لبقاء قواتها في العراق، لأوجدت مئات الأسباب لتحتج بها على ضرورة هذا البقاء الثقيل، وما ذلك إلا لمحاربة الإسلام بشتى الأساليب، ولدعم اليهود ضد شعوب المنطقة كلها، وللسيطرة على خيرات المنطقة...

ولهذا أقول: إن الطريق طويلة وعرة، والنتائج خطيرة مدمرة على الشعب العراقي وعلى القوات الأمريكية المحتلة، وعلى المنطقة العربية كلها!

فلا يركنَنَّ العراقيون إلى وعود الأمريكان لهم بالاستقلال والسيادة على بلدهم ما بقي جندي واحد بطريقة غير مشروعة، وما يظهر من موافقة الحكومات العراقية المؤقتة أو المنتخبة تحت مظلة القوات المحتلة، على بقاء القوات الأمريكية في العراق، لا يعتبر مشروعا، لأن إرادة الشعب الحقيقية تعتبر غائبة عن هذه الموافقة...

وبعدُ: فهل يقطع الشعب العراقي طمعه في الحرية والاستقلال وخروج القوات المعتدية من أرضه؟
أقول أيضا: كلا. لا يجوز أن يصيبه اليأس، فإنه: ﴿لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ (87)﴾ [يوسف] وإن كان في ذلك صعوبة، لما نرى من صراعات ظاهرة وخفية بين أبناء فئات الشعب العراقي، كغيره من الشعوب العربية.
ولكن هذا الشعب قادر بإذن الله على نيل حريته واستقلاله، وطرد أعدائه الذين استعبدوه باسم الحرية مرغمين، فسوف لا يخرج جيش العدو مختارا، وتاريخ المعتدين على شعوب العالم شاهد على ذلك:

كيف ذلك؟
لقد كتبت عشية سقوط بغداد موضوعا بعنوان: "وبقي العراق"
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/79.htm

والجواب باختصار في المخارج الآتية:
المخرج الأول: اتفاق العراقيين على أن القوات الأمريكية قوات مغتصبة ظالمة معتدية، يجب اتخاذ الأسباب المتاحة لإخراجها من العراق، فإذا لم يتم هذا الاتفاق، فلا مخرج، لأن المختلفين سيتصارعون فيما بينهم، فريق يرى هذا المخرج، وفريق آخر يرى بقاء ضده ...
المخرج الثاني: الاتفاق على اتخاذ مواقف موحدة يضطر معها المحتل إلى مغادرة البلاد، ونقل السيادة إلى أهلها حقيقة وليس دعوى وصورة.
ومن تلك المواقف المؤثرة: العصيان المدني للقوات الأمريكية، بعدم التعاون معها في كل ما تحتاج إلى التعاون فيه، من بيع وشراء، وعمل، سواء كان كبيرا أو حقيرا، فلا يعمل معهم عامل نظافة، ولا سائق سيارة، ولا وزير، بل يضرب الشعب كله إضرابا كاملا شاملا عن التعاون معهم.
وعندما يرون وجوه الشعب كلها عابسة ساخطة في وجوههم، من الصغير والكبير والغني والفقير، والخادم والوزير، سينزل في قلوبهم الرعب والوهن، واليأس من البقاء في العراق، وهذا لا يمنع من تفاوض أهل الحل والعقد معهم على ترتيب خروجهم من البلد.
ومن تلك المواقف المؤثرة: المظاهرات السلمية الحاشدة المتوالية من جميع أفراد الشعب، في جميع المدن والقرى والأحياء، يشترك فيها الكبار والصغار والنساء والرجال، ورفع اللافتات المعبرة عن كراهة القوة المعتدية المحتلة...
المخرج الثالث: التعاون المتاح مع المقاومة وعدم خذلانها، بالوقوف ضدها مع المحتل، لأن المقاومة مشروعة تدافع عن ضرورات حياة الشعب، والوقوف مع المحتل ظلم وخيانة لا يفعله حر أبي يحب وطنه ودينه وأمته.
وينبغي لرجال المقاومة أن يخصوا بمقاومتهم العدو المحتل، وأن يكفوا عن قتل أبناء شعبهم واغتيالهم، وأن لا يتعمدوا إفساد مرافق بلادهم من مبان وكهرباء وأنابيب بترول وغيرها، لأن في ذلك خسارة لهم وليس للقوات الأمريكية...
المخرج الرابع: إعادة رجال القوات العراقية، من رجال الأمن والجيش لتنظيم وترتيب الشئون الأمنية، من مرور وردع لذوي الإجرام أيا كان نوع إجرامهم، وحماية نفوس الناس وأعراضهم وأموالهم...
المخرج الخامس: كشف العملاء المتواطئين مع الأمريكان، في أي مستوى كانت عمالته، لا فرق بين خادم وضابط ووزير، والأخذ على أيديهم بالحكم الشرعي الذي يستحقونه ويردع أمثالهم من خيانة وطنهم.
وتطبيق هذا الحكم يجب أن يكون عن طريق أهل الحل والعقد، وليس عن طريق الأفراد، لما يحدثه تصرف الأفراد من فوضى ومن تسرع قد يكون فيه تجاوز للمشروع...
هذه هي المخارج المهمة للشعب العراقي من السيطرة الأمريكية اليهودية، وهي التي تتضمنها التوجيهات الربانية التي نزل بها القرآن الكريم.
وأساس تلك المخارج كلها، تقوى الله تعالى:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾ [الطلاق]
واجتماع الكلمة على الحق والاعتصام بكتابه وسنة رسوله:
﴿َاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)﴾ [آل عمران]
و البعد عن أسباب التنازع المؤدي إلى الفشل:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾ [الأنفال]
وأخذ عقلاء الأمة على أيدي سفهائها الذين يخرقون سفينتها ليغرقوها.
وقد حذر الله تعالى من ترك هؤلاء السفهاء يعيثون فسادا لا تقتصر آثاره عليهم، بل تعمهم وتعم من لا يأخذون على أيديهم:
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)﴾ [الأنفال]
كما حذر منهم رسوله صلى الله عليه وسلم:
(مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا.) [صحيح البخاري (2/882)]
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ