صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الجهاد أهدافه وشروطه

د.عدنان محمد أمامة

 
كثير من شباب المسلمين ممن يغلب عليهم الحماس والاندفاع، لا يعرف المقصد من شرعية الجهاد ويظن أن الجهاد في سبيل الله من فروض الأعيان التي يجب أن يقوموا بها في كل زمان ومكان وحال، ومن غير نظر إلى العواقب والنتائج، ومن غير انتظار لتوافر شروط إقامة الجهاد.

والحقيقة أن هؤلاء الشباب ورطوا الأمة في أزمات ونكبات لا طائل من ورائها، وجلبوا لها الخراب والدماء، وإنما أتي هؤلاء من قلة علمهم بأحكام الشريعة وجهلهم بمقاصد الدين القائمة على تحقيق المصالح ودرء المفاسد.

والذي يجب بيانه في هذا المقام جملة من الحقائق:

1. إن الإخلاص والنية الحسنة الطيبة لا يستلزم بالضرورة صواب العمل، بل لابد مع النية الحسنة من العلم الشرعي وإيقاع العمل وفق الضوابط والشروط الشرعية، وإلا فكما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - لمن كانوا يجتهدون في العبادة خلافاً للسنة وظنوا أن الله يقبل منهم عملهم لأنهم لم يريدوا إلا الخير، قال لهم ابن مسعود: وكم من مريد للخير لا يبلغه.

2. من المعلوم بالإسلام ضرورة أن شرط التكليف القدرة والاستطاعة، قال - تعالى -: (فاتقوا الله ما استطعتم)، وقال أيضاً: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، فإذا كان بمقدور الإنسان القيام بالعمل المطلوب منه شرعاً وجب عليه القيام به، وإلا فلا، والجهاد لا يختلف عن غيره من أحكام الإسلام كالحج والزكاة ونحوها، فكما يشترط لوجوبها القدرة فكذلك الجهاد، إنما يجب عند القدرة والاستطاعة، وليس في حالة الضعف والعجز.

3. إن الجهاد في الشريعة ليس غاية بذاته، بل هو وسيلة إلى غاية عظيمة هي إقامة الدين وعبادة الله - سبحانه وتعالى -، قال - تعالى -: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركوا بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) فإذا غلب على ظن أهل الحل والعقد إن إعلان الجهاد لا يحقق هذه الغاية ولا يحقق رفعة الدين ونصرة أهله، بل يترتب على إعلانه إضرار بالدعوة وتأخير لها وتسليط للأعداء على أهل الدين، لم يجز الإقدام على ذلك.

4. الجهاد في سبيل الله شكل من أشكال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعلوم أن هذا المطلب الشرعي إنما يشرع إذا كان يتوقع من القيام به زيادة المعروف وتقليل المنكر أو زواله، أما إذا كانت ممارسته ستؤدي إلى زيادة المنكر وتقليل المعروف فإنه يحرم، قال - تعالى -: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) فحرم الله - سبحانه - مسبة آلهة المشركين مع أن هذا من البراءة الواجبة من الكفر والكفار، وذلك لأن المفسدة المترتبة على ذلك أعظم المصلحة المتوخاة.

5. نفس المؤمن ليست رخيصة حتى يزهقها دون فائدة، بل هي أعظم حرمة من الكعبة المشرفة، وما شرع الله التضحية بها إلا لحفظ ما هو أعظم منها وهو الدين، فإذا لم يتمكن المسلم من حفظ دينه إلا بالتضحية بروحه وجب تقديم الروح، وإذا غلب على الظن أن القتال لن يفيد الدين وأهله وجب حفظ النفس وعدم بذلها رخيصة.

6. مما يؤكد أن الجهاد ليس المراد منه إزهاق أرواح المجاهدين دون فائدة أن الله - سبحانه وتعالى - أوجب على المسلمين في بداية شرعية الجهاد أن يواجه المسلم عشرة من الكفار، ثم خفف الله الحكم وأوجب على المجاهد أن يصبر على مواجهة كافرين اثنين، قال - تعالى -: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) ومن هنا نص العلماء على أن المسلم في المعركة لا يجوز له أن يفر من مواجهة كافرين اثنين، فإذا واجهه ثلاثة فأكثر جاز له الفرار ولم يكن ذلك فراراً من الزحف. وهذا ما فهمه وعمل به الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فحين رأى سيدنا خالد بن الوليد يوم مؤتة أن المسلمين يواجهون أضعاف أعدادهم وما لا طاقة لهم به، فاعتمد خطة سحب من خلالها جيش المسلمين وكر راجعا على المدينة، وحين وصف بعض المسلمين خالداً ومن معه بالفرارين، قال - صلى الله عليه وسلم -: بل هم الكرارون.

7. لا يجوز أن نزج بخيرة شبابنا في أتون معارك غير متكافئة ومحسومة عسكرياً لغير مصلحتنا، لأن الله - عز وجل - وضع في الدنيا أسباباً وأمر الناس أن يتعاطوها ليصلوا إلى أهدافهم، ومن هذه الأسباب أسباب القوة والتمكين، والمتأمل بسيرة الأنبياء عموماً ونبينا - صلى الله عليه وسلم - خصوصاً يجد أنهم أقاموا حياتهم كلها على الأخذ بالأسباب مع تعليق القلوب بالله الأحد، والتاريخ ينبئنا أن الإيمان والتقوى وحدهما لا ينتجان انتصاراً، فهذا سيدنا الحسين رضى الله عنه رغم مكانته العالية استشهد في معركة كربلاء مع خيرة أصحابه لأن المعركة كانت غير متكافئة، لا من حيث العدد ولا من حيث العدة، ولا يعني هذا أبداً أن عناية الله وتأييده ونصره لا علاقة لها بنصر المسلمين، بل المراد أنه لا يجوز ترك الأخذ بالأسباب اعتماداً على الخوارق والكرامات.

8. لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته أسوة وقدوة، والأحوال التي يمر بها المسلمون اليوم مر بمثلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وما علينا إلا الاهتداء والتأسي، ففي مكة كان يرى أصحابه يعذبون ويفتنون عن دينهم ولم يكن أمامه إلا أن يأمرهم بالصبر ويذكرهم حسن الجزاء، يقول ابن قيم الجوزية في زاد المعاد: "أقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة سنة بعد النبوة ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية، ويؤمر بالكف والصبر"، ويقول ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: (قل للذين أمونا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله)، "لم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة منها: قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم".
ثم لما أصبح للمسلمين كيان يجمعهم ويحميهم أذن الله لنبيه وللمسلمين بالقتال من غير إيجاب، ثم حين قويت شوكة المسلمين انتقل أمر الجهاد من الإباحة إلى الوجوب، ومن قتال من يقاتل المسلمين فقط إلى قتال جميع الكفار على اختلاف أجناسهم وأديانهم، وهذه المرحلة هي التي استقر عليها حكم القتال، قال - تعالى -: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم). وقال - عليه الصلاة والسلام -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...? فكانت هذه المراحل توجيهاً ربانياً لنبيّه ليسير بالأمرة المسيرة الراشدة المناسبة لحالها ضعفاً وقوة، ليضمن لهم البقاء باتخاذ الأسباب والوسائل المناسبة.
يقول ابن تيمية في الصارم المسلول ص(221): "فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفار"، ويقول سيد قطب في تفسير مطلع سورة التوبة ص(1580): "الأحكام المرحلية ليست منسوخة بحث لا يجوز العمل بها في أي ظرف من ظروف الأمة المسلمة بعد نزول الأحكام الأخيرة في سورة التوبة، ذلك أن الحركة والواقع الذي تواجهه في شتى الظروف والأمكنة والأزمنة هي التي تحدد عن طريق الاجتهاد المطلق أي الأحكام هو أنسب للأخذ به في ظرف من الظروف في زمان من الأزمنة في مكان من الأمكنة مع عدم نسيان الأحكام الأخيرة التي يجب أن يصار إليها متى أصبحت الأمة المسلمة في الحال التي تمكنها من تنفيذ هذه الأحكام".

9.
هناك ساحات جهادية عديدة في عالمنا الإسلامي تقدم فيها المشروع الجهادي خطوات واسعة، ونما فيها نموا طيبا ويكاد يؤتي أكله ثمرات يانعة، فلماذا لا تصب الجهود كلها على تلك الساحات وتتكاتف الجهود لإنجاح هذه التجارب الجهادية؟


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.عدنان أمامة
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية