صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عَرف قصّابي (3)

حسين بن رشود العفنان

 
كتاب (من صيد الخاطر فكتاب (مقالات في الأدب والنقد ، دار البشائر ، ط1 ،1426، 144 صفحة)

طاقة مقالات في ثلاثة أبواب باب في (المسائل النقدية والأدبية المعاصرة) وباب في (الأدب الإسلامي وقضاياه والشبهه المثارة حوله) وباب عن (ثقافة المواجهة وعن صلة الأدب والثقافة بقضايا الأمة المعاصرة).

الباب الأول : قضايا نقدية

خصوصية النقد عند كل أمة


إن النقد العربي الحديث المشرع اليوم أبوابه لرياح الشرق والغرب عليه أن يدرك ـ قبل غيره ـ هذه الحقيقة التي يتحدث عنها رينيه ويليك ، وهي أنه ما من نقد أدبي لأمة من الأمم يتماهى في نقد أمة أخرى ، وهو ـ مهما أخذ من هذا الآخر ، أو جمعت بينهما أواصر مشتركة وقواسم عامة ـ ذو فرادة ، وينبغي أن تكون له خصوصيته المميزة التي تمثل الحضارة التي ينتمي إليها.

ذلك أن من أكثر ضروب المعارف الإنسانية تميزا وعكسا للطوابع الوطنية والقومية والفردية هو النشاط الأدبي والنقدي، إذ النشاط ـ في طبيعته ـ رؤية شخصية للأشياء كما تنعكس في وجدان الأديب... (11ـ 12 )

سلطة القارئ أم تملّق القارئ؟

تمخض نقد ما بعد الحداثة عن آراء خطيرة في التلقي، ودور القارئ ، وسلطة القراءة ، حتى زعمت التفكيكية أن النص الأدبي يحتمل عددا غير نهائي من القراءات ، فهو نص مفتوح ، مشكوك في وجود مركز ثابت له ، أي في وجود معنى يمكن أن يقال إن النص يحتمله، أو يدّل عليه...

والحق أن هذا السلطان غير المتناهي الذي أعطي للقارئ هو ـ في رأينا ـ نوع من تملقه واسترضائه ، وذلك في إثر شعور الحداثة وما بعد الحداثة المتزايد بالانفصام الحاد، بل الانفصال التام، بينها وبين الجمهور المتلقي...(28)

القراءة الفاعلة

أعلت الاتجاهات البنيوية من سلطة النص ، ولم تعر اهتماما مماثلا للعناصر الأخرى، فكان ذلك أحد المآخذ التي جعلت البنيوية منهجا نقديا عاجزا عن الوفاء بالدرس الأدبي درسا عميقا متكاملا.

ثم جاءت التفكيكية لتأخذ اتجاها أحاديا آخر مخالفا للمنهج البنيوي ، إذ أعلت من سلطة القارئ والقراءة ، وأعلنت انتهاء عصر تسلط النص الأدبي، وبدأ الكلام على فاعلية القراءة، مستوياتها، وأشكالها، حتى كاد يتطور على جمال خاص بالقراءة أو التلقي... (30)

شاعر الخاصة

ولكن الأديب ما إن يفكر في إذاعة أدبه بين الناس، وإخراجه من درجه لينشره حتى يحضر المتلقي بشكل تلقائي، ويصبح طرفا هاما في عملية الإبداع، وتصبح مراعاته، والتفكير فيه، ثم اكتسابه والتأثير فيه معيارا من معاير نجاح المبدع في إبداعه.(37)

إن كثيرا من الصور الأدبية تفقد مع الأيام ـ بسبب تداولها، وكثرة استعمالها ـ روح الغرابة التي فيها، وتصبح ـ بعد أن كانت أدبية ـ لغة عادية ((معيارية)) لا تثير أحدا.

ولقد طرحت هذه المسألة بقوة ووضوح في البلاغة والنقد العربيين فتحدث النقاد طويلا عن هذه الظاهرة، وأطلقوا على أمثال هذه الصور التي كثر تداولها اسم ((الصور المبتذلة)) ودعوا الشاعر إلى ابتكار غيرها، أو تجديدها، بأن يقدّمها في ثوب آخر طريف، أو يضيف إليها، أو يعدل في جزئياتها، أو يقيدها، أو غير ذلك من البدع الفنية...(41)

أيقضي الحداثيون على الشعر بالضربة القاضية؟

أرخصَ الشعر العربي عند متعاطيه إلى هذا الحد، وقد كان فنا عظيما له في نفوس القوم توقير وتعظيم لا يزيد عليهما إلا تعظيم القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ حتى كان الحطيئة يقول:
الشعر صعب وطويل سلمه= إذا ارتقى فيه الذي لا يفهمه
زلّت به إلى الحضيض قدمه= يريد أن يعربه فيعجمه
وحتى كان الكثيرون ـ من العلماء ـ يتهيبون ولوج ساحته. قيل للأصمعي:
ما يمنعك من قول الشعر؟فقال نظري لجيده.(45)

إن عدد من يسمون ((شعراء)) في هذه الأيام عدد هائل جدا، يفوق عدد ما عرفه أي عصر من عصور الأدب العربي.(46)

الشعر والنقد الحداثيان، إلى أين؟

إن النقد الحداثي وما بعد الحداثي لم يزد على اجترار نظريات غربية ثبت إخفاقها عند أهلها المصنعين لها ، وهو عادة يستقبلها بعد أن يمل الآخر من التسلي بها ، أو يتبين له عقمها ، فيلفظها غير آسف عليها...(49)

الاعتداء على المصطلحات التراثية

إن التجديد الحقيقي هو ابتداع الجديد لفظا ومعنى، ظاهرا وباطنا ، وأما تغيير اسم القديم فحسب فليس بتجديد، بل هو فوضى وتبديد، وهو كذلك اعتداء على حقوق الغير، وإذا كان هذا ((الغير)) هم آباؤنا وأجدادنا صار الاعتداء جريمة.

لقد اعترف بعض الدارسين المشتغلين بالنقد الأسلوبي الحديث أن أدواتهم البحثية لا تفرق عن أدوات التراث العربي إلا في الأسماء فقط.
يقول الدكتور محمد عبد المطلب ـ في كتابه هكذا تكلم النص ـ : تأكد لي ((كفاءة الأدوات البلاغية ـ التراثية ـ وصلاحيتها للتعامل مع الظواهر الحداثية، بل تأكد لي أن كثيرا من الدارسين الأسلوبين والبنيويين لا تفترق أدواتهم عن الأدوات القديمة، إلا في المسميات فحسب...))(51)

الباب الثاني : في الأدب الإسلامي

دور الكلمة


إن الكلمة أمانة ومسؤولية، وهي رسالة عظيمة، يحملها الشرفاء ممن يعرفون خطرها. إنها ليست لهوا، ولا دعابة، ولا متعة، وليست من باب (الفن للفن) كما يذيع قوم. وإنما هي أداة خير وإصلاح.

إن إسرائيل منذ استيلائها على فلسطين تجند الكلمة ـ كما تجند كل شيء ـ لخدمة قضايا الصهاينة والدعاية لها. وقد جيشت كتابا وفنانين من داخل البلاد وخارجها للترويج والدفاع عن معتقداتهم الباطلة. إن الأدب اليهودي أدب هادف وملتزم، وهو مجند لخدمة الدولة العبرية، إنه يحاول صياغة وجدان الإنسان الإسرائيلي صياغة دينية توراتية ، مستمدة من تعاليم اليهود المزعومة، وكتابهم المحرف ، وهو يجتهد أن يرسخ في نفوس الناس ـ من أتباعه وغيرهم ـ أن فلسطين هي أرض الميعاد، التي بارك الله فيها، ووهبها بني إسرائيل، الذين جعلهم شعبه المختار، وأمته المصطفاة، وفضلهم على جميع العالمين ، وجعل شعوب الأرض الأخرى أميين رعاعا ينبغي ذبحهم، وقد حكى الله تعالى عنهم ذلك في قوله (ذلك بأنهم قالوا: ليس علينا في الأميين سبيل)

وقد عبر الشاعر اليهودي (رافي دان) ذات مرة عن هذه الروح العدوانية العنصرية في قوله للمقاتلين اليهود (صوبوا بنادقكم نحو الشرق)(65)


فمتى تكف طائفة من أرباب القول عندنا عن الدعوة إلى الكلمة المجردة عن أي هدف أو رسالة ، وتفريغها ـ كما يحصل عند الكثيرين من كتاب هذا الزمان ـ من أي محتوى خلقي ، أو ديني ، أو اجتماعي؟(66)

الأدب بين المتعة والفائدة

كان مرتبطا بالقبيلة والمجتمع(يقصد الأدب القديم)، مجندا لخدمتهما، ولم يكن نشاطا هازلا، بل إنما وضعت العرب الشعر (للتغني بمكارم أخلاقها، وطيب أعرافها، وذكر أيامها الصالحة وأوطانها النازحة وفرسانها الأمجاد ، وسمحائها الأجواد، لتهتز أنفسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم).

ولأهمية الرسالة الاجتماعية التي كان الشاعر ينهض بها ، وخطر الدور الخلقي المنوط به ، احتل فيهم المنزلة الرفيعة...وكانت (القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس ، ويتباشر الولدان، لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم..)

ولما انحرفت طائفة من الشعراء عن هذا المسار الخلقي للأدب قوبلوا برفض اجتماعي، تمثل في مجموعة من ردود الفعل...(68)

ثم سردها انظر (68 ـ 69)

النص يحيا بلفظه و فكره

تشتد يوما بعد يوم قبضة النزعات النقدية التي تريد تجريد الأدب ـ أو الفن عموما ـ من أي وظيفة فكرية ، أو اجتماعية ، أو خلقية...وتريد قصره على التعبير عن التجارب الجمالية ، أو الذاتية، أو تلك البعيدة عن الواقع بشكل عام، حتى كأن الفكر قد صار سُبّة في العلم الأدبي...

لقد أخطأت النظريات المثالية والجمالية النقدية باستمرار خطأين كبيرين في تعاملها مع النص الأدبي:

ــ أحدهما قصر طبيعة التجربة الفنية على تغذية حاسة الجمال في الإنسان، والتماس الفن لذات الفن.

ــ ثانيهما : وهو تابع للأول ، قصر الفن على الموضوعات التي لا تمت إلى الواقع أو المجتمع بصلة.

ولذلك تجرد الأدب من وظيفته الاجتماعية ، بل قل الإنسانية، وأوشك أن يتمحض للتشكيل اللفظي وحده. (72 ـ 73)

لماذا الأدب الإسلامي؟

إن الدعوة إلى سد نوافذنا في وجه الثقافات الغربية جهل بيّن، وهو قصور في الإدراك، وهروب من العصر، ولا يدعو إلى هذا كله إلا أخرق فاقد الثقة بنفسه ، ولكن الأظهر في الجهل كذلك أن نأخذ كل شيء تنتجه تلك الثقافات ، أن نستقبله بعيون مغلقة ، وعقول غير واعية، أن نحتفي به غير مميزين فيه حقا من باطل أو ما يصلح لنا مما لا يصلح.

إن الأدب الإسلامي دعوة إلى التبصر والرشد، إنه كابح لجماح الجري الأعمى وراء كل جديد ينجم هنا وهناك، إنه لا يعادي الجديد ولا يرفضه، وهو لا يدعو إلى السكون والثبات، أو التحصن في الأبراج والتمسك بالمواقع، بل هو دائب الحركة ، مستمر في إطلالته على الآخرين، ولكنه يطل دائما مفتوح العينين، بيده معيار لا يخطئ وهو التصور الإسلامي ، به يزن الأفكار ، ويحاكم الثقافات ، فما لم يتصادم معه ، أو يشكل اعتداء عليه، قبله واحتفى به، بل عده من الحكمة التي هو أولى بها. (80)

إن أدب الغرب الذي يجري وراءه من فقدوا الرشاد عندنا ليعكس مأساة أهله ، ويدل على إفلاسهم الروحي وخوائهم العاطفي، وما يعانون من ضروب الشك والقلق، والحيرة والضياع،وفقدان الثقة بكل شيء ، والإحساس بعبثية الحياة والموت، وسخف الأديان والقيم، وقيود الأخلاق والعادات ، والرغبة الملحاح الدؤوب ـ في غيبة الإيمان واليقين ـ بالهروب الدائم، والانسحاب المستمر، والجموح من أي ضابط أو قيد.(83)

الأدب الإسلامي أصل..وليس بدعة

فالأدب الإسلامي إذن بدأ بنزول القرآن الكريم ، فهو ليس بدعة حادثة، ولا دعوة طارئة، ولا مذهبا مستوردا من هنا أو هناك..

ووجد في كل عصور الأدب العربي قوم من النقاد يدعون الأديب إلى مراعاة حق الإسلام فيما يقول، فالثعالبي الذي يرى ـ بحق ـ أن شاعرية الشاعر لا تقاس بتدينه بل بقدرته الفنية، يدعو الشاعر إلى أن يلتزم أحكام الدين، ولا يخرج عليها في شعره.

يقول الثعالبي : للإسلام حقه من الإجلال الذي لا يسوغ الإخلال به قولا ونقلا ،ونظما ونثرا، ومن استهان بأمره، ولم يضع ذكره وذكر ما يتعلق به في موضع استحقاقه، فقد باء بغضب من الله تعالى ، وتعرض لمقته في وقته(85)

لقد غدا الشك والإلحاد والشذوذ والإباحية وغيرها من القيم الفاسدة من السمات الواضحة التي تميز الأدب الغربي المعاصر الذي يغترف من كثير من أدباء العرب المشهورين في زماننا(86)

وإذا كنت آخذ الحكمة التي تصدر عن كافر مادامت حكمة، فهل يمنعني شرع أو عقل أن آخذ دعوة حق صدرت عن أية طائفة من طوائف المسلمين وإن كنت لا أسلم لها بآرائها الأخرى؟(87)

ويشهد التاريخ ـ قديما وحديثا ـ أن بعض أدباء المسلمين كتبوا من القول الذي يعتدى على الإسلام أكثر مما كتبه أعداؤه، مما يبطل زعم من زعم أن الأديب المسلم لا يكتب إلا أدبا إسلاميا ، وأسماء الأدباء الذين انحرفوا عن الجادة أكثر من أن تُحصى.(88)

إبداع أدب ملتزم

إن العقيدة إذا دخلت الأدب لا يمكن أن تضعفه أو تُلينه ، ولا يمكن أن تحول بين الأديب وبين التحليق في سماء الإبداع ، وليس صحيحا ما ذهب اليه الأصمعي وغيره من أن (الشعر نكد بابه الشر، فإذا دخل في الخير لان وضُعف..)

إن هذا التصور مغلوط لطبيعة العلاقة بين الفنّ والدين، أو بين الأدب والعقيدة، وإذا كان الالتزام اختيارا شخصيا نابعا من أعماق الأديب بحرية وتلقائية، غير مفروض عليه ، ولا مجبر ولا مُكره، فإنه لا يعد قيدا، لأنه عندئذ صنو الحرية، بل هو الحرية ذاتها في وجه من الوجوه...(94)

القصيدة الإسلامية بين الفن والرؤية

إن آفاق الأدب الإسلامي لا حصر لها، وهو يستطيع أن يخوض جميع التجارب التي يخوضها الآخرون، يعصمه معياره الضابط، وهو تقديم التصور السليم عنها.

وإن كان من الكلام المستحب والمباح ، والمحظور فلماذا يصر كثير من الشعراء الإسلاميين على ألا يتجاوز النوع الأول؟ لماذا لا يثرون التجربة باقتحام المباح ، وتلوين الصوت، وإغناء الفكرة، وتوسيع الأفق؟(97 ـ 98)

لقد أصبحنا في زمن يحاكم الناس فيه ـ الشعر والشعراء ـ إلى الشهرة أكثر مما يحاكمونها إلى الجودة والتألق...

إن أغلب نماذج الشعر الإسلامي المعاصر مجهول لدى جمهور العامة إن لم نقل الخاصة، والذين عرفوه أو تسامعوا به ـ من خصومه ـ يحاولون تجاهله وطمسه والافتراء عليه...(100)

الأدب بين الجودة والدعاية

فكم من أديب مجيد ومفكر ألمعي لا يكاد يسمع به أحد، ولم يعرف أدبه الطريق إلى دنيا الناس ولن يعرفه ، وكم من (متشاعرين ) هم اليوم حديث الغادي والرائح ، وهم أغث القوم قولا ، وأسفهم كلمة! (114 ـ 115)

الباب الثالث : ثقافة المواجهة

الحوار مع الآخر


وشدد القرآن النكير على من يرغم أحدا على الإيمان ، أو يكرهه على تبني ما لا يعتقد ، حتى خاطب نبيه قائلا له معلما ومبينا ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس99.(119)

ثقافة الهزيمة

إن استرداد الأرض والجغرافيا أمر ميسور ، وإن الحروب ـ على مر التاريخ ـ كرّ وفرّ ، وإقبال وإدبار، ولكن ضياع الذات هو الخطر الأكبر، لأن ضياع الذات، وفقدان الهوية، يحملان على التفريط في الثوابت ، بل نسيان هذه الثوابت ، ثوابت الدين ، والشريعة، واللغة ، والتاريخ، والجغرافيا...(121 ـ 122)

المثقف العربي(*)...وكارثة العراق

ولن ينسى التاريخ كيف جمع سعد بن أبي وقاص المثقفين جميعا، من قراء ، وشعراء، وخطباء، وحكماء، في معركة القادسية ، ثم حثهم على أداء دورهم قائلا: انطلقوا فقوموا في الناس بما يحق عليكم، ويحق لهم عند مواطن البأس...إنكم شعراء العرب وخطباؤهم وذوو رأيهم ونجدتهم وسادتهم، فسيروا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال..

تلك وصية من قائد عظيم يعرف دور الثقافة والمثقفين في الحرب، ويعرف تأثير الكلمة وقدرتها الخارقة على صياغة وجدان الناس...وإذا انشغل المثقف العربي(*) اليوم عن مأساة أمته، ومورس عليه من الترهيب والترغيب ما يشغله عن ذلك ، ويجعله بوقا لهذا النظام أو ذلك ، فتلك هي المأساة الكبرى، وتلك هي الهزيمة الحقيقة التي لا تقل إن لم تكن أفدح عن هزائمنا العسكرية...(124)

العدوان الأمريكي

هل يغير بعض مفاهيمنا الثقافية؟


ويثبت بالدليل القاطع ـ من خلال قتلهم اليوم الآلاف من أهلنا في العراق وتدميرهم بلد الحضارة والعلم ، واستعمالهم من الأسلحة الفتّاكة ما يحرمه كل ضمير إنساني، وتناقض أقوالهم مع أفعالهم. وازدواجية معايير الحكم عندهم ، وآلاف التصرفات اللا إنسانية الأخرى ـ يثبت أنهم قوم غير مؤهلين أصلا للقبض على ناصية الحضارة الإنسانية أو صناعتها ، ناهيك عن أن يكونوا القدوة أو النموذج الأرفع...(129)

صناعة النجومية

ولا ينبغي أن يكون عدم نجومية الأديب الفلاني ، أو شهرة الشاعر العلاني، أو غيرهما ، شيئا حاجبا عن درسه وتقويمه ، فقد يكون وراء غيبة هذه النجومية تلك العوامل الإعلامية والسياسية والحزبية وصنعة الانتماءات المختلفة التي أشرنا إليها.(133)

الحالة الفكرية لكل أمة

إن الأمم تموت وتتلاشى مثلما يموت الأفراد ويتلاشون، وإن الأمة التي لا شخصية لها ، ولا فكر ، ولا عقيدة ، وإنما هي ذيل ، تمشي في ركاب الآخرين ، وتأتمر بأمرهم ، لهي أمة ميتة، وإن كان لها وجود مادي على مسرح الحياة...(135)

التهاوي من الداخل

إن طائفة من أدباء هذه الأمة ومثقفيها، ممن هم من بين جلدتنا ، أصبحت (عين الرضى) عندهم هي (الآخر) وأصبحت (عين السخط) عندهم هي كل ما هو عربي وإسلامي، بل أصبحت هذه الأمة ـ التي تسنّمت ذروة البشرية ن وقادت مسيرتها الحضارية قرونا طويلة أخرجت فيها الناس من الظلمات إلى النور ـ مدينة للآخرين في إنجازاتها الثقافية والفكرية ، في القديم وفي الحديث.

*في القديم

ردت طائفة من هؤلاء المنهارين من الداخل الثقافة العربية الإسلامية القديمة إلى الفكر اليوناني...

ومثل بـ محمد عابد الجابري الذي شايع رأي رينان الفرنسي ومثل بـ طه حسين الذي رد البيان العربي إلى أصول يونانية...انظر(137 ـ 138)

*في الحديث

يزعم اليوم أن ما سبق عصر النهضة العربية الحديث كان عصر انحطاط ، عصرا غير نهضوي ، وعندما سقطت خلافة المسلمين في الأستانة، وغزا الغرب الصليبي أمة العرب والمسلمين ، فحررها من ((الاستعمار العثماني)) حمل إليها مفاهيمه الثقافية والفكرية العلمية ، فانتهت عصور الانحطاط العربي، وبدأت نهضتهم الحضارية الحديثة...إن النهضة عند هؤلاء تعني التبعية للغرب، تعني الانسلاخ من قيم الإسلام والعروبة ، وتقليد الأوروبيين في كل شيء على نحو ما كان يدعو إلى ذلك طه حسين في كتابه ((مستقبل الثقافة في مصر))...(138 ـ 139)

أما بعد:فهذه إيماءة وتلويحة لما تقلّه هاتان الصحيفتان البليغتان، من عرف فواح، وورد جني، وفاكهة كثيرة، و والله لولا رهبة الإطالة، أو أن يقال نسخهما بحروفهما ،لأتيت بكل ما شرح صدري، وروى فكري، وأنعش قلبي، مما لا يزهد به المثقف المسلم!

وصلى الله على العز والفضل، سيدنا وعظيمنا وقدوتنا وكبيرنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

كتبه
حسين بن رشود العفنان
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
حائل

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين العفنان
  • عَرف قصصي
  • عَرف نثري
  • عَرف نقدي
  • عَرف مختار
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية