اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/twitter/565.htm?print_it=1

فوائد من كتاب: (الحرية في الإسلام) للعلامة/ محمد الخضر حسين –رحمه الله-

انتقاء: إبراهيم بن فريهد العنزي


بسم الله الرحمن الرحيم


1- النفوس الناطقة إنما أولعت بحب هذه الحياة وشغفت بلذة عيشها من جهة اعتبارها مسرحا للأماني وموطنا للمساعي..لا بالنظر إلى حقيقتها التي تشاركها فيها سائر الحيوانات..
2- قد يجادل الرجل عن ناموس دينه وعرضه وماله بالتي هي أبلغ وأشد؛ نظراً إلى أن فناءه والتحاقه بالتراب أكمل حالا من بقائه أعزل من الوسائل التي يدرك بها مقاما محمودا..وكثيرا ما يستوحش من عصر شبابه إذا حبط سعيه سدى وفاجأه الحرمان من اجتناء فائدة علق عليها أملا حريصا..
3- إذا علمت نفس –طاب عنصرها وشرف وجدانها- أن مطمح الهمم إنما هي غاية وحياة وراء حياتها الطبيعة لم تقف بسعيها عند حد غذاء وكساء ومسكن، بل لا تستفيق جهدها إلا إذا بلغت مجدا شامخا..
4- كانت الفوضى بين الأمة العربية سائدة قبل الإسلام، والفرد يفرغ جهده في الفرد والجماعة تضع كلا كلها في الجماعة .. قال شاعرهم:
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم على القوم لم أنصر أخي حين يظلم
وهذا خلاف المراد بحديث: (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما)
5- أول من تكلم بجملة : (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) هو جندب ابن العنبر، وكان مراده: ما اعتادوه من الحمية الجاهلية فأقرها النبي ولكن نقلها عن موردها الأول إلى الحكمة الصحية والإرشادات الإسلامية..
6- امتد بالعرب حب الاستقلال الشخصي والتجرد من كل ما فيه ضغط أو حجر, ومن أجل ذلك كانوا لا يألفون الحواضر ويفرون من الإقامة بها..قال أبو العلاء المعري:
الموقدون بنجد نار بادية لا يحضرون وفقد العز في الحضر
7- ما مثل العرب في حال عتوهم أزمنة الجاهلية إلا كمثل شجر أضغاث (أي: ضعيف) نشأ بمفازة مجهولة من الأرض فاستغلظ والتوى قويه على ضعيفه يقطعه من أطرافه ويقتل ما فيه من القوى النامية..
8- ولولا أسلوب الإسلام اللطيف والحكمة البالغة فيه، وما أودع في طباعهم (العرب) من سلامة الذوق ورقة الشعور ما كادوا يدخلون في دينه أفواجا..
9- الحرية: تنبئ هذه الكلمة بسائر تصاريفها في اللسان العربي على معان فاضلة..
10- جاء في وصف النفس بالحرية بمعنى: استقلال الإرادة وعدم الخضوع لسلطان الهوى:
وترانا يوم الكريهة أحرا راً وفي السلم للغواني عبيدا
وعليه بنى الصوفية اصطلاحهم في إطلاق اسم الحر على من خلع عن نفسه أمارة الشهوات ومزق سلطانها, قال الجنيد : لو صحت الصلاة بغير القرآن لصحت بقول الشاعر:
أتمنى على الزمان محالاً ... أن ترى مقلتاي طلعة حر
11- الحرية لها أربع خصال مندمجة في ضمنها:
أحدها: معرفة الإنسان ما له وما عليه..
ثانيها: شرف نفس يزكي طويتها ويطهرها..
ثالثها: إذعان يدخل به تحت نظر القوانين المقامة على قواعد الإنصاف..
رابعها: عزة جانب وشهامة خاطر يشق بها عصا الطاعة للباطل..
12- يتأكد على الحكومة التي تنظر إلى فضيلة الحرية بعين الاحترام: أن تسعى جهدها في تهذيب الأخلاق وتنوير العقول بالتعليمات الصحيحة قبل كل حساب..
13- قال تعالى: "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين"، فتسمية بني إسرائيل جميعهم في ذلك العهد ملوكاً انجر لهم من الحرية التي نالوها بعد مغادرة أوطان الذلة والعذاب والاستعباد من آل فرعون..
14- يقوم فساط الحرية على قاعدتين : المشورة والمساواة ، فبالمشورة تتميز الحقوق، وبالمساواة ينتظم إجراؤها ويطرد نفاذها..
15- "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" وإن تعجب فلا عجب لهذا؛ فإن الوازع الشرعي قد يتمكن من النفوس الفاضلة إلى أن يصير بمعنى الطبيعي أو أقوى..وسهّل انقياد العرب، على ما كانوا عليه من الأنفة، أن الدين معدود من وجدانات القلوب فالانقياد إليه من قبيل الانقياد إلى ما يدعو إليه الوجدان..
16- ما ساد الأدب وانتشرت الفضيلة بين أمة إلا اتبعوا شرعة الإنصاف من عند أنفسهم والتحفوا برداء الصدق والأمانة بمجرد بث النصيحة والموعظة..
17- تشريك عمر بن الخطاب لابنه عبد الله إلى الستة، واردٌ على ما ينبغي في مجالس الشورى من جعلها مؤلفة من العدد الفرد ليمكنهم من ترجيح جانب الأكثر ويلوح إلى هذا بطرف خفي قوله تعالى: " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم" فذكر العدد الفرد والاقتصار عليه إشارة إلى ذلك..
18- لا تكون قاعدة الشورى من نواصر الحرية وأعوانها إلا إذا وضع حجرها الأول على قصد الحنان والرأفة..
19- "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة (وأمرهم شورى بينهم)" لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه، وروي أن هذا دأبهم من قبل الإسلام، ولعله هذا هو الوجه في مخالفة أسلوب الوصف به لما قبله وما بعده؛ حيث أورده في جملة اسمية للدلالة على الثبوت والاستمرار.
20- خلق الله الناس بحسب فطرتهم متماثلين، وكذلك ولدتهم أمهاتهم متكافئين، ولكن دخولهم في ملاحم الحياة الاجتماعية ينزع عنهم لباس التماثل والتساوي، وقد جُمعت في قوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ؛ فقوله: "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" رمز فطرتهم الأولى، وقوله: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" إيماء إلى نشأتهم الاجتماعية ، وقوله: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" تلويح إلى طور التمايز والتفاضل، وإيذان بالوسيلة إلى مقام الكرامة..
21- روعي في الشريعة الإسلامية فطرة الله التي فطر الناس عليها فوضِعت تكاليف الشريعة على شكل التكافؤ..
22- "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" أثبت لهؤلاء الكمل أنهم تجار وباعة، ولكنهم لم ينشغلوا عن فرائض الله..
23- "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" والسر في اختصاص الرجال هنا: أن النساء لسن من أهل التجارات والجماعات، وما ينبغي لهن ذلك..
24- عدّ المحققون من أهل العلم الحِرفَ والصناعات وما به قوام المعاش من فروض الكفايات، وبه فسر حديث: (اختلاف أمتي رحمة) –على فرض صحته- فالأمة لا تنهض من وهدة وضعها إلا بتحمل كل طائفة منها حظا من وسائل قوتها ومعاشها..
25- لا يعد الإعراض عن المباحات طاعة يرجى ثوابها.. لما فتح أبو عبيدة بن الجراح انطاكية عزم على الرحيل وعدم الإقامة بعسكره فيها مخافة أن يألفوا هواءها ويأنسوا بطيب نسيمها فيخلدوا إلى الراحة والدعة..وأرسل بذلك إلى عمر بن الخطاب.. فأجابه: أما قولك: إنك لم تقم بإنطاكية لطيب هوائها فالله عز وجل لم يحرم الطيبات على المتقين الذين يعملون الصالحات..
26- وأما الآيات الواردة في التزهيد من الدنيا فلا يقصد منها أن يعيش مجانبا للزينة ميت الإرادة عن التعلق بشهواته مطلقا.. ولكن لذلك حِكَم .. منها: الترفع عن الاستغراق بالدنيا وتكبر الهمم عن جعلها قبلة..
27- "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" بيّن في هاته الآية أن الزينة من علائق العبادة، غير منافية لها ، وأن العبادة لا تستدعي الإعراض عن اللذات الحسية المعتدلة..
28- "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" تضمنت هذه الآية الإشارة إلى حكم الارتشاء..
29- لما كانت الرشوة عقبة كئودا في سبيل الحرية؛ أخذت الشريعة في تحريمها بالتي هي أحوط..
30- لم تتقدم الأمم المستحلة للربا في حياتها المدنية بارتكاب مطيته الشعواء، وإنما منبع رفاهيتها وثروتها: عقد المبادلات التجارية والصناعة والفلاحة ..
31- "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض" (ينفى من الأرض) أي يبعث إلى بلد آخر ويودع في السجن إلى أن ينتفي خبثه وتظهر توبته، وليس تركه يعيث في البلد الآخر خالع العنان ويلوث بلادا كانت آمنة..
32- من تحيز عن أمته وطفق يرمي في وجوههم بعبارات الازدراء وينفث في كأس حياتهم سما ناقعا؛ لا نصفه بالغيرة والوطنية وإن شغف بحب ديارهم وقبلها جدارا بعد جدار..
33- "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة" وجب هذا الحد في القذف بالزنا ولم يجب على من يرمي غيره بالكفر الذي هو أكبر جريمة وأعظم إثما؛ لأن فاحشة الزنا يأتيها الشخص خفية ويبالغ في سترها، فإذا رمي بها أحد إنسانا احتمل أن يكون صادقا ولا سبيل للعلم بكذبه، وأما إن رماه بالشرك فإن تلبسه بشعار الإسلام والناس ينظرون يكفي شاهدا على كذبه..ثم إن العار الذي يلحق بالزنا أعلق من العار الذي يلحق بالكفر وأبقى حتى بعد التوبة..
34- الدية في القتل الخطأ تكون على العاقلة وليس ذلك من قبيل العقوبة حتى يشكل عليه قوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" ونحوه، ولكن فرضت للأخذ بخاطر المصابين، وإن كانت لا تخلو من حكمة التضييق على الجاني ..
35- حكى ابن حزم في مراتب الإجماع: أن من كان من أهل الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالسلاح والكراع ونموت دون ذلك صونا لهم.
36- إنما جبر المرتد على البقاء في الإسلام: حذرا من تفرق الوحدة واختلال النظام.. وهم وإن كانوا كاليد الشلاء فلا يخلو بقاؤهم في شمل المسلمين وهم في صورة أعضاء صحيحة من إرهاب يلقيه كثرة السواد في قلوب المحاربين، ثم لكل دولة سرائر لا ينبغي أن يطلع عليها غيرها فالمرتد يتخذه المحاربون أكبر مساعد لنيل أغراضهم، وأما تأثيرهم عليه من جهة كونه دينا: فإن المرتد يحمله الملقدون من المخالفين على معرفته بحال الدين، فيتلقون منه كل ما ينسبه إليه من خرافات بقصد إطفاء نوره وتنفير القلوب منه..وفي جعل عقوبة المرتد إباحة دمه زجرا للأمم الأخرى عن الدخول في الدين مشايعة للدولة ونفاقا لأهله فلا يتقلدونه إلا على بصيرة..
37- ارجع بصرك إلى التاريخ كرتين؛ فإنك لا تعثر على خبر ارتداد مسلم نبت في بلد طيب نباتا حسنا.
38- من صعد نظره في عصر الخلفاء الراشدين يجد السبب الذي ارتقى بالإسلام وانسجم به في سبيل المدنية؛ ما انعقد بين الدين والخلافة من الاتحاد والوفاق..
39- الأرض التي اندرست فيها أطلال الحرية إنما تأوي الضعفاء والسفلة ولا تنبت العظماء من الرجال إلا في القليل.
40- إذا أردت مثالا فاعتبر بما قصه الله عن قوم موسى لما أمرهم بالدخول إلى الأرض المقدسة .. كيف قعد بهم الخوف عن الطاعة والامتثال وقالوا: " إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها " فمتى جئت تسأل عن الأمر الذي طبع في قلوبهم الجبن وتطوح بهم في العصيان إلى قولهم: " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " وجدته خلق الانقياد المتمكن في نفوسهم من يوم كانت الأقباط ماسكة بنواصيهم..
41- الأمة مفتقرة إلى الكاتب والشاعر والخطيب والاستبداد يعقد ألسنتهم على ما في طيها من الفصاحة، وينفث فيها لكنة وعيا فتلتحق لغتهم بأصوات الحيوانات ولا يكادون يفقهون قولا.
42- لم تكن ينابيع الشعر في عهد الخلفاء الراشدين فاغرة أفواهها بفن المديح..وما انفلت وكاؤها وتدفقت بالمدائح المتغالية إلا في الأعصر العريقة بالاستبداد.
43- الحقوق في دولة الحرية تؤخذ بصفة الاستحقاق، وفي دولة الاستبداد لا تطالب إلا بصفة الاستعطاف.

والحمد لله أولا وآخرا
(وقد تكون بعض الفوائد تحتاج إلى رجوع لأصل الكتاب وبعضها محل خلاف ووفاق، كما أن بعضها تصرفت فيه للاختصار، ولا غنى عن الرجوع للكتاب لما فيه من فصاحة وسبك وأدب رفيع..)

 

تغريدات