صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قبس من نور النبوة

الأخوة الإيمانية

الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
مستمعىَّ الكرام ـ سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
وأهلا بكم فى حلقة جديدة من برنامج (قبس من نور النبوة)
وحلقة اليوم إخوتى وأخواتى عن الأخوة الإيمانية
روى مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره. التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
"كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله وعرضه"
أيها الأخوة ... العمل بهذا الحديث من أعظم الأسباب الموصلة للتآلف بين المسلمين وقلة الشحناء بينهم. فالمؤمنون إخوة فى النسب إلى أبيهم آدم عليه السلام. وإخوة فى الدِّين. قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة) وقال صلى الله عليه وسلم : "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبّك بين أصابعه " رواه البخارى ومسلم. وقال عليه السلام : "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخارى ومسلم
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا : أى لا يحسد بعضكم بعضا.
والحسد: تمنّى زوال النعمة عن أخيك المسلم وهو حرام لأنه اعتراض على الله تعالى فى نعمته وقسمته.
ولا تناجشوا : والنجش أن يزيد فى السلعة مَنْ لا يريد شراءها لِيَغُرَّ غيره بها وهو حرام لأنه من أسباب العداوة والبغضاء.
ولا تباغضوا : أى لا يُبغض بعضُكم بعضًا بتعاطى أسباب البغضاء من السّب والشتم واللعن والغيبة والنميمة. والتباغض المذموم هو الذى منشؤه التنافسُ فى الدنيا واتباع الأهواء. أما الحب فى الله والبغُض فى الله فهو أوثقُ عُرى الإيمان.
ولا تدابروا : والتدابر التهاجر والتقاطع، فإن كُلاًّ من المتقاطعين يُولّى صاحبه دُبرَه ويُعرض عنه ولا يسلّم عليه ولا يرد عليه السلام.
وفى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان .. فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذى يبدأ بالسلام"
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ولا يبع بعضكم على بيع بعض ... وصورته أن يقول لمن اشترى سلعة : افسخ هذا البيع وأنا أبيعُك مثلَه أو أجودَ منه بثمنه. والنهى للتحريم لما فيه من الإيذاء الموجب للتباغض.
ولذا أخى المستمع ـ قال النبى صلى الله عليه وسلم : "وكونوا عباد الله إخواناً ففيه إشارة إلى أنهم إذا تركوا التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر وبيع بعضهم على بعض كانوا إخوانًا أى تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوان، ومعاشرتهم فى المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون فى الخير مع صفاء القلوب والمحبة.
ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ولا يكذبه، فالمسلم ينصر أخاه ظالمًا أو مظلومًا. أنصره ظالمًا حين أمنعه عن الظلم، وأما احتقار المسلم فهو ناشئ عن الكِبْر وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من احتقار الناس والتكبر عليهم. وأمر بالتواضع وعدم الفخر على الناس.
ثم قال صلى الله عليه وسلم : التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات.
لا شك أخى المستمع أن الإيمان أصلُه فى القلب وثمرتُه على الجوارح فهو قول واعتقاد وعمل، وحب وبغض ، وفعل وترك، وليس الإيمان بالتحلى ولا بالتمنى، ولكنه ما وقر فى القلب وصدَّقه العمل. ثم قال صلى الله عليه وسلم "كل المسلم على المسلم حرام ... دمه وماله وعرضه"
وهذا مما خطب به النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع تعليمًا للأمة كلها وإرشادا.
إخوتى الكرام ...
وشروط الأخوة الإيمانية أن تكون لله وفى الله، بحيث تخلو من شوائب الدنيا وعلائقها المادية بالكلية. ويكون الباعث عليها الإيمان بالله لا غير.
ـ وأما آدابها فأن يكون الأخ الذى تختارهُ لأخوتك عاقلاً ! لأنه لا خير فى أخوة الأحمق وصحبته، إذ قد يضر الأحمقُ الجاهلُ من حيث يريد أن ينفع.
ـ وأن يكون حسنَ الخُلق! لأن سيئ الخُلق ـ وإن كان عاقلاً ـ قد تغلبه شهوة أو يتحكم فيه غضب فيسيئ إلى صاحبه.
ـ وأن يكون تقيًا ! لأن الفاسق الخارج عن طاعة ربه لا يُؤْمَنُ جانبُه، إذ مَنْ لا يخاف الله تعالى لا يخاف غيره بحال من الأحوال.
ـ وأن يكون ملازمًا للكتاب والسنة بعيدًا عن البدع والخرافات، لأن المبتدع قد ينال أخاه الأذى من شؤم بدعته وضلالته.
أخى المستمع ... لقد أوجز هذه الآدابَ أحدُ الصالحين وهو يوصى ولده فقال: "يا بنى إذا عَرَضَتْ لك إلى صحبة الرجال حاجةٌ فاصحب مَنْ إذا خدمته صانك، وإن صحبتَه زانك، وإن قَعَدَتْ بك مُؤْنةٌ ماَنَكَ. اصحب من إذا مددتَ يدكَ بخير مَدَّها ، وإن رأى منك حسنةً عدَّها، وإن رأى سيئة سدَّها، اصحب من إذا سألتَه أعطاك، وإن سكَتَّ ابتداك، وإن نزلت بك نازلةٌ واساك. اصحب من إذا قلتَ صدَّق قولَك، وإن حاولتما أمرًا أمَّرك، وإن تنازعتما شيئًا آثرك"
وقد أحسن من قال:
إنَّ أخاكَ الحقَّ من كان مَعَك *** ومَـنْ يضـرُّ نفسَـه لينفَعَكْ
ومَنْ إذا ريَبُ الزمانِ صَدَعكْ *** شتَّتَ فيـه شَمْلَـهُ لِيَجْمَعَـكْ

أخى المستمع الكريم
لقد بَيَّنَ النبى صلى الله عليه وسلم لنا حقوق المسلم على أخيه فقال صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم على المسلم ست : قيل يا رسول الله وما هن ؟ قال:
1ـ إذا لقيتَه فسلّم عليه
2 ـ وإذا دعاك فأجبه
3 ـ وإذا استنصحك فانصح له
4ـ وإذا عطس فحمد الله فشمِّته
5ـ وإذا مرض فَعُدْه
6ـ وإذا مات فاتْبعه " رواه مسلم

مستمعِىَّ الكرام... وللأخوة حقوق ذكرها العلماء منها:
المواساة بالمال (أى المعاونة والمساعدة) فيواسى كل منهما أخاه بماله إن احتاج إليه . بحيث يكون دينارهما ودرهمهما واحدًا لا فرق بينهما فيه.
رُوى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه أتاه رجل فقال : إنى أريد أن أؤاخيك فى الله. قال : أتدرى ما حق الإخاء ؟ قال : عرِّفنى. قال: لا تكون أحق بدينارك ودرهمك منّى. قال : لم أبلغ هذه المنزلة بعد. قال: فاذهب عنى
أن يكون كلٌ منهما عونًا لصاحبه، يقضى حاجته ويقدمها على نفسه، يتفقد أحواله ويؤثره على نفسه، إن كان مريضًا عاده، وإن كان مشغولا أعانه، وإن كان ناسيًا ذكّره، يرحّب به إذا دنا، ويوسّع له إذا جلس ويصغى إليه إذا حدث.
وما المـرء إلا بإخوانـه *** كما تقبض الكفُّ بالمِعْصَمِ
ولا خيرَ فى الكفِّ مقطوعةً *** ولا خيرَ فى الساعد الأَجْذَمِ
أن يكف عنه لسانه إلا بخير، فلا يذكر له عيبًا فى غيبته أو حضوره، ولا يستكشف أسراره، أو التطلع إلى خبايا نفسه، يتلطف فى أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر. قال الشافعى (من وعظ أخاه سرًا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه).
أن يعطيه من لسانه ما يحبه منه، فيدعوه بأحب أسمائه إليه، ويذكره بالخير فى الغيبة والحضور. يعفو عن زلاته ويتغاضى عن هفواته. قال أبو الدرداء "إذا تغير أخوك، وحال عما كان عليه فلا تَدَعْه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوجُّ مرة ويستقيم أخرى.
ولقد أحسن القائل ولله دره:

أتدرى أين سُكْناهُ ؟!
أتدرى أيـن سكنـاهُ *** أخوك وأين مسعاهُ ؟
وهل عينـاك تثبتـهُ *** إذا فاتتـك عينـاهُ ؟

أخوك يعيش كالتاريخ *** فى جنبيك مسـراهُ
بـلا لغـةٍ تصافحـه *** وتدمع حين تلقـاهُ
لئن ضاقت بـه الدنيا *** فصدرك أنت مأواه

وتسمو دونمـا مـنٍّ *** تخفف عنـه بلـواه
وترفع دونـه حمـلاً *** إذا كَلّـتْ ذراعـاهُ
لئن ضاقت بـه الدنيا *** فصدرك أنت مأواه

وتسدل حوله ستـرًا *** إذا الشيطـان أغـواه
ترى أُخْرَاك مثمـرةً *** فقد أَخْصَبْـتَ دنيـاه
لئن ضاقت به الدنيـا *** فصدرك أنت مـأواه

هذا وبالله التوفيق
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 عبد الرحمن  فودة
  • قبس من نور النبوة
  • الصفحة الرئيسية