اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/ageel/5.htm?print_it=1

الفوائد من كتاب الصيام
من عمدة الأحكام
26حديثا وأكثر من 300 فائدة

عقيل بن سالم الشمري

 
كتاب الصيام

الحديث الأول
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ويومين ، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه "

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ جواز قول " رمضان " من غير ذكر الشهر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث " رمضان " وقد خالف في ذلك بعض السلف ، والحديث واضح الدلالة ، ولم يصح في النهي عن ذلك حديث .
2ـ الحديث نص في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين ، وهذا النهي على التحريم على الصحيح من أقوال العلماء ؛ لأن الأصل في النهي التحريم .
3ـ الحديث استثنى من هذا النهي الرجل الذي له عادة في الصيام : كصيام الاثنين والخميس ، أو ثلاثة أيام ، أو صيام يوم وإفطار يوم ، فمثل هذا يستثنى من النهي .
وعلى هذا تكون المسألة بهذه الصورة : ما حكم تقدم رمضان بيوم أو يومين ؟
الجوب : لا تخلو المسألة من حالتين :
أ ـ ألا يكون للإنسان عادة من الصيام : فمثل هذا ينهى عن الصيام قبل رمضان .
ب ـ أن يكون للإنسان عادة من الصيام : فهذا يصوم ولا حرج .
4ـ لا يشترط في العادة أن يواظب عليها الإنسان ، وإنما يفعلها غالبا ، وعلى هذا لا يشترط فيمن يُستثنى من النهي أن يكون يصوم كل اثنين أو خميس ، وإنما يكفي أن يكون معتادا على صيامها غالبا .
5ـ يدخل في النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين : صيام يوم الشك ، وهو اليوم المكمل لشعبان إن حال دون رؤيته غيم أو قتر ، أي إذا غابت شمس يوم التاسع والعشرين ولم نستطع رؤية الهلال لوجود قتر ، فعند ذلك يكون هذا اليوم (الثلاثون ) يوم شك لأنا لا نعلم هل هو من شعبان أو رمضان ؟
ووجه دخوله في النهي : أن النهي في قوله: " لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين " عامٌ يدخل فيه يوم الشك وهو ما قبل رمضان إن حال دونه قتر .
6ـ الحديث فتح الباب أمام الناس للاختلاف في النوافل ، فمنهم القادر السابق ، ومنهم دون ذلك ، وهذا من قوله: " إلا رجل كان يصوم صوما " فالشريعة راعت هذا الاختلاف بين الناس في حرصهم على النوافل .
7ـ الحديث يدل على أن الشريعة أعطت مميزات وخصائص لأصحاب النوافل ، فمن خصائصهم أنهم يستثنون من النهي عن تقدم رمضان ، وهذا أحسبه حثا للناس على النوافل حتى يحصلوا على تلك المميزات .
8ـ الحديث دل على أن الاحتياط لا يعني "الزيادة " دائما ، ولو كان الاحتياط يعني الزيادة لصام الإنسان قبل رمضان احتياطا لرمضان ، لكن الشريعة تجعل الاحتياط هو الاكتفاء بالسنة النبوية ، والوقوف عند حدودها .
9ـ الحديث يقطع باب الوسوسة ، فإن الموسوس عادة يحرص على الزيادة ، ولا يكتفي بالأقل ، ويكرر ما يفعله ، فجاء الحديث ليعالج الموسوس بِقَصرِهِ على الاكتفاء برمضان بعد دخوله ، وعدم الزيادة عليه .
10ـ حديث الباب يبين معنى الحديث الآخر في قوله صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " حيث وقّت الصيام برمضان فقط ، فقال : " لا تقدموا رمضان " والمعنى : لا تصوموا حتى تروا هلال رمضان .
11ـ قوله في الحديث : " إلا رجل " يدخل فيه المرأة ، وإنما جاء بلفظ الرجل من باب الغالب ، كما هو الأصل في بقية الأحاديث والخطابات الشرعية ، والله أعلم .

الحديث الثاني

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له "

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث نص على أن العبرة في الصيام لرمضان ، والإفطار لشوال برؤية الهلال ، لقوله " لرؤيته " والضمير يعود على الهلال .
2ـ قوله: " إذا رأيتموه " لا يشترط أن يراه المسلمون جميعا ، وإنما يكفي رؤية الشخص الواحد العدل منهم ، ويؤيد ذلك الحديث الصحيح من طريق ابن عمر رضي الله عنهما في الأعرابي الذي رأى الهلال فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم الناس .
3ـ دل على أن ذمة المسلمين واحدة ، وأَمْرُ المسلمين يقوم به شخص منهم ، فإننا نلاحظ أن الخطاب " إذا رأيتموه " خطاب لعموم الأمة ، ومع ذلك لو رآه شخص واحد لأجزأ عن بقية المسلمين ، وهذا يزيد المسلمين تماسكا واجتماعا وأخوة .
4ـ في الحديث قوله : " إذا رأيتموه " فالضمير فيها لم يسبقه مذكور ، وهذا يدل على أنه ليس كل ضمير يعود إلى مذكور ، قاله ابن الملقن رحمه الله .
5ـ الحديث يدل على عدم التكلف والتنطع في العبادات ، فجعل الله علامة صيامنا رؤية الهلال ، وهي علامة واضحة بينة ليست لأحد دون أحد ، ولا تحتاج إلى حساب وتدقيق ، وإنما يعرفها جميع المسلمين لأنها تشاهد بالأبصار .
6ـ الحديث يدل على تسهيل الله على هذه الأمة ، فلم يعلق أمرها على شيء متكلف ، وإنما سهل أمرها ، وأن أمور الشريعة واضحة ظاهرة بينة ، وهذا من خصائص الله لهذه الأمة ومن مميزات الشريعة الإسلامية .
7ـ الحديث يدل على أن الكلام المحتمل المجمل يفسر بالمبين الظاهر ، وعلى هذا فقوله : " فاقدروا له " كلام يحتمل أمور :
أ ـ قدّروا له تمام الثلاثين ، وهذا قول الجماهير .
ب ـ قدّروا له بمعنى ضيقوا ، أي : قدروه تحت السحاب ، ولهذا أوجب من أوجب صيام يوم الغيم .
ج ـ المعنى قدروه بحساب المنازل .
وهذا الإبهام تفسره الروايات الأخرى مثل : " فاقدروه ثلاثين " وقوله : " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " وعلى هذا يكون الحكم فيما إذا حال دون هلال رمضان أو شوال غيم أو قتر أن تكمل العدة ثلاثين يوما .
8ـ في الحديث فائدة تتعلق بحياة الناس وهي البحث عن حلول لأي مشكلة قد تطرأ ، وذلك من قوله: " فإن غم عليكم " فهذه مشكلة قد تطرأ على الأمة فأوجدت الشريعة حلا لهذه المشكلة وهي قوله : " فاقدروا له " أو ما يبينها من روايات ، وهذا يفيد في التعامل مع مشكلات الحياة اليومية .
9ـ الحديث يدل على تحديد رمضان بما بين الهلالين ، لقوله :"فإذا رأيتموه فصوموا" وقوله:"وإذا رأيتموه فأفطروا " .
10ـ الحديث يدل على أن الأمر كلما عظمت حاجة الناس إليه كلما سهلت الشريعة طريق الوصول إليه ، فالصيام أمر تعظم حاجة الناس إلى معرفته ودخوله ، فلهذا سهلت الشريعة أمره ، فجعلت رؤية الهلال علامة الدخول .
11ـ قوله : "غم عليكم " يدخل فيه أكثر من أمر : كالغيم والقتر والغبار وغير ذلك
12ـ الحديث دل على أن الأمر في الشريعة يتعلق بالظاهر دون النظر للباطن ، ففي حال الغيم والقتر تكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ، مع أنه يحتمل أن يكون في حقيقة الأمر أنه من رمضان ، ومع ذلك لم ينظر إلى حقيقة ما في الأمر وباطنه ، وإنما اكتفى بالظاهر ، وقد أُمرنا ألا نفتش عن بواطن الناس وإنما نحكم عليهم بناء على ظاهرهم .
13ـ من فوائد خطاب الجمع في قوله : " صوموا " وقوله:"أفطروا " مع أن الرائي قد يكون واحدا ، تأكيدا على أمر الجماعة ، فالصوم مع جماعة المسلمين ، والفطر معهم، ولهذا يترتب على هذا مسألة :
إذا رأى الهلال شخص واحد ثم رد القاضي قوله ، فهل يصوم بناء على رؤيته أم لا ؟
الجواب : أنه لا يصوم ، وإنما يصوم مع الناس ، ويفطر معهم حرصا على أمر الجماعة.
15ـ الحديث يدل على أن كل بلد له رؤيته ، لأنه علق الصيام على رؤية الهلال ، وعلى هذا يذكر أهل العلم مسألة ، وهي :
إذا رئي الهلال في بلد ، فمن الذي يلزمه الصوم ؟
الجواب : اختلف أهل العلم في هذه المسألة على عدة أقوال ، منها :
أ ـ أن كل بلد لهم رؤيتهم التي تخصهم ، بناء على هذا الحديث وحديث ابن عباس .
ب ـ أنه إذا رئي في بلد صام المسلمون جميعا ، لأن بلاد المسلمين واحدة .
ج ـ أنه على حسب الأقاليم ، وقيل غير ذلك .
والراجح أن كل بلد لهم رؤيتهم التي تخصهم ، وقد تراعى المصلحة فيما إذا كانت البلد واحدة كما في زماننا هذا في نظام الدول ، فتصوم الدولة بكاملها إذا رئي في جزء منها .
16ـ الحديث ردٌ على من يصوم يوم الشك ، لأنه حدد الصيام فيما بين الهلالين .
17ـ الحديث يدل على أنه لا يعمل بالحساب ، لأنه علق الصيام على الرؤية ، ولو كان الحساب يعمل به لما كان لذكر الرؤية فائدة .

الحديث الثالث

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تسحروا ،فإن في السحور بركة "

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث نص على أن السحور سنة ، وقد قيل بوجوبه إلا أن أحاديث الوصال تدل على أن الأمر في هذا الحديث يدل على الاستحباب .
2ـ الحديث دل على أن السحور مبارك .
3ـ الحديث يدل على أنه ليس القصد من الصيام مجرد تعذيب البدن ، وإنما استجابة لأمر الله ، ولو كان القصد تعذيب البدن لكان ترك السحور أولى ، وهذا من فضل الله على الأمة .
4ـ دل الحديث على أن الإنسان عليه أن يستعد للعبادة ، فالسحور استعداد لعبادة الصيام ، فكذلك المؤمن يستعد للصلاة وغير ذلك من العبادات ، لأن الاستعداد له دور على الخشوع في العبادة ، وتأديتها على أكمل وجه .
5ـ الحديث يدل على أن المؤمن عليه أن يتقوى للعبادة ، لأنه أنفع لها .
6ـ الحديث يدل على أن الشريعة تسهل على أتباعها .
7ـ إطلاق قوله:"بركة " يشمل البركة في الدنيا والآخرة،وهذا من بركة إتباع السنة .
8ـ الحديث دليل على أن ذِكرَ الأمر مع علته أدعى للقبول ، وأنشط لتحفيز الهمم ، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بقوله:"تسحروا" ثم ذكر العلة بقوله: "فإن في السحور بركة " فتنشط الهمم للسحور إدراكا للبركة .

الحديث الرابع

عن أنس رضي الله عنه ، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه ، قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة ، قال أنس : قلت لزيد : كم كان بين الآذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث دل على أن السنة تأخير السحور ، وذلك لقوله :" قدر خمسين آية " ما بين السحور وصلاة الفجر .
2ـ الحديث يدل على الاجتماع على السحور ، وهذا أدعى للبركة ، فقد جاءت الأحاديث تؤيد الاجتماع على الطعام .
3ـ في الحديث كرم النبي صلى الله عليه وسلم حيث تناول معه الصحابة السحور ، وقد كان أجود ما يكون في رمضان فإنه أجود بالخير من الريح المرسلة .
4ـ الحديث دليل على أن السحور يُدعى له .
5ـ قول الراوي "تسحرنا مع رسول الله " أولى من أن يقول "عند رسول الله " لأن لفظ "مع " يشعر بالتبعية أكثر من غيره ، والصحابة تبع له صلى لله عليه وسلم .
6ـ الحديث دليل على طلب العلم ، فحرص أنس ظاهر في طلب العلم ، وعلى هذا ينبغي أن يكون الشاب المسلم .
7ـ الحديث يدل على أن طالب العلم عليه أن يكون دقيقا في أسئلته ، فأنس سأل سؤالا دقيقا عن المقدار فيما بين السحور والصلاة ، ودقة السؤال يختصر على طالب العلم الجهد والوقت ، ويورث تقدير المعلم له .
8 ـ الحديث دليل على الاهتمام بالأهم ، وترك فضول الأسئلة ، فأنس سأل زيد عن الوقت فيما بين السحور والصلاة ، ولم يسأله عن الطعام ، ومن الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما هو من فضول الأسئلة .
9ـ الحديث دليل على تتبع المؤمن للسنن ، وأوقاتها وضبط ذلك كله .
10ـ الحديث دليل على ما كان عليه المجتمع الطاهر ، مجتمع الصحابة من تعلق بالقرآن حتى أصبحوا يوقتون به حياتهم ، ويدب لذلك قول زيد رضي الله عنه :" قدر خمسين آية " ومن هنا ندرك الفارق الكبير بينهم وبين ما بعدهم من العصور ، وهو هذا التعلق القلبي والعملي للقرآن ، وما يتبع ذلك من عمل .
11ـ الحديث يدل على أن الألفاظ الشرعية أولى من غيرها ، فالراوي قال :" قدر قراءة خمسين آية " .

الحديث الخامس

عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم "

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث نصٌ على جواز صيام الجنب من الليل ، مع تأخير غسله إلى الفجر ، وقد كان في المسألة خلاف ، فقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يفتي بأنه لا يصح صومه ، ثم انعقد الإجماع على صحة الصوم .
2ـ الحديث يدل على جواز الجماع في ليالي رمضان ، وفي العشر الأواخر كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد ويشد مئزره ، وهي كناية عن ترك الجماع تفرغا للعبادة .
وهذا على القول بأن صيامه الوارد في الحديث هو صيام رمضان .
3ـ في الحديث التلميح للكلام الذي يستحى من ذكره ، فعائشة وأم سلمه قالتا :"وهو جنب " .
4ـ فقه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما حيث نشرتا فقه الحياة الزوجية الخاصة ، وذلك لإدراكهما أهمية للأمة .
5ـ في الحديث دليل على أن التفرغ للعبادة لا يمنع من ممارسة غرائز الإنسان ، فالنبي صلى الله عليه وسلم مع تفرغه للعبادة ومع ذلك أتى أهله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن قرر ترك النساء : " وآتي النساء " متفق عليه .
6ـ الحديث نص في جواز تأخير الغسل إلى الفجر ، وإن كان الأولى أن ينام الإنسان على طهارة ، وقد كان النبي صلى الله عليه يفعل هذا مرة ، وهذا مرة ، كما دلت الأحاديث على ذلك .
7ـ يقاس على الجنب - في صيامه مع تأخير الغسل – الحائض والنفساء إذا طهرتا قبل الفجر فتصومان ولو اغتسلتا بعد الفجر .

الحديث السادس

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من نسي – وهو صائم – فأكل أو شرب ، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه "

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث دليل على تيسير الله على عباده ، ورحمته بهم .
2ـ الحديث يدل على أن الغاية من الصيام هو تحقيق العبودية لله سبحانه فلم ينقطع الصوم بالأكل والشرب نسيانا ، وليس الغاية تعذيب البدن .
3ـ الحديث نصٌ على أن النسيان معفوٌ عنه في الصيام ، فمن نسي فأكل أو شرب فصيامه صحيح ، وقد خالف في ذلك بعض أهل العلم ولعل الدليل لم يبلغهم ، وإلا فإن الحديث نص في العفو عن ذلك .
4ـ الحديث يتناول سائر المفطرات ، إلا أن النص جاء بلفظ "فأكل أو شرب " بناء على أن البلوى تعم بهما أكثر من غيرهما .
5ـ أختلف أهل العلم فيمن جامع ناسيا ، هل يعفى عنه ؟
وسبب الخلاف يرجع إلى أمرين :
أ ـ هل ما ذكر في الحديث "أكل أو شرب " ذكرت على سبيل المثال ، أو الحصر ؟
ب ـ هل النسيان في الجماع متصور ؟
والذي يظهر – والله أعلم – أن حكم النسيان يجري على سائر المفطرات بما في ذلك الجماع ، وندرة ذلك لا تعني إلغاء الحكم .
6ـ الحديث لم يفرق في العذر بين الأكل الكثير أو القليل مما يدل على أن الحكم ثابت بقطع النظر عن الكمية الأكل أو الشرب .

الحديث السابع

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله ، هلكت ، قال : مالك ؟ ، قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم ، وفي رواية : أصبت أهلي في رمضان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : لا ، قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر ، والعرق : المكتل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أين السائل ؟ قال : أنا ، قال :خذ هذا فتصدق به ، فقال الرجل : على أفقر مني يا رسول الله ،؟ فوالله ما بين لابتيها – يريد الحرتين – أهل بيت أفقر من أهل بيتي ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه اهلك " .

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ دل الحديث على الجلوس عند أهل الفضل والعلم ، لقول الراوي " بينما نحن جلوس عند رسول الله " وهذا الجلوس له فوائده التي لا تخفى .
2ـ ظاهر الحديث ترك الرجل للسلام ، ولعل السبب يرجع إلى ذهوله عن السلام لخطورة ما ارتكبه من الجماع .
3ـ في الحديث دلالة على أن المستفتي يذهب إلى المفتي في مكانه ، ويسعى حتى يصل إليه لأن الأمر يتعلق بدينه ، فالرجل ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم .
4ـ الرجل قطع كلام أهل ذلك المجلس ، وعلى هذا يجوز قطع الحديث ن كان هناك ما يستدعي كما في قصة هذا الرجل .
5ـ دل الحديث على أن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم مفتوحا لمن أراد الدخول ، وعلى هذا ينبغي أن يكون العالم في استقباله للناس في بيته .
6ـ في الحديث دلالة على أن العالم عليه أن ينفع الناس ويفتي يف كل وقت ، فالرجل عندما وقعت عليه الواقعة ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يستطيع الوصول إليه ، وهذا مما يجعل أناس يتعلقون بالعالم ويكون أقرب إلى قلوبهم .
7ـ عدم ذكر اسم الرجل حينما يكون له أمر محرج ، إذا لم يترتب على بيان اسمه أمر ذا بال ، ولهذا لم يذكر أبو هريرة اسم الرجل ، ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم .
8ـ في الحديث جواز قول "هلكت" للنفس إن وجد سبب ذلك ، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل قوله ذلك .
9ـ في الحديث الاستفسار عن الكلام المبهم ، فالرجل قال : هلكت ، فاستفسر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
10ـ يدل على التلميح دون التصريح فيما يستحى من ذكره ويستقبح ، ولهذا قال الرجل : أصبت أهلي ، وفي رواية : وقعت على أهلي ، ولم يصرح بغيره .
11ـ قول الرجل : " هلكت " تدل على أن الرجل كان متعمدا ، لعلمه أنه فعل ما يسبب له الهلاك ، وعلى هذا فلا يصح الاحتجاج بعموم الحديث على أن الناسي عليه الكفارة .
12ـ فيه عرض الرجل ما يصيبه على أهل العلم .
13ـ فيه قرب العالم من الناس بحيث كلما أصابهم أمر فزعوا إليه ، وهذا لا يكون إلا مع المخالطة والقرب .
14ـ في الحديث البحث عن حل لما يواجه الإنسان من مشاكل ، وأن مجرد كتمها والسكوت عنها لا يحل المشكلة ، ولهذا الرجل لم يكتم الأمر وإنما طلب النبي صلى الله عليه وسلم لعرضها عليه .
15ـ يدل الحديث على أنه لا بأس للإنسان الذي يبحث عن حل لمشكلة أن يصرح بذنبه ، ويظهر ما خفي من أمره .
16ـ كما يدل على أن ذكر الذنب على سبيل الندم لا يذم ، وغير مستقبح .
دل قول الرجل " هلكت " وفي رواية " احترقت " على أن الوقوع في الذنوب يعتبر هلاكا ، وقد ذكر بن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي كثيرا من آثار الذنوب والمعاصي على الإنسان وهي جديرة بالمطالعة .
17ـ دل الحديث على أن المعترف بالذنب لا يلام على ذنبه ولا يعزر ، ويكتفى بندمه واعترافه وطلبه الخروج مما هو فيه .
18ـ في الحديث دلالة على أنه المذنب عليه أن يندم من ذنوبه ، ولهذا أتى الرجل نادما فقال : " هلكت " وهي كلمة تدل على ندم وحرقة في القلب ، والندم أول مراتب التوبة .
19ـ في الحديث أن العالم الذي يستفتيه الناس لا يغضب من أسئلتهم ، فهي متعددة ومتنوعة وبعضها وقوع في الحرمات وغير ذلك ، مما يستلزم على العالم أن يكون بهم رحيما
20ـ دل الحديث على أن الرجل المستفتي يصدق في قوله عن نفسه ، فإن الرجل في الحديث أدعى الفقر ، وعدم الاستطاعة على الصيام ، وعدم وجود رقبة يعتقها ، ومع ذلك لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم البينة .
21ـ في الحديث دلالة على أن المفتي يبدأ بذكر الكفارة ما دام حكم الفعل معلوما ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر حكم الجماع في نهار رمضان لأن الرجل يعرف ذلك بدلالة الحال ، ولهذا اكتفى بذكر الكفارة .
22ـ الحديث نصٌ على أن الجماع في نهار رمضان يفطر .
الحديث نص أيضا على أن كفارة المجامع في نهار رمضان هي ثلاثة أمور " إعتاق رقبة ، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا " .
23ـ دل الحديث على أن كفارة الجماع على الترتيب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الكفارة على الرجل ترتيبا ، ولم يضع الخيار أمامه .
وهذه مسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين ، الصحيح منهما فيما يظهر – والله أعلم – أن الكفارة على الترتيب وليست على التخيير استدلالا بواقع الحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الرجل .
24ـ أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يعتق رقبة ، ولم يحدد له الإيمان من عدمه ، وعلى هذا اختلف أهل العلم في هذه المسألة : هل يشترط الإيمان في عتق كفارة المجامع في نهار رمضان أم لا يشترط ؟
والمسألة محتملة لقوة الأدلة فيها ، وأصلها مسألة أصولية وهي :
إذا اختلف السبب واتحد الحكم ، هل يحمل المطلق على المقيد ؟
والأقرب – والله أعلم – أن المجامع في نهار رمضان يعتق رقبة مؤمنة قياسا على غيرها من الكفارات .
25ـ الحديث نص على أن الشهرين متتابعان في كفارة الجماع في نهار رمضان ، فلا يجوز قطعهما إلا بعذر ، لقوله صلى الله عليه وسلم " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين " .
26ـ الحديث أيضا نص على أن عدد المساكين ستين مسكينا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " فهل تجد إطعام ستين مسكينا " وعلى هذا فلا يصح إطعام ثلاثين مسكينا يومين ، لأن العدد منصوص عليه .
27ـ الحديث نص على أن الذين يصرف لهم الإطعام في كفارة المجامع هم فئة المساكين .
28ـ إطلاق قول النبي صلى الله عليه وسلم " إطعام ستين مسكينا " ودعوى الرجل الفقر يدل على أن ضابط الفقر والمسكنة يرجع للعرف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق لفظ المساكين ، وأوكل فهم ذلك للأعرابي ، وبالتأكيد أنه يسفهم الكلمة حسب عادته وعرفه .
29ـ الحديث دل على أن إخبار الإنسان عن فقره ، وضعف حالته المادية ، وظروفه المعيشية لا يدخل في باب الشكوى المذمومة ، ولهذا ذكر الرجل فقره للنبي صلى الله عليه وسلم .
30ـ الحديث يدل على جواز قول "لا " للأكابر وأهل الفضل ، فقد قال الرجل : لا ، للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كررها بتكرر السؤال .
31ـ الحديث يدل على أن المسلم يسأل عن دينه ولو كان سؤاله مما يستحى منه فلا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر .
32ـ الحديث يدل على السؤال في محضر من القوم ، فلا يشترط في السؤال الخفاء ، وإنما يجوز ذكره على الملأ من الناس ، فقد ذكر الرجل سؤاله بين أناس كثير ، كما يفهم من قول الراوي : " بينما نحن جلوس عند رسول الله " ويدل عليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أين السائل ؟ " فلو كان العدد قليلا لم يجهله النبي صلى الله عليه وسلم .
33ـ يستنبط من الحديث أنه يجوز إطالة الجلوس عند الإنسان إن كانت لا تضر ، فقد كان القوم جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم قبل مجئ الرجل ، واستمر الرجل أيضا جالسا معهم حتى أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر ، ولا شك أن هذا الجلوس طويل نوعا ما .
34ـ دل الحديث على جواز قول" أنا " فقد قال الرجل حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم : " أين السائل " قال الرجل : أنا .
وإنما يكره قول " أنا " حينما يكون على سبيل الفخر والكبر ، كما قال إبليس " أنا خير منه " .
35ـ دل الحديث على مراعاة فقه الأولويات ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل : " خذ هذا وتصدق به " مع جود فقراء أشد فقرا من هذا الرجل ، إلا أن هذا الرجل يريد خلاص ذمته وبرأتها ، فقدمه النبي صلى الله عليه وسلم على غيره .
36ـ يؤخذ من الحديث أن أهل العلم والفضل عليهم إنهاء حاجات الناس دون تطويل أو مماطلة ، فالرجل بمجرد شكواه للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " خذ هذا وتصدق به " .
37ـ يستفاد من الحديث حسن الطلب بالأسلوب المناسب ، فالرجل طلب طعاما لأهله بأسلوب مناسب فحصل له مقصوده ، وكم ضيع سوء الأسلوب من حق فضلا عن جلب نفع خارجي .
38ـ دل الحديث على جواز الضحك أمام الناس ما لم يخل بالآداب ، فقد ضحك النبي صلى الله عليه وسلم بين القوم حتى بدت أنيابه .
39ـ على القول بأن ضحكه صلى الله عليه وسلم تعجبا من حال الرجل ؛ فيدل على جواز الضحك في حال التعجب ، وأن الإنسان يكتفي به عن التوبيخ .
40ـ دل الحديث على خروج الأسنان في الضحك أما الغير ، وأن ذلك لا يخل بالمروءة ، فقد خرجت أنياب النبي صلى الله عليه وسلم أمام ذلك المجلس .
41ـ دل ظاهر الحديث على جواز المسألة لمن كان محتاجا .
42ـ في الحديث بيان لخصلة يجبل عليها الإنسان وهو حب الطمع والتزود ، فالرجل بعد أن كان يسأل عن مخرج له من ذنبه الذي فعله ، أصبح يسأل لأهله الطعام ، ومع ذلك تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الموقف بما يفيد فن التعامل مع الخصال الفطرية في البشر .
43ـ في الحديث رأفة العالم بالناس واللين معهم ، بما في ذلك من وقع في الذنب وأسرف على نفسه بالمعاصي .
44ـ في الحديث دليل على أن للذنب حرارة عند المؤمن ، ولهذا قال الرجل كما في بعض الروايات : " احترقت " وهكذا حال المؤمن مع الذنوب فيرى أنها تحرقه ، ولأنها مهلكة كما قال الرجل : " هلكت " وهذا الشعور هو الذي يجعل المؤمن كلما وقع في الذنب تاب وأناب ورجع واستغفر ، على النقيض من ذلك الرجل متبلد الحس يتهاون بذنوبه مما يجعلها تستمر وتكثر ولم يلق لها بالا .
45ـ الحديث دل على جواز كثرة الأسئلة للحاجة ، فقد سأل النبي صلى الله عليه ثلاثة أسئلة متوالية " هل تجد رقبة تعتقها ؟ " ثم قال : " هل تستطيع صيام شهرين متتابعين ؟ " ثم قال : " هل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ " وذلك للحاجة إلى ذلك .
والنهي الوارد عن كثرة الأسئلة في قوله صلى الله عليه وسلم : " نهى عن كثرة السؤال " تحمل على الأسئلة التي لا فائدة منها جمعا بين الأمرين .
46ـ يدل الحديث على جواز سؤال العالم لغيره فيما يخصه من أسرار وشؤون إن ترتب على ذلك حاجة ، فقد كانت أسئلة النبي صلى اله عليه وسلم فيما يخص الرجل من شؤون خاصة تتعلق بحالته المادية وقدرته الجسمية ، والدافع لذلك لتكون الفتوى صحيحة .
47ـ على المفتي أن يفتي غيره بالتفصيل وليس بالإجمال ، فقد فصّل النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بالنسبة للرجل ، ولم تكن فتوى النبي صلى الله عليه وسلم مجملة مبهمة ، وإنما يعطي المستفتي حقه من الفهم والدراية .
48ـ دل الحديث على أن كفارة المجامع في نهار رمضان إن كانت صيام شهرين متتابعين فهي مبنية على الاستطاعة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل :" هل تستطيع صيام شهرين متتابعين ؟ " فعلى هذا يدور الحكم مع علته وجودا وعدما ، فمن كان مستطيعا لم ينتقل إلى الإطعام ، ومن لم يستطع أطعم .
49ـ لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب عدم الاستطاعة ، فلم يقل له : لم لا تستطيع صيام الشهرين ، مما يدل على أن الرجل مصدق في أقواله بالإضافة إلى ترك الاستفصال فيما لا داعي له .
50ـ لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة الرجل ، ولهذا اختلف أهل العلم في هذه المسألة : هل على المرأة كفارة ؟
على قولين كلاهما له حظ من النظر ، وحجة من لم يوجب هو ترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال عن المرأة في هذا الحديث ، ولعل السر في ذلك أن المرأة عليها شبهة الإكراه .
51ـ في الحديث التعاون مع المذنبين ، وإيجاد حلول لذنوبهم ومشاكلهم ، فقد ضحك النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الرجل مذنب ، وساعده في التكفير عن ذنبه .
52ـ في الحديث رحمة الله بعبده ، فالرجل وقع في الذنب وانتهك حرمة الشهر ، ومع كل ذلك فقد رزقه الله سبحانه وتعالى ، فسبحان من لا تضره معصية العاصين ، ولا تنفعه طاعة الطائعين .
53ـ في الحديث قرب الفرج ، فكل من أصيب بهم وغم فليعلم أن فرج الله قريب ، فالرجل وقع في الذنب مع قلة في ذات اليد ، فبعد هذه الحالة الصعبة جاء فرج الله .
54ـ لله حكمٌ في تقدير الذنب على العبد لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى ، وهذا يرجع إلى اسم الله الحكيم ، ومن الحكم الظاهرة في هذا الحديث معرفة الأحكام الشرعية ، بالإضافة إلى ما رزقه الرجل من طعام لأهل بيته .
55ـ الملاحظ أن الرجل فقير فقر مدقع ، حتى أنه حلف أن ما بين لابتي المدينة أهل بيت أفقر من أهل بيته ، ومع ذلك يمارس حياته الطبيعية من جماع وغيره ، بمعنى آخر أن هم الحياة الصعبة لم يمنعه من ممارسة حياته الطبيعية ، وهذا من أنجح العلاجات لمن تراكمت عليه الهموم ألا يجعل الهم يمنعه حياته ، فإن التفاؤل والأمل وتناسي الهموم مما يخففها .
56ـ في الحديث دلالة على أساليب الأعراب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي رواية أنه أعرابي ، وقرائن الأحوال من أفعال هذا الرجل تدل على أنه من الأعراب ، فمقاطعته الحديث ، ودخوله بدون استئذان ، وألفاظه "هلكت " " احترقت " ، وللأعراب قصص شيقة ، وأساليب مثيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
57ـ في الحديث سكوت المفضول بين يدي الفاضل ، فالصحابة الجلوس لم يتكلم أحد منهم ، ولم يقاطع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أدعى لسماع العلم ووعيه .
58ـ في الحديث جواز قول "ويلك " للرجل ، ففي رواية أن النبي صلى الله علي وسلم قال للرجل : "ويلك " وعلى هذا بوب البخاري على هذا الحديث : باب قول ويلك للرجل .
59ـ في الحديث أن كثرة الحلف لا تذم إن كان لها ما يدعو ، فالرجل حلف مرتين " والذي بعثك بالحق ما أجد غيرها ، وضرب صفحة عنقه " ، ثم قال "فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي " وعلى هذا تذك كثرة الحلف فيما لا داعي له ، أو عبثا بدون فائدة .
60ـ العَرَق يساوي (15) صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، وعلى هذا فلكل مسكين (مد) لأن عدد المساكين (60) ، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة :
ما مقدار الإطعام الوارد في الكفارة ؟
فمن قال المقدار هو (مد) لكل مسكين يستدل بهذه الرواية ، ومن قال بأن العبرة بمطلق الإطعام فيستدل بتعدد روايات العَرَق التي وردت ، مما يدل على أن المراد إطعام المساكين بدون تحديد مقدار معين ، والأمر سهل في ذلك بإذن الله .
61ـ الحديث يدل على أن المجامع في نهار رمضان يقتصر على الثلاثة الخصال في الكفارة ولا يجب عليه غيرها .
62ـ في الحديث حرص المسلم على براءة ذمة إخوانه ، وسعيه في تخليصها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالفتوى للرجل المجامع في نهار رمضان ، وإنما سعى في تخليص ذمته مما علق فيها من حق لله ، وقال : " خذ هذا وتصدق به " ، وهكذا يكون المسلم مع إخوانه ، وهذا مما يتعبد فيه المرء لربه .
63ـ في الحديث على المفتي أن يذكر الحكم ويستفصل تأكيدا ، ولا يستدل بظاهر حال المستفتي ، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل الرجل : هل تجد رقبة ، هل تجد إطعام ستين مسكينا ، مع أن الرجل ظاهره الفقر ، فلم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بظاهر الحال لوجود احتمال ، وإنما سأله عن قدرته .
64ـ دل الحديث على عظم ذنب المجامع في نهار رمضان ، فقد رتبت عليه الشريعة كفارة مغلظة ، فنعوذ بالله من الذنوب .
65ـ دل الحديث على أن الكفارة تخرج الإنسان من الذنب ، وهذا من رحمة الله بعباده .
66ـ دل الحديث على أن الإنسان يملك صدقته ، ويتصرف بها كيفما يشاء ، فالرجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم : خذ هذا وتصدق به " مع أنه في الأصل هو صدقة على الرجل .
67ـ في الحديث جواز مساعدة الرجل في كفارته ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجل عَرَق لأجل أن يكفر عن ذنبه .
68ـ دل الحديث عل أن حدود المدينة النبوية ما بين الحرتين ، لقوله " ما بين لابتيها –يريد الحرتين " .
69ـ في الحديث دلالة على أن الراوي يبين معنى الكلمات الغريبة ليفهما سامعها وقارئها ، فقد قال الراوي : " لابتيها – يريد الحرتين " فهذا بيان لمعنى غريب .
70ـ في الحديث جواز الإدخار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل : " أطعمه أهلك " ومعلوم أن العَرَق لا يمكن الفراغ منه إلا في عدة أيام .
71ـ في الحديث جواز الهبة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهب الرجل العرق من التمر .
72ـ دل الحديث على أن الهبة تملك بالقبض من غير صيغة قولية .
73ـ في الحديث دلالة على أن أهل الفضل والكرم يطمع بكرمهم ، فعليهم أن يزدادوا ويتحلوا بمكارم الأخلاق .
74ـ يجوز للإنسان أن يصرح بلفظ الفقر عن نفسه وأهل بيته ما دام كلامه صحيحا ، ولهذا قال الرجل : " ما بيت لابيتها أهل بيت أفقر من أهل بيتي " .
75ـ في الحديث جواز الحلف بدون استحلاف ، وأن النهي عن كثرة الحلف تنصرف إلى ما لا فائدة منه ، فالرجل حلف " والذي بعثك بالحق " من غير أن يطلب النبي صلى الله عليه وسلم منه اليمين .
76ـ في الحديث جواز الإلحاح إن كانت الحاجة داعية ، فالرجل ألح على النبي صلى الله عليه وسلم في إعطائه الصدقة وذلك لفقره .
78ـ في الحديث جواز إظهار المعصية لمن يرجو تخليصه منها ، فالرجل أظهر معصيته وأمام الناس أيضا إلا أن ذلك في سبيل التخلص منها .
79ـ وفي الحديث أيضا وجوب السؤال عما يفعله الإنسان مخالفا لأوامر الشريعة ، فلا يجوز للإنسان أن يترك دينه من غير سؤال إذ قد يترتب على فعله أمور لا يحسن تركها .
80ـ اختلف أهل العلم في مسألة ، وهي :
إن لم يستطع المجامع الخصال الثلاثة فهل تسقط الكفارة ؟ أم تبقى دينا في رقبته ؟
على قولين ، ومن يقول بأن الكفارة تسقط يستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر للرجل شيئا بعد أن ذكر الرجل أنه لا يستطيع .
باب الصوم في السفر وغيره

الحديث الثامن

عن عائشة رضي الله عنها ، أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم :أصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام ، قال : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر "

فوائد وأحكام الحديث :

في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث دل على سؤال الإنسان عما يشكل عليه شرعا .
2ـ فيه بيان سبب السؤال، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها :" وكان كثير الصيام".
3ـ دل الحديث على الحرص على النوافل ، فحمزة بن عمرو رضي الله عنه كان كثير الصيام ، والمراد به صيام النافلة .
4ـ دل الحديث على أن الإنسان إذا عُرف بعبادة أن ذلك لا يخدش إخلاصه ، فقد عُرف حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه بين الصحابة بكثرة صيامه .
5ـ كما دل الحديث على أن الإخلاص لا يتعارض مع إظهار العمل ، فحمزة بن عمرو يصوم ويظهر صيامه حتى عُرف بذلك .
6ـ دل الحديث على أن من فُتح له بابٌ من النوافل فليلزمه ، فمن فُتح عليه في الصيام فليكثر منه ، ومن كان من أهل الصلاة فليلزمه ، وهكذا شعب الإيمان الأخرى .
7ـ في الحديث أن المستفتي يذكر حاله للمفتي حتى يكون الحكم بينا ، فحمزة بن عمرو رضي الله عنه ذَكَرَ للنبي صلى الله عليه وسلم سفره وصيامه .
8ـ الحديث دل على الإكثار من الصيام .
9ـ دل الحديث على أن السفر من الأعذار التي يُترك فيه الصوم ، وإلا لما سأل حمزة بن عمرو رضي الله عنه .
10ـ الحديث نص على جواز الصيام في السفر لقوله :" إن شئت فصم " .
11ـ الحديث نص على جواز الفطر في السفر لقوله : " وإن شئت فأفطر " .
وهذه المسألة ، وهي : ما حكم الصوم في السفر ؟
فيها تفصيل كالتالي :
أ ـ يجوز للمسافر الصوم في السفر .
ب ـ يجوز للمسافر الفطر سواء في حال المشقة أم عدمها ، لأن السفر من الأعذار المبيحة للفطر .
ج ـ يجب الفطر للمسافر في حال المشقة .
د ـ يستحب الصيام في السفر لمن يشق عليه القضاء أو يتكاسل عنه .
وأختلف أهل العلم في حال التساوي: أيهما أفضل للمسافر الفطر أم الصوم ؟
على ثلاثة أقوال :
أ ـ فقيل الأفضل الصيام : وذلك
ـ لعموم قوله تعالى "وأن تصوموا خيرا لكم " .
ـ ولأنه أسرع لإبراء الذمم .
ب ـ وقيل الأفضل الفطر : وذلك
ـ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم :" هي رخصة من الله " .
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم :" ليس من البر الصيام في السفر " .
ج ـ وقيل هما سواء ولا تفضيل لأحدهما على الآخر ، وذلك لحديث الباب ، وعلى هذا يختلف الأمر من شخص لآخر ، فقد يكون في حق شخص الصيام أفضل بينما يكون الفطر في حق غيره أكمل .
والمسألة محتملة ، والأمر فيها يسير ، والأولى – والله أعلم – أن الأفضل الصيام .

الحديث التاسع

عن أنس رضي الله عنه قال : كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم "

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ دل على الحرص على السفر مع الأكابر وأهل العلم ، وأن ذلك لا يخلو من فائدة.
2ـ دل على جواز الصوم في السفر لفعل الصحابة رضي الله عنهم .
3ـ دل على جواز الفطر في السفر لفعل البعض الآخر من الصحابة رضي الله عنهم .
4ـ الحديث يدل على أن الاختلاف في التطبيق لا يترتب عليه نزاع ما دام هناك دليل ، فالصحابة بعضهم صام ، وبعضهم أفطر ، ومع ذلك لم يعب بعضهم على بعض ، لأن كلا منهم معه دليل ، ومثل هذا كثيرٌ من السنن في زماننا فالمفترض ألا يترتب على اختلاف العمل فيها نزاع ما دام هناك دليل صحيح في المسألة ، وهذا كثير في الأمور الاجتهادية .
5ـ في الحديث فقه الصحابة في الخلاف ، والتعامل بينهم أثناءه .
6ـ دل الحديث على من ألزم نفسه بأمر فإنه لا يُلزم به غيرَه ، فالصحابة الذين صاموا كانوا يرون أن الصيام أفضل ومع ذلك لم يعيبوا على المفطرين ، وكذلك المفطرون كانوا يرون أن الفطر أفضل ومع ذلك لم يعيبوا على الصائمين .
7ـ فيه تآلف قلوب الصحابة رضي الله عنهم ، وأن مثل هذه الأمور تجمعهم ولا تفرقهم.
8ـ الحديث يرجح جانب من يقول بأن الأمر يختلف حسب الحال والشخص ، فمنه كان الصيام يناسب حاله كان الصيام في حقه أفضل ، ومن كان الفطر يناسب حاله كان الفطر في حقه أفضل .

الحديث العاشر

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ، في حر شديد ، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر ، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة .

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث دليل لمن قال : بأن الصيام أفضل ، وذلك لصيام النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة .
ويجيب عنه الآخرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة فعل الأفضل في حقهما ، وبقية الصحابة فعلوا الأفضل في حقهم .
2ـ الحديث فيه دلالة على عبادة النبي صلى الله عليه وسلم وصبره عليها .
3ـ الحديث يدل على أن شهر رمضان شهر حركة للمسلمين ، فقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم لمكة في رمضان ، وجاهد في رمضان ، وكانت بعض المعارك فيه .
4ـ الحديث فيه دليل على شدة ما لاقاه الصحابة رضي الله عنهم في سبيل نشر الدين ، ويدل على هذا قول الراوي :" حتى عن أحدنا ليضع يده على راسه من شدة الحر " فرضي الله عنهم وأرضاهم ، ولهذا وجبت محبتهم علينا ، وأن نعرف لهم حقهم .
5ـ دل الحديث على فقر الصحابة ، فلم يكونوا يتنعمون في السفر وأدواته .
6ـ في الحديث أن الإنسان يُحَدِث بما فعله ولو كان في ظاهره تزكيه له ، ما لم يقصد بذلك الفخر .
7ـ في الحديث فضيلة عبد الله بن رواحة وموافقته للنبي صلى الله عليه وسلم ، واقتدائه به ، وشدة عبادته ، خاصة إن علمنا أن أبا الدرداء معروف بشدة تحمله وصبره ، ومع ذلك لم يصم للحر الشديد ما يفيده ظاهر الحديث .
8ـ الحديث يدل على أن القدوة قد ينفرد بعمل لا يشاركه فيه غيره ، فالنبي صلى الله عليه وسلم انفرد بالصيام فلم يشاركه غير ابن رواحة أحد .
9ـ يدل الحديث أن الإنسان يجوز له إظهار العبادة أمام الناس ، وأن ذلك لا يعد رياء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة أظهرا صيامهما أمام الناس .
10ـ في الحديث دليل على دوران الزمن ، فرمضان كما وصفه الراوي شديد الحر ، وقد دار الزمان دورته .
11ـ يدل فعل الصحابة على أن الإنسان عليه ألا يكلف نفسه فوق ما يستطيع ، فلما لم يستطع بقية الصحابة الصيام لم يصوموا ، والرفق بالنفس من الفقه .
12ـ في الحديث دلالة على أن حكاية الحال مشروعة ، فالراوي حكى حال النبي صلى الله عليه وسلم محتجا بها .

الحديث الحادي عشر

جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه ، فقال :" ماهذا ؟ ، قالوا :صائم ، قال : ليس من البر الصيام في السفر " وفي لفظ لمسلم " عليكم برخصة الله التي رخص لكم " .

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ السفر كان في غزوة تبوك ، قاله ابن الملقن رحمه الله .
2ـ دل على التضليل لمن أُغشي عليه ، وذلك أنسب لحاله وتخفيا عنه .
3ـ دل على التعاون المسلمين ،فالرجل لما سَقَطَ تعاون إخوانه المسلمون في مساعدته .
4ـ دل الحديث على سؤال الراعي عن رعيته ، وتفقده أحوالهم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الرجل الذي ظلل عليه ، وأهتم بشأنه .
5ـ دل على الأخذ برخص الله التي شرعها لعباده ، فلو أن الرجل أخذ بالرخصة في الفطر لما حصل له ذلك العنت .
6ـ الحديث يفيد أن من لم يأخذ برخص الله فقد وقع في الشقة له ولغيره ، كما حدث لهذا الرجل .
7ـ استَدل بالحديث من رجح الفطر في السفر .
ويجيب عليه الآخرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها لهذا الرجل فيُحمل قوله على من كان مثل حالته ، وهي المشقة ، بدليل صيامه هو صلى الله عليه وسم في السفر .

الحديث الثاني عشر

عن أنس رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر ، قال : فنزلنا منزلا في يوم حار ، وأكثرنا ظلا صاحب الكساء ، فمنا من يتقي الشمس بيده ، قال : فسقط الصوم ، وقام المفطرون فضربوا الأبنية ، وسقوا الركاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ذهب المفطرون اليوم بالأجر " .

فوائد وأحكام الحديث :

في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ في الحديث زهد الصحابة رضي الله عنهم ، وقلة ذات اليد عندهم ، حتى أن أكثرهم ظلا صاحب الكساء ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ما أشد فقرهم المادي ، وأغناهم في الإيمان بالله سبحانه .
2ـ فيه بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم أيضا من عبادة ، فمع هذا الفقر والحر ومع ذلك يصومون ابتغاء الأجر من الله .
3ـ دل الحديث على أن الاستعداد لا ينافي التوكل ، فقد أخذ صاحب الكساء كساءه ، ومعهم الأبنية ، وهم سادة في التوكل على الله ؛ لأن التوكل معناه تفويض الأمر إلى الله مع فعل السبب .
4ـ قال ابن الملقن رحمه الله : فيه دلالة على عدم احتفال الصحابة بآلات السفر كالخيم ونحوها ، بل كان جل احتفالهم بآلة الحرب ، بخلاف حال الزمان اليوم " أ.هـ .
5ـ فيه خدمة الأخوان في السفر وهي عادة كان السلف كثيرا ما يحرصون عليها ،حتى وصل الأمر بهم أن بعضهم يشترط فيمن يصحبه أن يقوم بخدمته .
6ـ دل على أن أعمال البناء وسقي الركاب يقوم بها الرجال ولا حرج في ذلك .
7ـ الحديث يدل على عناية الإسلام بالحيوان ، فقد سقى الصحابة ركابهم مع شدة الحر وغاية التعب إلا أن ذلك لم يمنعهم من سقي الركاب والحط عنها تخفيفا عليها .
8ـ دل على عناية الراعي برعيته والرفق بهم ورحمتهم ، وهذا مأخوذ من نزوله بهم صلى الله عليه وسلم ، فلم يجهدهم بالسير .
9ـ دل الحديث على أن العمل المتعدي النفع أفضل من العمل القاصر ؛ لأن الصحابة الذين ذهبوا بالأجر هم من بنى الأبنية وسقى الركاب ، وهذا كله عمل متعدي ، بخلاف الصائمون فعملهم قاصر على أنفسهم ، وهذا من الفقه الذي نحتاجه في زماننا المعاصر ، فقد يكون القيام على مصالح الناس ورعايتهم أفضل من العبادات القاصرة ،ولكل حالته الخاصة .
10ـ الحديث يدل على أن الأعمال لا تتفاضل بصورها ، وإنما باعتبارات أخرى ، ولو كان العمل يتفاضل بالصورة والهيئة لكان الصائمون هم الذين ذهبوا بالأجر .
فأحيانا الدعوة إلى الله أفضل من صلاة النافلة ، والصدقة أفضل من حج التطوع ، وهذا باب مهم يدخل في باب المصالح الدعوية .
11ـ دل على أنه لا حرج بالمبالغة أحيانا فهي أسلوب عربي ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم " ذهب المفطرون اليوم بالأحر " يدل في ظاهرة على أن الصائمين لم يحصلوا على أجر وهذا ليس مرادا في الحديث ، وإنما المراد عظم أجر المفطرين على الصائمين .
12ـ دل الحديث على تفاوت الأجور بين المسلمين ، فبعضهم أعظم أجرا من الآخر.
13ـ الحديث نص على أن نفع الغير عبادة لله يؤجر عليها الإنسان ، وهي تتأكد في زماننا لأن نفع الغير تشتد له الحاجة .
14ـ دل على جواز اتخاذ الأبنية والاستظلال بها .
15ـ يستفاد من الحديث أن المصالح إذا تعارضت يقدم أعلاها ، فقد تعارضت مصلحة الصيام مع مصلحة خدمة الغير ، فكانت الأعلى مصلحة النفع المتعدي .
16ـ دل الحديث على أن اطّلاعه وتقريره للحكم يعتبر تشريعا ، فقد اطّلع على صيام من صام ، وفطر من أفطر ، فدل أن الصيام والفطر كلاهما مشروع .
17ـ جواز قول " يوم حار " ولا يعتبر هذا سبا للدهر ؛ لأنه على سبيل الخبر .
18ـ استدل بهذا الحديث من يرجح الفطر على الصيام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على المفطرين مما يدل على عظم أجرهم .
ويجيب عليه الآخرون : أنه في مثل هذه الحالة فإن الفطر أفضل لما يترتب عليه من أمور إضافية كخدمة الإخوان والقيام على شؤونهم ، فهو أفضل لاعتبارات أخرى .
19ـ دل على جواز الصيام في السفر ولو كان هناك مشقة ، ما لم تكن المشقة شديدة فيجب الفطر ، أما المشقة العادية فيجوز معها الصيام ، كما صام هؤلاء الصحابة مع أنهم سقطوا من شدة الحر ، ومع ذلك لم يأمرهم النبي صل الله عليه وسلم بالفطر .

الحديث الثالث عشر

عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان يكون عليه الصوم من رمضان ، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث نص على جواز الفطر في رمضان للحيض،فعائشة تفطر في رمضان لشأن الحيض كعادة النساء .
2ـ الحديث نصٌ على جواز تأخير القضاء إلى شعبان لفعل عائشة رضي الله عنها .
3ـ دل الحديث على عدم تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان إلا لعذر ، بدليل فعل عائشة فكانت تؤخر الصيام إلى شعبان ولم تستطع تأخيره أكثر من ذلك .
4ـ عدم استطاعة عائشة القضاء قبل ذلك كان لانشغالها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما بينته الرواية الأخرى في صحيح مسلم " الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم " .
5ـ وفيه خدمة الزوجة لزوجها ، ورعايتها لنفسيته ، ومداراتها لخاطره ، فعائشة تعلم أنها لو استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام فسيأذن لها لكنها لم تفعل .
6ـ هل يصوم الإنسان النوافل قبل القضاء ؟
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين :
أ ـ الجواز ، واستدلوا بفعل عائشة رضي الله عنها ، فإنها تؤخر القضاء إلى شعبان ولا يُظن بعائشة رضي الله عنها ترك النوافل كالاثنين والخميس وعرفة وعاشوراء وغير ذلك .
ب ـ المنع ، بناء على أن القضاء واجب ، والنافلة سنة ، ولا تقدم النافلة على الواجب
والراجح – والله أعلم – هو الجواز .

الحديث الرابع عشر

عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه "

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ المراد بالولي في قوله: "وليه" القريب ، وعلى هذا فالأجنبي القريب يصح صومه .
2ـ الحديث يدل على أن المسلم يسعى لبراءة ذمة إخوانه المسلمين ، خاصة القريب منهم ، ولهذا من كان عليه صيام صام عنه وليه .
3ـ وفيه سعي القريب في فكاك سعي قريبه .
4ـ المسألة التي ذكرت في الحديث هي :
من مات وعليه صيام ، هل يصوم عنه وليه ؟
والجواب : اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال :
أ ـ أن من مات وعليه صيام من نذر أو رمضان أو كفارة يجوز لوليه الصيام عنه ، واستدلوا : بحديث الباب .
ب ـ أن من مات وعليه صيام لا يصام عنه ، لأن الصيام لا يدخله النيابة .
ج ـ أن من مات وعليه صيام لا يخلو :
ـ أن يكون الصيام نذرا : فيصوم عنه وليه ، لحديث الباب مع الروايات الأخرى .
ـ أن يكون غير النذر : فلا يصام عنه ، بناء على الأصل في عدم النيابة .
والأظهر – والله أعلم – أن هذه الأحاديث تختص بالنذر بدليل الروايات الأخرى والتي فيها " صوم نذر " " صوم شهرين " .
فائدة : الصلاة لا تدخلها النيابة مطلقا ، فلا يصل أحد عن أحد ، قال ابن تيميه رحمه الله :" وأما الصلاة المكتوبة فلا يصل أحد عن أحد ، ولكن إذا صلى عن الميت واحد منهما تطوعا ، وأداه إليه ، أو صام عنه تطوعا وأهداه له ، نفعه ذلك " (25/269) .

الحديث الخامس عشر

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفقضيه عنها ؟ قال : لو كان على أمك دين ، أكنت تقضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى .
وفي رواية جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر ، أفأصوم عنها ؟ قال: أفرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه ، أكان يؤدي ذلك عنها ؟ قال : نعم ، قال : فصومي عن أمك .

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ دل الحديث على سؤال الإنسان عما يشكل عليه في أمور الحياة .
2ـ من البر السؤال عما يخص الوالد ، والسعي في تبرئة ذمته .
3ـ فيه الذهاب للمفتي في مكانه فقد ذهب السائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
4ـ دل الحديث على أن المفتي قد لا يجيب بنعم أو لا ، وإنما بصيغة أخرى ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للرجل : نعم ، وإنما استعمل معه أسلوب السؤال ، ولا حرج في ذلك إذا فُهم المقصود من الجواب .
5ـ الحديث دل على صحة القياس إن توفرت شروطه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قاس قضاء دين الله على قضاء دين الآدميين .
6ـ الحديث يدل على وجوب قضاء دين الآدميين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الرجل عن قضاء دين الآدميين ، فأجاب بالوفاء فكأنه متفق عليه بينهم .
7ـ يدل على أن حقوق الله تسمى ديونا ، وعلى هذا يجب السعي في البراءة منها .
8ـ يدل الحديث على تقديم الزكوات والكفارات في تركة الميت على ديون الآدميين ، لأن دين الله أحق بالقضاء .
9ـ فيه دلالة على جواز استفتاء المرأة عن أمور دينها ، ففي رواية أن المرأة هي التي سألت عن أمها .
10ـ دل على جواز محادثة المرأة للرجل الأجنبي إن كانت الحاجة داعية لذلك ، كما أجابها النبي صلى الله عليه وسلم .
11ـ بالمقابل دل على جواز محادثة الرجل للمرأة الأجنبية وسؤاله إياها إن دعت الحاجة لذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل المرأة وحاورها .
12ـ استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب السؤال والحوار مع الرجل والمرأة لأنه أدعى للفهم .
13ـ بر الوالدين قد يكون من الأولاد وقد يكون من البنات ، فالسائل في الرواية الأولى رجل ، وفي الثانية امرأة ، بخلاف من يظن أن البر مقصور على الأولاد .
14ـ الرجل قال : " أمي " بدون أن يقول : رحمها الله ، فعليه يجوز ذكر الميت ولو كان قريبا بدون الترحم عليه .
15ـ قال ابن الملقن رحمه الله : يستحب للمفتى أن ينبه على وجه الدليل ؛ لأن ذلك أطيب لخاطر المستفتي ،لأن النبي سأل السائل عن دين الآدميين ، ثم قال :" دين الله أحق ".
16ـ دل على قول "نعم " إن كان الجواب حقا ، فالرجل والمرأة قالا : نعم .
17ـ فيه تقريب العلم إلى أذهان السائلين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرّب الإجابة للسائل ليكون أبقى .
الحديث السادس عشر
عن سهل بن سعد الساعدي رضي لله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " " وأخروا السحور " .
فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث نص على أن السنة تقديم الإفطار ، وتأخير السحور .
2ـ دل الحديث على رفق الشريعة بأتباعها ، ولهذا عجلت لهم الإفطار .
3ـ الحديث رد على أهل الوسوسة ، فإن تعجيل الإفطار من السنة ، وقد سبق بيانها .
4ـ دل الحديث على أن الاحتياط ليس في الزيادة على الفعل وإنما في إتباع السنة .
5ـ يستفاد من الحديث أن خيرية الناس مرتبطة بالالتزام بالسنة ، لقوله " لا يزال الناس بخير " ثم ربط هذه الخيرية بتعجيل الإفطار وتأخير السحور .
6ـ يفهم من الحديث أن الناس بشر إن خالفوا السنة ، لأن ذلك دليل على غربة الدين وأهله وانتشار .
7ـ الحديث رد على الرافضة لأنهم يؤخرون الإفطار .
8ـ دل الحديث على تقديم الإفطار الصلاة ، فإن تعجيل الإفطار لا يكون إلا بذلك .
9ـ الحديث فيه حث على تطبيق السنة ، وهو وإن كان نصا في تعجيل الإفطار وتأخير السحور إلا أن ذلك ينطبق على السنن الأخرى.
10ـ النقل مقدم على العقل ، فإن العقل يقتضي التأخير فهو أحوط في دخول الليل وأشد في العبادة ، إلا أن النقل أبطل ذلك فيُقدم .
11ـ في الحديث اختيار اللفظ الحسن ، فلم يقل : لا يزال الناس بشر ما أخروا الفطر وعجلوا السحور ، وإنما أتى باللفظ الآخر لأنه أكثر قبولا .

الحديث السابع عشر

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقبل الليل من هاهنا ، وأدبر النهار من هاهنا ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم "

فوائد وأحكام الحديث :

في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ دل على الإشارة باليد أثناء التحدث ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار بيده في قوله : هاهنا .
2ـ دل على تحديد وقت الصيام .
3ـ قوله : " فقد أفطر الصائم " يحتمل أمرين :
أ ـ أن المعنى : أنه صار مفطرا حكما ، ولو لم يفطر بالطعام ، لأن الليل ليس وقتا للصيام .
ب ـ أن المعنى : أن الإفطار قد حل له فقد دخل وقته ، وهذا هو الأولى لأن الشريعة حثت على تعجيل الإفطار .
4ـ فيه رد على من يؤخر الإفطار كالرافضة .
5ـ ذكر الحديث ثلاثة أمور مرتبطة فيما بينهما :
" أقبل الليل – أدبر النهار – غربت الشمس " مع أن ذكر واحدة يكفي عن الأخرى لكن ذلك تأكيدا حتى يتضح الأمر .

الحديث الثامن عشر

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، قالوا : يارسول الله : إنك تواصل ؟ قال : إني لست كهيئتكم ، إني أُطعم وأُسقى .

فوائد وأحكام الحديث :

في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث نص في النهي عن الوصال ، وهو : أن يصل صوم اليوم الأول باليوم الثاني من غير فطر بينهما .
وهذه المسألة وهي : ما حكم الوصال ؟
اختلف فيها أهل العلم على أقوال :
أ ـ الجواز : ويستدلون بفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
ب ـ التحريم : ويستدلون بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ، والأصل في النهي التحريم
ج ـ التفصيل : فيجوز الوصال إلى السحر فقط ، ويستدلون براوية صحيح مسلم :" فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر " وهو الراجح ، والأولى ترك الوصال لنهيه صلى الله عليه وسلم .
2ـ في الحديث معارضة المفتي إن أفتى بخلاف حاله ، فالصحابة لما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال بينما رأوا أنه يواصل عارضوه .
3ـ دل الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في الأفعال ، وهذا فقه الصحابة فقد استدلوا بواصله على جواز المواصلة .
4ـ دل الحديث على أن أفعاله حجة ، وتفيد العموم .
5ـ دل الحديث على أنه إذا تعارض القول والفعل قدم القول ، لأن الفعل يحتمل الخصوصية ، فهنا تعارض قوله مع فعله ، إلا أن فعله تبين أنه خاص به .
6ـ دل على جواز الوصال له صلى الله عليه وسلم .
7ـ دل الحديث على أن من خالف قولُه فعلَه فعليه أن يبين ذلك ،فالنبي صلى الله عليه وسلم لما تعارض قوله مع فعله بيّن أنه يُطعم ويُسقى .
8ـ فيه رأفته صلى الله عليه وسلم بأمته وصحابته ، فلم يأمرهم بما لا يقدرون عليه .
9ـ دل الحديث على أن هناك أشياء أختص بها النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها غيره ، ولله في ذلك حكمة .
10ـ دل على قوة تحمله صلى الله عليه وسلم .
11ـ قوله :" أُطعم وأُسقى " تحتمل أمرين :
أ ـ أنه يُطعم ويُسقى حقيقة من الجنة .
ب ـ أنه يُطعم ويُسقى معنويا من خلال إيمانه ويقينه ومعرفته بالله وأنسه به ، فيغنيه ذلك عن الطعام والشراب .
12ـ جواز قول الرجل لغيره :" لست كهيئتكم " وذلك إن كان حقا ، فيجوز له قوله مالم يكن على سبيل الفخر والعجب .
 

باب أفضل الصيام وغيره


الحديث التاسع عشر

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم أني أقول : والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنت قلت ذلك ؟ فقلت له : قد قلته ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، قال : فإنك لا تستطيع ذلك ، فصم وأفطر ، وقم ونم ، وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ، قلت : إني لأطيق أفضل من ذلك ، قال : فصم يوما وأفطر يومين ، قلت : إني لأطيق أفضل من ذلك ، قال : فصم يوما وأفطر يوما ، فذلك صيام داود وهو أفضل الصيام ، قلت : إني لأطيق أفضل من ذلك ، قال :لا أفضل من ذلك" وفي رواية قال : " لا صوم فوق صوم أخي داود عليه السلام شطر الدهر ، صم يوما وأفطر يوما " .

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ في الحديث جواز أن يخبر الإنسان بما عليه من طاعة وعبادة ما لم يقصد بذلك الرياء والسمعة ، فعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أخبر بطاعته وعبادته .
2ـ فيه جواز الحلف على فعل الطاعة ، كما قال عبد الله " والله لأصومن النهار " .
3ـ في الحديث دلالة على جواز نقل الأخبار لمن يقوم بالنصح والإرشاد ، ولا يعتبر ذلك غيبة أو مذموما ، فالنبي صلى الله عليه وسلم نُقِل له قول عبد الله ليُعلم رأيه فيه .
4ـ يدل على علو همة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في العبادة ، فهو يريد أن يقوم الليل ويصوم النهار ، وهذا ينبئ عن همة عالية .
5ـ العالم إن بلغه شيء عن أحد من طلابه استدعاه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه الخبر عن عبد الله قابله بما قال .
6ـ في استدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو دليل على التثبت في الأخبار التي تنقل للإنسان ، ولهذا سأله عن صحة الخبر ، وهذا الأسلوب يقضي تماما على الشائعات، ويزيل الأحقاد ، ويظهر الحق .
7ـ فيه دلالة على مواجهة الإنسان بما قال ، فالنبي صلى الله عليه وسلم واجه عبد الله بن عمرو بما قال ، وهذا دليل على العلاقة الحميمة بين المعلم وتلميذه ، وبهذا يشعر الطالب أن معلمه أقرب إليه من أهله .
8ـ لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم باسم من نقل الخبر ، لأن هذا ليس بذي أهمية ، وإنما المهم هو حقيقة الخبر ، فيجوز لمن نُقل إليه خبر ألا يخبر باسم من أخبره .
9ـ إذا سئل الإنسان عن شيء فليخبر بالصدق ، فإن الصدق منجاه ، فعبد الله بن عمرو لم يستعمل أسلوب التورية وإنما أخبر بحقيقة الأمر .
10ـ إذا سئل الإنسان عن عبادته فليخبر بها إن كانت هناك حاجة ، فعبد الله بن عمرو لما سأله النبي عن صيامه أخبره بصيامه وقدرته على الزيادة .
11ـ فيه الفداء بالأب والأم للنبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي .
12ـ في الحديث معرفة القائد لأتباعه من حيث قدرتهم واستطاعتهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو : إنك لا تستطيع ذلك ، بينما قال لحمزة بن عمرو الأسلمي : إن شئت صم وإن شئت أفطر ، لأنه يطيق ذلك ، ومعرفة القائد هذه من فقه التربية والقيادة .
13ـ فيه تيسير الشريعة على أهلها ، فصيام ثلاثة أيام في الشهر تعدل صيام الدهر .
14ـ فيه الحث على التوازن في الحياة ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم " فصم وأفطر ، وقم ونم " دليل على التوازن في الحياة حتى لا يطغى جانب على جانب .
15ـ في الحديث الحث على تأدية جميع الحقوق ، سواء التي تتعلق بالله من صيام وصلاة ، أو التي تتعلق بالنفس من نوم وأكل وغير ذلك .
16ـ فيه كرم الله على عبادة بمضاعفة الحسنة إلى عشرة أضعاف .
17ـ في الحديث التدرج مع الطالب من الأخف إلى الأشد،فالنبي صلى الله عليه وسلم تدرج مع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما من الأخف إلى الأشد فأمره بصيام ثلاثة أيام ، فلما رفض أمره بصيام يومين وإفطار يوم ، فلما رفض أمره بصيام يوم وإفطار يوم .
18ـ فيه معارضة المعلم في حال استطاعة الطالب لأكثر مما يقوله معلمه ، ولا يعتبر ذلك عقوقا للمعلم ، فعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عارض النبي صلى الله عليه وسلم ليبين له أنه يستطيع أكثر مما يقول .
19ـ يدل الحديث على أن الطالب عليه أن يُري معلمه الجدية من الأمر ، وما عليه من قوة وتحمل وصبر وجلد ، فإن ذلك أفضل له عند معلمه ليخصه بالتوصية والنصيحة ، وهذا ما حصل لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقد كان يظهر للنبي صلى الله عليه وسلم ما عليه من قوة وتحمل فكان يقول :" إني لأطيق أفضل من ذلك " .
20ـ في الحديث دلالة على سنية صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وقد اختلف أهل العلم في مسألة تتعلق بذلك ، هي :
ما هي الأيام الثلاثة التي يستحب صيامها في الشهر ؟
اختلفوا فيه على أقول :
أ ـ فقيل الأيام البيض ، وهي (13-14-15) من كل شهر ماعدا أيام التشريق ، واستدلوا بالأحاديث التي فيها الأمر بصيام الأيام البيض وهي في السنن وليس في الصحيحين منها شيء ، وأما أيام التشريق فقد ثبت النهي عن صيامها إلا لمن لم يجد الهدي .
ب ـ وقيل هي من سرر الشهر ، ثم اختلفوا في السرر هل هي آخر الشهر أم أوله ؟
ج ـ وقيل الاثنين والخميس ثم الاثنين .
د ـ وقيل أنها غير محددة فيصوم الإنسان حسب استطاعته وقدرته والأيسر له ، واستدلوا : باختلاف حال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام ، وهو الراجح والأوسع والأيسر للناس .
21ـ فيه سنية صيام يومين وإفطار يوم .
22ـ في الحديث معرفة الإنسان بقدرته واستطاعته ، فعبد الله بن عمرو كان يعرف قدرته واستطاعته ، وهذا من فقه الإنسان بنفسه .
23ـ في الحديث سنية صيام يوم وإفطار يوم .
24ـ دل الحديث على أن أفضل الصيام صيام داود عليه السلام .
25ـ فيه أن الالتزام بالطاعة الشاقة لا يلزم ، قاله ابن الملقن رحمه الله .
26ـ في الحديث كراهية صوم الدهر لقوله : "صم وأفطر " .
27ـ في الحديث كراهية قيام الليل كله لقوله : " وقم ونم " .
28ـ دل الحديث على أن الإنسان لا يعمل إلا ما يستطيع المداومة عليه .
29ـ دل الحديث أن المستمر القليل خير من الكثير المنقطع .
30ـ دل على أن الأنبياء عليهم السلام قدوة .
31ـ فيه أن الأنبياء إخوة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :"أخي داود" .
32ـ فيه الدلالة على أن الأنبياء إذا ذكروا فيقال : عليهم السلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر داود فقال : " عليه السلام " كما في بعض نسخ الصحيح .
33ـ في الحديث توجيه حماس الشباب واستثماره ، فعبد الله بن عمرو كان شابا متحمسا للعبادة ، يريد أن يقوم الليل ويصوم النهار ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحماس ووجهه واستثمره إلى الأفضل .
34ـ فيه أن من أخبر بناء على حسب ظنه فإنه لا يُلام على ذلك ، فعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : أني لأطيق أفضل من ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا أفضل من ذلك .
فعبد الله بن عمرو أخبر حسب ظنه ، فقد كان يظن أن هناك ما هو أفضل من ذلك ، فلم يلمه النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا حسب ظنه واعتقاده ، لكنه أرشده وبين له أنه لا أفضل من ذلك .
35ـ في الحديث الثناء على الإنسان بما هو فيه ، فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على داود بما هو فيه من أفضلية الصيام .
36ـ دل الحديث على أن الصيام مشروع على من قبلنا ، ويؤيد ذلك كتاب الله في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " .
37ـ فيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : إنك لا تستطيع ، ومع مرور الأيام أصبح عبد الله بن عمرو لا يستطيع ذلك ، وكان يقول : ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم .
38ـ فيه أن شرع من قبلنا شرع لنا إن وافقه شرعنا ، فصيام داود وافقه شرعنا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم .
39ـ فيه الحوار بين المعلم وطالبه ، وهذا أدعى للإرشاد والتوجيه وقبول النصائح .

الحديث العشرون

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أحب الصيام إلى الله صيام داود عليه السلام ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما "

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ دل الحديث على أن الله يحب ، كما أثبته أهل السنة والجماعة ، وفي هذا رد على أهل البدع قاطبة ممن ينفي المحبة .
2ـ الحديث نص على أن أفضل الصيام صيام داود عليه السلام .
3ـ دل الحديث على أن أفضل الصلاة صلاة داود عليه السلام .
4ـ دل الحديث على أن الأعمال تتفاضل ، وذلك لقوله :" أفضل الصيام " وقوله: " أفضل الصلاة " فدل ذلك على أن في الصيام فاضل وأفضل ، وكذلك في الصلاة ، فليحرص المؤمن على الأفضل لأن الأعمار قصيرة .
5ـ ذِكرُ الأفضل يشحذ الهم ، ويقوي العزائم .
6ـ فيه بيان سبب الأفضلية ، ففي الصيام يصوم يوما ويفطر يوما ، وفي الصلاة ما ورد في الحديث .
7ـ قوله :" وينام سدسه " دليل على أخذ الإنسان قسطا من الراحة استعداد للعبادة .

الحديث الحادي والعشرون

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام "

فوائد وأحكام الحديث :

في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ دل الحديث على سنية صيام ثلاثة أيام ، وقد أطلقها الحديث فتبقى على إطلاقها على الصحيح من أقوال العلماء ، وقد سبق بيان المسألة .
2ـ دل الحديث على أن العالم يوصي أتباعه ، ويخص بعضهم دون البعض الآخر .
3ـ معرفة العالم باختلاف أصحابه ، والفروق بينهم ، وبناء على ذلك ينزل النصائح حسب احتياجاتهم ، ولهذا خص النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه بهذه الوصية لأنها أنسب لحاله ، فقد ذكر أهل العلم أن أبا هريرة يطلب العلم ويحفظ الأحاديث ليلا فأوصاه بالوتر قبل النوم .
4ـ الحديث نص على سنية ركعتي الضحى لقوله :" وركعتي الضحى " .
5ـ الحديث نص في فضيلة هذه الثلاثة الخصال .

الحديث الثاني والعشرون

عن محمد بن عباد بن جعفر قال : سألت جابر بن عبد الله أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الجمعة ؟ قال : نعم ، وزاد مسلم ورب الكعبة .
الحديث الثالث والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة ، إلا أن يصوم يوما قبله أو بعده "

فوائد وأحكام من الحديثين :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ دل الحديث أن السؤال من وسائل طلب العلم ، فليحرص عليه طالب العلم ولا يستحي من سؤاله .
2ـ فيه جواز الحلف من غير استحلاف .
3ـ فيه جواز الحلف على الجواب ، كما قال :" نعم ورب الكعبة " .
4ـ الحديث نص في النهي عن صيام يوم الجمعة ، وهذه مسألة وهي :
ما حكم صيام يوم الجمعة ؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال :
أ ـ يجوز صيامها لمن لم يضعفه الصيام عن العبادة والدعاء ليوم الجمعة ، واستدلوا :
بأن علة النهي هي الضعف عن العبادة ، فإن انتفت هذه العلة فيجوز .
ب ـ لا يجوز صيامها لعموم النهي .
ج ـ التفصيل ، فلا يخلو من حالتين :
الأولى : أن تفرد الجمعة بالصيام ، فهذا لا يجوز لحديث الباب .
الثانية : أن يصوم قبلها يوما أو بعدها يوما،فهذا يجوز للحديث الآتي " إلا أن تصوم يوما قبله أو بعده " وهو الراجح لأنه يجمع بين الأحاديث .
5ـ كما اختلف أهل العلم في علة النهي على أقوال :
أ ـ أنه يوم عيد ، والأعياد لا تصام ، لكن يشكل عليه أن بمنزلة العيد وليس عيدا من كل الوجوه .
ب ـ أنه يوم ذكر وعبادة فيتفرغ الإنسان لعبادته ، لكن يشكل عليه جواز صيام يوم قبله أو بعده .
ج ـ وقيل إنه يوم تصومه النصارى ، فنُهي عن التشبه بهم ، لكن الحديث لا يصح .
وهذه اجتهادات من أهل العلم رحمهم الله والله أعلم بأسرار شرعه .
6ـ اختلف أيضا أهل العلم في مسألة وهي :
ما حكم إفراد الجمعة بالقضاء وليس بالنافلة ؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
أ ـ أن الجمعة لا يُصام فيها القضاء ، لعموم النهي في حديث الباب .
ب ـ أن الجمعة يصام فيها القضاء ، لأن النهي في حديث الباب محمول على النافلة
والقولان كلاهما قوي ، والذي يظهر – والله أعلم – الجواز لأن مرتبة القضاء مرتبة وجوب ، وبراءة ذمة ، والشريعة تسعى لذلك ، والأفضل لمن يقضي أن يصوم قبلها يوما أو بعدها يوما تطبيقا للحديث ، وخروجا من الدائرة المختلف فيها إلى الدائرة المتفق عليها .

الحديث الرابع والعشرون

عن أبي عبيد مولى ابن أبي أزهر – واسمه سعد بن عبيد – قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر ، تأكلون من نسككم .

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ دل الحديث على سنية طريقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيحتج بها ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " وعليكم بسنة الخلفاء الراشدين المهديين " .
2ـ قوله :" هذان " من باب التغليب ، وإلا فإن أحد اليومين غائب ، وهو أسلوب عربي .
3ـ الحديث نص على تحريم صيام يومي العيد ، وهما عيد الفطر ، وعيد الأضحى .
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في مسائل فرعية ، مثل :
إذا نذر صوم يوم العيد فهل ينعقد ؟ وإذا نذر صيام يوم فوافق يوم عيد فهل يصوم ؟
وقد اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال وقد اتفقوا على :
عدم صوم يومي العيد ، واختلفوا في انعقاد النذر ، ووجوب الكفارة على أقوال ، والأمر في الكفارة واسع ، والأحوط القول بها .
4ـ دل الحديث على أن الخطيب يُذكِّر الناس بأحكام العيدين .
5ـ دل على جواز الأكل من الهدي ، لقوله :" تأكلون من نسككم " .
6ـ يستفاد من الحديث أن الخطيب يذكر في خطبته أحاديث من السنة .
7ـ يؤخذ من الحديث أن الفطر يوم يفطر الناس لقوله :"يوم فطركم " فلعل هذا السر في جمع اللفظ .
8ـ الحديث ذكر تحريم صيام يوم النحر ، وأما أيام التشريق فلم يتعرض لها ، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، وهي :
ما حكم صيام أيام التشريق ؟
اختلف أهل العلم فيها على أقوال،والصحيح أن الإنسان لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى : الحاج الذي لم يجد الهدي ، فيجوز له صيامها .
الحالة الثانية : ما عدا ذلك فيحرم صيامها .
ويدل على هذا التفصيل حديث عائشة رضي الله عنها:" نهى رسول الله عن صيام أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي " .

الحديث الخامس والعشرين

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنها قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين ، النحر والفطر ، وعن اشتمال الصماء ، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر .

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ الحديث نصٌ على تحريم صيام يومي العيد ، وقد مضى الكلام في الحديث السابق .
2ـ الحديث نص على النهي عن اشتمال الصماء ، وقد اختلف أهل العلم في صفتها على أقوال :
أ ـ قيل هي : الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه ، يخلل به جسده .
ب ـ وقيل هي : الالتفاف بثوب واحد ، ويرفع جانبه على كتفه ، وهو بغير إزار فيفضي ذلك إلى كشف عورته .
ج ـ وقيل هيئة تمنع من تمام الركوع والسجود في الصلاة .
وقيل غير ذلك ، كما اختلفوا أيضا في علة النهي ، فقيل :
أ ـ التشبه باليهود والنصارى ، وقد ورد فيه حديث .
ب ـ وقيل لأنه إذا ما أتاه ما يتوقاه لم يمكنه الدفاع عن نفسه قاله ابن الملقن رحمه الله.
ج ـ وقيل لأنه يكتم أنفاسه ولا يستطيع التنفس مما يؤدي إلى هلاكه .
وقيل غير ذلك ، والله أعلم وأحكم .
3ـ الحديث نصٌ على النهي عن الاحتباء وهو : أن يقعد الإنسان على إليتيه ، وينصب ساقيه ، ويحتوي عليهما بثوب أو بيده .
واختلفوا في سبب النهي وأكثرهم خوفا من انكشاف العورة ، وفيه حرص الإسلام على الستر والحياء .
4ـ الحديث نص في النهي عن الصلاة بعد الصبح ، لأنه وقت نهي ، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم سبب النهي في قوله :" فإن الشمس تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، فيسجد لها الكفار " .
ويستثنى من هذا النهي ركعتي الفجر بشرط ألا يصلها بصلاة الفجر ، وإنما يفصل بينهما ، لما ثبت من نهي النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي صلى الفجر ثم صلى الركعتين فقال :" آلفجر أربعا ؟ " .
5ـ الحديث أيضا نصٌ على النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وقد ثبت النهي في أحاديث أخرى .
وقد اختلف أهل العلم في ذوات الأسباب هل تصلى في أوقات النهي ؟
وبيان ذلك في كتاب الصلاة ، باب أوقات النهي .

الحديث السادس والعشرين

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام يوما في سبيل الله بعّد الله وجهه عن النار سعين خريفا .

فوائد وأحكام الحديث :
في الحديث الكثير من الفوائد والأحكام ، ومن ذلك :
1ـ قوله : " سبيل الله " يحتمل فيها وجهان :
أ ـ أن المراد به الجهاد ، وعلى هذا فمن صام يوما في الجهاد فيحصل له هذا الفضل .
ويستدلون بأن هذه اللفظة "سبيل الله " تحمل على معناها في كتاب الله والسنة النبوية.
ب ـ والوجه الآخر : أن المراد طاعة الله ، وابتغاء وجه الله ، وعلى هذا فمن صام أي يوم طاعة لله وابتغاء وجه الله حصل له هذا الفضل .
ويستدلون بأن اللفظة " سبيل الله " تحمل على عموم لفظها .
2ـ فيه الحث على عبادة الصيام .
3ـ فيه كرم الله على عباده .
4ـ فيه يسر العبادة مع عظيم أجرها .
5ـ قوله :" سبعين " يحتمل :
أ ـ أنها للتكثير والمعنى باعد الله وجهه عن النار كثيرا ، فلفظ السبعين كثيرا ما يأتي ويراد به التكثير كقول الله تعالى " إن تستغفر لهم سبعين مرة " .
ب ـ ويحتمل حقيقة العدد ، وهي أيضا فضيلة عظيمة نسأل الله الكريم من فضله .
6ـ قوله :" خريفا " المراد به عاما ، وقد ذكر بعض العلماء في سبب اختيار لفظ الخريف على غيره من فصول السنة ما يلي :
لأن قبله فصل الصيف ، وبعده فصل الشتاء ، ففي لفظ الخريف تذكير بالحر والبرد وهما يذكران بجهنم وزمهرير .
وقيل لأن وقت الخريف هو الوقت الذي يحصل فيه مقصود الفصول غيره ، ففيه يكتمل نضج الثمار وأكلها وادخارها فكان التعبير بالخريف أولى من غيره ، والله أعلم وأحكم .
7ـ في الحديث التعبير عن الكل بالجزء ، فقوله :" وجهه عن النار " المراد باعد الله الشخص ذاته ، وإنما عبر بالوجه لكونه أشرف الأجزاء .
أسأل الله أن ينفع بها ، والله أعلم وأحكم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

 

عقيل الشمري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية